ذكرى مصطفى كامل١
لم يَمُتْ من له أثَرْ
وحياةٌ من السِّيَرْ
ادْعُهُ غائبًا وإن
بعُدَت غايةُ السَّفرْ
آيبُ الفضلِ كُلَّما
آبتِ الشمسُ والقمر٢
رُبَّ نورٍ مُتمَّمٍ
قد أتانا من الحُفَر٣
إنما الميْتُ من مشى
ميِّتَ الخيرِ والخبَر
من إذا عاشَ لم يُفِدْ
وإذا ماتَ لم يَضِر
ليس في الجاهِ والغِنى
منه ظِلٌّ ولا ثمر
قبُحَ العزُّ في القُصو
رِ إذا ذَلَّتِ القصَر
أعْوَزَ الحقَّ رائدٌ
وإلى «مصطفى» افتقَر
وتمنَّت حِياضُهُ
هَبَّةَ الصارمِ الذَّكَر
الذي يُنفِذُ المُدى
والذي يركبُ الخطر٤
أيُّها القومُ عظِّموا
واضِعَ الأُسِّ والحجر
اذكُروا الخُطبةَ التي
هي من آيِهِ الكُبَر٥
لم يرَ الناسُ قبْلَها
مِنبرًا تحتَ مُحتضَر
لستُ أنسى لِواءه
وهْو يَمشي إلى الظَّفَر
حشرَ الناسَ تحتَهُ
زُمَرًا إثرَها زُمَر
وترى الحقَّ حولَهُ
لا ترى البِيضَ والسُّمُر٦
كلَّما راحَ أو غَدا
نفخَ الرُّوحَ في الصُّوَر
يا أخا النَّفسِ في الصِّبا
لذَّةُ الروحِ في الصِّغَر
وخليلًا ذخَرتُهُ
لم يُقوَّمْ بمُدَّخَر
حالَ بيني وبينه
في فُجاءاتِه القَدَر
كيف أجزِي مَودَّةً
لم يشُبْ صفْوَها كدَر
غيرَ دمعٍ أقوله
قلَّ في الشَّأنِ أو كَثُر
وفُؤادٍ مُعلَّلٍ
بالخيالاتِ والذكَر
لم ينَمْ عنك ساعةً
في الأحاديثِ والسَّمَر
قُم ترَ القومَ كتلةً
مِثلَ ملمومةِ الصَّخر٧
جدَّدوا أُلفةَ الهوى
والإخاءَ الذي شُطِر
ليس للخُلْفِ بينهم
أو لأسبابه أثَر
ألَّفَتهم روائحٌ
غادياتٌ من الغِيَر
وصحَوا من مُنوِّمٍ
وأفاقوا من الخَدَر٨
أقبَلوا نحوَ حقِّهم
ما لهم غيرَه وَطَر
جعلوه خليَّةً
شرَعوا دونَها الإبَر٩
وتواصَوا بخُطَّةٍ
وتداعَوا لمؤتمر١٠
وقُصارى أُولي النُّهى
يتلاقَونَ في الفِكَر
آذَنونا بموقفٍ
من جلالٍ ومن خَطَر
نسمعُ الليثَ عنده
دونَ آجامه زأر
قُل لهم في نديِّهم
مصرُ بالباب تنتظر١١
١
لأمير الشعراء عدة قصائد في مصطفى كامل باشا هذه إحداها، وقد أُلقيَت في
الاحتفال الذي أُقيمَ تمجيدًا لذكراه في فبراير سنة ١٩٢٦م.
٢
يقول: في كلِّ أوبةٍ شمس، وفي كلِّ عودةٍ قمر، يئوب للفقيد فضل،
ويتجدد له ذِكر؛ وإذن فهو لا يُحسب ميتًا، وغاية الأمر أنه غائب في
سفرٍ بعيد.
٣
الحفر: القبور.
٤
الذي ينفذ المدى: يراد به صاحب الطعنات النافذة.
٥
يريد آخر خطبة للفقيد، وقد ظنَّها الناس يومئذٍ خطبة
الوداع.
٦
البيض: السيوف. والسمر: الرماح.
٧
ملمومة: بمعنى مجتمعة، ويقال للدرع ملمومة، وكذا يقال للكتيبة —
وهي الفرقة من الجيش — ملمومة أيضًا.
٨
الخدر: الكسل، وهو مصدر خَدِر كفَرِح.
٩
الخليَّة: موضع سكن النحل. شرعوا الإبر: رفعوها استعدادًا للنضال
بها، كما يقال شرع سيفه، إذا انتضاه من غمده.
١٠
تداعوا: تجمَّعوا.
١١
يريد بالندي: البرلمان، وكان وقتئذٍ يُهيَّأ.