امرؤ القيس
ليس في شعراء الجاهلية من يوازي امرأ القيس أو يتقدمه في الإجادة في كل فن من فنون الشعر التي نَظَمَ فيها.
وأنا على مثل اليقين أن كثيرًا من مقلدات شعره ذهب بين سمع الأرض وبصرها، واشتبه على الرواة فنحلوه غيره، ولو جاءنا شعره وافرًا لرأينا فيه أدبًا جمًّا، وخيالًا رائعًا، وأسلوبًا ساحرًا.
وما وصل إلينا منه، على قلته، يكفي لأن يجعل امرأ القيس إمام الشعراء المتقدمين والمتأخرين؛ فإن المستقرئ لكلامه يجد فيه من عيون الشعر ما لم يتقدمه فيه سابق، ولم يشقَّ غباره فيه لاحق.
إلا أن متانة شعره، وقوة أسره، واشتماله على كثير من الكلمات الغريبة بالنسبة للمتأخرين؛ حالت بينهم وبين الاطلاع على براعته وثمرات قريحته.
وفي شعره أبيات رائعة لم يستطع الشعراء إلى هذا اليوم أن يأتوا بمثلها في جمال الأسلوب، وجلاء المعنى، وسلامة القصد.
من ذلك قوله يصف امرأة بطيب الرائحة:
وقوله يصف امرأة بطراوة الجسم ونعومته:
وقوله يصف فرسه بشدة الجري:
وقوله أيضًا يصفه بالمطاوعة والسرعة:
وقوله يصف أرضًا أصابها الغيث فأنبتت أزهارًا مختلفة الألوان:
وله في باب الوصف والتشبيه والكناية والغزل والحكمة والفخر وغيرها أبيات لا تزال مثلًا أعلى في جودتها ولن تزال.
•••
وقد عُنينا في هذه الرسالة بشرح الغريب وإيضاح الغامض من كلامه، وتأليف المفترق، وجمع المتشتت، وإضافة كل نوع إلى جنسه؛ ليسهل الاطلاع على ما تَضَمَّنَه شعر امرئ القيس من الإجادة، ومهدنا السبيل أمام بعض الأبيات ليتجلى الغرض منها بحسب ما تراءى لنا، ولسنا نزعم العصمة، في كل ما أتينا به، من الزلل والخطأ. وإنا لنرجو ممن اطلع فيه على خطأ أو غلط أن يرشدنا إليه لنضاعف له الشكر، ونبادر إلى إصلاحه.