اسمه – نسبه – نشأته وحياته
- اسمه: حُنْدُج (والحندج: الرملة الطيبة أو كثيب من الرمل أصغر من النقا).
-
لقبه: امرؤ القيس،١ ويقال له: «الملك الضليل». قال في «نهاية الأرب»:٢ «وسمي امرؤ القيس بالضليل؛ لأنه ترك ملكه وتوجه إلى قيصر يطلب منه جيشًا يأخذ به ثأر
أبيه من بني أسد.»
ويقال له: «ذو القروح»، لقوله:
وبدلتُ قرحًا داميًا بعد صحةوسُئل لبيد: «من أشعر الناس؟» فقال: «ذو القروح.» وقال الفرزدق:
وهب القصائد لي النوابغ إذ مضواوأبو يزيد٣ وذو القروح، وجرولُويقال له: «الذائد» لقوله:
أذود القوافي عني ذيادًا - كنيته: أبو الحارث، وأبو وهب، وأبو زيد.
-
نسبه: أبوه:
حُجْر بن عامر بن الحرث بن عمرو المقصور — لأنه اقتصر على ملك أبيه؛ أي أقعد فيه كرهًا
— ابن حجر من بني آكل المرار٤ معاوية بن ثور، من كندة من اليمن.
وكان أبوه حجر ملكًا على أسد وغطفان.
سبب تملكه عليهم: اختل نظام الأمر في البكريين في نجْد، واحتدم الخلاف بينهم، فاجتمع شيوخهم وأهل الرأي فيهم، وقالوا: إن سفهاءنا غلبوا علينا حتى أكل القويُّ الضعيفَ، ولا نستطيع دفع ذلك! ثم رأوا أن يملِّكوا عليهم رجلًا يضرب على أيدي الظالم ويأخذ للضعيف بحقه، ولكنهم أشفقوا إن ولوا عليهم رجلًا من قبيلة منهم أن تأباه قبيلة أخرى، فقصدوا تُبَّعًا — ملك اليمن — ليملكوه عليهم، فملك عليهم حجرًا أمير كندة، المعروف بآكل المرار، فانتقل إلى ديار بكر في نجد، وسار فيهم سيرة حسنة، وأعاد إليهم ما انتزعه اللخميون من أرضهم.
فلما مات ولي ابنه عمرو المقصور،٥ ثم من بعده ولي الحرث بن عمرو وكان نزل الحيرة وله خمسة بنين.فاشتد الخلاف بين قبائل نزار، وطمى سبل الفساد فيهم، فأتوا الحرث وطلبوا إليه أن يوجه بنيه معهم، فيقيموا فيهم ليكفوا بعضهم عن بعض، فولى حجرًا على أسد وغطفان، وملَّك بقية بنيه على قبائل أخرى.
فأقام فيهم حينًا من الزمن، وكان يأخذ من بني أسد إتاوة في كل سنة، ثم منعوا جابيه وضربوه.
فحمي لذلك، وأخذ سرواتهم، وجعل يضربهم بالعصا حتى يموتوا (فسموا عبيد العصا)، وأباح أموالهم، وحبس أشرافهم في تهامة، فاضطغنوا عليه ذلك حتى أدركوا منه غفلة، فطعنه عوف بن ربيعة بن عامر — من أسد بن خزيمة — ولم يجهز عليه،٦ وكان له خمسة أولاد، فأوصى وصية، ودفع كتابه إلى عامر من بني عجل، وقال له: «انطلق إلى ابني نافع، فإن بكى وجزع فالْهُ عنه، واستقرئ أولادي واحدًا واحدًا حتى تأتي امرأ القيس، فإن لم يجزع فادفع إليه سلاحي وخيلي ووصيتي.»وقد كان بيَّنَ في وصيته من طعنه، فأتى الرجل نافعًا فأخبره فوضع التراب على رأسه وبكى، فتركه، واستقرأ إخوته واحدًا واحدًا، وكلهم فعل ذلك، فأتى امرأ القيس في موضع يقال له دمون من أرض اليمن، فأخبره وهو يلعب بالنرد، فلم يلتفت إليه حتى فرغ، ثم تأهب للأخذ بثأر أبيه، كما سيأتي.
- نسبه من قبل أمه: أمه فاطمة بنت ربيعة بن الحارث، أخت كليب البطل المشهور، ومهلهل الشاعر المعروف، ويقال اسمها تملك. فأبوه يمني من أشراف كندة، وأمه نزارية من أشراف تغلب.
- نشأته وحياته: ليس لدينا من الوثائق التاريخية ما يكشف اللثام عن حقيقة الزمن الذي ولد فيه امرؤ القيس والمكان الذي نبت فيه، ولا ما يوضح تفصيل نشأته وحياته.
بل لا يزال سرًّا غامضًا في زوايا التاريخ المغلقة، وكل ما عُلم من كلام القوم بِطَريق النقل أو الاستنباط أن امرأ القيس ولد في نجد في ديار بني أسد، ونشأ في حجر الملك، ودرج في مهد الترف والنعيم، فشب بين أقداح الراح، ومغازلة الملاح، لا ينقصه شيء من ملاذ الحياة.
والتفَّ حوله فئة من شذاذ العرب وذؤبانهم، فكانوا يتنقلون من مكان إلى آخر، فإذا صادفوا غديرًا أو روضة أو موضع صيد، أقاموا عليه يلعبون ويشربون ويصطادون، وكانت القيان تغنيهم في منازلهم، حتى إذا نضب ماؤه انتقلوا إلى غيره.
قضى امرؤ القيس شطرًا كبيرًا من حياته في الصبوة واللهو، ولم يشأ له القدر أن يتم البقية الباقية منها في مسارح الصبابة بين الغيد الحسان، وأقداح الخمر.
فبينما هو ذات يوم مع رفاقه في موضع يقال له دَمُّون من أرض اليمن يشرب الخمر ويلعب بالنرد، جاءه عامر العجلي فقال له: «قُتل حجر!» فلم يلتفت إليه، وأمسك رفيقه عن اللعب، فقال له امرؤ القيس: «اضرب!» فضرب، حتى إذا فرغ قال: «ما كنت لأفسد عليك دستك!» ثم أقبل على الرسول فسأله عن أمر أبيه فأخبره، فقال: «تطاول الليل علينا دمون! إنَّا معشر يمانون! وإنَّنا لأهلها محبون!» ثم قال:
ثم قال:
ثم شرب سبعًا، فلما صحا، آلى أن لا يأكل لحمًا ولا يشرب خمرًا ولا يدَّهن ولا يلهو ولا يغسل رأسه حتى يدرك ثأر أبيه، فيقتل مائة من بني أسد، ويجز نواصي مائة.
فلما جن عليه الليل رأى برقًا فقال:
فقال امرؤ القيس: «لا والله، لا أستوخمه. فرويدًا ينكشف لك دجاها عن فرسان كندة وكتائب حِميَر! ولقد كان ذكر غير هذا أولى بي إذ كنت نازلًا بربعي، ولكنك قلت فأجبت!» فقال قبيصة: «ما نتوقع فوق قدر المعاتبة والإعتاب.» قال امرؤ القيس: «فهو ذاك!»
ثم ذهب امرؤ القيس فاستنجد بكرًا وتغلب فسألهم النصر على بني أسد، فبعث العيون على بني أسد، فنزروا بالعيون، ولجَئوا إلى بني كنانة، فقال لهم عِلْباء بن الحارث: «يا معشر بني أسد! إن عيون امرئ القيس قد أتتكم ورجعت إليه بخبركم، فارحلوا بليل ولا تعلموا بني كنانة.» ففعلوا، وأقبل امرؤ القيس بمن معه من بكر وتغلب حتى انتهى إلى بني كنانة وهو يحسبهم بني أسد، فوضع فيهم السلاح وقال: «يا لثارات الملك!» فقالت له عجوز كنانية: «أبيت اللعن! لسنا لك بثأر! نحن من كنانة، فدونك ثأرك فاطلبهم، إن القوم قد ساروا بالأمس.» فتبع بني أسد، ففاتوه ليلتهم تلك، فقال:
وكانت بنو أسد على الماء فنهد إليهم فقاتلهم، فأكثر فيهم القتل والجرح، فهربوا بعد أن حجز الليل بين الفريقين.
ثم تراجعت بكر وتغلب عن نصرته، وقالوا: «أصبت ثأرك!» فقال: «والله ما أصبت من بني كاهل ولا من غيرهم من بني أسد أحدًا.» قالوا: «بلى! ولكنك رجل مشئوم.» وانفضوا عنه.
فذهب إلى اليمن واستنصر الأزْد، فأبوا، فقصد قيلًا يدعى مرثد الخير بن ذي جدن الحميري، فأمده بخمسمائة رجل من حمير، ومات مرثد قبل رحيل امرئ القيس بهم، وقام بالمملكة بعده رجل من حمير يقال له: قَرْمَل بن الحميم، وكانت أمه سوداء، فردد امرأ القيس وطول عليه حتى همَّ بالانصراف وقال:
ثم تحول عنه، فنزل برجل من بني جديلة يقال له المعلَّى بن تيم، فقال فيه:
(إلى آخر الأبيات الآتية في المدح …)
فلبث عنده، واتخذ إبلًا هناك، فطردها قوم من بني جديلة، فخرج ونزل على خالد بن سدوس من بني نبهان من طيء، وكان عنده رواحل، فركبها خالد مع نفر من بني نبهان وخرجوا ليطلبوا له الإبل من جديلة، فأخذت جديلة الرواحل ورجعوا إليه بلا شيء، فقال في ذلك:
ففرقت عليه بنو نبهان فرقًا من معزى يحلبها، فأنشأ يقول:
ثم خرج فنزل بعامر بن جوين، وكان أحد الخلعاء القتاك، تبرأ قومه من جرائره، فخافه امرؤ القيس على نفسه وأهله وماله، ثم تغفله وانتقل إلى رجل من بني ثعل يقال له حارثة بن مر، فاستجار به، فوقعت حرب بين عامر والثعلي من أجله، فخرج ونزل بعمرو بن جابر بن مازن من بني فزارة، وطلب منه الجوار حتى يرى ذات غيبه، فدله على السموأل، ووصف له منعته وحصنه فقال امرؤ القيس: «وكيف لي به؟» قال: «أوصلك إلى من يوصلك إليه.» فأوصله إلى الربيع بن ضبع الفزاري، وكان ممن يأتي السموأل، فقال له الفزاري: «إن السموأل يعجبه الشعر، فتعالَ نتناشد له أشعارًا!» فقال امرؤ القيس: «قل حتى أقول!» فقال الربيع قصيدة طويلة أولها:
فقال امرؤ القيس:
ثم ذهب به الفزاري إلى السموأل، فلما كانوا ببعض الطريق رأوا بقرة وحشية مرمية، فتركوها، فمر بهم قوم قناصون من بني ثعل، فقالوا لهم: «من أنتم؟» فانتسبوا لهم، فإذا هم من جيران السموأل، فانصرفوا إليه جميعًا، وقال امرؤ القيس:
وضع ذلك عند السموأل وأقام معها ابن عمه يزيد بن الحرث بن معاوية، فمضى إلى القسطنطينية، وأخرج معه إليها عمرو بن قميئة الضُبَعِي، وكان شاعرًا فحلًا، لقيه في آخر عمره، فقال: «ألا تركب للصيد؟» فقال:
فلما جاوز الدرب، علم أنه سائر إلى قيصر، فبكى، وقد أشار امرؤ القيس إلى هذه الرحلة بقوله من قصيدة:
ولما انتهى امرؤ القيس إلى قيصر قبله وأكرمه، وكانت له عنده منزلة، فاندس رجل من بني أسد يقال له «الطماح» — وكان امرؤ القيس قد قتل أخًا له — فأتى بلاد الروم وأقام مستخفيًا.
ثم إن قيصر ضم إلى امرئ القيس جيشًا كثيفًا فيه جماعة من أبناء الملوك، وطمع أن يكون له قوة في العرب يقاوم بها نفوذ الأكاسرة. فلما فصل الجيش قال لقيصرَ قومٌ من أصحابه: «لا تأمن أن يظفر بما يريد ثم يغزوك بمن بعثت معه!» فصرف الجيش وأعاده.
ويقال إن الطماح الأسدي قال لقيصر: إن امرأ القيس غويٌّ عاهر، وإنه لما انصرف عنك بالجيش ذكر أنه كان يراسل ابنتك ويواصلها، وهو قائل في ذلك أشعارًا يشهرها بها، فيفضحها في العرب ويفضحك. فبعث إليه حينئذ بحلة وشي مسمومة منسوجة بالذهب، وقال له: «إني أرسلت إليك بحلتي التي كنت ألبسها تكرمة لك، فإذا وصلت إليك فالبسها باليمن والبركة، واكتب إلي بخبرك من منزل منزل.» فلما لبسها أسرع فيه السم وسقط جلده، فلذلك سمي «ذا القروح»، وقال في ذلك:
ثم صار إلى أنقرة، فاحتضر بها، فقال:
ورأى قبر امرأة من أبناء الملوك ماتت هناك، فدفنت في سفح جبل يقال له «عسيب»، فسأل عنها فأُخبر بقصتها، فقال:
ثم مات فدفن إلى جنب المرأة، فقبره هناك.
أما موته بالحلة المسمومة فيجوز أن يكون أصابه قروح من احتكاك الثياب بجسمه فخالطها السم، كما يجوز أن تكون تلك القروح التهبت فأودت بحياته.
وقيل إنه كان في نفر من أصحابه في سفر فأصابهم الجوع، فأما هو فأكل من المرار حتى شبع ونجا؛ وأما أصحابه فلم يطيقوا ذلك حتى هلك أكثرهم ففضل عليهم بصبره على أكل المرار.
وفي الأغاني: أن زياد بن الهبولة سبى امرأة حجر، وهي هند ابنة ظالم، وساق قصة طويلة، وأورد لحجر أبياتًا في هند:
وطلب أنوشروان الحارث بن عمر — وكان بالأنبار — فخرج هاربًا في هجائنه وماله وولده، فمر بالتوبة، وتبعه المنذر بالخيل مِن تغلب وبهراء وإياد، فلحق بأرض كليب، فنجا، وانتهبوا ماله وهجائنه، وأخذ بنو تغلب ثمانيًا وأربعين نفسًا من بني آكل المرار، فقدموا بهم على المنذر فضرب رقابهم بجفر الأملاك في ديار بني مرينة، وفيهم يقول امرؤ القيس:
(الغِسل: ما يغسل به من خطمي وأشنان وغيرهما. ورمله بالدم: لطخه به.)
فظلت هذه الضغينة متوارثة بين المناذرة والكِنديين.
يقول: دع النهب الذي نهب من نواحيك، وحدثني حديث الرواحل، وهي الإبل، التي ذهبت ما فعلت. ورواه في اللسان: «ولكن حديثًا …» وهذا مثل يضرب لمن ذهب من ماله شيء ثم ذهب بعده ما هو أجل منه.