الفصل السادس
أخطار النيازك بين الحقيقة والخيال
في ٣٠ نوفمبر ١٩٥٤م، سقط نيزك حجري، يزن حوالي ٣٫٨كجم على مدينة «سيلاكاوجا»،
بولاية «ألاباما»، الولايات المتحدة. واخترق سقف المنزل، وسقف الحجرة، وسقط على ساق
السيدة «هيوليت هوجيس»، التي كانت تجلس على أريكتها في حالة استرخاء، بعد تناول
وجبة الغداء، فأحدث لها جرحًا بسيطًا.
***
تسقط النيازك على سطح الأرض — كل الأرض — بطاقة عالية. ولو صادف أن ضرب
نيزك جسم إنسان، فسوف يحدث به إصابات خطيرة قد تودي به، لكن احتمال أن يصيب النيزك الساقط
إنسانًا في طريقه احتمال ضعيف جدًّا، ولم يتكرَّر حدوثه رغم سقوط النيازك المتكرر على
سطح
الأرض. وبعملية إحصائية بسيطة يتبيَّن أن أجسام الناس (العرضة للخطر)، تشغل حيزًا ضئيلًا
من
مساحة سطح الأرض. فعلى سبيل المثال، من خلال دراسة عدد النيازك الساقطة على الأرض، والمساحة
التي يشغلها السكان في الولايات المتحدة؛ تبين أن احتمالَ أن يصاب أحدٌ من سكان الولايات
المتحدة بنيزك ساقط احتمالٌ ضئيل جدًّا، وقد يحدث مرة واحدة كل ١٠٠ سنة.
ورغم وجود عدد من الروايات التي تتحدث عن قتل وإصابة بعض الأفراد من جراء سقوط النيازك،
إلا أن هذه الروايات لم تلقَ القبول من قبل المحققين بصفةٍ عامة. ولم يثبت بصفة قاطعة
أن
النيازك قتلت أحدًا من الناس، لكن هذا لا يعني أن احتمال سقوط نيزك على أحد الأفراد فيقتله
احتمال غير قائم. فهناك روايات موثقة، عن إصابة بعض الناس من سقوط النيازك. ففي ٣٠ نوفمبر
١٩٥٤م، سقط نيزك حجري يزن حوالي ٣٫٨كجم على مدينة «سيلاكاوجا»، بولاية «ألاباما»، الولايات
المتحدة. واخترق سقف المنزل، وسقف الحجرة، وسقط على ساق السيدة «هيوليت هوجيس»، التي
كانت
تجلس على أريكتها في حالة استرخاء بعد تناول وجبة الغداء، فأحدث لها جرحًا بسيطًا. وفي
عام
١٩٩٢م، سقط نيزك يزن حوالي ١٠٠كجم على هيئة عدد من الأحجار (حوالي ٥٠)، قصفت مساحة تبلغ
بضعة كيلومترات مربعة من الأرض، في مدينة «مبال» الأوغندية، ولم يثبت أنها قتلت أحدًا
من
الناس، وإن كان أحدها قد أصاب طفلًا صغيرًا، ولكن الإصابة لم تكن بالغةً إلى حد الأذى،
ولكنها أحدثَتْ تلفيات بسيطة في بعض المباني. وفي ٢٦ أبريل عام ١٩٦٢م، سقط نيزك صغير
(يزن
٧٣٨ جرامًا) على منزل بمدينة «كيل» الألمانية، وثقب صاج السقف، واستقر على سطح الغرفة
أسفل
السقف العلوي. وفي عام ١٩٩٢م، سقط نيزك على منطقة «بيكسل»، بولاية «نيويورك»، وحطم إحدى
السيارات. وفي مارس من عام ٢٠٠٣م، سقط نيزك يبلغ قطره ٤ بوصات، على منزل المواطن «كولبي
نافرو»، بمنطقة «بارك فورست، إليونس» واخترق السقف محدثًا فجوةً قطرها نفس قطر النيزك،
وارتطم بطابعةٍ موجودة على المكتب، وارتد إلى الحائط المجاور، بينما كان صاحب المنزل
يعمل
على جهاز الكمبيوتر. وصاحب سقوطه سقوط عدد من الأحجار الأخرى، على مواقع متفرقة من المنطقة،
أصاب بعضها السيارات والبيوت.
بيد أن الخطورة الكبيرة تتمثَّل في سقوط الكويكبات أو المذنبات على الأرض؛ ففي ٣٠
أكتوبر
عام ١٩٣٧م، اقترب الكويكب «هيرمس» الذي يبلغ اتساعه أو عرضه حوالي ١٫٦كم، بسرعة ٣٥٠٠٠كم
في
الساعة، على مسافة تقدَّر بحوالي٨٠٠٠٠٠كم، وهي مسافة صغيرة بحسب المقاييس الفلكية؛ ومن
ثم
فقد شكَّل هذا الحدث خطورةً حقيقية على الأرض. فلو ضرب هذا الكويكب الأرض، لتولَّد عن
ارتطامه بها طاقة هائلة، تعادل ١٠٠٠٠٠ الطاقة التي يولدها انفجار قنبلة هيدروجينية، قوتها
١
ميجا طن. ومثل هذه الطاقة تفوق طاقة انفجار مخزون العالم من القنابل النووية. وفي يوم
٢٢
مارس ١٩٨٩م، اقترب كويكب يسمى «١٩٨٩ إف سي»
1989 FC، حتى
مسافة ٦٨٨٠٠٠كم من الأرض، وهي مسافة صغيرة بالمقاييس الفلكية، ويعبر عن ذلك بأنه «اقتراب
خطر». فهذا الكويكب الذي يبلغ عرضه حوالي ٨٠٠ متر تقريبًا، كان من المحتمل أن يهوي على
الأرض، مشكلًا خطورة حقيقية على كل أشكال الحياة؛ إذ من خلال الدراسات الخاصة بنتائج
ارتطام
النيازك بالأرض، يتبين أن مثل هذا الارتطام يُحدث فجوةً يتراوح قطرها من حوالي ٨ إلى
١٦كم،
بما يعني أنه قد يمحو مدينةً كبيرةً من الوجود. والتأثيرات البيئية لمثل هذا الحدث كارثية
بكل المقاييس، ويمكن مقارنتها بثورة بركان جزيرة «كاركوتا» في إندونيسيا الذي انفجر في
عام
١٨٨٣م، وأزال الجزيرة من على الخريطة، مخلفًا مكانها فجوة عميقة. وتسبب هذا الحدث في
إحداث
موجات مدٍّ بحريةٍ بارتفاع ١٠٠ قدم، اندفعت نحو الشواطئ القريبة، لتكتسح في طريقها أكثر
من
٣٦٠٠٠ نسمة، وتقودهم إلى الحتف.
١
إن مثل هذه الأجسام كثيرة جدًّا في الفضاء، وتقترب على مسافات خطرة من مدار الأرض،
مما
يعني إمكانية دخولها جو الأرض؛ ومن ثم انفجارها في الجو أو ارتطامها بالأرض، فيتسبب عنها
تأثيرات كارثية على كل أشكال الحياة. وفي يناير عام ١٩٩٣م، أعلنت وكالة الفضاء والطيران
الأمريكية «ناسا» NASA، أن عدد الأجسام التي تجتاز
مداراتها مدار الأرض، يتراوح من ١٠٠٠ إلى ٤٠٠٠، يبلغ حجم الواحد منها ٨٠٠ متر تقريبًا.
وأن
اصطدام واحد منها بالأرض كفيلٌ بأن يعود بالحضارة الإنسانية آلاف السنين إلى الوراء.
والجهل
بموضوع النيازك الضخمة كفيل أيضًا بإشعال حرب نووية بين الدول. وتخيل أن جسمًا بهذه
المواصفات — على حين غرة — طاف بالمجال الجوي لدولة نووية، فظنَّت أن دولةً نوويةً معادية
شرعت في قصفها، فردَّت على الفور بنفس الأسلوب!
لقد أدَّت دراسات النيازك إلى فهم الخطر الداهم الذي تمثله النيازك العملاقة على
الأرض؛
ومن ثم شرعت حكومات الدول المتقدمة في تدشين شبكة من المراصد العملاقة في مواقع مختلفة
من
العالم، أطلق عليها حارس الفضاء Sky Keeper، لرصد وتسجيل
حركات الأجسام التي تقترب مدارات دورانها من مدار الأرض. وفي نفس الوقت يفكر الباحثون
في
وسائل إبعادها عن مدار الأرض، بما في ذلك قصفها في مداراتها، وتفتيتها لتسقط على هيئة
أجسام
صغيرة قليلة الخطورة. ويفكر البعض في القيام بعملية القصف باستخدام قنابل يتم تطويرها
خصِّيصى لهذا الغرض، لكن يجابه مجرد التفكير في عملية القصف بالقنابل معارضة شديدة من
قبل
الباحثين؛ لما يشكله هذا العمل من خطورة على البيئة الفضائية من تلوث. ويطرح البعض أفكارًا
متباينةً عن وسائل إبعاد الأجسام الخطرة عن مدار الأرض. ومن بين الأفكار المتداولة في
هذا
المجال، قيام صاروخ بإلقاء شراعٍ شمسي على الجسم المطلوب إبعاده، يكون من مهمته تصيد
الجسيمات التي تحمل الشحنات المنبعثة من الشمس، وتسليطها عليه لدفعه بعيدًا. وفي الواقع
إن
كل ما طُرح في هذا السياق مجرد أفكار على الورق؛ فالعالم لا يملك قنبلة قوتها قادرة على
تحطيم جسم عملاق من هذه الأجسام بعيدًا كل هذه المسافة عن الأرض، ولا الشراع الشمسي،
الذي
يمكن أن يقوم بهذه المهمة، أمكن تصميمه ليؤدي الغرض المطلوب، لكن ما حقَّقَتْه وكالة
الفضاء
والطيران الأمريكية «ناسا»، في يوليو من عام ٢٠٠٥، من تسديد قذيفة (عبارة عن كبسولة)
أطلقتها مركبة الفضاء «ديب إمباكت» أصابت المذنب «تمبل-١» (على بعد حوالي ١٣٣ مليون كم
من
الأرض)، وأحدثت فجوة فيه؛ يعدُّ خطوةً على هذا الطريق. ورغم أن الهدف المعلن هو الكشف
عن
تركيب المذنب الداخلي، وليس تدميره، لكن تمكُّن المركبة من إصابة المذنب، الذي كان يبعد
عنها بحوالي ٥٠٠كم، يشكل نجاحًا كبيرًا في عملية الرصد الدقيق لهذه الأجسام، والتعامل
معها
من هذه المسافات البعيدة.
ومع ذلك لا يخلو الحديث عن أخطار النيازك من مبالغات كبيرة.