الفصل الأول

عن ترجمة المصطلح وتعريبه في العلوم الإنسانية

(١) مقدمة كتاب المفكرون الأساسيون: من النظرية النقدية إلى ما بعد الماركسية، الذي صدر عام ٢٠٠٦م

هذا كتاب من أغزر الكتب الفكرية مادةً وأعمقها بحثًا، وهو مُوَجَّه كما يقول كاتباه إلى المتخصصين من دارسي العلوم الإنسانية في مرحلة الدراسات العليا، وهذه مزية وعيب معًا؛ فالمزية أنه يتيح للدارسين أن يستزيدوا من بعض مادته بالرجوع إلى «المصادر»؛ أي الكتب الأصلية التي وضعها الأعلام الذين يعرض الكتاب أفكارهم (ولمن لا يريد التعمق أن يكتفي بما أورده المؤلفان من مناقشة لهذه الأفكار، والتي يختتمانها في كل فصل بموجز مبسط). وأمَّا العيب فهو أنه يفترض عند قارئه إلمامًا ولو عامًّا أو مبدئيًّا بإطار المادة المذكورة ومصطلحاتها الأساسية الشائعة، وهو ما يتوافر لدى المثقفين من الأجانب ومن أبناء جيلنا، جيل الستينيات، الناطقين بالعربية، الذين نشئوا في ظل «الاشتراكية العربية» أيام تعلُّمنا، وردَّدنا بعض الكلمات المأثورة عن الماركسية بأشكالها الأجنبية المعربة مثل البروليتاريا (الطبقة العاملة) والبورجوازية (الطبقة المتوسطة)، إلى جانب الكلمات التي كانت «في الجو»، كما يقال، وتردِّدها الألسنة، سواء كان من يستعملها على علم صادق بمعناها أو لم يكن، وسواء كان يؤيدها أو يبدي تحفظات عليها مثل «المادية التاريخية» والوعي الطبقي، و«المادية الجدلية»، والقاعدة، والبنية الفوقية، والأيديولوجيا (التي كان البعض يشير إليها بمصطلحات «العقائدية»).

كما دخلت كلمات أخرى كثيرة في العربية ولم تعد تمثِّل صعوبةً في الفهم في أيامنا هذه مثل الاستراتيجية والراديكالية والليبرالية وسائر ما نصادفه من أمثالها في مطبوعات اليوم بل وفي الصحف اليومية. وهكذا فإذا أراد المترجم تيسير فهم قارئ اليوم الشاب للكتاب فربما يكون من المستحسن أن يكتب تمهيدًا يتولى إيضاح هذه المصطلحات الواقعة في صلب المادة المتخصصة، وإلقاء الضوء على أسماء الأعلام التي يزخر الكتاب بها، وهو ما يقتضي بطبيعة الحال الرجوع إلى مراجع متخصصة كثيرة وفي شتى العلوم الإنسانية؛ لأن «النظرية النقدية» (في عنوان الكتاب) لم تعد مقصورةً على الماركسية، وهو المعنى المرتبط بها منذ نشأتها على هذا النحو عند أصحاب «مدرسة فرانكفورت» (مثل أدرونو Adorno وهوركهايمر Horkheimer وهابرماس Habermas وغيرهم) وحتى اليوم، عند فريدريك جيمسون مثلًا الذي يُعَرِّف النظرية النقدية بأنها «النقد الراديكالي (أو الماركسي)» في مستهل تذييله لكتاب المادية عند شيكسبير (Materialist Shakespeare) ١٩٩٥م، من تحرير آيفو كامبس (Kamps).
وقد يعني هذا أن على المترجم أن يضع معجمًا صغيرًا يختص بمصطلحات النظرية النقدية، وكنت قد شرعت في ذلك فعلًا فصادفت صعوبةً واضحة، ألَا وهي أن النص الإنجليزي الأصلي ليس بين أيدي القراء العرب، ومن ثم فإن صورة المعجم لن تأتي بفائدة إلا إذا كانت المداخل المشروحة عربيةً ومرتبة ترتيبًا أبجديًّا بطبيعة الحال. ومن ثم قررتُ أنْ أُوجِز في هذا التصدير معاني عدد محدود من المصطلحات الجديدة (أو التي أظنها جديدة على القارئ العربي) والتي لا يتضمنها كتابي المصطلحات الأدبية الحديثة (١٩٩٦م) ولا كتاب أستاذي العظيم مجدي وهبة معجم مصطلحات الأدب (١٩٧٣م)، وأتمنَّى أن أضع المعجم «الاستكمالي» المشار إليه إذا وهبني الله من العمر ما يتطلبه هذا الجهد، وأمَّا عرضي للمعاني المذكورة فسوف يتخذ صورة المقال الذي يقدِّم المصطلحات بأشكالها العربية والأجنبية حتى يستطيع القارئ أن يستهل به قراءة الكتاب فيكون بمثابة التمهيد اللازم له، إلى جانب بيان مصدر «صعوبة» النص الذي بين يديه.
ويَرِد أولُ مصطلح من هذه المصطلحات في عنوان الكتاب، ألَا وهو النظرية النقدية (Critical Theory)، وهي النظرية التي ذكرت ارتباطها بالماركسية (انظر كتاب مقولات النقد الثقافي: مدرسة فرانكفورت، الوجودية، ما بعد الحداثة (The Terms of Cultural Criticism: The Frankfurt School, Existentialism, Postmodernism)، وهو من تأليف ريتشارد وولين (Wolin) ومطبوع عام ١٩٩٢م، خصوصًا ص٢٣ وما بعدها). بل إن هابرماس، خير من يمثِّل مدرسة فرانكفورت المشار إليها، يؤكد ذلك في كتاب يضم نصوص المقابلات الشخصية التي أُجريت معه وعنوانه: Autonomy and Solidarity: Interviews With Jurgen Habermas, ed. P. Dews, 1992 (وكانت الطبعة الأولى قد صدرت عام ١٩٨٦م)؛ إذ يقول في ص١٩٤ إن النظرية النقدية محاولة للقضاء على المعاناة التي يتسبَّب فيها البشر، وهي معاناة قائمة في صلب الأبنية الاجتماعية اللازمة لتكاثر الحياة البشرية، مؤكدًا أن ذلك هو الهدف النهائي للماركسية، ولقد ظل يراها كذلك على الرغم من كل تعديلاته النظرية لها. ويقول مؤلفا هذا الكتاب إن «النظرية النقدية» عند مدرسة فرانكفورت كانت أصلًا «اسمًا آخر للماركسية»، وإنها كانت تهدف إلى تحقيق التحرر الإنساني عالميًّا من خلال إتاحة المعرفة للطبقة العاملة؛ فالمعرفة تمنحها القوة اللازمة لتحقيق التحرير المنشود، وكانت طبيعةُ هذه المعرفة نقديةً ونظرية معًا؛ فهي نقديةٌ لأنها كانت تسعى للكشف عن المتناقضات في الرأسمالية وأوجه قصورها وعجزها عن تحقيق الحرية والرخاء للعالم كله، وهي نظرية لأنها تحاول فضح الأفكار التي تُخفي سيطرة الرأسمالية واستغلالها للبشر، في إطار نظري عقلاني في الوقت نفسه، ومن هنا اكتسبت الوصف بالنظرية النقدية. وسوف نرى في تلخيص مناهج أصحاب ما بعد الماركسية كيف أنهم لم يحقِّقوا هذا الهدف بسبب انغماسهم في الحياة الأكاديمية وعدم المشاركة في الكفاح الاجتماعي والسياسي الذي يتمشَّى مع تحويراتهم لهذه النظرية.
ولكن معنى النظرية النقدية المذكور، والذي يُعتبر المعنى الرئيسي للمصطلح في هذا الكتاب، يتضمَّن فروعًا مهمة تمثِّل تأثيره في العلوم الإنسانية الأخرى؛ فالتفكير النظري الذي كنا نقصره في الماضي على المفكرين أو الفلاسفة لم يعد اليوم كذلك، بل أصبح سمةً أساسية من سمات العلوم الإنسانية ودراستها، ويندر أن نجد مبحثًا واحدًا من مباحث العلوم الإنسانية لا يستعين بالتفكير النظري، ومن ثم بالنظريات، في مناهج بحثه. والتفكير النظري يعتمد، كما هو معروف، على التجريد والتعميم؛ أي استعمال الأفكار والمفاهيم المجردة بدلًا من المجسدات والمحسوسات، والقارئ العربي المتوسط الثقافة لا يسهل عليه استيعاب المجردات بل يفضِّل الإيضاح بالأمثلة أو الوقائع أو الإشارة إلى أشياء تدركها الحواس. ومن ثم فإن كل من يترجم عملًا في العلوم الإنسانية يواجه صعوبة نقل المجردات ولو كانت لها مقابلات بالعربية، وخصوصًا حين تكون هذه مجردات حديثة ابتدعها المفكرون، عربًا كانوا أو أجانب، وقد يكون لمصطلح مثل «الوجود» (thinglikeness) (being, existence) معناه المجرد؛ أي كون الشيء موجودًا (بحيث يدركه المرء بحواسه أو بعقله) ومعناه المجسد الذي يعني كل ما هو موجود، ومصطلح مثل الأنطولوجيا (ontology) يتصل بالمعنى الأول؛ فهو من فروع الميتافيزيقا التي تبحث في طبيعة الوجود (بالمعنى الثاني)؛ أي بما نسميه الواقع و«مادة» هذا الواقع، على عكس الظاهراتية (phenomenology)، وهو المبحث الذي يدرس «ظواهر» الأشياء حسبما يدركها العقل؛ أي وفق وجودها في وعي الفرد، ولكنك إذا قلت «الوجود» وحسب، فالأرجح أن ينصرف فكر القارئ العربي إلى المعنى الثاني (المجسد) إلا إذا نَصَصْت على أنك تقصد المعنى الأول وشرحت ذلك ودعمته بالأمثلة المحسوسة، فالتفكير التجريدي ليس جزءًا من تكويننا الثقافي العام؛ ولذلك قد تنشأ هُوة بين المفكرين العرب والأجانب الذين يعتمدون على التجريد وبين قُرائهم الذين اعتادوا على التجسيد. ويذكِّرني هذا بما يشير إليه اسبينوزا (Spinoza) في كتابه الأخلاق (Ethics)؛ إذ يقول في مقدمته: «إن العقول غير الفلسفية لا تستطيع أن تفهم ما لا تستطيع أن تتخيله بالبصر» (ص٣)، فما بالك بكتاب مثل هذا تستعصي معظم مجرداته على التصور؟
وممَّا يزيد من صعوبة عمل المترجم الذي يتصدى للنصوص التجريدية أن معنى المصطلح الواحد قد يتغيَّر ما بين مبحث علمي ومبحث علمي آخر، بل وما بين معناه المقصور على الدلالة المتخصصة في أي مبحث ومعناه في خارج التخصصات أو ما نسميه المعنى الأصلي سواء كان اشتقاقيًّا أو اصطلاحيًّا؛ ولذلك فإن واضعي المعاجم الحديثة يحدِّدون معاني كل مصطلح بادئين بالمعنى «الأصلي» أو «الشائع» قبل إيراد الدلالات المتخصصة، ويرتِّبونها وفقًا لنسبة شيوعها أو وفقًا للترتيب الزمني. ولمَّا كانت النظرية النقدية لم تعد مقصورة، كما قلت، على معناها «الأصلي» في الماركسية، فقد وضع ديفيد ميسي (David Macey) معجمًا خاصًّا عنوانه معجم النظرية النقدية (٢٠٠٠م) Dictionary of Critical Theory يرصد فيه المعاني المتفاوتة للمصطلح النظري (التجريدي) الواحد ما بين مبحث علمي وآخر؛ فالواقع أن ما أطلقت عليه في أول الفقرة السابقة «فروع النظرية النقدية» يُعتبر امتدادًا لهذه النظرية بشتى مصطلحاتها في مباحث علمية كثيرة، من الأدب إلى الفلسفة والتحليل النفسي والسينما والفنون البصرية وكتابة «التاريخ والسياسة الجنسية»، كما يقول ميسي (ص٦). فالمعجم يرصد المعاني المختلفة لأهم المصطلحات التي تُبيِّن تأثير النظرية النقدية في هذه المباحث وتأثُّرها بها، ولأضرب مثلًا واحدًا من كلمة الذات (subject) التي ناقشتُ معناها في كتابي المصطلحات الأدبية الحديثة من وجهة نظر النقد الأدبي فقط؛ فالقارئ العربي يعرف ولا شك دلالتها الأخرى في النحو (الفاعل/المبتدأ) ومعناها الشائع في الكتابة العامة (الموضوع/القضية) وفي السياسة؛ أي أفراد الرعية، إلى جانب استعمال الكلمة فعلًا لازمًا ومتعديًا بمعانٍ تفيد الخضوع لشيء أو التعرض لشيء، ولكننا نجد للمصطلح دلالات أخرى في علم النفس اللاكاني؛ أي التحليل النفسي عند لاكان (Lacan) الفرنسي، وفي النظرية النقدية نفسها، تقطع باختلاف معناه عن الفرد الذي يوصف بأنه «ذات ديكارتية» (Cartesian Subject)؛ أي الذات الواعية بوجودها، وقد حافظت في الترجمة على هذا الاختلاف، على الرغم من غرابة إطلاق «الذوات» على هؤلاء الأفراد لأن كلمة «الذوات» لها دلالة محلية مصرية (لا أدري إن كانت لا تزال قائمة) تفيد من يمتلكون من المال ما يجعلهم أشبه بالطبقة الأرستوقراطية. ولكن المشكلة في هذا الكتاب أنه يلتزم التزامًا صارمًا بمصطلحات المفكرين من غير الناطقين بالإنجليزية، ويوردها في ترجمات إنجليزية قد لا تتميَّز بوضوح المصطلحات الإنجليزية الأصيلة في كل حالة، ومن أمثلتها في إطار هذا المصطلح الأخير استخدام «الذاتية» (subjectivity) بدلًا من الذات، لا بسبب الحاجة إلى التمييز بين الاسم (الذات) وبين الصفة المجردة التي يدل على معناها المصدر الصناعي (الذاتية)، ولكن لأن بعض الأوروبيين غير الناطقين بالإنجليزية قد استخدموا هذه الصيغة. وكثيرًا ما كنت أتوقَّف عند هذه المصادر الصناعية التي تكثر كثرةً مَرَضِيةً في متن الكتاب، ولكم تمنَّيت أن أغيِّر قالبها الصرفي (paradigm) إلى القالب الذي ينقُل المعنى المقصود في نظري، ولكنني كنت أُحجم طلبًا لنقل أسلوب تفكير هؤلاء الكتاب إلى جانب الدقة في نقل المعنى الظاهر بطبيعة الحال.
وكأنما كان مؤلفا هذا الكتاب يشعران بما شعرت به لا فيما يتعلق بالقوالب الصرفية الغريبة التي لا لزوم لها فقط، بل أيضًا بوجود أبنية أسلوبية معقدة؛ إذ كانا يحاولان إعادة بنائها بعد اقتطافها وذلك بإردافها بما يتصوَّران أنه بناء أيسر في الفهم، وسوف يرى القارئ كثرة استخدام أحدهما للحرف «أو»؛ إذ يستعين به في إيضاح ما يبدو عويصًا، وكنت أنا أحاول أيضًا قدر طاقتي إعادة تشكيل هذه الأبنية؛ فمرماي هو الوصول إلى القارئ مهما كلَّفني ذلك من جهد، ولكن ذلك لم يستطع حل مشكلة «التجريد» و«المجردات»؛ فهي أصيلة في فكر أصحاب ما بعد الماركسية (والألمان منهم خصوصًا)، ويقول المؤلفان في تعليقهما الختامي على ذلك: «إن كتابتهم النثرية كثيرًا ما تتسم بالتعقيد الزخرفي أو التكثيف المرهِق، أو الغموض في حالات أخرى.» كما يعقدان مقارنةً بين «النثر الواضح في عمل مثل المانيفستو الشيوعي وبين لغة المصطلحات ذات الدلالة المراوغة في جانب كبير من كتابات ما بعد الماركسية» (ص٣٣٢-٣٣٣). ولكنهما، وعلى الرغم من إدراكهما لتلك العقبات لم يستطيعا تفاديها بل تأثرا بها في كتاباتهما الأصلية إلى الحد الذي جعلهما يحاكيان الأبنية الأصلية في الألمانية والفرنسية (ربما من دون عمد؟) لِمَا يعرضانه من أفكار. والمؤلفان يلتمسان العذر لأنفسهما في الكلمة الافتتاحية التي يقولان فيها إن طلابهما كانوا يطلبون «مُحِقِّينَ» من سايمون تورمي [أحد المؤلفيْن الاثنين] أن يقدِّم «عرضًا واضحًا للنظريات الغامضة الباعثة على البلبلة والمثقلة بالمصطلحات المتخصصة التي يناضل لتدريسها لهم» (شكر وتقدير).
قلت إن العقبة كانت ولا تزال تتمثَّل في «المجردات»، وأُضيف هنا أن حرية المترجم في الإيضاح أو الشرح محدودة، فَيَدُه مغلولةٌ ما دام مقيدًا بالأصل الأجنبي ولا يستطيع أن يضيف إلا كلمات معدودة [بين قوسين مربعين] وفي الحال التي من المحال أن يستقيم المعنى من دونها، كما أن المجردات لا تتضح حدود معانيها «المقصودة» إلا من السياق، وقد يُبدي المؤلف الأصلي «لامبالاة» بالإيضاح أو الشرح اعتمادًا على حصافة قارئه «المقصود» وأُلْفَتِهِ بما يكتب، بل إنه قد يقصد إلى الغموض قصدًا، مثل جاك دريدا، حتى يُتيح للقارئ أن يخرج بالمعنى الذي يريده، فكأنما يُسهم قارئه في إثبات صحة مذهبه «التفكيكي»، وقد تكون الكلمة بطبيعتها «خلافية» أو يمكن أن تكون مثار خلاف؛ إذ يدعو هابرماس مثلًا إلى ما يسميه «الديمقراطية القائمة على المداولات» (deliberative democracy) وأنا أُترجمها «الديموقراطية القائمة على التشاور»، وهو يستعين في ذلك بمعنى علم «التداولية» (pragmatics) قائلًا [لاحظ أن عبارته مترجمة عن الألمانية]:
In his first published attempt at theorization “What is Universal Pragmatics?” (Habermas, 1994: 68) he discussed what it meant for speakers to reach an agreement that “terminates in intersubjective mutuality of reciprocal understanding, shared knowledge, mutual trust, and accord with one another” (Habermas, 1984: 3).(3)

وفي الهامش رقم ٣ المشار إليه يقول المؤلفان إن «التداولية شكل من أشكال علم اللغة، يتناول السياقات التي يستعمل الناس فيها اللغة، وسلوك المتحدثين والسامعين في إطار عملية التواصل»، وأمَّا ترجمة العبارة المقتطَفة فهي:

وفي أولى محاولاته المنشورة للتنظير بعنوان «ما علم التداولية العام؟» (هابرماس ١٩٨٤: ٦٨)، يناقش هابرماس معنى نجاح المتخاطبين في التوصل إلى اتفاق «ينتهي بتلاقي الذوات في الفهم المتبادل، والمعرفة المشتركة، والثقة المتبادلة، والتناغم بين الجميع.»

(هابرماس ١٩٨٤: ٣)
ما شكل «المداولات» المقترحة؟ هل يتفق هابرماس مع ما يُلح عليه كاستورياديس من «المشاركة» (participation)؟ وهل يعني «التشاور» لديه شكلًا اجتماعيًّا أو سياسيًّا محددًا؟ نظام برلماني يقوم على الحكم «النيابي» أو التمثيل (representation) الذي يهاجمه الجميع تقريبًا لأن «ممثلي» الشعب أو نوابه ليسوا الشعب نفسه؟ هل يعني مجلسًا مختارًا (أو معينًا) تدور المناقشات في داخله فقط؟ فالمداولات كلمة عامة، وربطها بعلم التداولية، وهو من علوم اللغة، لا يوضِّح كيف يصل المتخاطبون أو المتكلمون (speakers) إلى هذا التناغم المثالي. وقِس على ذلك سائر المجردات التي درجنا على قَبولها دون مناقشة، مثل الحرية والمساواة والإخاء، شعار الثورة الفرنسية؛ فهي من الدوالِّ (signifiers) التي يكاد يستحيل تحديد مدلولاتها (signifieds) أو كما يقول المؤلفان (significations) بل إن أشد المجردات شيوعًا مثل العدل/العدالة (justice) والإنصاف (fairness/even-handedness) تستعصي على التعريف. فهي بطبيعتها عموميات، والتعميم من لوازم الأسلوب العلمي ولا مندوحة عن استخدامه، ومع ذلك فإذا لم يحاول الكاتب تقريب المعنى بضرب الأمثلة أصبح التعميم مصدر غموض أو ذا معنًى أو معانٍ غير مؤكدة.
ولكن الكتاب يتسم بولوع المؤلفيْن — إلى جانب تعقيدات الأسلوب والأبنية — بكثرة استخدام المجردات في صيغة الجمع، ونحن نأنف هذا باللغة العربية إذ نفضِّل جمع المجسَّدات لا المجرَّدات، إلا ما جرى عليه العرف وقَبِلته الأذن العربية؛ فنحن نجمع «الحرية» (freedoms) ونقول «الحريات النقابية» والمعنى المفهوم هنا أنها «الحقوق»، فإذا قلنا إن العمال «لهم» أن يشكِّلوا نقابة؛ أي إنهم أحرار في أن يشكِّلوا نقابة، كنا نقصد أن ذلك حق لهم، وقس على ذلك حرية النقابة (أي حقها) في الدعوة إلى الإضراب وما إلى ذلك، ولكن كيف تجمع «المساواة» أو «الإخاء»؟ وقد تنبَّه الكُتَّابُ العرب إلى هذه الصعوبة عند ترجمة جموع المجردات، فلجأ بعضهم إلى «المصدر الميمي» بدلًا من المصدر الصريح مثل جمع (dispute) «نزاع» على منازعات بدلًا من نزاعات، فهكذا فعل خليل مطران حين جمع «الكفاح» على «مكافحات» في مسرحية عُطيل لشيكسبير، وفضَّل البعض الآخر أن يُرفق بالاسم المجرد اسمًا آخر يقبل الجمع؛ فقد يكون المقصود بجمع «النزاع» إمَّا أشكال النزاع أو مستوياته أو ضروبه أو حالاته، وقد وقف المرحوم الدكتور أحمد مختار عمر طويلًا أمام هذه المشكلة في كتابه العربية الصحيحة (١٩٨٤م) وأجاز جمع المصادر على إطلاقها وكان شاهده جمع نجاح على «نجاحات»، ولكن القضية ليست قضية إجازة بل هي قضية دلالة في المقام الأول؛ إذ لا معنى في نظري لجمع «المساواة» أو «الإخاء» إلا إذا افترضنا وجود أنواع أو حالات محددة تمثِّل هذه وتلك؛ ولذلك فعندما نقرأ equalities وعكسها الذي يكثر وروده في هذا الكتاب inequalities، نفترض أن المقصود صور المساواة أو حالاتها وألوان التفاوت أو حالاته، وأمَّا إذا كان المصدر الصريح ممَّا يسهل جمعه فلا بأس في نظري من جمعه، وأذكر أنني قرأت منذ ما يقرب من نصف قرن كتابًا للدكتور محمد مندور، رحمه الله، عن سلامة موسى بعنوان انتصارات إنسان وقلت في نفسي آنذاك إن الجمع يحاكي الكلمة الفرنسية Triomphes وخطر لي أنه يعني «منجزات» سلامة موسى، ثم عُدت فقبلت صياغته بعد أن قرأت الكتاب؛ إذ لا يتحدث عمَّا أنجزه الراحل العظيم بل عن انتصاراته في معارك فكرية شتى، والأذن العربية حية ولا تنبو عن الجديد بشرط صدق الدلالة؛ فلم نكن مثلًا نقبل جمع «نشاط» على نشاطات أو أنشطة (بغض النظر عن قضية جمع القلة) وكنا نراها إلى عهد قريب تكتسي مسحةً أعجمية ترتبط بما يسمى أسلوب الترجمة (translationese)، وعلى أية حال فهذه نماذج محدودة، صرفية في جوهرها، وأمَّا في هذا الكتاب فلا تكاد لفظة تجريدية واحدة تنجو من الجمع، ولأضرب مثلًا أو مثلين على ذلك.
يجمع المؤلفان هنا كلمتي orthodox وheterodox باعتبارهما من صفات بعض المذاهب الماركسية، فإذا أرادا الإشارة إلى المقولات التقليدية أو المعهودة أو التي تتفق مع الماركسية التي يُفترض أنها «صحيحة» قالا orthodoxies، والكلمة الثانية تشير إلى المقولات «المارقة» عن الماركسية المذكورة أو غير الملتزمة بها، أو التي تمثِّل أفكارًا مبتدعة فيها، فكيف يمكننا إيجاد كلمة واحدة بالعربية توازي الجمع heterodoxies؟ وأذكر مقالًا للناقد إبرامز (Abrams) يصف فيه الزمن عند الرومانسيين بأنه كثافة اللحظة لا امتدادها، بمعنى عمق الإحساس أو شدته أو حدته، ثم يقول عبارةً التصقت بذهني على مر السنين وهي Romantic time is intensity، وربما كان سبب تذكري إياها ذلك الإيجاز العجيب؛ فالناقد لا يذكر الإحساس، أو الوعي (إذا كان أيهما هو المقصود) وكان يمكنه أن يقول intense feeling/consciousness بحيث يتضح المعنى المقصود، وأمَّا في هذا الكتاب فنحن لا نواجه اللفظ المفرد بل الجمع intensities دون تحديد لما تشير إليه هذه الكلمة إن كانت تصف شيئًا محددًا، فإذا أراد المترجم أن يكتفي بالاسم الذي يعمل عمل الصفة مجاراةً للإنجليزية، لم يستطع جمع التكثيف أو الكثافة [وإن كانت لكل من هاتين الكلمتين مرادفات إنجليزية تقبل الجمع مثل condensation للتكثيف وهو من مصطلح التحليل النفسي، ومرادف الكثيف وحالات الكثافة هو dense/densities]، ولن يستطيع كذلك جمع التعميق، فأمَّا كلمة العمق (الأعماق) (depth/depths) فلن تكفي لنقل المعنى خصوصًا حين تواجهك كلمة العمق في جزء لاحق من العبارة، وأدق كلمة أو أقربها إلى الكلمة الإنجليزية هي الشدة أو الحدة، فإذا اخترت الأولى واجهت المعنى الأشهر الكامن فيها (ما يصعبُ تحمُّلُه وشدةُ العيشِ شَظَفُه وضِيقُه) واستحال استخدامك ﻟ «الشدائد»! وقِس على ذلك ما يمكن أن تتصوَّره من معانٍ للحدة!
ويستخدم هذا الكتاب أسماء وصفات مستعارةً من اللغات الأوروبية بمعانيها في تلك اللغات استنادًا إلى أن مصدرها اللاتيني أو اليوناني واحد، وأشهرها الصفة immanent التي أشاعها دعاة ما بعد الحداثة بمعناها الاشتقاقي والاصطلاحي الأول لا بمعناها الفلسفي أو اللاهوتي، فالمعنى الأول هو وصف شيء بأنه متغلغل في كِيان شيء آخر أو أصيل فيه، من الكلمة اللاتينية immanens وهي اسم الفاعل من الفعل immanare بمعنى يظل في مكان ما أو يحل فيه أو يبقى قريبًا منه، ومن ثم فإن هؤلاء الدعاة يُنكرون وجود صفة ثابتة تغشى كيانًا أو شيئًا (انظر «الجوهرية» أدناه)، وأمَّا المعنى اللاهوتي لكلمة immanence فهو «الحلول»؛ أي القول بأن الإله يحل في الكون وليس منفصلًا عنه أو «متعاليًا» (transcendent)، ولكن مذهب الحلول له كلمة أخرى مشتقة من الأصل اللاتيني أيضًا وهي immanentism، ولكن البعض يخلط بين الدلالتين. وتستخدم سيمون دي بوفوار التضاد بين التعالي والحلول في تفسير تمييز الرجل عن المرأة، فتُفسِّر التعالي بأنه ما يعنيه سارتر بتجاوز الذات، والحلول بالانحصار في الذات، قائلةً إن الرجل يتجاوز ذاته بالعمل الخلَّاق وتغيير الدنيا، في حين أن المرأة في نظرها حبيسة وجودها الذي تحل فيه ولا تتجاوزه. وقد يستخدم بعض الكتاب المصطلحين في معناهما «النسوي» دون الإشارة إلى المصدر ممَّا يؤدِّي إلى اختلاط الدلالة. ومن تلك الكلمات أيضًا كلمة يبدو أن الكاتبين وجداها عند ليوتار، ولكنها لا توجد في أي معجم إنجليزي ولا حتى في معجم أوكسفورد الكبير (OED) ولا في معجم وبستر الأكبر (طبعة ٢٠٠٢م) أو الأصغر (طبعة ٢٠٠٥م) وهي كلمة catallaxy، والظاهر أنهما اشتقاها اشتقاقًا استرجاعيًّا؛ أي من خلال back-formation من الكلمة المهجورة catallectics التي تعني المبادلات، ويقول المعجم الكبير OED إنها كانت اسمًا مقترحًا للاقتصاد السياسي باعتباره علم المبادلات (في أواخر القرن التاسع عشر) ثم لم يؤخذ بها ولم يُكتب لها الشيوع؛ فالكلمة التي يجيئان بها وهمية، بل إن الأصل اليوناني الذي ترصده المعاجم للكلمة المهجورة catallectics يختلف كل الاختلاف عمَّا يتصوَّران. ولكنني في أثناء بحثي ظَفِرت بترجمة رائعة لعلةٍ من علل الحذف في العروض prosody وهي catalectic التي تعني حذف المقطع الأخير في التفعيلة الأخيرة في البيت، وهو ما يوازي حذف السبب الخفيف من مفاعيلن في آخر البحر الطويل فتتحول إلى مفاعي = فعولن، واسمها علة الحذف.
ولكن هذه مشكلات صياغية لن تُرهِق المترجم ذا الخبرة، وإنما تطرقتُ إليها حتى أوضِّح للقارئ طبيعة هذا الكتاب «النظري»، والآن أنتقل إلى بعض العبارات التي أصبحت من مصطلح النقد الأدبي؛ إذ لم تُعد لغة النقد الثقافي غريبةً عن لغة النقد الأدبي، على نحو ما يتضح لمن يقرأ مقدماتي لترجمات شيكسبير، وأبدأ بالكلمات التي شاعت في هذا وفي ذاك وتبدأ بالسابقة meta وما أكثرها في هذا الكتاب! لقد اعتدنا أشهر هذه الكلمات في العربية؛ أي كلمة ميتافيزيقا، وكان المعنى الحَرْفي الذي درجنا عليه عليه هو «ما وراء الطبيعة»، ثم انتشرت في نصف القرن الأخير هذه «البادئة» أو «السابقة» (prefix)؛ إذ دخلت على كلمات كثيرة، شاعت هي الأخرى بين «أصحاب الحِرْفة» باعتبارها من «لغة الحِرْفة» (jargon) مثل ميتامسرح (metatheatre) وميتانقد (metacriticism) والصفة (metacritical)، وإن كان التعبير الأخير قد وجد من يترجمه بتعبير «نقد النقد» (على ما في هذا من عدم الدقة)، ولكن «ميتامسرح» مصطلح يستعصي على الترجمة لأنه يعني وعي المسرح بأنه مسرح أو وعي المسرحية بأنها مسرحية، كما نجد في مسرح ثورنتون وايلدر (Thornton Wilder) وبيرانديلو (Pirandello) وشيكسبير (بطبيعة الحال) أو وجود أبنية مسرحية أخرى داخل المسرحية الكبيرة، كالمسرحية داخل المسرحية، أو خروج الممثلين عن أدوارهم في المسرحية الأصلية لتمثيل أدوار أخرى أو لمخاطبة الجمهور باعتبارهم شخوصًا يمثِّلون أدوارًا معينة. وحاول يوسف إدريس أن يقترب من هذا المعنى بحديثه عن «التمسرح» و«المسرحة»، ولكن ما قاله لا يزيد عن «الطابع المسرحي»؛ أي «التمثيلي» للمسرحية، بمعنى أنها ليست الحياة أو «شريحةً» من الحياة، وهو المعنى الذي نجده في مصطلح theatricality على خلاف metatheatre، وترجمة «السابقة» meta هنا إلى العربية غير مستحسن بسبب تعدُّد المعاني التي توحي بها.
وأمَّا أهم المصطلحات التي تقترن بهذه البادئة أو السابقة في الكتاب فقد يوحي بعضها بمعنى «ما وراء» ولا يوحي بها البعض الآخر. خذ أولًا أهم مصطلح من هذا النوع ألَا وهو «ميتاقصة» metanarrative، أمَّا القصة نفسها narrative فهي اختصار للمصطلح الذي أتى به ليوتار (Lyotard) وهو grand narrative ليعني به القصة التي تُضفي المشروعية على أشكال معينة من المعرفة من خلال بث فلسفة معينة في ثناياها تقطع بصحتها، أو بعبارة أبسط نقول إنها القصة التي تهدف إلى إقامة مذهب فكري أو أيديولوجي (عقائدي) معين، يستوعبه السامع أو القارئ أثناء استمتاعه بمتابعة «الحكاية»، ومن ثم فهي قصة لها «ما وراءها»؛ أي ميتاقصة، خصوصًا ما رآه ليوتار في تناول الماركسية للتاريخ؛ إذ إن ميتاقصة الماركسية في نظره تحكي قصة كفاح الشعب (البطولي) للوصول إلى الاشتراكية. ويقول ليوتار إن الميتاقصص تزعم أنها عالمية الدلالة، وكل ميتاقصة توحي بأنها تستطيع أن تُبرز معاني جميع القصص الأخرى من خلال تحويلها إلى الصورة التي تتفق مع أيديولوجيتها، وعبارة ليوتار هي «ترجمتها إلى لغتها ونقض كل ما يخالف هذه اللغة»؛ ولهذا فهو يطلق عليها صفة «الكبرى» في كتابه المشهور حال ما بعد الحداثة (The Postmodern Condition)، وكان في كتاب سابق قد ذكر أن كل ميتاقصة من هذه تضفي المشروعية على مبادئها الثقافية والسياسية بافتراض وجود مصدر مطلق لها مثل الإله أو وجود غاية معينة مثل تحرير البشر في شتى أرجاء الأرض، قائلًا إن الميتاقصة تستطيع أن توحي باستقلالها عن الأيديولوجيا على الرغم من أيديولوجيتها الراسخة؛ فهي من ثمار عصر التنوير والحداثة، ولكن ما بعد الحداثة تكذِّبها وتنكرها. وذكر لي زميلي الدكتور مصطفى رياض أنه قرأ لها ترجمةً هي «القصة الشارحة»، ولا شك أن بكل ميتاقصة شرحًا أيديولوجيًّا مضمرًا، كما أنها تستطيع «شرح» جميع القصص الأخرى في ضوء هذه الأيديولوجية، ولكن الاقتصار على صفة الشرح يتضمَّن غموضًا ولا يشمل جميع الدلالات التي أوردتُها، وعلى رأسها الدلالة الأيديولوجية؛ ولذلك فأنا أوثر استعمال المصطلح المعرب؛ أي ميتاقصة.
وقس على ذلك مصطلح «ميتالغة» (metalanguage)؛ أي اللغة التي تتحدَّث عن اللغة بحيث تظهر «ما وراءها»، مثل «ميتانظرية» (metatheory) التي يمكن ترجمتها ﺑ «نظرية النظرية» أو بمنهج التنظير الباني لهذه النظرية دون سواها، ومثل «ميتانفعي» (meta-utilitarian)؛ أي المذهب الخفي وراء المذهب النفعي المعروف (الذي يقول إن قيمة أي شيء يحددها مدى ما يجيء به من نفع للناس). فكل هذه مصطلحات تتضمن معنى «ما وراء». فأما «الميتالغة» فإننا نُعَرِّفُها في علم اللغة بأنها اللغة التقنية المستخدَمة في وصف وتحليل النصوص اللغوية الأصلية، وبهذا المعنى يمكن إطلاق مصطلح «ميتالغة» على أية عملية متصلة باللغة، وفقًا لِمَا قال به ياكوبسون (Jakobson) الذي يوسِّع من نطاق المفهوم بحيث يشمل «اكتساب اللغة»، بل يقول في مقال له بعنوان «الميتالغة باعتبارها مشكلة لغوية» (١٩٦٠م) وهو منشور في كتابه الفن اللفظي والعلامة اللفظية والزمن اللفظي من تحرير كريستينا بومورسكا وستيفن رودي (١٩٨٥م) إن كل من يستخدم اللغة يُضطر إلى استخدام الميتالغة ليضمن أن يفهمه سامعوه، ولكن المحدَثين لا يقبلون هذا الرأي — من أصحاب ما بعد البنيوية وما بعد الحداثة إلى دعاة التفكيكية — كما أن لاكان (Lacan) ينكر وجود أية ميتالغة، ولعلنا نذكر أن هايديجر (Heidegger) الذي كان يرى أن اللغة «دار الوجود» (House of being) قد أنكر ذلك مثلما أنكره معظم فلاسفة اللغة وعلى رأسهم فتجنشتاين (Wittgenstein).
وأمَّا الميتانظرية فمصطلح لا يكاد يزيد عن توسيع دلالة النظرية حسبما نفهمها، وذلك بالنظر إليها من زاوية مكانتها في التفكير أو بالأحرى في الفكر الحديث؛ فعندما قال لويس ألتوسير (Louis Althusser) إن ممارسة الثورة مستحيلة من دون نظرية ثورية، قال النقاد إن هذا الموقف «ميتانظري»، وعادةً ما يشار إلى موقفه من علاقة الفكر بالعمل (praxis) [والمعنى المقصود للمصطلح الأخير هو الفعل الهادف] بأنه موقف ميتانظري، وقس على ذلك دفاع بول دب مان (Paul de Man) عن «النظرية»؛ أي عن ضرورة الالتزام بموقف نظري وهو ما يدعو إليه هومي بهابها (Homi Bhabha) [ويُنطق بابا]؛ أي إن هؤلاء، على اختلاف النظريات التي يُشيرون إليها يشتركون في موقف ميتانظري، وقس على ذلك ما ذكرته عن الموقف «الميتانفعي»، فنحن نفترض أن دلالة السابقة «ميتا» قائمة في كل مصطلح من المصطلحات السابقة.
وآخر مصطلح يتضمَّن هذه السابقة «ميتا» في الكتاب مصطلح «ميتاتاريخ» (metahistory) والصفة ميتاتاريخي (metahistorical). ويقال إن نورثروب فراب (Northrop Frye) كان أول من استعمله بمعناه المشهور اليوم، ألَا وهو «فلسفة التاريخ الحدسية»؛ أي النظرة الشاملة إلى التاريخ استنادًا إلى الحدس الفلسفي، وهو ما نجده عند هيجيل الذي يضع صورةً عامة عالمية للتاريخ، والكتاب الذي يناقش فيه فراي هذا المفهوم ويسميه «ميتاتاريخ» عنوانه خرافات الهُوية: دراسات في الأساطير الشعرية (Fables of Identity: Studies in Poetic Mythologies, 1963)، ولكن جيلنا لم يعرف هذا المفهوم حقًّا إلا من الكِتاب الذي وضعه هايدن هوايت بعنوان الميتاتاريخ: الخيال التاريخي في أوروبا في القرن التاسع عشر، عام ١٩٧٣م، (Hayden White, Metahistory: The Historical Imagination in Nineteenth-century Europe) وهو الذي تكثر الإشارة إليه في المراجع الخاصة بالنظرية الأدبية الحديثة، خصوصًا في مبحث نظرية ما بعد الاستعمار والتاريخية الجديدة، وإن كان المصدر الأوفى لأفكار هوايت في هذين المبحثين كتابه التالي وعنوانه مدارات الخطاب: مقالات في النقد الثقافي (١٩٧٨م) (Tropics of Discourse: Essays in Cultural Criticism)، ويقول هوايت فيه إننا نخطئ منهجيًّا إذا فصلنا فصلًا واضحًا بين التاريخ (أو تحديدًا بين الشكل السردي الذي يصف ما حدث في التاريخ) وبين فلسفة التاريخ أو النظام/المنهج التفسيري (أو النظرية التأويلية) التي تمنح ذلك الشكل السردي أو تلك القصة مشروعيتها؛ إذ إن كتابة التاريخ التي تتخذ حتمًا شكلًا قصصيًّا تتضمن بالضرورة القَبول ضمنًا بفلسفة تسعى إلى تبرير (أو إثبات صحة) الشكل القصصي الذي يستخدمه الكاتب/المؤرخ. ومن ثم فهو يُعَرِّف الميتاتاريخ بأنه الأساس المشترك الذي يستند إليه القص التاريخي وفلسفة التاريخ معًا، في محاولتهما لتحديد معنى ما حدث، وعلينا من ثم أن نعتبر أن «النص التاريخي» عمل فني أدبي وأن نقوم بتحليله من هذه الزاوية. ولا شك أن هذا المفهوم يشترك مع ما يقوله ليوتار في كتابه المشار إليه عاليه (الطبعة الفرنسية ١٩٧٩م والترجمة الإنجليزية ١٩٨٤م) وفي رأيي أن تيري إيجلتون (Eagleton) كان يستند إلى أقوال هوايت في تعريفه للأدب الذي لا يقتصر على الأدب الخيالي بل يضم التاريخ في كتابه النظرية الأدبية: مقدمة (١٩٨٣م) (Literary Theory: An Introduction).
ومن ناحية أخرى يطرح الميتاتاريخ أسئلةً عن بناء أو أبنية الوعي التاريخي، وأظننا لن نحتاج إلى أمثلة توضِّح معنى هذا ففي أحوالنا الراهنة في العالم العربي أمثلة لا حصر لها على تداخل وعي العرب بماضيهم مع وعيهم — إلى حد ما — بحاضرهم، بحيث لا تكاد دراسة تاريخية تُكتب الآن أن تخلو من الميتاتاريخ؛ أي وعي الكاتب «بحضور» التاريخ [و«الحضور» من خصوم دريدا الألداء]؛ فقد يبني المؤرخ المعاصر عندنا رصده لما يحدث الآن كأنما كان يحدث من زمن سحيق، أو يكتب عن الماضي بفلسفة الحاضر ومنطقه، وهذه زاوية تؤكِّد اتفاق معنى السابقة «ميتا» في بعض المصطلحات التي تتركَّب منها. وإذن فالميتاتاريخ يشكِّك في مدى صِدق التفسيرات التاريخية معرفيًّا بالمقارنة بزوايا التفسير الأخرى لِمَا يسمَّى facts التي نترجمها ﺑ «الحقائق» ولكنها أقرب إلى معنى البيانات (data) أو المعلومات (جمع «معلوم»؛ أي ما نعلمه وحسب، صَدَقَ أو كذب)، كما يشكِّك في دلالة أشكال التمثيل التاريخي لها. ويقول الدارسون المحدَثون لأفكار هوايت إنه كان يريد استعادة الاحترام للدراسات التاريخية لا باعتبارها عِلمًا كالعلوم الطبيعية؛ فهذا في رأيه تناقض فكري، بل بزيادة وعي المؤلف؛ أي المؤرخ أو الكاتب الإبداعي الذي يستقي مادته من التاريخ (فكلاهما مؤلف) بانتمائه الفلسفي، وزيادة نقده لذاته؛ أي مراجعته لنفسه، قائلًا إن التاريخ يعجز عن مجاراة الفيزياء أو البيولوجيا في رصد الحقائق، ولكنه قادر على أن يقدِّم أشكالًا معرفية من نوع آخر، وقد تماثل ما نجده في الفن والأدب، وهو ما يحتِّم إدراكنا للميتاتاريخ وفق تعريفه المشار إليه.
ونأتي الآن إلى مصطلح له تاريخ طويل وهو مصطلح الاغتراب alienation وله صلة وثيقة بمصطلح آخر وهو anomie؛ أي الضياع [وقد يكتب anomy]، والمقصود بالضياع فقدان الإحساس بالهدف أو الهُوية أو تقطُّع الجذور، سواء للفرد أو للمجتمع، وهو مشتق من الكلمة اليونانية anomia التي تعني البلطجة بمعناها الواسع؛ أي عدم الالتزام بأية قوانين، فأمَّا الاغتراب فمعناه الاشتقاقي فقدان الملكية أو الانتماء، ومن ثم فإن الصفة alien تعني الأجنبي أو الغريب، وهو معنًى مستخدم في الإنجليزية المعاصرة، وأمَّا في الأدب فدائمًا ما تكون له صفات توحي بالضياع أو تقطع الأسباب. والفعل alienate يعني في الاقتصاد نقل الملكية أو فقدانها، وهو المعنى القائم في الدلالة الاشتقاقية أيضًا، ولكن في نحو منتصف القرن التاسع عشر كان يشيع استخدام alienation في علم النفس بمعنى فقدان الملكات الذهنية، أو الجنون، بل إن أحد الباحثين يقول إن كلمة alienist كانت تعني في ذلك الوقت الطبيب النفسي بدلًا من عبارة mad doctor القديمة، ويُضيف إن هذا المعنى أصبح اليوم مهجورًا وإن كان لايزال قائمًا في بعض اللغات الرومانسية مثل aliéné الفرنسية وalienato الإيطالية.
والمعنى الحديث للاغتراب مستقًى بصفة أساسية من كتابات ماركس الأولى، خصوصًا من المخطوطات الاقتصادية والسياسية (١٨٤٤م) ونظريته عن الاغتراب تدين بديْن كبير إلى التقاليد الهيجيلية في الفلسفة الألمانية؛ إذ يصف هيجيل في كتابه ظاهريات العقل (The Phenomenology of Mind) (١٨٠٧م) «الوعي التعس»؛ أي الوعي عند من يأخذ بمذهب الشك الفلسفي بأنه وعي منقسم على نفسه، أو أن صاحبه كائن مزدوج متناقض؛ إذ أُصيب بالاغتراب عن ذاته، بعد أن أُحبطت تطلُّعاته إلى الانتماء إلى العالم، وهو ما يتسق مع المعنى الاشتقاقي المذكور في الفقرة السابقة. ويقول لودفيج فويرباخ (Ludwig Feuerbach) وهو من الهيجيليين الجدد، إن الإله المسيحي إسقاط للجوهر الإنساني الذي اغترب عن الإنسان، ومن ثم تجسَّد وأصبح ربًّا معبودًا، في كتابه جوهر المسيحية الذي ترجمَته الروائية جورج إليوت إلى الإنجليزية عام ١٨٤٢م. ولكن ماركس يقول إن الاغتراب من السمات المميزة للرأسمالية الحديثة، ومن سِمات توثين السلع (commodity fetishism)، فكلما اشتدَّ حط الرأسمالية للقيمة الحقة للإنسان ازداد تضخيمها لقيم الأشياء. وحجة ماركس يسيرة الفهم إذ تقول إن العامل لا يملك نتيجة عمله، وهكذا تكتسب ثمرة عمله حياةً غريبة عن العامل؛ أي تجعله «يغترب» عمَّا أُنتج ومن ثم عن الواقع الذي شارك في إيجاده.
وهذا ما يجيء بنا إلى مصطلح التوثين المشار إليه في الفقرة السابقة، وسر ترجمته على هذا النحو هنا. فأمَّا المعنى الأصلي للكلمة الأجنبية fetish فهو أي شيء يعتقد المرء أن له تأثيرًا سحريًّا، سواء كان تميمةً أو أي شيء مجسد، ومن ثم فإن fetishism تعني عبادة هذه الأشياء «السحرية» أو الإيمان بقدرتها الغيبية على التأثير في حياة الإنسان. وانتقل هذا المعنى من اللفظة الفرنسية إلى مجال التحليل النفسي حيث أصبح يعني نوعًا من الانحراف الجنسي؛ إذ يبتعد المرء (الذكر عادة) عن الجنس الآخر وتتعلَّق غريزته بشيء غير جنسي، كأن يكون حذاءً أو حقيبة أو قطعة من الفراء تثيره جنسيًّا، وهذا معنَّى متخصِّص. أمَّا المعنى الآخر الذي يوضِّح ما يقوله ماركس في نظريته عن توثين السلع، فنجده في معنى الكلمة الذي وضعه عالم النفس الفرنسي ألفريد بينيه (Binet) (١٨٥٧-١٩١١م) وبناه على النظرة الأوروبية إلى التمائم المستخدمة في الأديان التقليدية في غرب أفريقيا؛ إذ دأب الأوروبيون على الخلط بين الأشياء الملموسة التي تُنسب إليها قوة خارقة أو القدرة على إقامة الصلة بينهم وبين آلهتهم، وبين الأوثان (أو الأصنام) التي تُعبد باعتبارها رموزًا لهذه الآلهة. ومن هنا اعتبر fetish وثنًا، وأصبح الفعل fetishise يعني يُوَثِّن، والاسم منه fetishisation يعني التوثين. وبهذا يقول ماركس صراحةً إذ يشير إلى أن الأشياء المُوَثَّنَة في العالم الحديث (١٩٠٥م) يمكن «تشبيهها بالأوثان التي كان المتوحشون يعتقدون أن آلهتهم تتجسد فيها».
ويتصل بهذه القضية مصطلحان يردان في الكتاب وهما «القيمة النفعية» (use-value) والقيمة التبادلية (exchange-value) وهما يردان في الفصل الذي يناقش فيه ماركس القضية المذكورة، وعنوانه «توثين السلعة وسر ذلك»، في المجلد الأول من كتابه رأس المال (١٨٦٧م)؛ إذ يقول إن توثين السلع يرجع إلى ازدواج قيمة السلعة على النحو المذكور. فأمَّا القيمة النفعية لأي شيء فترجع إلى استخدامه في ذاته والانتفاع به، وأمَّا قيمته التبادلية فترجع إلى إمكان استبدال شيء آخر به. وسوف أُحاول إيضاح هذا التمييز في ضوء نظرية ماركس عن توثين السلع والعلاقة بين العامل وصاحب العمل. يقول ماركس إن القيمة التبادلية تتجاهل (أي لا علاقة لها) بالقيمة النفعية، فمن يقدم إناءً محكم الصنع إلى شخص آخر ليستبدل به حذاءً يلبسه مثلًا، لن يعمل حسابًا لِما بُذل في صنع الإناء من الجهد أو العمل؛ أي لن يعمل حسابًا لقيمته الكامنة في هذا العمل وقد لا يحصل على الحذاء في عملية المبادلة بل على شيء آخر، وهو ما يشبه «علاقة الأجر» القائمة بين الرأسمالي والعامل في نظر ماركس؛ فهي علاقة لا تأخذ في اعتبارها الموقع الاجتماعي لكل منهما ولا العلاقة بينهما، بل تقتصر على الأجر الذي يُستبدل بعمل العامل؛ أي إن قيمة العمل الإنساني تنحصر في الأجر، كما أن الرأسمالي يعامل العمل معاملة الشيء المجرد الذي يمكن أن تُستبدل به أيةُ سلعة، ومن ثم فإن العمل أو الجهد الإنساني الذي بذله ذلك العامل يصبح شيئًا مجردًا أو، كما يقول ماركس، «سلعة مجردة» (abstract commodity) تُوازي أية سلعة أخرى، ومن ثم فإن الخصائص الاجتماعية للعمل البشري تكتسب فيما يظهر وجودًا مستقلًّا، بمعنى أنها تبدو منفصلةً عن العلاقات الاجتماعية، كما أن ثمار العمل تكتسب فيما يبدو صفات سحريةً لا علاقة لها بالعامل الذي أنتجها، وهكذا فإن السلع تغتصب قيمة العمل، ما دامت خصائص العمل تبدو للناس في صورة الخصائص الطبيعية للسلع، ومثلما يُضفي عابدو الأوثان عليها قوًى خارقة، أو ينسبون إليها مثل تلك القوى، فإن السلع المتبادلة في الاقتصاد الرأسمالي تكتسب في عيون الناس قُوًى سحريةً واستقلالًا وهميًّا يقرِّبها من تلك الأوثان.
وإذا زاد «توثين السلع» المذكور، الذي يؤدِّي إلى «الاغتراب» عند ماركس، كما سبق أن أشرت، فقد يصل إلى مرحلة «التشيؤ» (reification)؛ أي تحويل الإنسان وعمله إلى أشياء «جامدة» [والكتاب يورد مرادفًا آخر لهذا المصطلح وهو thingification]، وهو ما سبق أن ذكرته في كتابي المصطلحات الأدبية الحديثة؛ ولذلك سأقتصر على الربط بينه وبين ما سبق عند لوكاتش (Lukacs) الذي يخصِّص له فصلًا كاملًا بعنوان «التشيؤ ووعي البروليتاريا» في كتابه التاريخ والوعي الطبقي (١٩٢٣م) ويقول فيه إن توثين السلع في المجتمع الصناعي الحديث قد اتسع نطاقه فأصبح يشمل جميع مجالات النشاط البشري، بما في ذلك الوعي نفسه. فأصبح الإنسان يظهر دون مبالغة في صورة الشيء، لا في صورة العامل الفعال في النشاط الاقتصادي وفي التغير التاريخي، فما دام العمل والسلع التي يتجسَّد فيها قد اكتسب استقلالًا وهميًّا، فإن النشاط البشري يُصبح سلبيًّا أو يقتصر على موقف التأمل إزاء تبادل السلع ذي الاستقلال الوهمي، ويظهر كأنما انفصل عن العلاقات الاجتماعية الاقتصادية التي تُنْتَج فيها هذه السلع. ويقول لوكاتش في الختام إن الشكل الوحيد للوعي الذي يستطيع الإفلات من التشيؤ وتجاوزه هو الوعي الجماعي الفعال الذي يتجسَّد في الحزب الثوري للبروليتاريا، وسوف يرى القارئ كيف يعارض معظم أصحاب ما بعد الماركسية الذين يعرض الكتاب أفكارهم هذه الرؤية للحزب الثوري.
وأنتقل بعد هذا إلى بعض المصطلحات المرتبطة بالمفاهيم التي جعلت أصحاب ما بعد الماركسية يعترضون على ذلك المذهب، ومن أهمها الوضعية (positivism)، وهي مدرسة فكرية ترتبط باسم الفيلسوف الفرنسي أوجيست كونت (Comte) (١٧٩٨-١٨٥٧م) كما ترتبط بنشأة علم الاجتماع إذ كان كونت هو الذي ابتدع الكلمة الفرنسية له (sociologie) ووضع له تعريفًا يقول إنه «الفيزياء الاجتماعية»، وكان تأثيره في القرن التاسع عشر واسع النطاق؛ إذ أدَّى إلى اشتغال إميل ليتريه (Littré) بوضع معجم ضخم للغة الفرنسية نشره ما بين عام ١٨٦٣ و١٨٧٣م، واشتغال غيره «بالطب التجريبي» الذي وضع أسسه كلود برنار (Bernard) عام ١٨٦٥م، وهو الذي أسهم إسهامًا كبيرًا في تعريف المفهوم الحديث للتجريب والمنهج العلمي.
ونحن نُشير إلى «وضعية» كونت اليوم باسم الفلسفة الوضعية (positive philosophy) وهي تجمع بين كونها نظريةً للمعرفة (epistemology) وكونها فلسفةً تطورية للتاريخ البشري تقوم على افتراض مرور التاريخ بثلاث حالات، وهو ما يشار إليه بتعبير قانون الحالات الثلاث، وخلاصته أن الجنس البشري والمعرفة البشرية قد تطوَّرا معًا من خلال ثلاث حالات متصلة، أولاها الحالة الدينية التي يتقدَّم فيها الإنسان من الوثنية البدائية (primitive fetishism) إلى حالة تعدُّد الأرباب، ومنها إلى حالة التوحيد، ويعيش في ظل حكم ديني يُعتبر من أشد حالات الحياة الاجتماعية بدائية. وفي الحالة التالية التي يسميها الحالة الميتافيزيقية، يكُفُّ العقل البشري عن طلب أسباب خارقة للأحداث من حوله أو تفسيرات تتجاوز الطبيعة لدنياه، بل يخلق أربابًا علمانية مثل حِيازة الأملاك والظفر بالسلطة، ومن ثم يتطور إلى ضربٍ من «التوحيد العلماني» المستند إلى مفهوم واسع النطاق ﻟ «الطبيعة». وفي المرحلة الأخيرة، وهي «الحالة الوضعية»، يكف البشر عن السعي لمعرفة لماذا يحدث ما يحدث؛ أي معرفة العلل، أو طرح رؤاهم عن «الكيان» الداخلي للظواهر، ويتحولون إلى النظر في كيفية حدوث ما يحدث. ولمَّا كان تعريف «الوضعية» يقول إنها منهج علمي فإنها تسعى لاكتشاف القوانين العالمية والعامة التي تحكم الكون باستخدام الملاحظة والتجربة والحسابات. وأمَّا ما نسمِّيه «المعرفة» فيقتصر على نتائج الملاحظات التي ثبتت صحتها بفضل التجريب. وكان فكر كونت يتميز بنزعة يوتوبية جعلته يحاول أن ينشئ «دين الإنسانية»، الذي يتخذ له قديسين علمانيين ويحتفي بالمنجزات الوضعية للإنسانية، ومبدأ هذا الدين هو الحب، وأساسه النظام، وهدفه التقدم.
وظلت الوضعية من الاتجاهات الفكرية المهمة في القرن العشرين، وكان فتجنشتاين يعبِّر عن اتجاهه الوضعي حين قال في الكتاب الأزرق (١٩٥٨م) «من الصعب فلسفيًّا أن نقول أكثر مما نعرف.» وأما الوضعية المنطقية في دائرة فيينا فقد ورثت صراحة تراث كونت وإن كان الباحثون اليوم يركِّزون على إمكان التحقق من صدق المقولات اللغوية أو العلمية؛ أي verification لا على فكرة التجريب الساذجة عند كونت، ولا يورد الكتاب ممن ينتمون إلى دائرة فيينا (The Vienna Circle) إلا البريطاني أ. ج. إير (Ayer) وهم مجموعة من العلماء والفلاسفة الذين عملوا في العشرينيات والثلاثينيات من القرن العشرين على تشكيل ملامح الوضعية المنطقية، ولمن يريد الاطلاع على جوهرها أن يقرأ كتاب «إير» المذكور وعنوانه اللغة والصدق والمنطق (١٩٣٦م) وما هذا الجوهر إلا الفلسفة العلمية التي تتميَّز برفضها الكامل للميتافيزيقا التي يُعَرِّفُها «إير» بأنها «المعرفة التي لا يستطيع العلم التجريبي تحصيلها»، ويشترك مع أعلام هذه «الدائرة» في اعتماده على مبدأ التحقق من صدق المقولات أو معيار «إمكان كذبها» (falsifiability) الذي أشاعه السير كارل بوبر (Popper) فيلسوف العلم ومؤرخه، الذي اشتهر بما كتبه عن نظرية المعرفة العلمية، ونقده للمذهب التاريخي (Historicism) ودفاعه عن «الانفتاح» الاجتماعي أو الديمقراطية. وعلى الرغم من مشاركته اهتمام دائرة فيينا بالتمييز بين ما هو «علم» وما هو «غير علم» فإنه هاجم الوضعية المنطقية، وهو ما أثَّر في فكر ليوتار الذي يناقشه هذا الكتاب، وسوف يرى قارئ الكتاب مدى اعتراض أصحاب ما بعد الماركسية على الوضعية التي يقوم عليها هذا المذهب.
وسوف يصادف قارئ هذا الكتاب تراكيب جديدةً لا توردها المعاجم مثل الجمع بين الأنطولوجيا (ontology)؛ أي علم الوجود (انظر ما سبق) وبين علم النفس في تعبير واحد هو psycho-ontological أو الأنطولوجي النفسي أو العناصر النفسية الأنطولوجية والمقصود أن الظاهرة التي توصف هذا الوصف تجمع بين عناصر أنطولوجية؛ أي ميتافيزيقية (ما دامت تختص بما يتجاوز الحواس وظواهر الوجود)، وبين عناصر نفسية ثابتة. والتعبير يصف ما يقوله دريدا عن الأشباح التي تسكننا؛ فهو يؤمن بأن كل إنسان «مسكون»؛ أي إن في وجوده أشباحًا معينة، ومعنى «تسكنه» أنها قائمة في وجوده وفي أعماق نفسه، ويُطلَق على ذلك تعبير «المسكونية» (hauntology)؛ أي علم ما يسكننا من أشباح، ويقصد بالأشباح الكِيانات التي ليست عدمًا كاملًا ولا وجودًا كاملًا، بل هي بين بين؛ «فهي وجودٌ عدم» (إذا استعرنا عبارة الشاعر أحمد شوقي). وأما حديث دريدا عن العلاقة «الأنطوسياسية» (anto-political) فلا يقصد به إلا العلاقة بين السياسة والأنطولوجيا، كما أبين في الترجمة، والكاتبان يحاكيان دريدا فيبتكران تركيبًا جديدًا هو علاقة «المسكونية-السياسية» (haunto-political) وأنا أشرحه في الترجمة بأنه العلاقة بين الأشباح المفترضة والسياسة [بين قوسين مربعين]، ولا لوم على المؤلفيْن إذا ابتدعا مثل هذه التراكيب محاكاةً لدريدا، ولكنني لا أجد لذةً مثلهما أو مثل دريدا في التعقيد الذي تمثِّله هذه «المُركَّبَات»، بل أسعى إلى نقل المعنى واضحًا بأقصى ما أستطيعه من جهد، وعندما يقول دريدا onto-theologian وteleo-eschatological واصفًا بذلك برامج الماركسية أقول إنه برنامج يجمع بين الأنطولوجيا واللاهوتية (في المصطلح الأول) وبرنامج يجمع بين الغائية و«الأخروية» (في المصطلح الثاني) ثم أشرح الاسم قائلًا [بين قوسين مربعين] إنه يختص بعلم الآخرة.
وأترك الآن التراكيب لأنظر في معنى كلمة «نظرية» و«النظرية»، وتُكتب الأولى في اللغة الإنجليزية بحروف عادية والثانية بحرف كبير في أولها (Theory) من دون أداة تعريف؛ فأما الأولى [النكرة بالعربية] فتعني أية نظرية من النظريات التي أشرت إليها عاليه في سياق مناقشة معنى «ميتانظرية» و«ميتانظري»؛ إذ تعني عند ألتوسير «الماركسية»، وعند بول دي مان «التفكيكية»، وعند هومي بهابها «العلاقة الثقافية»، كما هو معروف، ولكن الكلمة الثانية [المعرفة بالعربية] فعادةً ما تعني ما يشير الإنجليز إليه، بنبرة غَيْرَة مضمرة، باسم «النظرية الفرنسية»، ونشير إليها نحن بالعربية بعبارة «النظرية الأدبية الحديثة»، على ما في التعبير من افتقار إلى الدقة؛ فالمقصود مجموعة «النظريات» التي أتى بها المفكرون الذين أثَّروا تأثيرًا كبيرًا في نظرتنا للأدب في الثلاثين عامًا الأخيرة وعلى رأسهم بارت (Barthes)، وفوكوه (Foucault)، وألتوسير (Althusser) وبعدهم بودريار (Baudrillard) ودريدا وليوتار. وفي سياق الكتاب الحالي تتردَّد أصداء «النظرية» المذكورة، مع الإشارة إلى بعض هؤلاء الأعلام، وسوف نلاحظ كيف ينتقل الكاتبان بين المصطلحات التي جاء بها كلٌّ منهم كأنما هي وجوه متعدِّدة لشيء واحد، رغم الاختلافات الشديدة بينهما، وكأنما لتؤكد مقولة فريدريك جيمسون عن الإطار العام الذي يمثِّله معنى النظرية (انظر كتابه أيديولوجيات النظرية، مقالات ١٩٧١–١٩٨٦م: مواقف النظرية، ١٩٨٨م، والفصل السابع من كتابه ما بعد الحداثة أو المنطق الثقافي للرأسمالية المتأخرة (١٩٩١م)) (Ideologies of Theory: Essays 1971–1986 I. Situations of Theory, and Postmodernism, or the Cultural Logic of Late Capitalism). وفي حدود هذا الكتاب نجد أن دلالة «النظرية» يغلب عليها المعنى الذي يقصده جيمسون ألَا وهو تداخل العلوم الإنسانية إلى الحد الذي تختلط فيه «المدارس» أو «التخصصات» القائمة (وهو يسمِّيها الأنواع genres) وفقًا لروح ما بعد الحداثة، إذ يتساءل جيمسون: هل يمكن اعتبار عمل فوكوه فلسفة، أم تاريخًا، أم نظريةً اجتماعية، أم علومًا سياسية؟ ومن وراء تساؤل جيمسون نجد جهد ألتوسير لفرض الترادف بين «النظرية» والماركسية، وسوف يلاحظ قارئ الكتاب التداخل الذي ألمح إليه جيمسون في انتقال المفكرين بيسر ما بين الأدب والفن وبين السياسة والاجتماع، كما سوف يلاحظ تأثير ألتوسير فيما يتعلَّق بمعنى النظرية. ولابد لي أن أُضيف أننا اليوم، في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، لا نستطيع فصل مدخل لدراسة الأدب (وهو اهتمامي الأساسي) عن سواه من المداخل النظرية؛ ففي استقصائي لكل ما استطعت الحصول عليه مما كتبه النقاد عن شيكسبير؛ أي عند إعداد مقدماتي لمسرحياته المترجمة، أجد الشواهد على مثل هذا التداخل، وكثيرًا ما أجدني أرصد الدراسات التي تجمع بين أكثر من مدخل من المداخل النقدية الحديثة، بل كثيرًا ما كنت أرى كيف تتلوَّن هذه المداخل بألوان مباحث علمية لم تشملها «النظرية» المشار إليها، مثل المذهب النسوي، والتحليل النفسي وغيرهما من مذاهب التحليل الفني، وكنت أتساءل أحيانًا: أليس من المستحسَن تعديل تعريفنا لمصطلح النظرية الأدبية الحديثة العربي بحذف صفة «الأدبية» منه؟
وربما تكون الترجمة مسئولةً عمَّا اضطُر إليه الكاتبان من اشتقاق صيغ جديدة لكلمات تتضمن «سوابق» أو «بوادئ» (prefixes) لم تقترن بها من قبل، بحيث تبرز لنا مصطلحات جديدة تتطلب الترجمة؛ فالسابقتان macro- وmicro- ترتبطان بكلمات كثيرة توردها المعاجم والقارئ يألف هذا الارتباط ويندر أن يحس به، وترجمة هذه الكلمات قد تتفاوت ما بين التعريب (ميكروسكوب – مجهر؟) وبين الترجمة بكلمتي «كبير» و«صغير»، وبين إيضاح الدلالة المقصودة عند المتخصص، مثل macroeconomics التي تشير إلى جميع القوى المؤثرة في الاقتصاد أو العلاقات المتداخلة بين القطاعات الكبرى مثل العمالة أو الدخول وغير ذلك، وقد درجنا على ترجمتها «اقتصاد الدولة»، ولكن أحد المعاجم يقول إن المصطلح يعني «اقتصاد الجملة» وغيره يقول «الاقتصاد الكبير»، والكلمة المضادة في المعنى microeconomics تشير إلى بعض العوامل المحددة التي تؤثِّر في نظام اقتصادي معين، مثل سلوك المستهلكين الأفراد، أو تسويق منتجات بعينها، ولكننا درجنا على ترجمتها باقتصاد المشروعات، وغيره يقول «الاقتصاد الصغير»، وأما microfinance أو ما تترجمه الصحف المصرية بتعبير «التمويل المتناهي الصغر»؛ أي إقراض الفقراء مقادير محدودةً من المال لإقامة مشروعات صغرى (وهو الذي بدأ وازدهر في الهند)؛ فمصطلح لم يدخل المعاجم الحديثة بعد، على الرغم من شيوع الكلمة في السياقات الاقتصادية وفي الصحف. ولكننا نجد في هذا الكتاب كلمات مشتقةً على هذا النحو من دون إيضاح لمعناها، فإذا كان من اليسير إدراك أن كلمة microfascisms تعني الاتجاهات الفاشية الضيقة النطاق (أو الصغرى)، فليس من اليسير القطع بمعنى microsocial، فهل تعني الظواهر الاجتماعية الضيقة النطاق، أم تعني الظواهر الخاصة بالمجتمع المحلي؟ إن كلمة «الصغرى» تحل المشكلة ظاهريًّا، ولكنها لا تأتي بالمعنى المقصود (إذا كان هناك معنًى مقصود عجز الكاتب عن إيضاحه أو تصور وضوحه فلم يأتِ به). وقِس على ذلك الكلمتين macropolitical وmicropolitical، وأما عبارة مثل macrocontextualisation of objects فيسهل أن نقول إن المقصود وضع الأشياء في سياقها الكبير. وأمَّا البادئة extra فيستخدمها الكاتبان في نحت عدة كلمات جديدة تُضاف إلى ما في المعاجم، وكلها بمعنى «خارج» (قياسًا على كلمة extraterrestrial (E.T.)) من خارج الكرة الأرضية وextrabudgetary من خارج الميزانية، مثل كلمة extranarrative؛ أي خارج القصة، وextrascientific؛ أي خارج العلم، وextra-institutional؛ أي خارج المؤسسات، ومثل كلمة عجيبة تسهل ترجمتها ويصعب تحديد معناها وهي extradiscursive؛ أي من خارج الخطاب، ولكن هل المقصود بالخطاب «الاتجاه الفكري» أم «الكلام» المنطوق أو المكتوب؟ والحق أن النسبة إلى الخطاب (discourse) (الذي يعني الأفكار والكلام معًا) باستخدام الصفة (discursive) تُرغم القارئ (أو المترجم) على تحديد المقصود أولًا حتى يأتي بالنسبة المطلوبة، وأحيانًا ما يساعده المؤلفان بإرداف أحد المعنيين بالكلمة، وأحيانًا يُضطَر إلى بذل الجهد دون معاونة، عند مصادفة تعبير مثل discursive exterior ومعناه لا يزيد عن «ظاهر الكلام»؛ فقد يقول الكاتب discourse or language فيوحي بأن المقصود هو الخطاب بمعنى الكلام، وقد يُشير صراحةً إلى مشكلة الأيديولوجيا في علاقة «الخطاب بغير الخطاب» (discoursive-nondiscursive relation) [هكذا]، فيعني أن المقصود هو علاقة الكلام الذي يحمل فكرًا «أيديولوجيًّا»؛ أي معبِّرًا عن توجُّه مذهبي وبين الكلام الذي لا يحمل مثل هذا الفكر.
ونصادف في الكتاب مصطلحات أخرى صاغها المؤلفان قياسًا على ما هو معهود في اللغة الإنجليزية [وأحيانًا خروجًا عمَّا هو معهود مثل الاسم proprietoriality الذي يعني المِلْكية (في صورة المصدر الصناعي)؛ أي حالة كون المرء يمتلك شيئًا]، وهي كلمة لم يُقدَّر لها أن تدخل أي معجم حديث، فنجد مصطلحات عديدةً تستخدم البادئة super وsupra، فأما super enlightenment فيعني التنوير الفائق وهو مفهوم لم أعثر عليه في معاجم الفلسفة الحديثة، وأما supranationalism فتعني ما يشمل أكثر من أمة واحدة، أو كل الأمم، والإنجليزية المعاصرة تفضِّل مرادفتها transnational؛ أي التي تتجاوز حدود الدولة الواحدة، أو «عبر الوطني»، ولا تعني أكثر من مرادفتها الأخرى multinational؛ أي متعدِّدة الجنسية/الجنسيات في سياق الحديث عن الكِيانات الاقتصادية عمومًا. والبادئة trans تُستخدم في هذا الكتاب مشتبكةً بكلمات أخرى بحيث تأتي لنا بمصطلح جديد، ولنكتفِ بمثال واحد هو transavantgardism؛ أي التي تتجاوز «الطليعية»، والمعروف أن المذهب الطليعي في الفنون والآداب يعني ابتداع طرائق تعبيرية جديدة تشق الطريق أمام جيل جديد أو أجيال جديدة، وتعني في هذا الكتاب المفهوم الماركسي للمفكرين الذين يشقون الطريق أمام الجماهير بالفكر والكفاح تحقيقًا للاشتراكية. ومن الطريف أن «الطليعة» avant-garde تتفق اشتقاقًا واصطلاحًا بين العربية والفرنسية والإنجليزية، فمعناها في اللغات الثلاث مقدِّمةً الجيش أو من يُبْعَثُ قُدَّامَهُ ليطَّلِعَ طِلْعَ العدو، وهي ترد في هذا الكتاب في السياقين الفني والسياسي، ويستخدم ليوتار المصطلح ليعني «تجاوز الطليعية»، ونحن نعرف أن الفرنسيين كانوا يوازون بين الحداثة والطليعية وليوتار يرى أن «ما بعد الحداثة» مذهب يكفل تجنُّب ما انتهت إليه الحداثة في نظره من واقعية اختزالية (reductive)؛ أي تختزل الواقع في أساليب لغوية أو فنية براقة مثل التي يتميز بها الأدب السطحي الجذاب (kitsch)، وهو ما يطلَق على الفن أيضًا فيما يسمَّى بصناعة الثقافة (the Culture Industry)، وهو المصطلح الذي يطلقه أدورنو وهوركهايمر (من مدرسة فرانكفورت) على صناعة فنون الفرجة (entertainment) أو فنون التسلية، وأصبح هذان المصطلحان أساسيين في النظرية النقدية، بخلاف مصطلح «الاختلاف الأصيل» (the Differend) الذي ابتكره ليوتار وجعله عنوانًا لأحد كتبه، ويعني به «اختلاف قواعد» العلاقة/اللعبة/البناء … إلخ، فالمصطلح لم يلقَ النجاح الذي لاقته سائر المصطلحات في النظرية النقدية.
وقبل أن أنتقل إلى مصطلحات التحليل النفسي وهي كثيرة أود الإشارة إلى عدد من المصطلحات المركبة من بوادئ أو سوابق مألوفة في اللغة الإنجليزية مثل pre وpost أو من إضافة self في بداية الكلمة؛ فالبادئتان الأوليان لا تعنيان أكثر من «قبل» و«بعد» ويسهل إدراك المقصود من أولاهما «قبل» في مصطلح مثل premodern؛ أي قبل العصر الحديث، ومن ثانيتهما «بعد» في المصطلحات التي ثبتت معانيها مثل «ما بعد الحداثة» (postmodernism) وما بعد الماركسية (postmarxism) والصفات منهما، على تعذُّر تحديد المعنى الخاص بكل منهما بسبب اختلاف دعاة كلٍّ من هذين «المذهبين»، ولكننا نجد أن الكاتبين هنا يقدِّمان مصطلحات جديدةً تحاول الإيحاء بأنها تتضمن معاني تزيد على معنى post الأصلي وهو «ما بعد» ولكنها تخفق في هذا المسعى، ولنضرب مثلًا من postfordism فأما «الفوردية» (Fordism) نفسها فمصطلح وضعه جرامشي عام ١٩٧١ ليشير به إلى ما أدَّت إليه الإدارة العلمية من تفتيت العمل وتقسيمه إلى سلسلة من المهام الصغيرة المتكررة والتي لا تتطلب مهارةً خاصة ولا بد من إنجازها في وقت محدد، والنموذج الواضح على هذا ما يسمى بخط الإنتاج (production line) الذي ابتدعه هنري فورد في مصانع السيارات بمدينة ديترويت الأمريكية، ويُعتبر هذا المذهب تطويرًا لِمَا كان يسمى «التايلورية» (Taylorism)؛ أي تطبيق تفتيت العمل المذكور في أقسام تعبئة اللحوم في المجازر الأمريكية، والفوردية تتميز بنجاحها التجاري الهائل، على ما فيه من سلب العمال القدرة على الابتكار أو التعامل مع ما يُنتجونه على نحو ما هو معروف في الحِرف والصناعات التقليدية، ولكن الزمن ما لبث أن تخطَّى هذا المذهب، الذي كان يُعتبر رمزًا للحداثة، وبدأ التغيير محاكاةً لِمَا لاحظه الدارسون لنظم العمل اليابانية؛ إذ أصبح «ما بعد الفوردي» عاملًا يتميَّز بالمرونة واكتساب وتطبيق مهارات متعددة والانتقال من مكان إلى مكان، فيما يسمَّى ﺑ «دوائر الجودة» في اليابان، ومن ثم أصبح التحول إليه سمةً من سمات «ما بعد الحداثة» خصوصًا بعد أن اكتسب مصطلح «ما بعد الفوردية» معاني أخرى تتمثل في تهيئة الخيارات للمستهلك، وتنويع المنتجات وعرضها معًا كما يحدث في السوبرماركت (الحقيقي) ذي الأقسام المختلفة الكثيرة؛ فالبادئة post هنا تحتفظ بمعناها الأصلي، على الرغم من تعدد معاني المصطلح الجديد، وقس على ذلك post capitalist أو ما بعد الرأسمالي/الرأسمالية، ومصطلح آخر يتكرر في الكتاب ويضفي بعض التعقيد على القضية وهو post-gendered world؛ أي العالم الذي تجاوز التمييز بين الجنسين، وهو ما يوصف به «المجتمع» كذلك، وإن كان الوصف يشير إلى ما هو مأمول أو منشود لا إلى ما هو واقع، ويرد المعنى نفسه؛ أي معنى «ما بعد التمييز بين الجنسين» في صورة مصطلح آخر وهو degendered وهو اسم المفعول من الفعل الجديد degender الذي يعني «يزيل سمة الجنس الذي ينتمي إليه المرء»، أو «يزيل التمييز بين الجنسين»، وعندما تصف إحدى رائدات المذهب النسوي الماركسي، واسمها دونا هاراواي ما يحدث في وادي السليكون (قرية البحوث والمنتجات الإلكترونية في كاليفورنيا) تقول إن إزالة التمييز أدَّت إلى نشأة هُويات لا تنتمي لأحد الجنسين (degendered identities)، وتستخدم داعية نسوية أخرى الفعل degenderise والاسم منه degenderisation.
وما دمت تطرقت لمصطلحات المذهب النسوي فلا بأس من ذكر مصطلح أصبح من دواعي الالتزام بالموضة وهو subvert ونحن نُترجمه في السياقات السياسية العامة بالفعل يُخَرِّبُ والاسم subversion التخريب، وتستخدمه داعيات المذهب النسوي للدلالة على الغاية التي ينبغي أن ترمي إليها «الكاتبة»؛ أي الكاتبة التي تريد أن تنصر المرأة في كفاحها لدحر سلطة المجتمع الأبوي، والغاية هي «قلب نظام» اللغة السائدة في ذلك المجتمع ما دامت تضع المرأة في موضع «الآخر»؛ أي في مقابل الرجل، وتزعم بعض هذه الداعيات أن ذلك قد تحقَّق فعلًا في الروايات والأشعار التي تكتبها المبدعات، وقد صَدَّقَ بعض دارسي علم اللغة هذا الزعم فحاولوا إثبات اختلاف لغة المرأة في الكتابة عن لغة الرجل، ولكني لم أجد فيما أتين به ما يُقنعني بأن المرأة قد نجحت في تحقيق ذلك الاختلاف، ناهيك باعتباره «تخريبًا» أو قلبًا للنظام الذي يُحيل القارئ إلى ما يُسَمَّى اللغة المُحكمة الذكورية؛ أي اللغة التي تتميَّز بوجود مركز إثبات لصحة المعنى خارج النص، وهو مركز يكفل للغة الإحكام والكمال استنادًا إلى سلطة الذكر، ويتلخَّص هذا كله في مصطلح جديد منحوت من كلمتين هما phallocentrism؛ أي مركزية الذكر، والثانية logocentrism؛ أي الإحالة إلى معنًى خارج النص، وهكذا نجد المصطلح (المنحوت) الجديد وهو phallogocentrism الذي يتكرَّر في الكتاب ليوحي بذلك كله، وهي التهمة التي وجَّهها دريدا إلى لاكان.
والإشارة إلى «الآخر» (the other) في الفقرة السابقة قد تأتي لذهن القارئ العربي بمعناها المشهور في دراسات «ما بعد الاستعمار» (post-colonialism)، وعلاقة الشعوب التي حصلت على استقلالها بالدول التي كانت تستعمرها، أو علاقة الشرق بالغرب عمومًا بسبب ذيوع أفكار إدوارد سعيد في الاستشراق Orientalism وغيره، ولكن الفكرة أصلًا فلسفية وتُستخدم في التحليل النفسي أيضًا، ويفيد معناها العام العلاقة بين الذات (subject) وبين شخص أو شيء ترى الذات أنه مغاير لها ومن ثَم فهو يمثِّل الآخر. وأشهر من درس الفكرة الفيلسوف والأديب سارتر (Sartre) في كتابه الذائع الصيت الوجود والعدم (١٩٤٣م) (Being and Nothingness) [الترجمة الإنجليزية ١٩٥٧م] الذي يتضح فيه تأثير هوسرل (Husserl)، ويرى سارتر أن «الآخر» يمثل تهديدًا لحرية الذات واستقلالها، قائلًا إن الذات قد تحيا «بنفسها، ولنفسها»، (in-itself, for-itself) [وقد أصبح هذان من مصطلح الفكر الفلسفي المعاصر]، ولكنها لا تعيش في عزلة بل مع «ذاتيات» (subjectivities) أخرى، ومن ثم فإن لها أسلوب وجود ثالثًا يصفه سارتر بأنه «الوجود من أجل الآخرين» (être-pour-autrui)، والكتاب المذكور يحلل ذلك نفسيًّا ويمهِّد لدخول المصطلح مجال التحليل النفسي؛ إذ إن لاكان يبدي تأثره بمذهب الظاهراتية مثل سارتر، ويقول في تفسيره لهيجيل (في كتابه ظاهريات العقل المشار إليه آنفًا) إن الوعي الذاتي (self-consciousness)؛ أي وعي المرء بذاته، لا يوجد إلا في حدود قَبوله لوعي ذاتي آخر، وأيضًا في حدود قَبول الوعي الآخر لوجوده. والنموذج الذي يقيم عليه هذه الجدلية هو العلاقة بين السيد والعبد عند هيجيل، وهي علاقة تؤدي إلى نشأة جدلية الرغبة (desire)، وهذه من المصطلحات التي تشغل مكانةً مهمة عند بعض أصحاب ما بعد الماركسية، وإن كان مفهومها المرتبط بهذا المفكر يطغى على مفاهيمها الأخرى، ولا بأس من إيراده هنا فهو بسيط؛ إذ يقول لاكان إن المرء يرغب فيما في يد الآخر دائمًا، ومن ثم تتحول رغبته إلى رغبة الآخر، وقد حاولت دعم هذا التفسير بكلمات لاكان نفسه في الفصل (وهو يسميه مقالًا) بعنوان «هدم الذات وجدلية الرغبة في اللاوعي الفرويدي».
“The Subversion of the Subject and the Dialectic of Desire in the Freudian Unconscious”.
في كتابه بعنوان مختارات من كتابات لاكان، من ترجمة ألان شريدان عام ١٩٧٧م، فقضيت وقتًا طويلًا في محاولة العثور على مقتطف فلم أُفلِح، وقلت في نفسي ما أعظم الجهد الذي يبذله (أو بذله) مترجمو لاكان!
و«الوعي الذاتي»؛ أي وعي المرء بذاته من المصطلحات المركبة التي تمثِّل بالإنجليزية مضافًا ومضافًا إليه هو «الذات»، ومن أشهرها لدينا وفي الكتاب «النقد الذاتي» (self-criticism)؛ أي نقد المرء نفسه، وقد أخذناه من مصطلح الماركسية، كما يشيع لدينا مركب «الاكتفاء الذاتي» (self-sufficiency)؛ أي اكتفاء المرء أو البلد بما لديه، واستخدام صفة «الذاتي» هنا على شيوعها غير دقيقة؛ فبعض هذه التراكيب تتطلب الإضافة لا الوصف، مثل self-occultation؛ أي تعمية المرء لنفسه؛ أي إخفاء طبيعته أو ما لديه، وقس على هذا «فهم المرء نفسه» و«وصف المرء نفسه» self-understanding وself-description على الترتيب، وعلى الرغم من وجود أكثر من ١٧٠ تركيبًا من أمثال هذه التراكيب في الإنجليزية الحديثة، فإنها لا تُعتَبر مصطلحات إلا إذا قَبِل المجتمع ترجمات معينة لها وشاعت هذه الترجمات (دقيقة كانت أو غير دقيقة)، فأصبح على المترجم الالتزام بها؛ فنحن نقبل الخطأ الشائع في عنوان السيرة الذاتية للرئيس السادات رحمه الله In search of Identity؛ إذ إن مقابلها العربي يأتي بالذات بدلًا من الهُوية، ومن مناهج الترجمة أو مذاهبها الحديثة ما يبرِّر هذا، ولنا أن نعتبر أن النص العربي هو الأصل، وأن الترجمة الإنجليزية صورة «أخرى» له، ولها عنوان مختلف، وهو من المشروع الآن.
ولكننا لا نملك مثل هذه الحرية حين نترجم نصًّا علميًّا، فعندما قال سارتر في المقتطف الوارد أعلاه «ذاتيات» لم أرَ أن من حقي تغيير الكلمة إلى «ذوات»، وعندما يقول لاكان في عنوان المقال المذكور آنفًا «الذات»؛ فأنا ملتزم بقوله، وأظن أن من حق القارئ أن يعرف شيئًا، إن لم يكن يعرف سلفًا، عن جاك لاكان، الذي يتردَّد اسمه وتتردَّد مصطلحاته في هذا الكتاب؛ فقد كان جاك لاكان الفرنسي (١٩٠١–١٩٨١م) صاحب أعظم إسهام في مجال التحليل النفسي منذ فرويد نفسه، وصاحب أكبر تأثير في النظرية الأدبية المعاصرة، وأشد من أثاروا الخلاف في هذا الصدد. وكان قد بدأ حياته العملية بدراسة الطب والتخصص في الطب النفسي، ثم إذا به يُثير زملاءه من ممارسي التحليل النفسي في فرنسا برفضه قَبول العمل بما يسمَّى «الساعة التحليلية»؛ أي قضاء ساعة كاملة يستمع فيها إلى المريض، مصرًّا على قضاء فترة أقل، وكان ينشر آراءه في حلقات الدرس (seminars) الأسبوعية، ويعتمد على كتابة الأبحاث لا الكتب منذ عام ١٩٥٣م، وقد جُمعت نصوص الحلقات المذكورة وبدأ نشرها في حياته وصدر الجزء الأول منها عام ١٩٧٥م (وصدرت ترجمته الإنجليزية عام ١٩٨٧م) ومن المفترض أن تُنشَر جميعًا في ٢٦ مجلدًا.
ويلزم هنا إيراد كلمة موجزة عن التحليل النفسي (psychoanalysis) الذي يخلط الكثير منا بينه وبين علم النفس (psychology). فأما التحليل النفسي الذي ارتبط باسم فرويد، فيعني عمومًا أنه فرع من فروع علم النفس، ويتلخَّص في أسلوب البحث في العمليات النفسية المصاحبة للعُصاب (neurosis) وغيره من أشكال الاضطرابات النفسية وعلاجها، ويقوم على افتراض أن أمثال هذه الاضطرابات تنشأ من رفض العقل الواعي لعوامل معينة (حقائق أو صدمات) فتتعرَّض للكبت (repression) في اللاوعي وتظل قائمةً فيه وتؤدي إلى صراعات يمكن تسويتها أو التقليل من تأثيرها بالكشف عن هذه المكبوتات (repressions) ونقلها إلى مستوى الوعي باستخدام تقنيات معينة مثل التداعي الحر وتحليل الأحلام dream analysis وfree association. وأما فرويد نفسه فيصف التحليل النفسي بأسلوب واضح موجه لغير المتخصص قائلًا إنه يتكون من ثلاثة عناصر؛ أولها أنه مبحث علمي أساسه بحث العمليات النفسية التي تجري في اللاوعي، ومن المحال الكشف عنها إلا من هذا الطريق؛ وثانيها أنه أسلوب علاجي يُستخدم في علاج الاضطرابات العصبية/العصابية؛ وثالثها أنه مجموعة من المعلومات/البيانات النفسية التي تطورت وأصبحت تشكل مبحثًا علميًّا جديدًا، وهذا العنصر الثالث هو الذي يهمنا لأنه يتضمن رؤيته للثقافة، وهي الرؤية التي تستند أساسًا إلى اعتبار الثقافة ثمرة إعلاء (sublimation) للطاقة الجنسية، ومصطلح الإعلاء أو التسامي مستمد من الفيزياء حيث يصف تحول الجماد إلى بخار، كما يضم رؤيته للفن، وهي التي تعتبر نقطة الانطلاق لشتى ضروب النقد القائم على التحليل النفسي. وأما عناصر التحليل النفسي التي تغذو أفكار بعض الأعلام الذين يناقشهم هذا الكتاب فتستند إلى مفاهيم أساسية عند فرويد مثل الشهوة الجنسية libido وعقدة أوديب The Oedipus Complex وغيرهما.
فأما الكلمة الأولى (libido) فهي لاتينية ومشتقة من الفعل الذي يعني «يرغب في» أو «يشتهي [جنسيًّا]» وتُستخدم في التحليل النفسي بمعنى الطاقة النفسية التي تولِّدها المناطق الحساسة جنسيًّا erogenous zones في الجسم، ويقول فرويد إن هذه الطاقة جنسية بصفة خاصة وإنها تختلف عن دوافع البقاء في قيد الحياة أو دوافع «الأنا» (ego). ونحن نعرف أن أحد الأسباب الرئيسية لاختلاف يونج (Jung) مع فرويد كان ميل الأول إلى تجريد مفهوم الشهوة من طابعها الجنسي واعتبارها جانبًا من جوانب الطاقة النفسية العامة. ولكن الكتاب الذي ألفه ليوتار بعنوان Libidinal Economy كان يفيد المعنى الفرويدي؛ ولذلك ترجمته بتعبير الاقتصاد الشهواني، ويستعين فرويد في وصفه لهذه الطاقة باستعارات مستمدة من حركة السوائل وقدرتها على تحريك الآلات، وهو المسمَّى بعلم الهيدروليكا (أو الإيدروليكا) (hydraulics)، ويتجلى هذا في اعتبار تلك الطاقة قوةً يمكن قياسها وتحديدها على أسس كمية، وقوله بأنها تقبل التشكل وذات قدرة على الالتصاق بشيء أو تركه (والانسحاب منه) بفضل ما يسميه خصائص الاحتلال (وهو أحد معاني الكلمة الألمانية الأصلية (besetzung) وترجمتها إلى الفرنسية investissement ومن ثم ترجمتها الإنجليزية الشائعة التي استقرت الآن في مجال التحليل النفسي وهي cathexis وقد اختارها المترجم جيمز ستريتشي (Strachey) بسبب اشتراكها في الأصل اليوناني الذي يعني يحتل بلدًا أو أرضًا، وهي بالإنجليزية cathect ومعناها المتخصص يشير إلى تعلق كمية من الطاقة النفسية بشيء أو بفكرة معينة، وعلى ذلك يمكننا ترجمة المصطلح بكلمة «الانشغال» ومشتقاتها العربية، والتعبير الذي يقول إن شخصًا ما منشغل انشغالًا شهوانيًّا بشيء ما يعني أن ذلك الشيء، وفق مفهوم فرويد، يحظى بطاقة جنسية [فرويد يسميها «شحنة محددة من الطاقة»] نابعة من مصادر داخلية في نفس الشخص [ويقابل هذا بالإنجليزية (being libidinally cathected to an object)]).
وأما «عقدة أوديب» التي نشعر بوجودها في الكتاب بسبب موقف ديلوز وجواتاري المعارض لها (في كتابهما ضد أوديب) فأشهر من أن تُعَرَّفَ وإن كانت من العُمد الأساسية للتحليل النفسي، وهي تشير إلى الأسطورة اليونانية التي تقول إن أوديب قتل والده لايوس وتزوج أمه جوكاستا غير عامد، وعندما اكتشف الحقيقة فقأ عينيه. ووجود هذه العقدة يفسِّر انجذاب الطفل إذا كان ذكرًا لأمه، وإذا كان أنثى لأبيها، ويفسِّر غيرة الطفل من الوالد إذا كان ذكرًا ومن الأم إذا كان أنثى. ووفق منهج لاكان تمثل هذه العقدة مرحلة الانتقال من العلاقة الثنائية بين الطفل والأم وهي التي تكمن فيها «طاقة محرمة» إلى علاقة ثلاثية تظهر فيها سُلطة الأب ودوره أو ما يسميه لاكان «اسم الأب» (name-of-the-father) الذي أصبح من مصطلح التحليل النفسي، وتتفق جميع مدارس التحليل النفسي على أن عجز الطفل عن اجتياز المرحلة الانتقالية المذكورة يُعتبَر سببًا رئيسيًّا من أسباب العُصاب (neurosis) الذي يختلف عن الذُّهان (psychosis) في أن المريض يعي بما يعانيه من عُصاب ويرضى بأن يتلقَّى العلاج اللازم، ولكن المصاب بالذُّهان، وهو مرض نفسي خطير، يرفض الاعتراف بمرضه ومن ثم يرفض العلاج ولا بد من إيداعه مصحةً نفسية. ويقول أتباع فرويد إن عقدة أوديب تتكون في العادة عند الطفل ما بين الثالثة والخامسة من عمره، وأما ميلاني كلاين (Klein) (١٨٨٢–١٩٦٠م) فتقول إنها تبدأ قبل ذلك. وعلى الرغم من أن لاكان يوافق فرويد في اعتبار عقدة أوديب اللحظة الحاسمة في التطور البشري، فإنه يُدخِل عدة تعديلات في مفهومها أهمها القول بوجود ذكر رمزي (phallus) وبأن ينسب له دورًا في التحول من «الطبيعة» إلى «الثقافة» وفق مفهوم ليفي-شتراوس (Levi-Strauss)، قائلًا إن النجاح في تجاوز المثلث الأوديبي شرط أساسي لدخول الفرد النظام الرمزي الإنساني (symbolic order)، وهو أحد الأنظمة الثلاثة التي يقول لاكان إنها تشكِّل بناء الوجود البشري، وأما النظامان الآخران فهما «الخيالي» (the imaginary) والواقعي (the real)، وعندما قرأت الفصل الرابع في هذا الكتاب أول مرة حدست أن كلمة «الخيالي» المستخدمة في عنوانه اسمًا ترجمةٌ حرفية للكلمة الفرنسية الشهيرة imaginaire، ووجدت ما يؤكِّد صدق حدسي عندما قرأت نظرية لاكان ولاحظت الحَرْفِيَّةَ الشديدة التي يلتزم بها مترجمو نصوصه خشية سوء الفهم.
ومن مصطلح التحليل النفسي في هذا الكتاب كلمتان لا بد من شرحهما؛ الأولى هي التكثيف (condensation) والثانية هي الإزاحة أو الإبدال (displacement)، فأما الأولى فتصف جانبًا أساسيًّا من جوانب عمل اللاوعي، وخصوصًا ما يسمَّى عمل الأحلام (dream-work) وفق ما يقوله فرويد، وتعني أن فكرةً أو صورة واحدة في أحد الأحلام قد تمثِّل المركز الذي يتقاطع فيه عدد من سلاسل التداعيات أو الأفكار، ومن ثم تصبح موقعًا لتكاثف أو تكثيف معانيها اللاواعية المتعددة ونصيبها من الشحنة العاطفية (affect) [والكلمة الإنجليزية اسم لا فعل]. والآلية التي تؤدي إلى التكثيف أو المستخدمة فيه تشرح لنا كيف أن المحتوى الواضح أو الظاهري للحلم كثيرا ما يكون شديد الإيجاز أو مشتتًا؛ فما هو إلا ترجمة مضغوطة للمحتوى الكامن فيه (latent content) وأما الكلمة الثانية أي الإزاحة أو الإبدال فهي تفصل الشحنة العاطفية وتنقلها بحيث تنزح وتتصل بفكرة أقل شدةً أو حدة، وإن كانت ترتبط بمصدرها الأول وفق قانون التداعي. ويمكننا أن نلحظ وجود آليات التكثيف والنزوح معًا في تشكيلات أخرى في اللاوعي، وخصوصًا في مظاهر الهيستيريا (Hysteria) [الهَرَع] والعُصاب. والطريف أن لاكان يقبل ما قال به ياكوبسون من أن التكثيف يشبه الاستعارة، والنزوح أو الإبدال يشبه الكناية؛ ففي الاستعارة ينضغط أكثر من شيء في مركب جديد، وفي الكناية يحل شيء محل شيء، فكأنما نزح المعنى الأصلي واستُبْدِلَ به المعنى المجازي، للكنايةِ عنه.
وسوف يرى القارئ أيضًا أكثر من إشارة إلى ما يسمى «نظرية علاقات الأشياء» (object relations theory)، وهو مصطلح يُستخدم في التحليل النفسي بصفة عامة للدلالة على تفاعل الفرد مع الأشياء، أو مع أجزاء من الأشياء التي تشكِّل البيئة التي يعيش فيها. وتحاول هذه النظرية تجنُّب ميل فرويد إلى الكلام عن «الذات» وحدها؛ أي معزولةً عن سواها، ومن ثم فهي تحاول إضافة بُعد جديد إلى التحليل النفسي وهو العلاقات ما بين الأشخاص. والتحليل النفسي البريطاني يميل في معظمه إلى تقبل ما يسمى ﺑ «مدرسة علاقات الأشياء»؛ إذ يولي الأهمية الأولى للعلاقات المبكرة بين الأم والطفل، لا بين الوالد والطفل، على ما تمثله هذه الأخيرة من أهمية في كتابات فرويد، الأمر الذي أدى في رأي البعض إلى نشأة ما يسمى «التحليل النفسي المرتكز على الأم». ولعل القارئ الذي اطلع على المقدمات التي كتبتُها لترجماتي عن شيكسبير قد لاحظ هذا الاتجاه الأخير خصوصًا عند جانيت أديلمان (Adelman) التي لا تخلو مقدمة لي من اقتطاف أقوالها.
ويتضمن الكتاب مصطلحًا آخر ما يفتأ يعود إليه وهو الذي أترجمه بتعدد العوامل (over-determination)، وقد بدأ بعض نقاد الأدب يستخدمونه سواء أكان القارئ يدرك أصله في التحليل النفسي أم لا، وأما معناه الدقيق في هذا المجال فهو أن أي تشكيل في اللاوعي، وليكن حلمًا أو عَرَضًا من أعراض العلل النفسية المشار إليها، لا يُعْزَى إلى عامل واحد فقط. وأما التباين الظاهر بين صيغة المصطلح وبين دلالته فيرجع إلى استخدام فرويد له [في مقابله الألماني بطبيعة الحال] بهذه الدلالة، وأما ما جعل المترجم الإنجليزي يُصر على استخدام المصطلح الأصلي فهو شيوعه مقترنًا بشرح فرويد له؛ إذ يقول فرويد بوجود شبكة تداعيات ذات فروع كثيرة تشارك في تحديد معنى الحلم أو الظاهرة، ومن ثم فنحن نفهم over بمعنى «المشاركة» (على ما في ذلك من تعسف) في تحديد (determine) الدلالة. وزاد من ثبات معنى المصطلح استخدام ألتوسير له؛ إذ يستخدمه في القول بأن التناقضات الماثلة في الممارسات التي تشكل مجتمعًا ما تشترك في رسم صورة المجتمع الكلية. ويتوسع ألتوسير في الحديث عن العلاقة المعقدة بين رأس المال والعمل، والواقع أن بحثه النقدي في المذهب التاريخي (التاريخية Historicism) يقوم على نظرية تعدد العوامل المذكورة؛ إذ يقول إنه لمَّا كان كل تناقض تحدِّده عوامل متعددة، فإنه من المستحيل إجراء «تشريح جوهري» يُثبت أن التناقض الأساسي القائم لا تتفاوت صوره بتفاوت جوانب المجتمع المختلفة.
وتشيع في الكتاب مصطلحات أخرى أود إيضاحها باقتضاب، وعلى رأسها مذهب الجوهرية أو بالأحرى نظرية الجوهرية (essentialism) والنسبة إلى الجوهر (essence) واضحة وتعني الطبيعة الحقيقية أو الدائمة لوجود ظاهرة من الظواهر، على عكس الأحداث (accidents) التي قد تقع لها أو «تتعرض لها». وقد يقول قائل إن مذهب «سياسة الهُوية» (identity politics) يمثِّل صورةً معاصرة لها؛ إذ يعني هذا المذهب أن الأفراد والجماعات التي تتميز بمعايير عرقية أو دينية أو بالانتماء إلى أحد الجنسين، أو بميول جنسية معينة، لها مصالحها الخاصة بها ولا يمكن تحقيقها أو الدفاع عنها من خلال أبنية أكبر مثل الطبقة أو الدولة. ويقول نُقاد هذا المذهب إنه صورة من صور «الجوهرية» التي تفترض أن السياسة تعبير مباشر عن الخبرة الشخصية أو الجماعية، وأما أقدم وأكمل صور المذهب الجوهري فنجدها عند أرسطو (في كتابه الميتافيزيقا) حيث يقول إن الجوهر هو الخصائص الأصيلة في الظواهر، وإن وظيفة الفلسفة أن تعرف جوهر الأحداث وعوارضها (accidents)؛ أي ما يحدث لها عرضًا، ويضيف أرسطو أن القدرة على إنجاز ذلك خصيصة جوهرية من خصائص العقل البشري.
ولكن المصطلح، رغم استعماله في معناه التقليدي أو التقني، يُستخدم أيضًا بمعنًى نقدي وبدلالة تحط من مكانته؛ إذ يستخدمه إدوارد سعيد في كتابه الاستشراق دليلًا على أن في الغرب اتجاهًا فكريًّا «جوهريًّا» بمعنى أنه يتصور أن الإنسان في الشرق يختلف اختلافًا جوهريًّا عن الإنسان في الغرب، وأن بعض السلالات البشرية تتسم بخصائص جوهرية متباينة تكاد تحول دون تلاقيها مع غيرها، كما يُستخدم في النقد النسوي الحديث حيث نسمع سيمون دي بوفوار (Beauvoir) تطعن (ابتداءً من عام ١٩٤٩م) في القول بوجود «طبيعة أنثوية» ثابتة ودائمة. كما قيل أيضًا إن أشكال المذهب النسوي التي تؤكِّد اختلاف المرأة، مع استبعاد كل شيء آخر، تقع في فخ الجوهرية. فالباحثة لوس إيريجاراي (Luce Irigaray) وهي من أرباب التحليل النفسي والفلسفة النسوية، تتعرَّض للانتقاد بسبب اختزالها حياة المرأة الجنسية في «الجوهر» البيولوجي، وقيل إنها تستند إلى جوهرية نفسية (psychic essentialism) [وهذا معنى الصفة هنا] بزعمها استقلال الشهوة الجنسية الأنثوية، الأمر الذي يؤدي إلى ترسيخ أسطورة الأنثى الخالدة. وتُعتبر جاياتري سبيفاك (Spivak) من نقاد الجوهرية أيضًا، ولكنها رغم ذلك تُصر على ما تسميه وجود لحظة من «الجوهرية الاستراتيجية» حين تدعو الضرورة إلى التخلي عن العالمية من أجل تمكين المرأة من أن تتكلَّم «بصفتها امرأة» أو «بصفتها آسيوية» حتى تتصدى لهيمنة (hegemony) الخطاب الاستعماري.
وأظن أن السياق يدعوني إلى تقديم مصطلح ذي دلالات واسعة تدور جميعًا في فلك «ما يمكن أن يحدث»، أو «ما يُحتمل أن يحدث»، أو «ما يحدث مصادفة»، أو «ما يحدث عَرَضًا»، ألَا وهو contingent وأما التعريف الفلسفي له فهو عكس الحتمي والحتمية (determinism)؛ فالحادثة الطارئة أو العارضة توصف به، وقد كنت أُترجِم الاسم المجرد من الصفة المذكورة (contingency) بعدة أشكال طبقًا لِما يتطلَّبه السياق إلى أن ذكرت الكلمة عَرَضًا لصديقي العلامة ماهر شفيق فريد فإذا به يقول بنبرة عارضة — لله دره — «العرضية»! ومن ثم وجدت أن هذا الاسم المجرد، الذي لا يورده معجم النفيس للراحل العظيم مجدي وهبة، قادر على الوفاء بالمعنى المطلوب في سياقات كثيرة.
وما دمت ذكرتُ التصدي للخطاب الاستعماري (colonial discourse) وتصدَّى إدوارد سعيد للجوهرية، فلا بأس من أن أشرح ما يشير إليه الكتاب من مذهب أو نظرية «ما بعد الاستعمار» (postcolonial theory) خصوصًا بسبب ولوع كثير من الدارسين العرب بها وعدم التيقُّن في أحوال كثيرة من معناها الدقيق. وأما هذا المعنى فربما خرج كما يقول البعض من رحم ما يسمَّى بأدب الكومنولث (commonwealth literature) أو دراسات العالم الثالث (Third World studies). ورغم حجر الزاوية الذي وضعه إدوارد سعيد له، فإنه نشأ وترعرع في أواخر الثمانينيات وفي التسعينيات، ومجاله تحليل الآثار الناجمة عن الاستعمار الأوروبي في شتى أرجاء الأرض.
وأول ما نُلاحظه أن المصطلح يمكن أن يُساء فهمه إلى حد ما، بسبب وجود «بعد» في تركيبه، فإن مجاله لا يتعلق، كما يوحي العنوان، بالفترة التالية لاستقلال المستعمرات السابقة، بل بالفترة التي تبدأ بالاستعمار نفسه. وطِبقًا لما يقوله بل آشكروفت (Ashcroft) في الكتاب الذي وضعه مع جريفيث وتيفين عن ما بعد الاستعمار، فإن المساحة الجغرافية التي تشملها الدراسة شاسعة، فنظرية ما بعد الاستعمار تشمل دراسة «جميع الثقافات التي تأثرت بالمسلك الإمبريالي من لحظة الاستعمار حتى اليوم» والكتاب هو Ashcroft, Bill et al. (1995) The Post-Colonial Studies Reader. ومن ثم فإن هذه النظرية تنشد دراسة ثقافات وآداب الهند وأفريقيا وأستراليا وكندا ونيوزيلاندا. ويقول الكتاب إن الأدب الأمريكي ينبغي ضمه إلى هذه الفئة؛ إذ إنه كان يتميَّز في القرن التاسع عشر بمحاولة وضع «أدب» معتمد لا تُهيمن عليه الأعمال الإنجليزية الكلاسيكية. ولكن مثل هذه النظرة الشاملة قد تعرضت لانتقادات كثيرة، وكان كثيرًا ما يُشار إلى إشكالية حالة كندا، والصراع فيها بين اللغتين الإنجليزية والفرنسية إلى جانب الصراع مع اللهجات (أو اللغات) المحلية للسكان الأصليين، وما يقال من أن كندا كادت تصبح اليوم مستعمرةً أمريكية، وهو ما يناقشه بالتفصيل بارت مور-جلبرت (Moore-Gilbert) في كتابه نظرية ما بعد الاستعمار: السياقات والممارسات والسياسات (١٩٩٧م). وأما الدراسات التي تكاثرت في الآونة الأخيرة فتغلب عليها الاتجاهات النظرية التي أتت بها ما بعد الحداثة، وخصوصًا التفكيكية، وبعض اتجاهات التحليل النفسي عند لاكان، وأشكال تحليل الكلام (الخطاب) وفق أفكار فوكوه. ومجال هذه الدراسات تتردَّد فيه أسماء هومي بهابها وإدوارد سعيد وجاياتري سبيفاك، وإن اختلفت مداخلهم. والواقع أن وجود نظرية مستقلة لما بعد الاستعمار أمر يشك الكثيرون في صحته، كما بيَّنت ذلك آنيا لومبا (Loomba) في كتابها الاستعمار وما بعد الاستعمار (١٩٩٨م) كما هاجم الكثير من الباحثين تجاهل هذه «النظرية»، إن كانت ترقى فعلًا إلى مستوى النظرية، للآثار الاقتصادية للاستعمار والإمبريالية، والتركيز على ما لا يدخل في إطار السياسة بالمعنى المعروف في تحليل «الآثار» التي خلَّفها الاستعمار الأوروبي في العالم أو تجريد هذه الآثار من طابعها السياسي.
وأهم ما في هذه «النظرية» أن الدارسين يُصرون على عدم اعتبار آداب الشعوب التي حصلت على استقلالها آدابًا على أطراف الإمبراطورية «الأوروبية»، إن صح هذا التعبير، بحيث يمكن اعتبار الأدب الأوروبي «مركزًا» وما سواه محيط الدائرة، فالاتجاه اليوم هو التخلص من هذه النظرة التي كان يقوم عليها أدب الكومنولث أو أدب العالم الثالث، والنظرة إلى الدائرة الأدبية باعتبارها دوائر متقاطعةً لا متداخلة، وقد أدركنا نحن ذلك في إصرارنا على أن الأدب العربي الحديث، على الرغم من تأثره الشديد بالنماذج الأوروبية، قد حقَّق استقلالًا في الشكل والمضمون يجعله أو يُتيح له أن يقف جنبًا إلى جنب مع تلك الآداب (انظر مقدمتي بالإنجليزية لترجمة رواية وقائع حارة الزعفراني لجمال الغيطاني، القاهرة ١٩٩٧م). وقد لعبت الترجمة دورًا رئيسيًّا في هذا الصدد، ولدينا سلسلة الترجمات إلى الإنجليزية للأدب العربي الحديث التي تُصدرها الهيئة العامة للكتاب، والتي أصبح العالم الناطق بالإنجليزية يتسابق للحصول على نسخها التي نفدت، كما سمعنا أن دار نشر ماكميلان في الهند (أي فرعها الهندي) يعتزم إصدار سلسلة بعنوان «الرواية الهندية الحديثة مترجمةً [إلى الإنجليزية]».

وأما رصد موضوعات البحث في هذا المجال فمُحال في هذه العُجالة، ولكن يكفي أن أقول إن التعريف الموجز الذي أوردته يُشير إلى آثار الاستعمار الأوروبي دون تحديد لمجال هذه الآثار، وقد نجد دلائل كثيرةً على تقاطع مسارات البحث في هذه المجالات مع مجالات البحث في الأدب المقارن؛ إذ لم تعد هذه المجالات تقتصر على التأثير والتأثر بل أصبحت تتضمن مقارنة أي ظاهرة أو فكرة أو صورة بغيرها ومتابعتها في عدة آداب ليست بالضرورة متفقةً في المنشأ أو في التقاليد أو في الثقافة العامة، ودراسات ما بعد الاستعمار تسير في هذا الطريق وإن لم تعترف به.

وأنتقل بعد هذا إلى بعض المصطلحات الجديدة، والتي أتى بها الكِتَابُ متأثرًا باللغتين الفرنسية والألمانية، وبعضها يُشير إلى مذاهب أو يحوِّل أي اتجاه إلى مذهب، فمذهب التعالية (transcendentalism) أو التعالي (ومجمع اللغة العربية يُعرِّبها: «الترنسندنتالية») يعني أن الروح والفكر لهما الأسبقية على المادية والإدراك الحسي، أو مذهب السمو الذي يقول به الفيلسوف الألماني كانط ويعني به أن التجربة يسبقها الإدراك الذهني أو المعرفة، أو مذهب المثالية المتصوفة، ولكن الكِتَابَ يأتي بمصطلحات أخرى على هذا الوزن مثل وصف مذهب الأخذ بالأغلبية بأنه majoritarianism والأخذ بالأقلية minoritarianism، والأولى يوردها المعجم لكنه لا يورد الثانية، مثلما لا يورد مذهب التضاد (contrarianism) ولا «المنظورية» (perspectivism) أي اختلاف المنظورات والإيمان بهذا.
وأما مذهب الاختزالية (reductionism)؛ أي اختزال البيانات المعقدة إلى صور أبسط حتى يتسنَّى التعامل معها في التصنيف والتحليل فهو، «منهج» معروف، وأكثر ما يكون في تحليل الكلام، فإذا قال متحدِّث إنه سمع ما قيل ولديه تحفُّظات عليه ويود تعديله، أمكن للمحلل أن يختزل ذلك في عبارة «اعتراض» فقط، وقس على ذلك foundationalism أو مذهب «الأساس الصادق»، وهو مذهب فلسفي يقول إن المعرفة تُبْنَى على قاعدة من الحقائق الأساسية التي لا يمكن الشك فيها، أو التي لا يوجد ما يدعو إلى الشك في صحتها، والتي يمكن استنباط مقولات أعم منها. ومن ثم يمكن تقييم المقولات التي تزعم الصدق بتحليلها إلى عناصرها للتحقق من صدق الأسس التي بنيت عليها.
وأختتم هذا التصدير بالإشارة إلى مصطلح شاع وهو subaltern الذي ترجمه البعض عندنا بلفظ «تابع»، ولكنه يحتفظ في معظم الدراسات التي قرأتها بمعناه المعجمي وهو «ذو الرتبة الأقل» أو «المرتبة الدنيا» كما يعني في المنطق «القضية الثانوية»؛ أي التي تُعتبر فرعًا لقضية رئيسية، وكان من وراء شيوع المصطلح إصدار سلسلة بعنوان دراسات ذوي المرتبة الدنيا (Subaltern Studies) وهي كتب تتضمن دراسات تاريخية سياسية، ويرأس تحريرها راناجيت جوها (Goha)، وتصدر سنويًّا منذ عام ١٩٨٢م، وتعتبر إسهامًا مهمًّا في دراسات جنوب آسيا، وبصفة أعم دراسات ما بعد الاستعمار.
وإلى جانب المعنى المعجمي الذي يُشير إليه العنوان، يشير المصطلح إلى ما يسميه جرامشي «الجماعات الثانوية في المجتمع»، في دراسته للتاريخ الإيطالي، حيث يتحدث عن ضرورة دراسة تشكيل الجماعات الثانوية غير الموحدة والتي لن تستطيع أن تتوحد إلا إذا أصبحت «دولة». ثم يوصي بدراسة أصول هذه الجماعات وتحولاتها، والروابط التي تربطها بالجماعات المسيطرة، وقدرتها على أن تتقدم بمطالب جزئية ومحدودة. وأما في جنوب آسيا فالمصطلح ذو تعريف واسع يشير إلى كل الجماعات التي فُرضت عليها المرتبة الثانوية (subordinate) من حيث الانتماء الطبقي أو الطائفي أو السن، أو من حيث الأنوثة أو الوظيفة، أو لأي اعتبار آخر. ويقول ديفيد ميسي إن ذلك يفترض علاقةً ثنائية تتعرض فيها الجماعات الثانوية، حتى إذا نهضت وتمرَّدت، لأنشطة الجماعات المسيطرة.
وأخيرًا أقول إنني اضطُررت لإيضاح معنى بعض المصطلحات التي عربتها (أي كتبتها بحروف عربية) وشرحتها [بين أقواس مربعة] وأعتزم أن أترك القارئ الآن بعدد محدود ممَّا أعتبره «طرائف»، أولها suture الذي يعني الخيط الطبي المستخدم في الغرز الجراحية، وهو فعل أيضًا، ولكن بعض الفرنسيين يستخدمون الكلمة بمعنى الربط أو إقامة الصلة، وكنت أتصور أن استخدام الكلمة يتضمَّن ما يسمى بالاستعارة الغاطسة (sunken metaphor) بسبب شيوع الكلمة في ذلك الإطار الجراحي المحدد، ولكني لم أجد أثرًا لذلك في السياق فاكتفيت بالمعنى المذكور، ومن المعروف أن كلمة «مثلي» homosexual عكسها كلمة heterosexual وأن normative تعني معياري، فإذا بالكتاب يستخرج معنًى آخر من البادئة أو السابقة hetero بحيث يفيد الاختلاف ثم يلصقها بالمقطع الأول من الكلمة التي تعني معياري، حتى يأتي بكلمة جديدة هي heteronormivity (ص١١٥ في النص الإنجليزي) ليعني بها الميل المعياري [بين الجنسين]، وغني عن البيان أنها لم تدخل المعاجم بعدُ ولكنني عثرت في الإنترنت على كلمة نُحتت عام ١٩٩١م وأظنها المقصودة هنا وهي heteronormativity التي تعني اعتبار العلاقة المعيارية هي العلاقة بين الرجل والمرأة فقط، وما دامت كلمة الإزاحة (displacement) قد سبقت الإشارة إليها، فاشهد التعبير equivalential displacement وترجمتُها في النص بتعبير «الإزاحة التعادلية» ثم أردفتها بالشرح [أي إزاحة الإحساس بالاختلاف وإحلال الشعور بالتعادل محله]. وعندما يعود الكتاب إلى استعمال هذه الصفة مقرونةً بصفة أخرى، وهي صفة من المساواة، مقتطفًا العبارة الفرنسية الأصلية التي تقول ترجمتها الإنجليزية:
(… what this entailed was the “struggle for a maximisation of spheres on the basis of the equivalential-egalitarian logic”).

فقد ترجمتها على النحو التالي:

… وقد اقتضى ذلك «نضالًا من أجل زيادة هذه المجالات إلى أقصى حد، على أساس تعميم منطق التعادل والمساواة.»

(٢) بعض المصطلحات الرئيسية الجديدة في علم السرد من وضع جيمز فيلان وبيتر رابينوفيتز

 [والمادة المضافة والشروح المرفقة مكتوبة بين قوسين مربعين]

  • actant فاعل: يشير في علم السرد البنيوي إلى أي دور من الأدوار الرئيسية في هيكل حدث القصة. ويصف جريماس (Greimas) الذي وضع المصطلح ستة أدوار فاعلة (الفاعل والمفعول به، والمرسِل والمستقبِل، والمساعِد والخصم)، ولكن المصطلح كثيرًا ما يُستخدم استخدامًا عامًّا في الإشارة إلى شخصية من حيث وظيفتها البنائية في الحدث، مثل البطل (الفاعل) أو الشرير (الخصم) على سبيل المثال. ويمكن نسبة دور الفاعل نفسه إلى أكثر من شخصية واحدة (فقد يوجد عدد كبير من الخصوم مثلًا) في قصة من القصص. وعلى غرار ذلك يمكن لشخصية واحدة أن تقوم بأكثر من دور «فاعلي» واحد (فعلى سبيل المثال يمكن لشخصية تقوم في البداية بدور المساعد أن تتحول إلى خصم). انظر أيضًا passant.١
  • analepsis, analeptic فلاش باك: أي لقطة استرجاعية. والفقرات الاسترجاعية تعترض مسار الزمن السردي للأمام من خلال سرد مادة (أحداث، صورة، مجاز لغوي) من وقت سابق في التسلسل الزمني.
  • antinarratable المضاد للسرد: أيُّ شيء لا ينبغي أن يروى في قصة من القصص بسبب الأعراف أو المحظورات الاجتماعية.
  •  [action painting فعل التصوير الزيتي (ب. فيلان): المقصود اللوحات الزيتية التي تمثِّل حركة الفرشاة ومسار الألوان والخطوط كأنما يقوم بها الرسام آنيًّا؛ أي لتصوير فعل الرسم لا نتيجته، ويشير إليه آخرون باسم لمسات الفرشاة الحية (living paint brushes).]
  •  [النص العريق (جينيت): وهي مجموع الأنماط التي ينتمي إليها أحد النصوص، مثل فئة «الرسائل»، أو «الخطب»، أو حتى الأنواع الأدبية الحديثة؛ أي إنه المفهوم الشامل لمصدر تنتمي إليه أنماط متعددة.]

  • attached text النص المرتبط: ويسمَّى أحيانًا contingent text، وهو النص الذي يفترض فيه أن ضمير المتكلم يعود إلى مؤلف العمل؛ أي إنه النص الذي يعتمد معناه على المعادلة بين الصوت النصي وصوت المؤلف. وتُعتبر افتتاحيات الصحف والمقالات البحثية نصوصًا مرتبطة.
  • auditory percept المُدْرك السمعي: الشيء المدرك ذاتيًّا من خلال حاسة السمع نتيجة الترجمة — من طريق عملية السمع — للموجات الصوتية إلى صوت له معنًى. ويتميَّز هذا عن كل من «الأحاسيس» و«المفاهيم» في أنه نتيجة التفاعل المركَّب بين العمليات العضوية والمعرفية.
  • auditory restoration أو continuity effect الترميم السمعي أو انطباع الاستمرار: ملء الثغرات الصوتية إدراكيًّا حين يطغى على الصوت أو يحل محله صوت أعلى يتسم بذبذبات مماثلة. فإذا كانت الثغرة قد سُدَّت بهذه الضجة لا بالصمت، فنحن ندرك ونشعر بالصوت المطموس أو المُقَاطَع باعتباره صوتًا مستمرًّا، أو ثابتًا، إلا إن دلَّتنا مفاتيح أخرى على عكس ذلك [أي إننا نرمِّم الفجوات بخيالنا السمعي حتى ينتظم تدفقها].
  • auditory streaming ، أو auditory scene analysis أو perceptual/auditory grouping التفريع السمعي، أو تحليل المشهد السمعي، أو التجميع الحسي/السمعي: يعني التفريع السمعي عملية التنظيم الإدراكي لشكل الموجة الصوتية الواحدة المستمرة الناتجة من مصادر صوتية متعددة في فروع صوتية منفصلة لها معنًى. والتفريع يتضمَّن إدراك الأصوات (بما في ذلك الأصوات الهارمونية والترداد [أو ترجيع الصدى] باعتبارها منبثقةً عن مصدر واحد (وهو ما يعني تجميع الفروع في وحدة متكاملة أو صهرها معًا)، ثم تقسيمها إلى تيارات مختلفة (أي الفصل بين الفروع أو التفتيت)).
  • auscultator – auscultize – auscultation نسبة السمع، وينسب السمع، ومن يُنسب السمع إليه، على الترتيب: وتشير هذه المصطلحات إلى تمثيل الإدراك الحسي للصوت في الأدب (أي من الذي يسمع؟) وهي توازي مصطلحات focalization وfocalize وfocalizer [من الذي يرى؟ وعلامَ يركِّز البصر؟ والقائم بتركيز البصر، على الترتيب]. ويمكن اعتبار نسبة السمع نوعًا فرعيًّا من المفهوم الأعم للإدراك الحسي (من الذي يدرك؟) أو التمييز بينه وبين التركيز البصري إذا كان هذا الأخير يقتصر على المشاهدة (من الذي يشاهد؟) [سبب الخلط هنا عدم التمييز بين تركيز بصر الشخصية، عند هنري جيمز مثلًا، وتركيز بصر القارئ، ويزيد من الخلط استخدام perceive بأكثر من معنًى من معانيها؛ فهي تعني يبصر، وتعني يعي أو يدرك، وتعني يدرك حِسِّيًّا، والنقاد لا يلتزمون الدقة دائمًا].
  • authorial audience جمهور المؤلف: الجمهور المثالي الافتراضي الذي يبني المؤلف النص له والذي يفهمه فهمًا كاملًا. وعلى عكس جمهور القصة (narrative audience) المُعَرَّف أدناه يعمل جمهور مؤلف القصص الخيالية استنادًا إلى معرفة ضمنية بأن الشخصيات والأحداث أبنية مصطنعة لا أشخاص حقيقيون وأحداث تاريخية.
  • catachresis التعسف المجازي [مجدي وهبة]: صيغة مجازية شاذة، يستخدم فيها لفظٌ ذو معنًى حرفيٍّ معروفٍ اسمًا لشيء ليس له اسم حرفي. وأكثر الأمثلة شيوعًا أجزاء من جسم الإنسان تُطلق على العالم الطبيعي، مثل قولك «وجه الجبل» أو «ألسنة اللهب».
  • chronotope الزمكان: [وهي كلمة منحوتة من الزمن والمكان] وتعني الأبعاد الزمنية والمكانية للخطاب السردي. وكان باختين قد نحت المصطلح في مقاله «أشكال الزمن والزمكان في الرواية»، وعَرَّفه بأنه «الترابط الراسخ بين العلاقات الزمنية والمكانية المعبَّر عنها تعبيرًا فنيًّا».
  • coreference (انظر reference).
  •  [countermajoritarian معارضة الكبار (جينيت): والمقصود أي نص أو عمل قصصي مثلًا ينتجه المهمشون أو من لا يتمتعون بمكانة اجتماعية عليا، أو سلطة ما — فكرية أو أدبية — بحيث تصبح المعارضة بمثابة التحدي للكبار. وأحيانًا ما يُشار إلى هذه الخصيصة بالصفة oppositional وحسب.]
  • countermemory الذاكرة المقابلة: مصطلح مستقًى من عمل ميشيل فوكوه ويشير إلى الممارسات الثقافية المفقودة أو الخفية (كالذكريات والقصص) التي تسلَّط عليها الأضواء بفضل الأبحاث التاريخية في الأنساب التي انحدرت منها.
  • culture industry صناعة الثقافة أو الصناعات الثقافية: هذه عبارة وضعها ثيودور أدورنو وماكس هوركهايمر، وأشهر استخدام لها يرد في كتابهما جدلية التنوير، لوصف تطبيق المبادئ الفوردية [أي التي استحدثها فورد في مصانع السيارات] للإنتاج والاستهلاك الجماهيري على إبداع الآثار الفنية الثقافية ونشرها.
  • deixis الوظيفة الإشارية: وتعني وظيفة ألفاظ معينة (كأسماء الإشارة، وأدوات التعريف، والأفعال الزمنية) في تحديد المشار إليه زمنًا ومكانًا بالنسبة لموقع المتكلم؛ ففي عبارة سردية مثل «تبينت أن هذه التفاحة أفضل الآن من البرتقالة» نجد أن كلمتي «هذا» و«تلك»، تقومان بوظيفة إشارية وهي تبيان أن التفاحة أقرب للمتكلم من البرتقالة، وأن كلمة «الآن» تقوم بوظيفة إشارية تفيد بعض التغير على مدى الزمن وما يتبيَّنه المتكلم حاليًّا. وفي النص الإنجليزي فعل كينونة [لا يظهر في الترجمة] يجاور «الآن» ويوحي بالزمن الحاضر مع أنه في صيغة الماضي، وهو ما يرتبط بأحد الأعراف السردية التي يكثر فيها استعمال الفعل الماضي للدلالة على حاضر الأحداث المروية.
  • detached text النص المنفصل: النص الذي يُفهم منه أن هُوية المؤلف منفصلة عن هوية ضمير المتكلم في النص، فهو نص لا يسمح بمعادلة المؤلف بضمير المتكلم في النص، أو حيث تكون العلاقة بين المؤلف وضمير المتكلم الأولي لا تنهض بدور مهم في معنى النص؛ فنصوص الإعلانات والأناشيد الوطنية نصوص منفصلة.
  • dialogism الحوارية: وفقًا لِما يقوله باختين تُعتبر هذه من خصائص اللغة في الرواية، وتعني أن تكون بعض الأقوال، أو قطع الخطاب (discourse) في الرواية، سواء منها ما يرتبط بالشخصيات أو بالراوي، موجَّهةً نحو أقوال أخرى، إما داخل الرواية نفسها وإما خارجها في الساحة الاجتماعية العريضة. ومعنى هذا أن تستبق أقوالٌ معينة أقوالًا أخرى، أو ترد عليها، أو تثير شكوكًا فيها صراحةً أو خُفية، أو تحاكيها محاكاةً جادة أو محاكاة ساخرة، وهلم جرًّا. وبعض أنماط الخطاب (مثل الخطاب الحر غير المباشر free indirect discourse) تجمع بين طرفي هذه الحوارية في بنائها، ومن ثم فهي تسمَّى «ذوات صوت مزدوج».
  • diegesis عالم السرد/التقرير: للمصطلح دلالتان: (١) العالم السردي، خياليًّا كان أم غير خيالي، و(٢) التقرير — بالتلخيص أو بالتعليق — على عكس التصوير من خلال الحوار أو الأداء. والمعنى الأول للمصطلح يمثِّل جذرًا نبتت منه أسرة كاملة من المصطلحات مثل extradiegetic؛ أي خارج العالم السردي، ويُشير إلى المواقف التي تجري أو تقع في الحقيقة خارج عالم القصة الرئيسية، فالراوي الذي لا ينتمي إلى الحدث الذي يرويه يُعتبر راوية خارجيًّا (extradiegetic narrator)، ومصطلح Intradiegetic يشير إلى مواقف في داخل عالم القصة الرئيسية؛ وهكذا فإن قولنا intradiegetic narrator يعني الراوي الذي يقع سرده في إطار راوية آخر مثل شخصية مارلو في رواية قلب الظلام لكونراد؛ فالراوية الإطاري راوية خارجي (ولكن لاحظ أن الراوية الداخلي يمكن أن يُعتبر خارجيًّا؛ أي heterodiegetic؛ إذ لم يشارك في الحدث الذي يرويه). وهكذا فإن الرواة الحجاج في قصص كنتربري لتشوسر، على سبيل المثال، رواة داخليون وخارجيون معًا؛ أي intradiegetic and heterodiegetic [بمعنى أنهم يوجدون داخل القصص التي يحكونها ولكنهم لا يشاركون فيما تفعله شخوص القصة]، انظر أيضًا heterodiegetic narration، وhomodiegetic narration، وmetalepsis [الكناية].
  • discourse الخطاب: المقصود مجموعة الوسائل التي تُستخدم في قص قصة ما (story) بما في ذلك البصر أو التركيز البصري focalization (من الذي يبصر؟) والصوت (voice) (من الذي يتكلم؟) والمدة (duration) (ما طول المدة اللازمة لقص شيء ما) والتواتر (frequency) (إن كان الأمر يحكى مرةً واحدة أو تتواتر حكايته) والسرعة (speed) (ما طول وقت القصة الذي يستغرقه جزء من الخطاب). وفي علم السرد البنيوي يُعتبَر الخطاب «كيفية» سرد القصة، الذي يختلف عن «مادة» السرد، كالشخصيات والحدث والمكان.
  • disnarration السرد الوهمي: تقنية يحكي فيها الراوي شيئًا لا يحدث.
  •  [durativity الوسط: (انظر inchoativity).]
  •  [doxa العقائد الثقافية (بارت): يقصد بارت بالمصطلح مجموعة العقائد الثقافية السائدة في المجتمع من دون أن يتعرض أحد لفحصها. والمعنى قريب من معنى الافتراضات المسبقة وإن كان أعم وأشمل وأعمق.]
  •  [eidetics نظرية الصور المدركة [في علم النفس]: دراسة الصور التي تظل قائمةً في الذهن أو في المخيلة بعد ابتعاد أصل هذه الصورة عن العين.]
  •  [eidetic image الصورة المتخيلة [في علم النفس]: الصورة السلبية التي تظل قائمةً في الذهن بدلًا من الصورة الإيجابية التي رآها الشخص، وهي تشبه النيجاتيف في التصوير الفوتوغرافي، ويستعين بهذا المفهوم الذي نشأ في علم النفس في عشرينيات القرن العشرين، بعد نقاد السرد للإشارة إلى أحداث «شبحية» يتصورها المرء وتمثِّل عكس ما يرسمه خياله، مثل المعنى الذي يبحث عنه بطل قصة «زعبلاوي» لنجيب محفوظ، فهو الصورة السلبية التي تتحقق إيجابيًّا عندما يغفو فيحلم بالجنة.]
  • ekphonesis وصف الموسيقى: معنى المصطلح تمثيل معزوفة موسيقية أو صوتية في عمل أدبي.
  • ekphrasis وصف الصور: معنى المصطلح تمثيل عمل فني بصري في عمل أدبي.
  • equivocal text النص الملتبس: نصٌّ يُفترض أن الصوت الأولي فيه مرتبط بصوت المؤلف ومنفصل عنه في آنٍ واحد؛ أي إنه النص الذي تعتبر فيه العلاقة بين ضمير المتكلم في النص وضمير المتكلم الخاص بالمؤلف علاقة غير محسومة أو علاقة متغيرة؛ فالروايات والأشعار نصوص ملتبسة.
  • existential mechanism الآلية الوجودية: توصف هذه الآلية بأنها «فرضية قرائية» (reading-hypothesis) [أي افتراض معين من جانب القارئ]، وأنها تربط العناصر الإشكالية في نص خيالي بعضها بالبعض وتوفِّق بينها استنادًا إلى نموذج حقيقي ما [أي نموذج موجود في العالم الواقعي] مثل عالم الخيال العلمي، أو مثل قصة المسخ التي كتبها كافكا [التي تصوِّر تحوُّل إنسان إلى صرصور، وتضع هذه الحادثة الخيالية في إطار العالم الواقعي].
  • extension الامتداد: يصف المصطلح الأسلوب الذي تحاكي به قصة أو رواية جديدة، قصة أو رواية أصلية من دون تقديم أحداث لاحقة على أحداثها (أي لا تواصل قص حياة الشخوص الأصلية)؛ بل إن القصة أو الرواية الجديدة تضع شخصيات جديدة في مواقف موازية لمواقف الشخصيات الأصلية.
  • fabula الحكاية: تتابع الأحداث القصصية بتسلسلها الزمني؛ وتعتبر، بصفة أعم، مادة القصة قبل أن تتحول إلى خطاب [مثلما يحوِّل المؤلف مادةً تاريخية ذات تسلسل زمني معروف (fabula) إلى خطاب سردي من خلال تغيير أماكن سرد الأحداث في القصة، من خلال التصوير الاسترجاعي (analepsis) والاستباقي (prolepsis) والأدائي الحاضر (أي performative present)] [وهذا ما يفعله صلاح عبد الصبور في قصيدة شنق زهران وأحمد عبد المعطي حجازي في مذبحة القلعة].
  • fictive, fictional, fictitious خيالي أو وهمي: تستخدم هذه الكلمات باعتبارها مترادفة، ولكننا نستطيع عادة التمييز بينها على النحو التالي: الأولى fictive تعني «المنتج لشيء خيالي، أو متخيل»، وتنطبق على خطاب (المؤلف)؛ والثانية fictional تعني «ما يتميز به القص الخيالي أو المتخيل»، وتنطبق في المقام الأول على القصة (story) (ولكن لاحظ أن الخطاب المُمَثَّلَ عادةً ما يتميَّز بالخيال ولا ينتجه)؛ وأما الثالثة fictitious فتعني «الوهمي، أو غير الحقيقي»، وتنطبق على الأحداث والموجودات؛ أي على التفاصيل الدقيقة للقصة.
  • focalization تركيز البصر/التركيز في البؤرة: هذا المصطلح يمثل الإجابة على السؤال: «من الذي يبصر؟» في الخطاب السردي؛ إذ لاحظ جيرار جينيت أن مصطلح «وجهة النظر» يمزج بين جانبين متميزين من الخطاب السردي: الأول هو الصوت (الإجابة على سؤال: «من الذي يتكلم؟») والثاني هو البصر أو «من الذي يبصر؟» ومنذ حدد جينيت المفهوم وعلماء السرد يتناظرون حول أفضل طريقة لوصفه وتفسير آثاره. [على الرغم من التزامي في ترجمة الكتاب بالمعنى المعجمي للمصطلح — الذي أورده هنا — فأنا أفضِّل استخدام تعبير مثل «زاوية الإبصار» مثلًا؛ فهذا هو المقصود، فإنني اهتداءً بما قرأته من النقد الأدبي الحديث؛ أي منذ هنري جيمز، أجد أن هذا هو المقصود وهو يعادل المعنى الذي يحدِّده جينيت ويتضمن التمييز بينه وبين صوت المتكلم، ويُعفينا من الوقوع في هُوة البؤرة (focus)؛ فهي غير مقصودة واستعمالها لا يفيد.]
  • free indirect discourse الخطاب الحر غير المباشر: وسيلة لغوية سردية يمثل بها كلام إحدى الشخصيات أو تفكيرها من خلال خلط تعبير الشخصية بتعبيره الخاص. ففي الخطاب المباشر يقوم الراوي باقتطاف فكر الشخصية قائلًا: «قال في نفسه: أعود الآن إلى المنزل حتى أنام فأتخلَّص من تأثير ذلك.» وأما في الخطاب غير المباشر فيبلِّغنا الراوي بما خطر على بال الشخصية قائلًا: «خطر له أن يعود إلى المنزل حتى ينام ويتخلَّص من تأثير ذلك.» وأما في الخطاب الحر غير المباشر فلا يذكر الراوي تعبير «خطر له» قائلًا: «اعتزم العودة إلى المنزل للتخلص بالنوم من تأثير ذلك.»
  • functional mechanism الآلية الوظيفية: فرضية قرائية [أي افتراض من جانب القارئ] تقوم بفرض النظام على العناصر النصية المشتتة وغير المتواصلة من خلال الغايات (الثيمية مثلًا أو البلاغية) التي تتطلَّب ذلك التشتت [كأن يفترض قارئ رواية معقدة مثل يوليسيس لجيمز جويس أن الانتقالات المفاجئة من حدث إلى حدث ومن أسلوب إلى أسلوب يقصد محاكاة ملحمة الأوديسية ويقيم في ذهنه الروابط بينها طبقًا لتلك الملحمة، وهذا ما فعلتُه وما أتصوَّر أن غيري من القراء يفعله].
  • genealogy علم الأنساب: مصطلح يعني به فوكوه نوعًا من الكتابة التاريخية التي تدين بمنهجها إلى البحث النقدي الذي وضعه نيتشه. يقول فوكوه في مقال له بعنوان «نيتشه، وعلم الأنساب، والتاريخ»: إن هذا النهج يهتم «بالأحداث العارضة، والانحرافات الدقيقة — أو، على عكس ذلك، بالانقلابات الكاملة — بالأخطاء، وبالتقويمات الزائفة، والحسابات الخاطئة التي تلد تلك الأشياء التي تواصل البقاء وتمثِّل قيمةً لنا.» وهكذا فإنه «يكتشف أن الحقيقة أو الوجود لا يكمنان في أصل ما نعرف أو في كِياننا، بل يمثلان ظواهر الأحداث العارضة».
  • generic mechanism الآلية النوعية: فرضية قرائية [أي افتراض من جانب القارئ يشرح ظواهر تبسيط العمل للواقع وغير ذلك من ضروب النشاز استنادًا إلى نوع ذلك العمل، مثلما نقول إن الكوميديا بطبعها — أي بحكم نوعها — تجعل الشخصيات الطاعنة في السن ذوات وظيفة أساسية وهي كونها عقبات أمام المحبين من جيل الشباب].
  • genetic mechanism الآلية التكوينية: فرضية قرائية؛ [أي افتراض من جانب القارئ] يحل مشكلات الأحداث الخيالية الغريبة وتناقضاتها بالاستناد إلى عواملَ عِلِّيَّةٍ أدَّت إلى إنتاج النص من دون أن تشكِّل جزءًا منه، مثل عملية الخلق الفني.
  • heterodiegetic narration السرد الخارجي: هذا هو المصطلح الذي وضعه جيرار جينيت للسرد الذي يوجد فيه الراوي على مستوًى وجودي مختلف عن مستوى الشخصيات.
  • heterotopia غيرية المكان الحقيقي: يشير المصطلح إلى أي مكان خارجي لكنه في الوقت نفسه «حقيقي» (أي محدد ومجسد وليس يوتوبيًّا) ويحفل أيضًا بإحالات علائقية لأماكن أخرى ومؤسسات التأديب. والمصطلح كلمة جديدة سكَّها فوكوه في مقاله «عن الأماكن الأخرى» للإشارة إلى الأماكن الحقيقية التي تكتسب معانٍ مركزة مكثفة من خلال وجودها في مجموعة كبيرة من العلاقات الاجتماعية المكانية والزمنية؛ مثل المدافن، وبيوت الدعارة، والسجون، والمسارح، وفنادق شهر العسل، والمتاحف، والمكتبات.
  • historical present الزمن المضارع التاريخي: المقصود سرد الأحداث والخبرات الماضية بالزمن المضارع سواء كان ذلك في الكلام العادي أو في الفن القصصي. ومن ثم فهو يختلف عن استخدام الزمن المضارع في سرد الأحداث أثناء وقوعها (أي simultaneous narration السرد المتزامن).
  • homodiegetic narration, character narration السرد الداخلي أو السرد الشخصي: وضع جيرار جينيت هذا المصطلح للإشارة إلى السرد الذي يوجد فيه الراوي على مستوى الوجود نفسه للشخصيات الأخرى. فإذا كان الشخص الراوي بطل الرواية أطلق على السرد الداخلي مصطلح يزيد من تحديده وهو السرد الداخلي الذاتي؛ أي autodiegetic narration.
  • hypertext النص الحاسوبي: ويقصد به أن يتكوَّن من مجموعة من النصوص أو لعدد النصية التي ترتبط فيما بينها ببعض الروابط. ووجود روابط متعددة لشذرات من الشذرات يخلق خيارًا ما بين نظم القراءة، وهو الذي يمنح النص الحاسوبي ما يسمى بصفة عامة طابعًا مضادًّا للمسار الخطي، وإن يكن المصطلح الأدق هو تعدد المسارات، ما دامت اللغة تسير في خط مستقيم أو مسار خطي محتوم. ويعتبر النص الحاسوبي في المقام الأول بابًا ينفتح على الوثائق المحفوظة في قاعدة البيانات، وهو البناء الأساسي لمواقع الإنترنت، ولكن هذا الشكل قد استُخدم أيضًا في القصص الأدبية، المطبوعة منها والرقمية. والنصوص الحاسوبية الرقمية للقصص الخيالية تسمح للقارئ باختيار الروابط المبنية للانتقال إلى شرائح جديدة (كلمات أو رسوم أو صوت) من القصة. انظر أيضًا interactivity التفاعل، وlexias الصفحات الرقمية.
  •  [hypertext 2 النص الأكبر (جينيت): ولا يعني به جينيت «النص الحاسوبي» وهو المعنى الحديث، بل يعني به العلاقة التي تربط نصًّا أكبر بنص أصغر (hypotext) مثل من يكتب قصةً مستمدة من ألف ليلة وليلة؛ فالنص الأخير هنا هو النص الأكبر.]
  • implied author المؤلف الموحى به: صورة المؤلف الحقيقي المسئولة عن الخيارات التي تخلق النص القصصي باعتباره «هذه الكلمات بهذا الترتيب» والتي تُفعِم النص بقيمها.
  •  [incoativity, durativity & terminativity صيغ البداية والوسط والنهاية (تاراستي/جريماس): المقصود أن السرد يتميز تقليديًّا ببداية ووسط ونهاية، وعادةً ما يُشار إلى النهاية بمصطلح أحدث وأشهر وهو الإغلاق (closure)؛ أي الصيغة الخاصة التي توحي بأن القصة اكتملت، ولكن تاراستي (من خلال جريماس) يصف صيغًا سردية أخرى تمثِّل البداية، وليس من الضروري أن تكون بداية الحدث القصصي، والوسط؛ أي مجال الفعل (action) أو الصراع وفقًا للمفاهيم الدرامية، وليس من الضروري أن يبدأ كل عمل قصصي بالبداية بهذا المفهوم، يبدأ بالنهاية، مثل مسرحية مأساة الحلاج لصلاح عبدالصبور، أو بالوسط، مثل الكثير من الروايات التي تنتهج النهج الملحمي. ويعتمد تعريف كل مرحلة من هذه المراحل على ما يسمى التشفير السردي؛ أي (narrative coding) الذي يُعِين القارئ على إدراك المرحلة المعنية.]
  • informant المُخْبر: من يقوم ببث معلومات عن غير وعي، أو من يُستشهد بكلامه، وخطابه الخاص أصلًا يصبح وسيطًا ويخدم كلامًا ذا مستوًى أعلى ويقوم بدور الإطار الذي يبنيه شخص آخر. وهكذا يُعتبر المخبر مضادًّا للراوي وللمؤلف. ونماذج المخبر تتراوح ما بين كاتب اليوميات السرية، وملقي الأحاديث الفردية، وصاحب المونولوجات الداخلية.
  • integration mechanisms آليات التكامل: وهي الوسائل التي يحوِّل بها القراء حالات التناقض النصي الظاهرة إلى أجزاء مترابطة المعنى من النص الكبير (انظر الآليات الخمس الخاصة وهي الوجودية، والوظيفية، والنوعية، والتكوينية، وفرضية السرد غير الموثوق به (unreliable narration)).
  • interactive fiction القصص الخيالية التفاعلية: نمط نصي خالص من الألعاب الحاسوبية التي يقوم اللاعب فيها بحل المشكلات بالمشاركة في حوار مع الآلة. واللاعب في القصص الخيالية التفاعلية يتقمَّص شخصيةً في عالم خيالي بكتابة جمل تُعتبر في العالم الخيالي أفعالًا تقوم بها الشخصية. ويغيِّر النظام حالة العالم الخيالي أولًا بأول تجاوب مع هذه الأحداث، ويقدِّم اللاعب مُدخلات جديدة، في دائرة من الفعل ورد الفعل تبلغ نهايتها بالمكسب أو بالخسارة.
  • interactivity التفاعل: مشاركة القارئ/المتفرجين في الإنتاج الفعلي للنص القصصي، وخصوصًا المشاركة التي تؤثر في المعلومات المعروضة على القارئ/ المتفرج. والتفاعل خصيصة رئيسية من خصائص النصوص الرقمية، بفضل دوائر رد الفعل التي تقبل فيها الحواسيب المدخلات التي تحدِّد حالتها الداخلية ونواتجها. والنصوص المتعددة الدروب المتحقِّقة في المطبوعات تعتبر تفاعليةً أحيانًا، وإن كانت هذه النصوص تفتقر إلى السلوك الدينامي وفاعلية النصوص الرقمية. ويمكن أن يكون التفاعل انتقائيًّا محضًا أو إنتاجيًّا بحتًا؛ ففي النوع الانتقائي تقتصر مشاركة المستخدم على استعمال الروابط الحاسوبية، وفي النوع الإنتاجي، تتكون مدخلات المستخدم من النص أو من الأحداث المحاكاة التي تصبح أحداثًا في عالم خيالي.
  •  [intertext «النص المُدْرَج» (جينيت): ويعني النص الذي يحتويه نص آخر، مثل النصوص القديمة التي تُدرَج في نصوص جديدة إمَّا بالاقتطاف؛ أي الإكثار من إيراد فقرات منه أو إيراده كله، مثل إيراد قصيدة شاعر جاهلي في نص خطبة حديثة، وإمَّا بالسرقة من النص القديم، بشتى أنواع السرقة، وإمَّا بالإحالة إلى النص القديم. ويشترك هذا المفهوم مع مفهوم الطي embedding، بمعنى أن النص الجديد يطوي في داخله نصًّا قديمًا؛ فالنص المدرج يقابل النص المطوي، [المصطلح الذي وضعه يوسف زيدان] وكل هذه الأنواع يشملها المصطلح العام «التناص» (intertexuality).]
  •  [isotopes النظائر (تاراستي): يُستخدم هذا المصطلح للإشارة إلى مجموعة الفئات الدلالية التي تتضمن إطنابًا يضمن ترابط معنًى مركب من العلامات، وليس من الضروري أن تكون كلها لفظية؛ فقد نجد مجموعةً تضم علامات صوتيةً ومكانية مختلفة في ظاهرها ولكنها تؤكد رسم جو معين، مثل بداية رواية الكرنك لنجيب محفوظ، حيث العلامات الدالة على الزمن، ومرور الوقت وما إلى ذلك بسبيل.]
  • lexias الصفحات الرقمية: (١) المصطلح الذي ابتكره رولان بارت يشير إلى «القطع المتجاورة» التي تشكل القصة. وهذه موجزة بصفة عامة، وأطوالها توقيفية، وتعتبر «وحدات قرائية» يحدِّدها القارئ. (٢) في النصوص الحاسوبية للقصص الخيالية يعني هذا المصطلح عند جورج ب. لاندو — بعد أن استعاره من بارت — قطع النصوص الحاسوبية القصصية التي وضعها الكاتب على هذه الصورة وإن شاع تدخل القارئ لترتيبها في نظام من ابتكاره، وهو المعنى المستخدم بصفة عامة في الوقت الحاضر [ترتيب هذه القطع في الصفحة الرقمية أو الحاسوبية، سواء كان الترتيب يعتمد على التجاور عند بارت، أو على اختيار القارئ، كما يقول لاندو، فإننا نجد في النهاية أن لدينا «وحدات قراءة» في الحاسوب توازي صفحات الكتاب، وعلى هذا ترجمت المصطلح وإن كنت عربته في بعض المواقع].
  • mediation التوسط/الوساطة: ويعني دافع المحاكاة (mimetic)؛ أي الوسيلة المستخدمة في جعل عناصر النص تبدو محتومةً نتيجة اتفاقها مع (نموذج ما) للواقع. ولدافع المحاكاة فرعان رئيسيان: الفرع الوجودي (الذي يستند إلى ما يُعتبر حقيقةً موضوعية)، والفرع المنظوري (أي النظرة الذاتية للواقع التي تميزه عن نظرات غيره، وقد يشوبها الخطأ). [وأما استعمال مصطلح الوساطة هنا فيقصد به أن يستعين الكاتب بوساطة التشابه بين ما يصف وبين الواقع الخارجي في إقناع القارئ بأن منطق القصة سليم مثل منطق الحياة، وما أسميته التشابه هو ما يشار إليه في الشرح بالمحاكاة.]
  • medium وسيط: يعتبر إمَّا قناة بث أو نمطًا من الدعم المادي للمعلومات. والوسيط من وجهة نظر النظرية السردية منهجًا لتشفير المعلومات القصصية ونقلها بالصورة التي تحدِّد أنواع القصص التي يمكن أن تحكى، وكيف تحكى، وكيف يُستجاب لها؛ فالطباعة نوع من أنواع الوسائط؛ والسينما نوع آخر. ويختلف الوسيط عن النوع الأدبي أو الفني في أن الوسيط يتكوَّن من خصائص وأوجه قصور كامنة في تحقيقه المادي، وأما النوع [الأدبي أو الفني] فتحدِّده الأعراف التي وضعها البشر.
  • metalepsis الكناية أو — هنا — خلط المستويات السردية: والمعنى المقصود كسر الحواجز التقليدية بين مستويات السرد، مثلما يفعل جون فاولز حين يجعل الراوي الخارجي في روايته امرأة الضابط الفرنسي يدخل العالم القصصي (diegesis) لبطل الرواية تشارلز سميثسون (انظر diegesis (العالم السردي).
  •  [metatext الميتانص (جينيت): وهو النص الذي يعلِّق على نص آخر بالنقد أو بالتعليق أو التذييل أو الاستكمال؛ مثل الحواشي التي يكتبها الباحثون العرب على متن كتاب من الكتب.]
  • mimetic/mimesis صفة المحاكاة/المحاكي: يشير المصطلح بصفة خاصة إلى عنصر من عناصر الشخصية يقصد به أن يحاكي شخصًا يُحتمل وجوده في الواقع. ويشير بصفة عامة إلى عنصر من عناصر القصة الخيالية يقصد محاكاة العالم خارج القصة وهو ما نسميه في العادة «الواقع». ويشير مصطلح الفعل المحاكي إلى الفعل الذي يؤدي إلى إنتاج تأثير المحاكاة؛ أي إلى مجموعة الأعراف التي تتغيَّر على مر الزمن والتي تُستخدم في الحكم على أن الأشياء أو الأفعال التي تحاكي الواقع مُقْنِعَةٌ بصورة ما.
  • mise en abyme إيحاء الجزء بالكل: الحيلة التي يستخدمها الكاتب لجعل جزء من النص يمثل صورةً مصغرة للنص الكبير، مثلما يستخدم شيكسبير مسرحيةً صغرى داخل المسرحية الكبرى في هاملت [هذه الدلالة الخاصة جزء من الدلالة العامة التي تفيد وجود صور متقابلة لحدث أو لشخصية، يعكس بعضها بعضًا إلى ما لا نهاية، مثل المرايا المتقابلة، مثلما نجد في رواية الطريق لنجيب محفوظ حيث تقع للبطل أحداث متماثلة الشكل أي في التركيب ويؤكد بعضها بعضًا، مثل الشخصيات التي يقابلها البطل وتتكرَّر دلالتها، بحيث تجعل الإيحاء بوجود نماذجها إيحاءً بعدد لا نهائي من أمثالها] [انظر كتاب المصطلحات الأدبية الحديثة، لونجمان ١٩٩٦، ص٥٤].
  • motivation الدافع/المبرر: يعني المصطلح في النظرية الشكلية الروسية الطريقة التي يستخدمها المؤلف لجعل بعض عناصر النص (خصوصًا عناصر الخطاب؛ أي «الحيل» الخطابية، وإن كانت العناصر المقصودة لا تقتصر عليها) توحي للرائي بأنها محتومة وليست تعسفية، وأنها جزء «طبيعي» منه لا شاذة أو غريبة. وتوصف العناصر بأنها ذات دوافع وبأن وجودها له ما يبرره، إما من حيث إسهامها في الآثار الجمالية والبلاغية، وإما من حيث دوافع المحاكاة فيها بمعنى استنادها إلى نموذج واقعي من نوع ما؛ أي من حيث طابعها «الواقعي». وأما العناصر التي تُترك بلا دافع فتسمى العناصر «العارية» أو المجردة؛ أي باعتبارها عناصر شكلية غير مُستَوعَبَة في أنساق العمل أو المحاكاة الكبرى.
  • narratee سامع السرد/متلقي السرد: الجمهور الذي يخاطبه الراوي مباشرة، وتحديد شخصية هذا السامع أو المتلقي يتفاوت تفاوتًا كبيرًا.
  • narrative audience جمهور السرد: دور المراقب داخل عالم القصة الخيالية، وهو الذي يتقمصه القارئ الحقيقي، ذو اللحم والدم، في جانب وعيه الذي يعتبر العمل/الفعل الخيالي عملًا/فعلًا حقيقيًّا. وموقف جمهور السرد، مثل موقف متلقي السرد، يضمهما معًا موقف جمهور المؤلف (انظر authorial audience).
  • narrativity السردية/فنون السرد: الصفات الشكلية والسياقية التي تميِّز ما هو سرد عمَّا ما ليس بسرد، أو تحدِّد درجة «السردية» في خطاب ما؛ ويعني المصطلح أيضًا المبادئ البلاغية التي يستند إليها إنتاج قصة ما وتفسيرها؛ كما يعني الأنواع المحددة من فن الصنعة ذات الجذور الراسخة في التمثيل القصصي.
  •  [narreme عنصر سردي (براون): المقصود به أية ثيمة في عمل سردي يمكن تحديدها بوضوح والنظر في علاقتها بالثيمات الأخرى. وقد يتكرر العنصر السردي أو يتضخم فيصبح خيطًا سرديًّا رئيسيًّا (narrative leitmotif) كما يحدث لأي بطل روائي يبحث عن شيء؛ فالبحث (quest) يخلق الجو العام، وكل خطوة فيه تمثل عنصرًا سرديًّا، كارتياد الفنادق في رواية الطريق لنجيب محفوظ، ومقابلة الغرباء … إلخ، وهي عناصر يرتبط بعضها ببعض في إطار «موضوع» (topic) البحث الأساسي.]
  • neonarrative السرد الجديد: المقصود بالمصطلح الاستراتيجيات التي وُضعت لتوسيع حدود السرد النوعية بحيث تضم مواد كانت تُعتبر غير قابلة للسرد في أي عمل أدبي.
  •  [palimpsests النصوص الغائرة (عند جينيت): نصوص كُتبت فوقها نصوص أخرى ولا تزال ظاهرةً للمدقق.]
  •  [paralepsis ادعاء العلم في السرد: ويعني أن السرد يتضمن على لسان الراوي معلومات كثيرةً ليس من الممكن أن يحيط بها افتراضًا، وبعبارة أخرى يشير المصطلح إلى قيام الراوي بسرد أكثر ممَّا يعرف.]
  • paralipsis حجب العلم في السرد: وهو السرد الذي لا نجد فيه كل ما يحيط الراوي به من المعلومات اللازمة، وبعبارة أخرى يشير المصطلح إلى تعمُّد الراوي حجب بعض ما يحيط به من معلومات في سرده [لاحظ أن هذا المصطلح يمثِّل نقيض المصطلح السابق؛ فالحجب عكس الادعاء].
  •  [paratext النص الإطاري (جينيت): ويُقصد به العناصر التي تشكِّل إطارًا لنص أساسي، مثل العناوين وضروب التصدير، والتمهيد، والتقديم، مثل «خطبة الكتاب» عند العرب.]
  • paranarratable ما لا يُروى: المقصود كل ما لا يُروى في قصة من القصص بسبب الأعراف الأدبية [وهذا يختلف عن مصطلح المضاد للسرد (antinarratable)؛ أي الذي لا يُروى بسبب تعارضه مع الأعراف الاجتماعية، أو بسبب المحظورات الاجتماعية. والمثال أن القاص يمتنع عن ذكر تفاصيل علاقة جنسية مثلًا لأنها مضادة للسرد، ويمتنع عن سرد تفاصيل ذهاب شخص إلى محل عمله لأن الأعراف الأدبية تقضي في قصة من القصص بانتقال المشهد مباشرةً إلى محل العمل، وهذه التفاصيل إذن لا تُروى. والتمييز بين المصطلحين مهم، ويناقشها الكتاب].
  • passant صورة المتلقي: تصوير المتلقي للسرد من زاوية انطباعاته عمَّا يسمع لا من زاوية الفعل الذي يقوم به؛ أي إن المنظور هنا سلبي لا إيجابي، ويقدم رابينوفيتز هذا المصطلح في هذا الكتاب باعتباره يمثل عكس الفاعل (actant)؛ أي من وقع عليه فعل الفاعل [وإن لم يكن على وجه الدقة مفعولًا به].
  • path الدرب: المقصود ترتيب الخبرات التي تمر بها الشخصية القصصية، فربما كانت تسير في درب يتفق مع ترتيب الأحداث في القصة أو في الخطاب وقد تسير في درب آخر.
  • performance الأداء: هذا مصطلح مستعار من نظرية أفعال الكلام التي ابتكرها ج. ل. أوستن (Austin) للدلالة على الملفوظات غير الخبرية، وأما الأقوال الخبرية (constative) فهي الأقوال المفترض تعبيرها عمَّا يمكن إثبات صدقه أو كذبه، وأما فعل الكلام (speech act) فهو ما يؤدي إلى فعل شيء، أي أداء شيء. ويقول أوستن إن الفعل المؤدِّي (a performative) يعني طريقة أداء شيء بالألفاظ. فعندما يقول الكاهن، أو المسئول المدني المأذون له (duly authorized) بعقد القران، في ختام مراسم الزواج: «أُعلن الآن أنكما زوج وزوجة» فإنه يؤدي فعلَ تزويج الشخصين [ويعتبر هذا فرعًا مما نسميه الأسلوب الإنشائي باللغة العربية (appellative, operative) عكس النوعية الخبرية (indicative mood) التي تقبل الصدق والكذب؛ فالفعل الكلامي فعل يؤدي فعلًا معينًا كقولك «أعد بأن أدفع» (I promise to pay)؛ فالفعل يؤدي فعلًا هو الوعد، ومن أمثلته الشهيرة أفعال الأمر على اختلافها؛ «ادفع بالتي هي أحسن»، «فكلوا منه وأطعموا البائس الفقير»، وأفعال الدعاء والرجاء. وكثيرًا ما يخلط النقاد الأجانب بين هذه الأفعال الكلامية ويستخدمونها استخدامًا فضفاضًا في تحليلاتهم الأسلوبية، ومن المعاني الأخرى لمصطلح الأداء الإشارة إلى الزمن الحاضر الذي تتميز به بعض الفنون التشكيلية كالرسم والتصوير بالألوان؛ إذ يزعم بعضهم أن بعض فنون التصوير الزيتي أدائية بمعنى أن الرسام يجسِّد في اللوحة عمله في رسمها، بحيث يطلق على هذا النوع (action painting) الذي أُترجمه في هذا الكتاب بمصطلح فعل الرسم أو أحيانًا فعل التصوير الزيتي، والواضح أنه يستعير فكرة الأداء من فعل الكلام. ولكن أبرز فنون الأداء قاطبةً فن التمثيل على المسرح، الذي يعتمد على الزمن الحاضر (المقابل للفعل المضارع)، فإذا حدثت الأحداث أمامنا على المسرح وُصفت بأنها تقوم على حضورية الحدث (immediacy of action) وهي الترجمة التي وضعها رشاد رشدي].
  •  [pixels جزئيات الصورة: انتقل هذا المصطلح من التصوير الفوتوغرافي والعمل السينمائي إلى السرد باعتبار الراوي رسامًا يستطيع أن يجمع أو يفرِّق كما يشاء جزيئات الصورة التي يرسمها، بحيث تجتمع إذا أراد كأنما على شاشة السينما أو التليفزيون.]
  •  [poured paintings لوحات سكب الألوان: المقصود اللوحات التي يكاد الناظر إليها يرى لحظة وضع الرسام ألوانه على القماش، وهو ضرب من فعل التصوير الزيتي (انظر action painting).]
  • primacy effect أثر الأولية/تأثير ما يأتي أولًا: المقصود به ميلنا إلى تصديق المعلومات التي تُقدَّم إلينا أولًا حتى حين يرد ما يناقضها في جزء لاحق من الرسالة.
  • prolepsis, proleptic تصوير المستقبل/لقطة مستقبلية: صورة لِما سوف يحدث، وهو المضاد الزمني للاسترجاع analepsis؛ أي الفلاش باك. وفقرات تصوير المستقبل تقاطع المسار المنتظم لأحداث القصة؛ أي الزمن في مساره المعتاد لسرد أحداث واقعة في المستقبل القصصي.
  • prosopography السيرة الجماعية: المصطلح يعني اشتقاقًا كتابة (graphy) شيء يمثل قناع شخصية ما (prosopon)، ولكنه يتضمَّن المجاز المسمى prosopopoeia؛ أي التشخيص أو التجسيد (مجدي وهبة)، وهو الذي يعني منح كِيان غائب أو ميت قناعًا معينًا وصوتًا خاصًّا، ويشير المصطلح هنا إلى تمثيل تاريخ أمة أو مجتمع محلي بمجموعة من الأشخاص الذين يرمزون له، بأسماء جماعية وصور جماعية وسير جماعية [والدلالة الأخيرة هي الشائعة اليوم والتي توردها المعاجم]. ويشير المصطلح أيضًا إلى أساليب التحليل التاريخي الذي يقارن البيانات الخاصة بحياة مجموعات من الأشخاص في العصور القديمة أو في العصور الوسطى — حيث تندر السجلات المتاحة — أو في العصور الحديثة حيث تتوافر الإحصائيات الخاصة بالنسب أو الزواج أو العمر المتوقع. ويشير المصطلح عمومًا إلى مجموعات السير الموجزة (السير الجماعية collective biography) [ومن أمثلتها لدينا سِير شعراء مدرسة الديوان العقاد والمازني وشكري، أو سير رواد التنوير مثل قاسم أمين والرافعي والعقاد، ولدينا كتاب يجمع في صورة مسرحية بين سير العقاد والرافعي وطه حسين بعنوان رحلة التنوير، ١٩٩١م].
  • reference الإحالة: المقصود هو العلاقة بين عامل الإحالة (الاسم العلم، أو الجملة الاسمية، أو الضمير أو اسم الإشارة) والمُحال إليه (شخص معين، شيءٌ أو مكان أو حدث … إلخ). وتحقيق الإحالة يعني التفسير الذي يُحدد المُحال إليه (على المستوى التداولي والدلالي) ويربطه بعامل إحالة تعبيري معين في سياق من السياقات. والإحالة المشتركة (coreference) تعني العلاقة بين حالتين من تعبيرات الإحالة المتماثلة أو المختلفة التي من الممكن ردها (من حيث لغة الخطاب) أو من حيث إشارتها (من زاوية الإحالة) إلى شيء واحد والمعادلة بين الحالتين [الأمثلة وافرة في اللغة العربية؛ إذ توجد مشاركة في الإحالة بين الكلمات الدالة على النار في القرآن الكريم مثل جهنم والجحيم وسقر والحطمة، والكلمات الدالة على الجنة مثل النعيم والفردوس وعدن، رغم الاختلافات الدقيقة بين هذه المترادفات ظاهريًّا؛ فالإحالة هنا إلى شيء واحد، وظلال الدلالات تزيد الإحالة المشتركة ثراءً في النص القرآني، والشعراء يفعلون هذا أكثر من كُتاب النثر نِشدانًا للثراء كذلك].
  • second-degree text نص الدرجة الثانية: [وليس المقصود بالدرجة الثانية الرتبة الأقل بل الترتيب الزمني]؛ أي نص «يلعب مع» نص أقدم وله وجود سابق إما بتقديم محاكاة ساخرة له، وإما بتقديم امتداد (extension) له، وإما بتقديم عمل لاحق على ما يصوره من أحداث.
  • self-consciousness الوعي الذاتي: وعي الكاتب بأنه يتواصل مع جمهور ما. وهو من مزايا المؤلف — تعريفًا — ولكنه يُفوَّض إلى الرواة (أو المتحدثين/الكُتَّاب خارج القصة) ويُحرم منه المخبرون، وهو ما يُضفي دلالات مهمة على أنواع أدائهم باعتبارهم مصادر بث، وكيف يعمل هذا الأداء ويحقِّق معناه.
  • simultaneous narration السرد الفوري/المتزامن: السرد بالزمن المضارع الذي لا يتضمَّن فجوات ظاهرة بين زمن السرد وزمن الحدث/التجربة المروية؛ ففي السرد الفوري أو المتزامن يحدث السرد في وقت الحدث نفسه (انظر المضارع التاريخي historical present).
  • sjuzet الحكاية المصوغة: يشير المصطلح إلى الحكاية fabula في خطاب سردي معين، ويعني مُركَّبًا من القصة والخطاب؛ أي story & discourse).
  • soundscape ساحة صوتية: المعادل الصوتي للساحة المكانية (landscape) المحيط الصوتي؛ أي الأصوات التي تحيط بالمستمع خصوصًا على نحو ما يسمعها ويفهمها، فردًا كان أو جماعة. كان أول من استخدم هذا المصطلح ر. مَرِي شافر، في المشروع العالمي للساحات الصوتية، وابتكر إلى جانبه عددًا من المصطلحات اللازمة لمناقشة البيئات الصوتية، مثل كلمة soundmark أي العلامة الصوتية المبنية على غرار landmark أي علامة على الطريق، ومثل الإشارة الصوتية sound signal المصوغة على غرار figure بمعنى العلامة البصرية، ومثل الصوت الأساسي keynote sound قياسًا على استخدام الأساس ground في وصف المكان، والشاهد الأذني earwitness قياسًا على شاهد العيان eyewitness.
  • speech act فعل الكلام: تقول نظرية أفعال الكلام إن كل قول لا يقتصر على الإخبار عن شيء فقط (constative) بل إنه يؤدي شيئًا أيضًا (performative)؛ ففعل الكلام استخدام هادف وتوصيلي للغة، يتضمن فعلًا صياغيًّا أي locutionary act (وهو ما يُنتِج مقولةً ذات بناءٍ نحوي معين، وفعلًا عمديًّا هادفًا (illocutionary act)) (أي الغرض الذي يتحقق في أثناء أداء الفعل الصياغي، مثل الزعم بشيء، أو الوعد، أو التحذير، أو الطلب، أو الأمر)؛ وفعلًا يمكن أن يكون مؤثرًا (perlocutionary act) (أي الغرض الذي يتحقَّق من خلال أداء الفعل العمدي الهادف، مثل الإقناع أو الإبلاغ أو الصَّدِّ عن فعل شيء … إلخ). ونظرية أفعال الكلام تقاوم الفرضية التي تقول إن اللغة يمكن أن تُفهم بصورة مستقلة عن السياق، أو في علاقتها المحضة بقيمة الصدق فيما تقوله (انظر أيضًا الأداء (performative)).
  • story القصة: مادة السرد؛ فالشخصيات والأحداث والمكان من عناصر القصة، وأما الأحداث بتسلسلها الزمني فتشكل القصة التي نجرِّدها من الخطاب.
  • supranarratable ما دون السرد: وهو ما لا يحتاج — وفق قصة معينة — إلى أن يُسرد لأنه «طبيعي» إلى الحد الذي يجعله مُسلَّمًا به.
  • subnarratable ما فوق السرد: وهو ما لا يمكن — وفق قصة معينة — أن يُسرد لأنه يستعصي على التعبير؛ أي يتعذَّر التعبير عنه.
  •  [terminativity النهاية: (انظر inchoativity).]
  • transposition التبديل: المقصود مظاهر تغيير النص الجديد للنص الذي يحاكيه؛ فالنص الجديد يحافظ على الارتباط الواضح بالنص الأصلي، ولكنه يغير بل ويقدم عكس دلالته من خلال تعديل المكان أو النغمة أو الحبكة أو الشخصيات أو تعديلها كلها. والنص المحاكى يختلف بسبب أغراضه الجادة عن المحاكاة الساخرة أو التهكمية (parody) أو المعارضة (pastiche) [أي محاكاة أثر أدبي آخر محاكاة دقيقة، مثل معارضة شوقي في نهج البردة لبردة البوصيري].
  • undecidable ما لا يقبل الحسم، أو ما لا يُحسم: ويُستخدم هذا المصطلح في وصف نص يقبل أن يقرأ قراءتين غير متسقتين (أو عدة قراءات غير متسقة) بحيث تتمتع كل قراءة بأدلة نصية قوية تؤيدها.
  • unnarration عدم السرد: والمقصود أن يزعم الراوي أن ما حدث لا يمكن أن يُروى بالألفاظ، أو أن يشير صراحةً إلى أن ما حدث لن يُروى بسبب استحالة ذلك.
  • unreliable narration السرد غير الموثوق به: يعني هذا المصطلح في إطار النظرية البلاغية للسرد، نوعًا من السرد لا يتفق فيه ما يقوله الراوي أو يقرؤه (أو يفسره) و/أو يحكم عليه (أو يقيمه) مع موقف المؤلف الموحى به. وتوجد ستة أنماط رئيسية للسرد غير الموثوق به؛ وهي: الخطأ في الإبلاغ، والخطأ في القراءة، والخطأ في الحكم، ونقص الإبلاغ، ونقص القراءة، ونقص الحكم [المقصود بالنقص عدم تقديم المطلوب كاملًا]. والمجموعتان الرئيسيتان [اللتان تتكون كل منهما من ثلاثة أنماط] تعتمدان في التمييز بينهما على ما تطلبانه من جمهور المؤلف؛ فالمجموعة الأولى — الخطأ في الإبلاغ، والخطأ في القراءة، والخطأ في الحكم — تطلب من الجمهور أن يرفض ما يقوله الراوي ويعيد بناء بديل عنه، وأما المجموعة الثانية — نقص الإبلاغ، ونقص القراءة، ونقص الحكم — فتطلب من الجمهور أن يقدم ما يستكمل به نظرة الراوي. وفي إطار مدخل ياكوبي التكاملي، تعتبر عدم الثقة فرضية قرائية توضع لحل المشكلات النصية (من التفاصيل التي ليس لها مبرر إلى التناقض الذاتي) على حساب عامل وساطة أو إدراك أو توصيل ما — وخصوصًا الراوي الشامل — غير المتفق مع المؤلف الموحى به (انظر أيضًا آليات التكامل (integration mechanisms)).
  • voice الصوت: يُعتبر هذا المصطلح في علم السرد التقليدي إجابةً على السؤال «من يتكلم؟» في الخطاب السردي. ويشير المصطلح بصفة أعم إلى طرائق تعبير الخيارات اللفظية والتركيبية عن قيم معينة، ومن ثم رسم صورة المتكلم. وتُعتبر دراسة توزيع الصوت (أي توزيع أدوار الكلام على المتحدثين) وسلطة الصوت (أي مقدار الأهمية التي يمثِّلها كل متكلم) منهجًا من مناهج دراسة المبادئ التي تتحكَّم في السرد.
١  يصعب في العربية التمييز بين الفاعل في القصة؛ أي الذي يقوم بدور فيها وبين الفاعل النحوي في الجملة، ولم يكن من الممكن استبدال العامل بالفاعل هنا لأن العامل له في العربية دلالات كثيرة لا تفيد المقصود، مثل factor؛ أي القوة المؤثرة، وworker؛ أي من يقوم بعمل ما، وينطبق ذلك على المفعول به [ما يقع عليه فعل الفاعل]. وقس على ذلك agent الفاعل النحوي [وغير النحوي] وكلمة actant دخيلة في الإنجليزية ولا توردها المعاجم العامة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤