الفصل الرابع
الناشر الأفريقي – النشر الأفريقي
«نوعية الكتب التي ننشرها واحدة من أهم المشكلات التي تواجه الناشرين
الأفارقة المستقلين، وبالرغم من أنَّ هذه النوعية تتحسَّن، فإن ذلك لا يتم
على نحوٍ مُرضٍ … لا يوجد اهتمام بتصميم أغلفة جذَّابة، كما أنَّ التحرير،
وقراءة البروفات، وعمل الفهارس … كل ذلك، يتم دون حماسة. الاختيار يقع على
عروض الطباعة الأقل سعرًا، حتى وإن كانت رديئة المستوى، وذلك بهدف التوفير،
بالإضافة إلى أنَّ المطابع الكبرى، التي تمر بظروفٍ اقتصادية بالغة السوء،
تعمل باستمرار على خفض التكلفة، وبذلك تأتي النتائج دائمًا شديدة
الرداءة.»
«وولتر بجويا Walter
Bgoya»، نقلًا عن
Zell
“The
Production and Marketing of African Books”, Logos,
1998
«الكتب المدرسية، مليئة بالأخطاء الهجائية، وأخطاء اللغة منذ الصفحات
الأولى، وعلى الكعب، وفي التعريف بالكتاب، على الغلاف الخلفي. التصميم سيئ،
والصور غير واضحة، ومستوى الطباعة والتجليد رديء، ومستوى الحبر ليس واحدًا،
والصفحات مرتبكة، وأحيانًا ملطَّخة …»
Henry chakava عن:
Zell, op. cit
ربما لا يكون دخول عدد كبير من محلات بيع الكتب، في مناطق كثيرة من
القارة الأفريقية لحظة ممتعة، المحلات معظمها كئيب، وطارد، ومكون من غرفة
واحدة، وهي غالبًا رديئة، وسيئة الإضاءة. معظم الكتب الموجودة على الأرفف، هي
كتب المناهج الدراسية، المقررة على المراحل الابتدائية، انتهاءً بالمرحلة
الثانوية. في السنوات الأخيرة أصبح معظم هذه الكتب، يُطبع في أفريقيا،
الأغلفة — دائمًا — من لونين، مع تخصيص المساحة الأكبر للكتابة، وليس للرسوم،
أو الصور. معظم الكتب الأخرى في المحلات كتابات دينية (حيث إنَّ معظم المدارس
في أفريقيا بدأت على أيدي البعثات التبشيرية)، إلى جانب مجموعة كبيرة من
الأناجيل، ويوجد عادةً مجموعات صغيرة من الكتب الإرشادية، معظمها خاص
بالتجارة، الأرفف عادةً مُكدَّسة بكتب متهرِّأة، وأغلفة بالية متلفة، مما يدل
على ركود حركة البيع. جزء كبير من الأرفف مخصص للمواد المكتبية الخاصَّة
بالمدارس والمكاتب، إلى جانب أدوات فنية قليلة، وجزء آخر مخصص للصحف والمجلات
المحلية، التي تجد بينها أحيانًا بعض أعداد صحف أجنبية، مثل «تيم»،
و«أيكونوميست»، وأخرى عن المرأة، أو السينما، وهي في غالب الأحيان
قديمة.
محلات بيع الكتب في المدن الكبيرة، أفضل حالًا إلى حدٍّ ما؛ فقد تجد بها
رفًّا أو اثنين للكُتَّاب الأفارقة، سواء كانت كُتبًا محلية، أو مستوردة، مثل
سلسلة «هينمان» المكرَّسة لذلك، كما يمكن أن نجد بعض الكتب الأوروبية
والأمريكية الأكثر مبيعًا، ذات الأغلفة الورقية، أو المقوَّاة (روائية وغير
روائية)، وكذلك بعض كتب الأطفال المستوردة، غالية الثمن، وخاصةً تلك التي
حققت مبيعات مرتفعة في الغرب، مثل كتب «هارولد روبنز Harold
Robins»، و«جاكلين سوزان Jacqueline
Susann»، و«إيرفنج والاس Irving
Wallace»، وحديثًا، كُتب «ستيفن كنج Stephen
King»، وهي كُتب لا يستطيع شراءها سوى الأغنياء؛ فما زالت
ماثلة في ذهني صورة تلك السيدة الأفريقية التي شاهدتها في أحد المطارات،
تلفُّ نفسها بعباءة لا يظهر منها سوى عينيها، ممسكة في يدها إحدى روايات
«جاكي كولنز Jackie Collins» المثيرة. كُتب
الإثارة الأمريكية، منتشرة في كل مكان، وبهذه الكتب وغيرها من كُتب الجنس
تقدِّم الولايات المتحدة النموذج؛ فلماذا لا يقرأ الأفارقة أيضًا هذه
«القِمامة» التي يقرؤها الأمريكيون؟!
معرض زيمبابوي الدولي للكتاب
ليس غريبًا أن يحقق «معرض زيمبابوي الدولي للكتاب» نجاحًا باهرًا، في
السنوات الأخيرة؛ فوجود محلَّات كبيرة في أرجاء القارَّة، تحتاج إلى
الإبداعات الرئيسية، ووجود ناشرين وكُتَّاب يرغبون في التغيير، يجعل هناك
دائمًا مجالًا للتحسُّن، ويتمنَّى المرء أن يؤدي هذا النجاح السنوي للمعرض
والجو الذي يشيعه إلى تحسين وتطوير النشر في أفريقيا، هذا المعرض السنوي،
الذي يتم تنظيمه خارج حديقة المنحوتات، خلف قاعة الفنون الوطنية في
«هراري»، ينبض بالإثارة والدهشة. تمتلئ الشوارع المحيطة بالمكان
بالموسيقيين والفنانين الاستعراضيين، أطفال المدارس يشاركون في الفعاليات
(بالرسم، والنسج، والتصوير، وتمثيل الأعمال الأدبية)، الخيام الموزَّعة بين
الأشجار والتماثيل، تعرض أعمال الناشرين والوكالات الدولية، وخارج الحديقة
الشاسعة، يصطف الناس للدخول، كما تراهم متجمعين حول محلات الأطعمة
والبضائع، التي تجدها عادةً في أية مدينة أفريقية، وهنا يبدو باعة الشوارع
جزءًا لا يتجزأ من الهدف الكُلي للمعرض، وهو أن يكون متعة للعقل
والحواس.
تم تنظيم أول معرض دولي للكتاب في زيمبابوي سنة ١٩٨٣م، أي بعد ثلاث
سنوات من استقلال البلاد. في السنوات الأولى، كان المعرض حدثًا متواضعًا؛
فقد نُظِّمت إحدى الدورات الأولى في «مكتبة كنجستون» في وسط العاصمة
«هراري»، على سبيل المثال، ومنذ سنة ١٩٨٩م، أصبح المعرض نشاطًا سنويًّا
(ويُقام في الأسبوع الأول من أغسطس)، ويسبقه مؤتمر علمي لمدة يومين، يركِّز
على الموضوع السنوي للمعرض، وفي السنوات الأخيرة، كان من بين هذه الموضوعات
«القراءة تنمية»، و«العلم والتكنولوجيا»، و«حرية التعبير والصحافة»،
و«السياسة الوطنية للكتاب»، و«الأطفال»، و«كتب التجارة»، و«المكتبات». في
سنة ١٩٩٨م شارك في المعرض ٣٠٠ عارض، يمثلون ٥٠٠ ناشر، من خمسين دولة، وتردد
عليه ١٩٦٤٥ زائرًا، من بينهم ١٩٤٠ زائرًا تجاريًّا في الأيام المخصصة
للتجارة، و١٠٤٠٥ زوار في الأيام المخصصة للجمهور. (Facts
& Figures from Zibf98: Children.)
من تلك البدايات المتواضعة تطور المعرض تحت إشراف ورعاية كلٍّ من «تريش
مبانجا Trish Mbanga»، و«مرجريت لنج
Margaret Ling»، ليصبح مناسبة عالمية
للناشرين من كل أنحاء العالم. في بداياته، كانت تديره وزارة الإعلام
والبريد والاتصالات، ومنذ سنة ١٩٩٠م، أصبح المسئول عنه مؤسسة معرض زيمبابوي
للكتاب، وهي هيئة مستقلة، والواضح أنه لولا الدَّعم المالي (الذي يأتي
معظمه من الدول الأوروبية المانحة)، لما كان هذا المعرض موجودًا بالشكل
الذي هو عليه اليوم، ولكن الناشرين الأوروبيين والأمريكيين، والمنظمات
الدولية، ليس لها أية سلطة عليه. في سنة ١٩٩٨م، كان هناك ٣٢ دولةً أفريقية
مُمثَّلة بعارضين وزائرين، وكان من بين الدول الباقية (وعددها ٢٦ دولة)،
كوبا، وجامايكا، والهند، وإندونيسيا، والفيلبين، وفيتنام، أما أهداف دور
النشر الأمريكية، التي تحتوي معروضاتها على كُتب كثيرة، فتبدو مثيرة
للتساؤل: هل تحاول إغراق القارَّة الأفريقية بالعناوين التي لم تنجح في
بيعها؟ بالرغم من ذلك كله، فلا يمكن إلَّا أن يكون «معرض زيمبابوي الدولي
للكتاب» حدثًا أفريقيًّا كبيرًا.
معرض الكتاب نعمة بالنسبة للمبدعين، ليس فقط لأنه يتيح الفرصة للقاء
الكُتَّاب ببعضهم (الكُتَّاب محتاجون للكتاب)، وإنما أيضًا بسبب ما يُصاحبه
من أنشطة، تركِّز على الكُتَّاب/العناوين، وعلى كل جوانب عملهم؛ فبالإضافة
إلى وِرَش الكتاب، هناك قراءات في المكتبات، وهناك لقاءات أدبية مهمَّة،
واحتفالات منح الجوائز للكُتَّاب المبدعين (مثل جائزة نوما
Noma، والجائزة السنوية لاتحاد الناشرين في
زيمبابوي)، كما تُنَظَّمُ ورش عمل عن التحرير، والمراجعة، والنقد، وتتم
لقاءات واجتماعات بين كل الجهات ذات الصلة، مثل شبكة المانحين المعروفة ﺑ
The Bellagio Publishers Donors، وشبكة
الناشرين الأفارقة African Publishers
Network، وهناك معرض سنوي للدوريات الأفريقية، وفي
تعليقهما على معرض زيمبابوي الدولي للكتاب، الذي نشراه قبل سنوات بعنوان
«فرانكفورت طموحة في أفريقيا»، يروي «تريش مبانجا»، و«مرجريت لنج» هذه
الطرفة، عن «روبرت موجابي Robert Mugabe»:
كان معرض زيمبابوي الدولي للكتاب ٩١ بداية النهاية في معركة طويلة،
لإقناع الحكومة في زيمبابوي بأن من مصلحتها إلغاء ضريبة الاستيراد،
وضريبة المبيعات الباهظة على الكتب، وكان الزائرون المحليون والأجانب
سعداء عندما أشار الرئيس «روبرت موجابي» إلى تلك الضرائب «الغبية»، في
كلمته، عندما قدَّموا إليه شارة، تحمل شعار «لا للضرائب على الكتب».
(p. 212)
كانت هناك أيضًا دعاية سلبية من ذلك النوع الذي تقوم الصحافة الغربية
دائمًا بتقديمه بصورة مشوَّهة؛ ففي عامي ١٩٩٥ و١٩٩٦م كانت جماعات الشواذ في
هراري ممنوعة من أن يكون لها جناح في المعرض، ولم يكن ذلك القرار من قِبَل
هيئة الكتاب، وإنما من قِبَل حكومة «موجابي»، والحقيقة، أنَّ هذه الجماعات،
كان يجب أن تُمنع من المشاركة من هيئة الكتاب؛ إذ ليس لديهم مطبوعات يمكن
عرضها، ولكنَّ الهيئة تعلِن دائمًا عن مواقفها المؤيِّدة لحرية التعبير،
بالرغم من أنَّ حكومة «موجابي» تتحرك في الاتجاه الآخر.
في المؤتمر السنوي لجمعية المكتبة الأمريكية، شرحت «مرجريت لنج» ما
يمثله هذا المعرض:
معرض زيمبابوي الدولي للكتاب، جزء من استجابة أفريقيا لعولمة النشر،
ونشر المعرفة، ولعولمة إنتاج المعرفة نفسها. وبلغة حركة تحرير جنوب
أفريقيا يمكن للمرء أن يصف معرض زيمبابوي الدولي للكتاب بأنه سلاح سياسي
في الحرب ضد تهميش أفريقيا وإقصائها، وأيًّا كانت الكلمات التي نستخدمها،
فإن المهم هو أنَّ المعرض يتم في أفريقيا، وموجود في أفريقيا، ويدور حول
موضوعات أفريقية، وأجندته أفريقية … ونحن ملتزمون بدعم تطوير قراءة
الكتاب، واستخدام الكتاب، وثقافة شراء الكتاب في أفريقيا، ونريد في الوقت
نفسه، أن يكون معرضًا تجاريًّا، واحتفالية ثقافية، على طريق تنمية سياسة
مرتبطة بالكتاب في أفريقيا.
(Ling. “Response to Speakers”,
1998)
ليست مُهمَّة سهلة بالتأكيد، وإن كانت قد عبَّرت عنها جيدًا، وبالرغم
من حماسة كلٍّ من المنظمين والمشاركين، لا يمكن أن نقول إنَّ كل شيء على ما
يُرام. «هانز م. زيل
Hanz M. Zell»، أحد
المراقبين المحترمين للمشهد الخاص بالنشر في القارَّة، وأحد المشاركين بشكل
مباشر، أشار أكثر من مرة في العقد الأخير أن النشر في أفريقيا قد وصل إلى
نقطة الأزمة؛ فبالرغم من وجود ٣٠٠ شركة محلية، ذات برامج معقولة، إلى جانب
مئات الدور الصغيرة،
١ فإن هناك «مجاعة كُتب خطيرة في أفريقيا»،
٢ نتج عنها ما يصفه «زيل»، بأنه «مجتمع بلا كتب»، كما يشير إلى
ذلك بأنه «ليس مجرَّد قضية اقتصادية، ولكنَّها الأنظمة الفاسدة، وهروب رأس
المال، وسنوات الخراب التي خلَّفها الجفاف والمجاعة والاضطراب السياسي،
ونتائج الارتفاع الكبير في أسعار النفط (
p.
19)، بالإضافة إلى أنه بخفض موازنات التعليم بشكل كبير،
فإن الاعتمادات المالية الخاصَّة بالكتب والمكتبات قد تقلَّصت.»
«المكتبات العامة في أفريقيا كانت عاجزة عن شراء أي كُتب جديدة، على
مدى السنوات الأربع أو الخمس الأخيرة، وكذلك، عن المحافظة على ما لديها.
أرفف المكتبات خاوية، والمدارس بدون كُتب، والبحث مشلول، وليس لدى المدرسين
أو الطلاب مواد، تمكنهم من مواصلة الدراسة، أو متابعة التطورات التي تحدث
في مجال دراستهم، في أي مكان في العالم.» (pp.
21-22.)
أصبحت المكتبات، على نحو خاص، تعتمد على المنح والتبرعات الغربية،
والباحثون في الغرب على عِلمٍ بذلك، بحيث إنَّهم عندما يقومون بتجديد
اشتراكاتهم الشخصية، في دورية ما، يُطلب منهم عمل اشتراك آخر، لإحدى
المكتبات الأفريقية. ويلاحظ «زيل» أن شركات النشر عمرها قصير، وأنَّ هناك
مُعدَّلًا مرتفعًا في توقف معظمها عن النشاط، كما أنَّ العلاقات بين
الكُتَّاب الأفارقة وناشريهم، تصل إلى نقطة الأزمة، ويُنقَل عن «أنوشيكوا
جيمي Onwuchekwa Jemi» وصفه لكل الناشرين،
بأنهم كذَّابون وغشَّاشون في معظم الأحوال (The Nigerian
“Guardian”, 25 Jan, 1987)، لم تختفِ أية مشكلة من
المشكلات السابقة. اللغة، تكاليف الإنتاج، التوزيع، الأُمية … إلخ، بل
لعلها زادت وتفاقمت.
«زيل»، لديه خبرة سنوات طويلة بالنشر في القارَّة، وفي نشر مواد
أفريقية في الخارج، وكان مديرًا لقسم النشر في جامعة
Ife في نيجيريا، كما شغل مناصب أخرى في
القارَّة، وإلى جانب تحرير ونشر مواد عن أفريقيا لعدَّة سنوات منذ ١٩٧٥م،
فهو مُحرر سِجِل نشر الكتب الأفريقية، وهو سِجِل تجاري وببليوجرافي ربع
سنوي، يحاول أن يحقِّق نوعًا من التنظيم أو الانضباط في عالَم النشر
المرتبك في القارَّة، كما يحاول «زيل»، أن يجعل من النشر في أفريقيا عملًا
مسئولًا.
إلَّا أنه بالرغم من حماسته للقارَّة نفسها، ولنشاط النشر بها، فإنه لا
يتردد في أن يصف الأشياء على حقيقتها، ولا يحاول أن يجمِّل الصورة، ويشير
إلى حالة بعض الكتب التي تُنشر، وكيف يتم إنتاجها بطريقة «غاشمة»، فيقول:
«غالبًا ما تكون الكتب المحلية رديئة، من ناحية التحرير والتصميم،
كثيرة الأخطاء، وسيئة الطباعة، وهي منتجات أشبه بعمل الهواة.
وقد رأيت بعض الأعمال الأفريقية مؤخَّرًا — بعضها من نيجيريا — وكانت
الصفحات غير متسلسلة، بعضها ملطخ بالحبر، وبعضها طباعته باهتة تصعب
قراءته، مع رداءة التجليد، وتغضُّن الورق، إلى جانب عيوب فنية أخرى
كثيرة، ويبدو أنه لا توجد أية درجة من درجات مراقبة الجودة.
٣
عندما نتفحَّص مثل هذه الكتب، نجد أنَّ النشر في أفريقيا، لم يتطور منذ
أيام «مطبوعات أونيتشا».
مما يُقلق «زيل» أيضًا تسويق بعض الناشرين الأفارقة لأعمالهم، ويتساءل:
لماذا لا يكفُّون عن الشكوى من المنافسة الغربية، بالاستفادة من الشبكات،
التي أُنشئت لكي تساعدهم على ترويج كُتبهم؟ أصحاب المكتبات يقولون: إنَّه
ليس لديهم معلومات كافية عن المطبوعات الأفريقية، وفي الوقت نفسه، نجد أنَّ
بعض هؤلاء الناشرين، لا يحاولون أن تكون كتبهم ضمن سِجِل النشر الأفريقي،
بالرغم من أنها خدمة مجانية، ولا الاستفادة من شبكة الناشرين الأفارقة
(
APNET)،
٤ وبالإضافة إلى ذلك كله، فإنهم يتجاهلون قوائم تجارة الكتب في
الغرب، بالرغم من أنها دعاية مجَّانية.
هذه الملاحظات التي يبديها «زيل»، لها مَن يؤيدها مِن بين الناشرين
الأفارقة الناجحين، ومنهم «وولتر بجويا Walter
Bgoya»، و«هنري شاكافا Henry
Chakava»، الذي يُعلِّق على غياب «الحِرَفِية»، في أعمال
أقرانه، بقوله:
«على قدر عِلمي، لا يوجد أي ناشر أفريقي، يقوم بعمل دعاية مُسبقة لأي
عناوين جديدة، وقليلون، هم الذين يهتمون بإصدار كُتيبات دعائية وقلة
قليلة هي التي تُصدر كتالوجات سنوية، ومعظم الكتالوجات يحتوي على معلومات
ناقصة وقديمة، والتعريف بالكتاب الموجود على الغلاف كان يمكن أن يكون
مفيدًا، ولكن المعلومات الببليوجرافية الأساسية، مثل رقم الإيداع، وسنة
النشر، وثمن النُّسخة … إلخ، لا وجود لها.»
٥
يعني «زيل»، أنه يستطيع — في ظل هذه الظروف — أن يفهم سبب إحباط
الكُتَّاب الأفارقة، بالرغم من أنهم ينبغي ألَّا يكونوا مضطرِّين لقبول
مُنتج من الدرجة الثانية، لمجرَّد أنه يتم إنتاجه في أفريقيا، ويقول «زيل»:
«كل ذلك قديم، وقد قلته أنا وغيري مرارًا وتكرارًا في أكثر من
مناسبة، فما المطلوب أكثر من الدَّعم، والوِرَش، والدورات التدريبية،
وتوصيات المؤتمرات والمقترَحات، لكي يُصبح أغلبية الناشرين الأفارقة أكثر
«حِرَفية»؟ إلى أن يحدث ذلك، فهم لا يستحقون تعاطف أحد، ويجب أن يخرجوا
من مهنة النشر أولًا. المؤكَّد أنه ليس لديهم أي أساس للشكوى، عندما
ينتزع منهم «الرجل الأبيض» هذا العمل في عُقر دارهم.» (p.
106)
ربما يكون من المفيد هنا، أن نشير إلى تجربة الهند في النشر، بكلمات
قليلة، حيث توجد أوجه شبه كثيرة، بين شبه القارَّة الهندية، وأفريقيا جنوب
الصحراء. نسبة الأمية مرتفعة، مع وجود عدَّة لغات، بما في ذلك ١٣ لغةً
رسمية للوثائق الحكومية، فقر وكساد اقتصادي، كما هو الحال في أفريقيا،
وبالرغم من ذلك كله، فإن نشر الكتب كان — ولا يزال — مزدهرًا في الهند منذ
عقود. صحيح، أنَّ الكُتب هناك، يتم إنتاجها على أرخص أنواع الورق (ورق
الصحف في الغالب)، إلَّا أنَّ الجوانب الأخرى المزعجة في إنتاج الكتاب، قد
تمَّ التغلب عليها، لم تعُد الكُتب سلعًا «ترفيهية»، كما هي في أفريقيا،
ولكنها في متناول الجميع، أطفال المدارس والكبار على السواء، السياسة
الوطنية للكتاب في الهند تساعد على إنتاج الكُتب وتوزيعها، منذ سنوات
طويلة؛ ففي سنة ١٩٩٦م كان الطفل الهندي يستطيع أن يشتري سبعة كُتب، بما
يعادل دولار أمريكي واحد، كما تبذل الحكومة جهدًا كبيرًا لكي توفِّر
الكُتب، ولكي تكون القراءة أساسية في حياة الناس، وناشرو الكتب الهنود،
الذين يحضرون معرض زيمبابوي الدولي للكتاب، يصيبهم الفزع عندما يرون الكُتب
التي ينتجها أقرانهم في أفريقيا.
من الصعب أن نقول: إنَّ النشر نشاط حديث في أفريقيا، لتبرير رداءة
المستوى؛ فالنشر في أفريقيا قديم، وفي القرن السابع عشر، كانت هناك مخطوطات
عربية، توزع في المناطق الحضرية الرئيسية، والمراكز التجارية في السودان الغربي،
٦ ومع الاستعمار، وقُدوم المسيحية، أصبح يوجَّه من قِبَل البعثات
التبشيرية، مع توزيع نصوص لدعم أهداف التبشير، إلى جانب إنتاج الأناجيل
باللغات المحلية، وفي منتصف القرن الثامن عشر تقريبًا، أُنشئت في نيجيريا
أول مطبعة، تابعة لإحدى البعثات التبشيرية، وفي سنة ١٨٦١م، بدأت أول مطبعة
(تابعة لبعثة تبشيرية أيضًا) النشر في جنوب أفريقيا، وفي كينيا، بدأت أول
مطبعة نشاطها في سنة ١٨٨٧م، أما ناشرو أونيتشا، فقد بدءوا إنتاج كتبَهم قبل
خمسين عامًا، ولن يكون دقيقًا القول: إنَّه لا توجد تسهيلات في القارَّة،
لإنتاج كُتب وكرَّاسات جيدة.
النشر في كينيا
من الصعب الحصول على معلومات مفصَّلة، عن النشر في بعض الدول
الأفريقية، إلَّا أنَّ كتابين حديثين عن كينيا، يقدِّمان لنا فكرة عامَّة،
وأكثر شمولًا، مما هو متوفِّر عن معظم المناطق الأخرى. الكتابان هما:
«النشر في أفريقيا: منظور رجُل واحد»، تأليف «هنري شاكافا»،
٧ والثاني: «النشر وتجارة الكتب في كينيا»، تأليف «روث ل.
ماكوتسي»، و«ليلي ك. نياريكي».
٨ منظور «شاكافا» أوسع من منظور زملائه، وهو كاشِف، على نحوٍ
خاص؛ لأنَّ العقبات التي يضع يدَه عليها، موجودة في القارَّة كلها؛ فهو
يورِد على سبيل المثال، عدد اللغات في القارَّة الأفريقية (١٢٠٠ لغة)، وهو
رقم يمكن أن نجده في أماكن أخرى، ثم يشرح لنا كيف أنَّ ما يمكن كتابته من
هذه اللغات، لا يزيد على نصف عددها، وهو ما يعني أنَّ «كثيرين من الأفارقة،
لا يستطيعون الوصول إلى المواد المكتوبة بلغاتهم» (
p. 73)
حتى الإنجليزية والفرنسية، وهما اثنتان من اللغات
الأكثر استخدامًا في القارَّة، لا يقرأ بهما أكثر من ٢٥٪ من سكان الدول
التي تستخدمهما (
p. 97)، وبالرغم من أنَّ
إنتاج القارَّة من الكتب قد تضاعف «من ٤٣٠٠ عنوان في ١٩٦٥م إلى ٨٧٠٠ عنوان
في ١٩٧٨م» (
p. 96)، فإن أفريقيا، كما تقول
إحصائيات «اليونسكو»، لا تقدِّم سوى ١,٢٪ فقط من إجمالي إنتاج العالم من
الكتب (
p. 81)، ويقول «شاكافا»: إنَّ حوالي
٦٥٪ من أبناء القارَّة أميُّون (وهناك مَن يقدِّر نسبتهم ﺑ ٥٠٪)، ولكن قد
يكون الأكثر دِلالةً هو أنَّ «الناشر في أفريقيا ينشر لحوالي ٢٠٪ فقط من
السكان» (
p. 73)، ولكن «شاكافا»، لا يقول
لنا عدد مَن يشترون الكتب، من بين هذه النسبة.
مؤلفو الكتابين يقدِّمون لنا فكرة لا بأس بها عن النشر في كينيا، تبدأ
بعبارة ﻟ «ماكوتسي»، و«نياريكي»، عن أن «مشهد النشر في كينيا، مليء
بالمشكلات منذ فترة طويلة» (p. 1)، إلَّا
أنَّ «كينيا قد تحسَّنت كثيرًا في هذا المجال، عن كثير من الدول الأفريقية»
(p. 65)، ويرى المؤلفون، أنَّ النشر في
كينيا قد تطوَّر، كردِّ فعلٍ للنشر الأجنبي، بما يعني أنَّ ذلك ليس هو
الأسلوب، أو الطريق، لتنمية صناعة النشر، كما يعترفون بأنَّ نشر الكتب
المدرسية فقط هو الأضمن اقتصاديًّا، والمرجَّح أن يكون له عائد أفضل عن رأس
المال.
عندما نشر «ماكوتسي»، و«نياريكي» دراستهما (١٩٩٧م)، كان عدد سكان كينيا
٢٦ مليون نسمة، وكان هناك ١٦ مكتبة كاملة في البلاد (p.
54)، و٦٠٠ محل للكتب، و٥ موزِّعين رئيسيين للكتب، ولكنَّ
أحدًا منهم لم يشمل نشاطه كل مناطق الدولة (p.
31)، وكانت نسبة الكتب المدرسية، حوالي ٦٠٪ من إجمالي ما
يُنشر (p. 31)، بينما كان يعمل في صناعة
النشر، حوالي ٥٠٠ شخص (p. 33)، وهو رقم
شديد التواضع.
أمَّا بالنسبة لإنتاج الكتاب نفسه، فيلاحظ «ماكوتسي»، و«تياريكي»، أنَّ
الورق في كينيا هو أكثر العناصر ارتفاعًا في السعر، في إطار تكلفة الإنتاج؛
إذ يمثِّل حوالي ٦٠٪ منها، وبالرغم من ذلك، «هناك احتكار في إنتاج الورق،
مع وجود مصنع واحد، تمتلك الحكومة مُعظم أسهمه» (p.
80)، وكما هو الحال في الدول الأخرى، هناك ضرائب عالية على
الورق المستورد، وعلى أحبار الطباعة، أمَّا المفارقة الساخرة، فهي أنَّ
الورق المستورَد أرخص من المُنتَج محليًّا. (p.
105.)
من السهل أن نفهم لماذا يُطبع عدد كبير من الكتب، التي يتم إنتاجها في
أفريقيا على ورق رخيص، ولماذا الصور كلها باللونين الأسود والأبيض فقط، هذا
إن كان هناك صور أصلًا.
بدأ نجاح النشر في كينيا، مع مكتب الأدب في شرق أفريقيا،
East African Literature Bureau وذلك في
سنة ١٩٤٧م، وهو فرع من دار نشر
Nadia Kuu
Press، التي أنشأتها البعثات التبشيرية في البداية، وكان
لها مكاتب في دار السلام، ونيروبي، وكمبالا، لإنتاج مواد أدبية وتعليمية،
وتطوير مواد باللغات المحلية، للوفاء باحتياجات الأعداد المتزايدة من
المتعلمين (
p. 25)، وبعد عشرين عامًا
تقريبًا، تم إنشاء أول دار نشر محلية «شرق أفريقيا للنشر
East African Publishing House (١٩٦٥م)»
وبعد ذلك بفترة، انقسم مجتمع شرق أفريقيا، إلَّا أنَّ النشر ظلَّ مزدهرًا
في نيروبي، وفي سنة ١٩٦٨م، تطوَّرت «هينمان لنشر الكتب التعليمية (شرق
أفريقيا)» إلى «شرق أفريقيا للنشر التعليمي
East African
Educational Publishers»، (تحت إدارة هنري شاكافا). وفي
الوقت نفسه، ظهر عدد من دور النشر الصغيرة، بما في ذلك مشروعات محدودة،
يمتلكها كُتَّاب لنشر أعمالهم، وبالرغم من وجود محاولات للنشر باللغات
المحلية (أشهرها بواسطة شاكافا)، فإن الإنجليزية هي المسيطرة على السوق،
ولم يتغيَّر المشهد، حتى بعد محاولات بعض الكُتَّاب الرئيسيين، مثل «نجوجي
واثيونجو»، «شرق أفريقيا للنشر التعليمي» لديها قائمة تضم أكثر من ألف
عنوان، معظمها للسوق التعليمية، والأهم من ذلك كله — على الأقل بالنسبة
للكاتب المبدع — أنَّ هذه الدار قد نجحت في إنتاج طبعات محلية لكثير من
كُتَّاب القارَّة البارزين (شينوا أشيبي، آي كوي آرمه، بيتر أبرامز، ألكس
لاجوما، إليشي أمادي، ميريام با، على سبيل المثال)، وقد حصلت على ترخيص
بذلك من «هينمان» (سلسلة كتاب أفريقيا). وبما هو متوفِّر لها من بِنْية
تحتية للاتصالات، أفضل منها في معظم الدول الأخرى، كان لا بد أن تكون حركة
النشر في كينيا باعتبارها نموذجًا يُحتذى بالنسبة لغيرها؛ ففي كينيا نظام
للنقل يكفي لتوزيع الكتب، وكذلك نظام بريدي جيد (مقارنةً ببعض الدول، حيث
لا ضمان لأي شيء له قيمة)، كما أنَّ التليفونات تعمل معظم الوقت،
٩ وبالرغم من ذلك، فإن «شاكافا
Chakava» ليس متفائلًا بنجاح النشر الذي
تعترضه عقبات عِدَّة، بما يدل على أنَّ الدأب والمثابرة، ضروريان قبل أي
شيء آخر.
«ناشرو الكتب في كينيا، لديهم بيئة مواتية بالمقاييس الأفريقية،
وبالرغم من ذلك، لم تنتعش دور النشر الخاصَّة. حوالي ٤٠٪ من إجمالي النشر،
يتم عن طريق الدولة، الواردات تمثِّل ٢٠٪، والمطابع الدينية تقدِّم ١٠٪،
أمَّا معظم اﻟ ٣٠٪ الباقية فهي في أيدي الأجانب، ومنذ استقلال كينيا في
١٩٦٣م، وجد الناشر المحلي نفسه بين مطرقة حكومته، وسندان الأفرع الكينية
للشركات متعددة الجنسية، ولكن بوادر التحرر من ذلك الوضع تلوح في الأفق،
بعد صراع طويل. أمَّا أسباب وكيفية حدوث ذلك الصراع، وخبرتي به، فتصور لنا
الطريق غير المؤكَّدة، لتطور الكتاب في عالَم ما بعد الاستعمار، وهي طريق
مفروشة بالنوايا الطيبة في كينيا، كما في غيرها من الدول، وعرضة للمنعطفات،
وتغير الاتجاهات، والصخور والمنحدرات الوعرة …» (p.
45.)
في نشاط النشر الذي يقوم به، واجه «شاكافا» كذلك عددًا من أسوأ
الكوابيس التي يمكن أن تواجه الكُتَّاب والناشرين في أي مكان؛ فعندما قرَّر
«نجوجي واثيونجو»، أن ينشر طبعات «بلغة الجيكويو» من أعماله، كان «شاكافا»
هو الذي وافق على أن يكون ناشره، ولم يمر هذا القرار دون عواقب؛ لأنَّ
الكاتب — نجوجي — كان قد بنى بعض شخصيات رواياته على أُناس حقيقيين؛ فكان
هناك تهديدات مباشرة ضد الناشر «شاكافا»، وضد شركته، كما قامت الحكومة
بإلغاء كُتب «نجوجي» من المقررات الدراسية، «كما ظهرت أشكال أخرى من
الرقابة، والترويع، والتهديد المستمر باللجوء إلى القضاء، من قِبَل أشخاص
يشعرون أنَّ «نجوجي» قد شهَّرَ بهم». (p.
61) ويقول «شاكافا»: إنَّه لا يستطيع أن يتكلم نيابةً عن
المؤلِّف، ولا أن يتكهَّن بمعاناته، بما في ذلك قراره بأن يظل في المنفى.
«لو كان نجوجي قد بقي في كينيا، واستمر في كتابة المزيد من الكتب، في هذا
الاتجاه نفسه (بلغة الجيكويو)، وشجع زملاءه على دعم هذه المجازفة، فلربما
كان ذلك قد أدَّى إلى نجاح البرنامج، وبالرغم من انتكاستي الحالية في النشر
في هذه المنطقة، فأنا أنتظر اليوم الذي يعود فيه «نجوجي» إلى الوطن، لكي
نواصلَ من حيث توقفنا» (p. 62-63).
المثال الكيني، يوضح واحدة من الحقائق الأساسية، في عملية النشر في
الدول الأفريقية بشكل عام، وهي أنَّك إذا كنت تريد أن تربح من النشر، فليكن
تركيزك على الكتاب المدرسي. حتى في الفيلم المأخوذ عن رواية «أشيبي»
«الأشياء تتداعى» (١٩٧٢م)، والذي تتراكم فيه الأحداث، من حقبة «أكونكوو
Okonkwo» في «أموفيا
Umuofia»، وفترة أحدث منها في أبادان، حتى
في هذا الفيلم، لم يستطع صانعوه أن يقاوموا إغراء تضمينه بعض الملاحظات
الساخرة عن النشر المعاصر. حفيد أكونكو يفقد وظيفته، كمراسل لصحيفة كبرى؛
لأنه حاول أن يفضح وزيرًا في الحكومة، كانت جريمته احتكار كتب الدراسة
الخاصة بالأطفال. القضية في الفيلم هي الرشوة، ولكن صانعي الفيلم لا بد من
أن يكونوا قد توقَّعوا أن يكون المشاهد على دراية بأسعار الكُتب الدراسية
المرتفعة.
وبالرغم من أنَّ النشر المدرسي مُربح، فإنه لا يخلو من قيوده الخاصَّة؛
فالكُتب التي توافق عليها وزارة تعليم في دولةٍ ما، قد ترفضها الوزارة
المناظرة في دولة أخرى، وبذلك تكون المبيعات مقصورة على الدولة المنتجة،
أمَّا الأسوأ — كما يقول «شاكافا» مرة أخرى — فهو «أنَّ الناشرين الأفارقة،
ليس لديهم سوى القليل، وربما ليس لديهم أي شيء على الإطلاق يقدِّمونه،
لتسهيل تدفق المعارف بين الدول، وهو أحد الافتراضات الأساسية لحق النشر
الدولي؛ فالدول شديدة الفقر، وضعيفة الإمكانيات، وعديمة الخبرة في بيع
وشراء الحقوق» (p. 82)، وليتنا نعرف شيئًا
عن عدد حقوق النشر التي يتم بيعها في معرض زيمبابوي الدولي للكتاب، أو عن
عدد الكتب المدرسية، التي تُباع حقوق إعادة نشرها في دول أخرى.
الشيء نفسه، نجده بالنسبة للأعمال الإبداعية، لا نعرف عدد الروايات،
التي يبيع ناشر ما حقوقها، لكي تصدر في دولة أخرى، أو لإعادة طباعتها خارج
القارَّة. «شاكافا» يأسف — وهو مُحقٌّ في ذلك — لأنَّ كُتَّاب أفريقيا
المشهورين، يختارون النشر في أوروبا بدلًا من أفريقيا، وبالرغم من أنه
يستطيع أن يبيع الحقوق الأجنبية لكثير من كتب «نجوجي» (التي نشرها في
البداية بلغة الجيكويو) وخاصَّة «ماتيجاري
Matigari» في ١٩٨٧م، فإنه لا يملك العناوين
السابقة التي باعت على نطاق واسع في أنحاء العالم. إدراج أعمال الكُتَّاب
الأفارقة، في السلسلة التي تصدرها «هينمان» (وغيرها من السلاسل التي يصدرها
ناشرون أوروبيون)، لا شك أنه يضمن درجة ما من التوزيع في القارَّة
الأفريقية، ولا شك في أن ذلك هو سبب تردد كثير من الكُتَّاب في نشر أعمالهم
محليًّا. ولأن التوزيع الداخلي في أي بلدٍ أفريقي محدود دائمًا، يصبح توزيع
رواية، أو مجموعة شِعرية، في دولةٍ أخرى، أمرًا بالغ الصعوبة، انظر إلى
الوقت الذي يستغرقه وصول رسالة، من دولة أفريقية إلى دولة مجاورة، أو حاوِل
أن تتصل تليفونيًّا بدولة أخرى. إلى أن يتم إزالة معوقات التوزيع والاتصال،
سوف يظل النشر في أفريقيا شأنًا محليًّا.
الروائع الأفريقية أو الكتب الأكثر مبيعًا
من الصعب جدًّا أن يَعرف الكُتَّاب الأفارقة، الذين ينشرون في
القارَّة، أرقام توزيع أعمالهم، ولعلَّها درجة الصعوبة نفسها التي تواجههم،
لكي يَقبل أولئك الناشرون أعمالهم. لم يكن الناشرون الأفارقة، متحمسين
للردِّ على استطلاع الرأي، الذي أرسلته إليهم، لكي أسألهم عن التغيرات التي
يرون أنها قد تساعدهم على تحقيق نجاح أكبر، وفي مقابلاتي الكثيرة معهم (ومن
المتابعة عبرَ البريد الإلكتروني والفاكس)، عندما كنت أسألهم عن أرقام
المبيعات الخاصَّة بعناوين معيَّنة، كانوا يترددون في الإجابة، كما لو
كانوا غير متأكدين من ضرورة الإعلان عن تلك الأرقام.
أعرف أنَّ مفهوم «الروائع»، أو الكتب الأكثر مبيعًا، كما نعرفه في
الغرب، لا يوجد له مقابل، أو نظير طبيعي، في دول الجنوب بشكل عام، وعلى
الأخصِّ، في مناطق كثيرة من أفريقيا، إلَّا أنَّ الكُتَّاب الأفارقة —
بالرغم من العقبات الكثيرة، التي يجب أن يتغلبوا عليها — ما زالوا على
اعتقادهم، بأنَّ بإمكانهم الاعتماد في حياتهم على الكتابة.
وكما رأينا بالفعل في نيجيريا، التي كانت تزهو ذات يوم بوضعها الأدبي،
فإن ظهور أعمال إبداعية جديدة، قد تقلَّص إلى حدٍّ بعيد، أكثر كُتَّاب
القارَّة نجاحًا، ما زالوا ينشرون أعمالهم الجديدة خارج البلاد، بالرغم من
أنَّ هؤلاء الكُتَّاب — على الأقل — ما زالوا مقروئين، وما زالت أعمالهم
تُدرس في الداخل. مبيعات رواية مثل «الأشياء تتداعى» هبطت بشدَّة إلى بِضع
مئات من النُّسَخ، ولا شك في أنَّ السبب هو أنها لم تعُد جزءًا من المقرر
الدراسي، كما يمكن أن نعزو تدهور مُعدلات البيع — بالتأكيد — إلى هبوط
الأحوال الاقتصادية أثناء سنوات الإدارة السيئة للعسكر. في إجابته عن سؤالي
عن أرقام المبيعات قال «جوب بيركوت Joop
Berkhout» (ناشر سبكترم بوكس): إن كُتب «شوينكا Soyinka»
(The Man Died and
the Jero Plays) تبيع ألفين أو ثلاثة آلاف نسخة سنويًّا من
طبعته (مقابلة مع المؤلِّف في ٦ أغسطس ١٩٩٨م)، ونفس الشيء بالنسبة للروايات
«سيبريان إكوينسي Cyprian Ekwensi»
(Iska & Jagua Nana’s Daughter)،
وبالرغم من ذلك، فقد حدث أن كانت هناك بعض العناوين التي تبيع عدة آلاف من
النُّسخ سنويًّا. الخسارة الأكبر بالنسبة للقارئ، هي ضياع فرصة الحِفاظ على
جمهوره؛ فكثير من الناس الذين يقرءون مرة بهدف التسلية، أو الاستمتاع، لم
يعودوا يفعلون ذلك.
هناك كما يقول «بيركوت Berkhout»
استثناءات؛ فبعض الكتب قد يحقق مبيعات جيدة مثل A Gift to
the Troubled Land (١٩٩٩م) من تأليف «سيجون أوكيونورين
Segun Okunoren» (وهو كاتب من اليوروبا)،
الذي حقق زيادة في المبيعات السنوية، وصلت إلى عشرة آلاف نسخة، منذ أن
أصبحت الرواية مقررة على طلاب المرحلة الثانوية، ولكن حتى هذا الرقم يبدو
متواضعًا في دولة يبلغ تعدادها ١٢٠ مليونًا، عند مقارنته بمبيعات الكتب،
التي كانت تُقرَّر على طلاب المدارس الثانوية، قبل عشرين عامًا، وربما تكون
رواية «بيتر إيناهورو Peter Enahoro» «كيف
تكون نيجيريا؟» (١٩٦٦م)، هي أفضل مثال على كتاب يحافظ على التوزيع، بمستوى
جيد، وبنفس النظام الذي نعرفه في الغرب؛ فهو مستمر في بيع عدَّة آلاف من
النُّسَخ سنويًّا، كما يقول «بيركوت».
الوضع في كينيا أفضل نسبيًّا في الكتب الإبداعية، بالرغم من أنَّ عدد
سكانها أقل من ربع عدد سكان نيجيريا؛ فرواية «مرجريت أ. أوجولا
Margaret A. Ogola» الصادرة سنة ١٩٤٤م،
بعنوان The River and the Source، باعت
١٢٠٠٠ نُسخة في ١٩٩٧م، والسبب الرئيسي هو استخدامها في المدارس الثانوية
والجامعات في كينيا، وهي رواية تقدِّم ثلاثة أجيال من النساء، أُعيدت
طباعتها عدَّة مرات، وتُرجِمت إلى لغة أوروبية واحدة على الأقل، وقبل
اعتمادها في المناهج الدراسية، كانت تبيع خمسة آلاف أو ستة آلاف نُسخة في
السنة. ناشر «أوجولا» وهو «ميوتي كيبوي Muthui
Kiboi» مدير «فوكس بوكس»، قال لي: إنَّ الذي دعم عملية بيع
الكتاب هو شراء جامعات الولايات المتحدة لأعداد كبيرة من النُّسَخ (مقابلة
مع الكاتب في ٦ أغسطس ١٩٩٨م)، وعندما سألته عن العمل الثاني الأكثر مبيعًا،
قال: The Grapevine Stories من تأليف
«نجومي كيبيرا Ngumi Kibera»، الذي حقق
مبيعات وصلت إلى ما يقرب من ٤٣٠٠ نُسخة في سنة ١٩٩٨م، كان «كيبوي» متفائلًا
بحذر بخصوص نشر الأعمال الإبداعية، وقد حصلت أعمال كلٍّ من «أوجولا»،
و«كيبيرا» على جائزة «جوموكينياتا» للأدب.
بعيدًا عن كتب السوق الدراسية، كان أكثر الكتب الكينية نجاحًا في
السنوات الأخيرة، هو كتاب «جون كيرياميتي
John
Kiriamiti» بعنوان
My Life in
Crime الصادر عن
Spear
Books طبعته
East African Educational
Publishers، وقد باع ٢٠٠٠٠ نُسخة منذ أول نشر له سنة
١٩٨٤م، على الغلاف الخلفي للكتاب، نقرأ هذه النبذة:
ربما يتذكَّر الناس أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات، باعتبارها
سنوات سرقات البنوك الكبرى، وغيرها من السرقات المسلحة في كينيا، هذه هي
القصة الحقيقية لأحد المشاركين في بعض هذه السرقات، وهو «جون كيرياميتي»،
الذي يروي بلغة تلقائية مباشرة قصة تسرُّبه من المدرسة الثانوية، وهو في
الخامسة عشرة، ليصبح نشَّالًا، قبل أن يتخرَّج في الجريمة، مثل كسر
السيارات، ثم في أعمال السرقة العنيفة.
هذه القصة المثيرة تأخذ القارئ إلى عالَم الجريمة السُّفلي، وتصوِّر
صراع المجرم ضد قوى القانون، من أجل البقاء.
««جون كيرياميتي» الذي دخل السجن في ٦ يناير ١٩٧١م، بعد إدانته
بارتكاب جريمة سرقة في نيفاشا في ٤ نوفمبر ١٩٧٠م غادر سجن نيفاشا الكبير
في أغسطس ١٩٨٤م، بعد خمسة أشهر من نشر هذه الرواية، واسعة الانتشار، التي
نُعيد طباعتها الآن.»
ظلال لرواية «دانيل ديفو
Daniel Defoe»
مول فلاندرز، وغيرها من الأعمال المارقة، ما يبدو سيرة ذاتية، يوصف بأنه
رواية، وكما يقول «جيرمي نجوجا»
Jeremy
Ng’aug’a من «سبير بوكس»: تُعاد طباعة الكتاب بمعدل ٥٠٠٠
نُسخة في كل مرَّة، وسرعان ما يتخاطفها القُرَّاء في شرق أفريقيا، رغم أنَّ
سعر النُّسخة حوالي خمسة دولارات أمريكية (مقابلة مع الكاتب في ٥ أغسطس
١٩٩٨م). وفي سنة ١٩٨٩م، نشر «كيرياميتي» روايةً أخرى، بعنوان «حياتي مع
مجرم»
My Life with a Criminal، والروايتان
جزء من سلسلة، يشير إليها ناشرو الكتب المدرسية في شرق أفريقيا، في
الكتالوج الخاص بالدعاية، بأنها أعمال «تربوية وذات إيقاع سريع»، هذه
السلسلة «سبير بوكس»، تُسهم في تسلية وتعليم الشباب، ويقول «شاكافا» عن
نشأة هذه السلسلة: «لاحظت أننا كُنا نرفض بعض الكُتب، التي تتناول قصص الحب
والجريمة، في «سلسلة هينمان للكُتَّاب الأفارقة»، كانت روايات مُشوِّقة،
ولكنَّها لا تناسب الفصول الدراسية، هذه الكتب هي التي أصبحت سلسلة «سبير
بوكس»، وبذلك فتحنا سوقًا جديدة، وتبِعَنا في ذلك ناشرون آخرون، والغريب
أنَّ هذه السلسلة، التي بدأناها كبديل للأعمال الروائية التعليمية أصبحت
مقروءة في المدارس على نطاق واسع.»
١٠ أصدرت السلسلة أكثر من أربعين عنوانًا، منذ أن بدأت في ١٩٧٥م،
وهي تتضمَّن أعمالًا مثل:
The Life and Times of a Bank
Robber تأليف جون كيجيا كيماني
John Kiggia
Kimani، ورواية
Ben Kamba ooq in Operation
DXT تأليف «ديفيد ميلو
David
Maillu»، ورواية
Sugar Daddy’s
Lover تأليف «روزماري أوينو
Rosemary
Owino»، ورواية
The Confessions Corolyne
Abala of an AID’s Victim.
وتقول «مادينا ندياي Madieyna» مدير
القسم الأدبي في Les Nouvelles Editions Africaines du
Sénégal في «داكار»: إنَّ العنوان الأكثر مبيعًا من الكتب
الفرانكفوانية في السنوات الأخيرة هو رواية «ميرياما با
Mariama ba»، يا لها من رسالة طويلة! التي
تُدرَّس في عدَّة مدارس، وقد تخطت المبيعات من هذه الرواية، رقم ٤٤٠٠٠
نُسخة، اعتبارًا من مايو ١٩٩٩م، ومن الروايات الأخرى التي حققت نسبة مبيعات
عالية، مثل رواية «با» بسبب حصولها على جوائز أدبية أو تدريسها في المدارس
أو للسببين معًا، هناك: La trahison de
Marianne تأليف «برنارد نانجا Bernard
Nanga»، وLa Gréve des
Bottu تأليف Aminata Sow
Fall، وليس معروفًا ما إذا كانت أرقام توزيع هذه الكتب،
مقصورة على السنغال، أو أنها تشمل كل غرب أفريقيا الفرانكفوني (رسالة إلى
المؤلف في ١٩ مايو ١٩٩٩م).
«ب. د. بوماكور B. D. Buma Kor» الذي
يقوم بتوزيع الكتب في الكاميرون باسم Buma Kor & Co.
Ltd.، بدأ مؤخرًا في نشر سلسلة لكُتَّاب الكاميرون،
بعناوين موجهة للقُرَّاء الأنجلوفون، في الجزء الغربي من البلاد، ويبلغ عدد
نُسخ الطبعة ٣٠٠٠ نُسخة، «ولكننا نأمل أن يتم اختيار عناوين للمدارس في
العام القادم، وسوف يمكِّننا ذلك من أن نطبع عشرة آلاف نُسخة من كل عمل»
(رسالة بالبريد الإلكتروني للمؤلِّف في ١٤ مايو ١٩٩٩م). والمتوقَّع أن تصل
المبيعات من رواية Daughter of the Upstream
Python للكاتب «تشارلز ألوبويدي ديبي
Charles Alobwede D ’Eipe» إلى ٣٠٠٠٠
نُسخة، ويضيف «بوما كور Buma Kor»، قول أحد
طلابه الذين درسوا عادات القراءة في جامعة «ياوندي
Yaoundé» مؤخرًا:
معظم الطلاب يقرءون (حتى الروايات)، بهدف النجاح في الامتحان، البعض
يقرأ الروايات لتمضية الوقت، أو قبل النوم، بينما قد يحمل البعض أعمالًا
روائية معهم، في كل مكان، سواء قرءوها أو لا، ويبدو أن ذلك تقليد عام في
المجتمع ككل، ولذلك، عندما ذهبنا لنبحث عن مادة أدبية لسلسلة كُتَّاب
الكاميرون، كان لدينا الاستنتاج نفسه، ووجَّهنا اهتماماتنا التحريرية،
نحو الوفاء باحتياجات الطلاب، وكذلك شباب الطبقة العاملة، هؤلاء هم الذين
يشترون الأدب الروائي الجيد (والكثير من روايات الحب، أو القصص ذات
الحبكة الأفريقية التقليدية).
الناشرون الأفارقة يعرفون جيدًا، أن الكتب الحِسية (التي تتناول الحب،
والجنس، والجريمة، والعنف) تروق للقارئ الأفريقي، كما هو الحال بالنسبة لأي
قارئ آخر، كما يعرفون أيضًا أنَّ الوسيلة الوحيدة لزيادة المبيعات هي أن
تتم الموافقة على اختيار أعمالهم للمناهج الدراسية. وقد علمت من «ب.
سودندوي نوبي B. Sodindwe Neube»، المحرر
في دار نشر Mambo في «هراري»، أنهم لكي
يدخلوا إلى سوق النشر المدرسي، عليهم أن يسلموا المخطوطات للحكومة في
«زيمبابوي»، وسوف تحذف طبعًا بعض الأجزاء التي قد تعترض عليها قبل الموافقة
على نشر الكتاب، (مقابلة مع المؤلِّف في ٥ أغسطس ١٩٩٨م). رقابة المخطوطة
قبل النشر، قد «تنقيها»، كما قد تؤدي إلى زيادة نسبة المبيعات، ولكن ذلك من
منظور أوسع يعني إضافة قيد رقابي آخَر على النشر، ولا نعرف كيف يكون موقف
الكُتَّاب من هؤلاء الناشرين الذين يخضعون لعمليات التدخل الحكومي.
وعلى خلاف الأوضاع في نيجيريا، وكينيا، والسنغال، والكاميرون، وإلى
حدٍّ ما، في زيمبابوي، يمكن أن نتوقع أن يكون نشر الأعمال الأدبية
للكُتَّاب السُّود في جنوب أفريقيا أفضل حالًا، ولكن ذلك ليس صحيحًا.
الأحوال الاقتصادية سيئة، كما هي في كثير من دول أفريقيا الأخرى. الكتب
سِلَع ترفيه، يقول «كولين مجي Colin McGee»
من دار نشر جوندوانا (Gondwana Books): إن
مؤلفي الكتب الأكثر مبيعًا قد تصل أرقام توزيع أعمالهم إلى خمسين ألف نُسخة
(غلاف ورقي) في جنوب أفريقيا، ولكن الأغلبية تبيع أقل من خمسة آلاف نُسخة
(رسالة بالبريد الإلكتروني للمولِّف بتاريخ ٢٥ سبتمبر ١٩٩٨م)، ويضيف «مجي»:
إنَّه لا توجد محلات لبيع الكتب، في المناطق الشعبية التي يعيش فيها السود.
العوامل المؤثرة إذَن هي الفقر، ومحدودية التعليم، وعدم وجود إمكانية
لتنمية العلاقة بين القارئ والكاتب، عن طريق المكتبات المحلية … حيث لا
وجود لمثل هذه المكتبات.
دار نشر «باوباب» Baobab
Books
ما زال الناشرون الجادون مستمرِّين في محاولتهم، لتنمية جمهور قارئ،
مثل دار نشر باوباب Baobab Books في
زيمبابوي، التي برز نشاطها في نشر كتابات جيدة المستوى، على مدى عشر سنوات،
وتتضمَّن قائمة الكُتَّاب الجيدين الذين تُنشر لهم أسماء، مثل «شنجيريا هوف
Chenjeria Hove»، و«تشارلز»، و«ديفيد
منجوشي»، Chorles and David Mungoshi،
و«دامبدزو مارشيرا Dambudzo Marechera»،
و«ألكساندر كانينجوني Alexander
Kanengoni»، و«شيمر شينودا Shimmer Chi
nodya»، و«إيفون فيرا Yvonne
Vera»، وهي قائمة كُتَّاب جديرة بالإعجاب، خاصَّة وأنهم من
دولة واحدة، وفي فترة زمنية قصيرة، وهي تشبه قائمة الكُتَّاب النيجيريين في
فترة استقلال البلاد قبل أربعين عامًا، وبدون «باوباب»، وبدون «إيرين
ستونتن Irene Staunton»، كناشرة، لبدت
خريطة الكتابة الأفريقية مختلفة تمامًا، فما الدرس الذي يمكن أن نتعلمه من
ذلك؟ المطلوب هو العمل الجاد من قِبَل دار نشر واحدة، يتوفَّر لها النزاهة،
وتكون مُهتمَّة بنوعية الكُتب، وبعد ذلك سيظهر الكُتَّاب، ولعلَّنا نتساءل
عمَّا كان يمكن أن يحدث لمسيرة «تسيتسي دانجاريمبجا Tsitsi
Dangarembga» الأدبية، لو أن روايتها الجميلة
Nervous Conditions، كانت قد صدرت عن
«باوباب بوكس». لم تكُن المشكلة أبدًا في عدم وجود كُتَّاب في القارَّة
الأفريقية، ولا في قلَّة عددهم، المشكلة هي نقص الناشرين المخلصين.
لقد حصل عدد كبير من كُتَّاب «باوباب» على جوائز أدبية في الداخل
والخارج، «شينجيراي هوف Chenjerai Hov»،
و«شيمر شينوديا Shinner Chinodya»، و«إيفون
فيرا Yvonne Vera»، وكما فعلت «شرق أفريقيا
للنشر التعليمي» قامت «باوباب» كذلك بنشر طبعات مدرسية لعدد من كُتَّاب
القارَّة البارزين، مثل «نور الدين فرح»، و«شينوا أشيبي»، و«ألكس لاجوما»،
ولكن «باوباب» ما زالت تركِّز على كُتَّاب زيمبابوي؛ حيث إنَّ قربهم يمكِّن
«إيرين ستونتن» من أن تقوم بما يندر أن يقوم به المحررون هذه الأيام. تقول:
دور الناشر في رأيي ليس مجرَّد نشر الكتب، وإنَّما إقامة علاقة، يمكن
أن تساعد الكُتَّاب نقديًّا على النظر في أعمالهم قبل نشرها، والناشر يجب
ألَّا يخشى مناقشة العمل، وطرح أسئلة عن تفاصيله؛ فالكلمات والجمل
والعبارات والاستعارات هي المادَّة التي تُنسَج منها الشخصيات والحبكات
والموضوعات بشكل متناغم في العمل كله، وبعد الانتهاء من كتابة عمل ما،
سوف تختلف أساليب النظر إليه، والناشر لا بد من أن يكون بمثابة المصفاة
الأخيرة، بحيث عندما يظهر، يكون المؤلِّف متأكدًا من أنَّ المكتوب هو ما
يريد أن يوصله، وما يريد أن يقوله، وهذا يمكن أن يتحقق من خلال العلاقة
المتبادلة بين المؤلِّف والمحرر/الناشر، ولكن — فقط — من خلال الثقة
والاحترام المتبادل.
(رسالة بالبريد الإلكتروني للمؤلِّف في ٢٣ مايو
١٩٩٩م)
الشيء المهم أيضًا بالنسبة لهذه العملية التي تقوم بها «ستونتن» هو
أنها غالبًا ما ينتج عنها أعمال تتطلب اهتمامًا جادًّا من القُرَّاء، أي
إنَّ النصوص — باختصار — تكون صعبة، وأفضل مثال على ذلك هو نموذج «إيفون
فيرا»، التي تمتاز رواياتها بكثافة تشبه تلك التي نجدها في أعمال «توني
موريسون Toni Morrison»، التي تُتَّهم
أحيانًا بالغموض من قِبَل القُرَّاء الأمريكيين من ذوي الأصول الأفريقية.
احتفالًا بالذكرى العاشرة لتأسيسها اتخذت «باوباب» خطوة غير مسبوقة بأن
أطلقت ثلاثة مجلدات من الشِّعر في الوقت نفسه، مجموعة «شنجيراي هوف» (أقواس
قزح في الغبار)، ومجموعة «تشارلز منجوشي» (اللَّبَّان لا يوزع اللبن فقط)،
ومجموعة «كيريكور كيريكور» (هاكوراروي) والأخيرة، باللغتَين الشونا
والإنجليزية. المجلدات الثلاثة مطبوعة على ورق فاخر صقيل، وبأغلفة ملونة
وجيدة، وكانت النتيجة بشكلٍ عام بمثابة حدَث غير مسبوق في عالَم النشر من
قِبَل أي دار أفريقية.
لم يكُن من السهل التركيز على الكيف، بدلًا من الاهتمام بالتسويق، وفي
لقاء معها (٤ أغسطس ١٩٩٨م)، أبلغتني «إيرين ستونتن» أنَّ الأعمال التي
تنشرها في «باوباب» لا بد من أن تكون مدعومة، ولذلك تستخدم براعتها وتُمضي
وقتًا طويلًا في جمع الإعانات من المنظمات الدولية، والمؤسسات متعددة
الجنسية، وهو ما حدث عند إصدار المجلَّدات الثلاثة، بمناسبة الاحتفال
بالذكرى العاشرة لتأسيس الدار. نشر مجلَّد واحد من الشِّعر يُعتبر كارثة في
نظر معظم الناشرين الأفارقة، أمَّا إصدار ثلاثة مُجلَّدات فكان سابقةً بكل
تأكيد.
في بعض الأحيان كانت «ستونتن» تقوم بترتيب عمليات نشر مُشترك، مع
ناشرين في الخارج، إلَّا أنَّ ذلك لا يمكن الاعتماد عليه، كما لا يمكن
الاعتماد بشكل مُطلق على الحقوق المصاحبة لذلك؛ فالأموال التي تأتي من هذه
الحقوق، كما تقول، «تأتي بالقطَّارة دائمًا، ولا بد من اقتسامها مع
المؤلِّف مناصفة، وبالرغم من أنها قد أعطت الإذن بعشر طبعات من رواية
«شنجيراي هوف» (عظام)، الصادرة في ١٩٨٨م، والحاصلة على جائزة، بالرغم من
ذلك فإن أكبر مبلغ حصلت عليه من ناشر آخر عن هذه الحقوق، كان ألف دولار،
وهكذا، لم تكن الخمسين في المائة التي حصلت عليها الدار كافية أبدًا لتغطية
تكلفة عنوان جديد آخر. بالرغم من ذلك كله، فما زالت الكتب ذات النوعية
الجيدة هي التي تحظى باحترام عالَم الأدب، خارج الحدود.»
النشر الجيد في أفريقيا ليس عملية سهلة، ولا يمكن تحقيقه بتكلفة قليلة،
والنشر الجيد يعني أن يكون الكتاب قد تم تحريره ومراجعته جيدًا، وطباعته
جيدة، وغلافه جيد. هذه هي الطريقة الوحيدة التي تجعل كاتبًا من العالَم
الثالث يلقى اهتمامًا نقديًّا في العالَم الأول، لا بدَّ أن يكون أمام
الكاتب الخيار في أن ينشر بشكل جيد في وطنه، أو لا، وإذا كانت نوعية
الإنتاج تعكس نوعية العمل يمكن بعد ذلك بيع الحقوق في العالَم الأول، وليس
العكس.
تطبع «باوباب» ٢٠٠٠ نُسخة عادةً من الكتاب، وأكثر الكتب نجاحًا يبيع
حوالي ٨٠٠–٩٠٠ نُسخة سنويًّا، بالرغم من أنَّ رواية «إيفون فيرا» «تحت
اللسان
Under the Tongue»، باعت ٢٠٠٠ نسخة
في سنة واحدة، توزيع خمسمائة وستمائة نُسخة في السنة، يُعتبر نسبة جيدة،
وإذا اعتمدت «باوباب» على طلبيات بعض المكتبات المهمة (أي من داخل
زيمبابوي)، فسوف يتحسَّن الوضع كثيرًا، وإذا وافقت على حذف بعض الأجزاء،
التي تلقى اعتراضًا من الرقابة الحكومية، فسوف يتحسن الوضع أكثر، ولكنها
كانت تتردد دائمًا في أن تفعل ذلك. كثير من إصدارات «باوباب» يحصل على
مُعظم الجوائز الأدبية في البلاد (في معرض زيمبابوي الدولي للكتاب، الذي
يُنظَّم في أغسطس من كل عام)، ولكن بالرغم من هذه الجوائز، وبالرغم من
إشادة المنظمات الدولية بكتب «باوباب»، فقد أعلنت الشركة الأم
(
Academic Books) سنة ١٩٩٨م فجأةً عن عرض
«باوباب» للبيع بزعم أنها لا تحقق مبيعات جيدة. بعد ذلك بأشهرٍ قليلة انتهت
علاقة «إيرين ستونتن» بدار «باوباب»، وقبل هذا التطوُّر بفترةٍ قصيرة كانت
«ستونتن» قد كتبَت إليَّ عندما سألتها عن فلسفتها في النشر:
الناشرون الجيدون، يُشبهون الكُتَّاب في عدَّة أمور؛ فهم يؤمنون
بالكتب، وبتطوير قوائم مطبوعاتهم كعمل إبداعي، وكوضع، وكهوية مُتَّسِقة.
الناشرون الجيدون ينشرون لأنهم يؤمنون بما يفعلونه، ويريدون أن يمنحوا
حياةً للأصوات التي تبدو لهم ذات معنًى، ولها صدًى في مجتمعاتهم. إنَّهم
يفعلون ذلك، لكي يجعلوا هذه الأصوات مسموعة … مسموعة على أوسع
نطاق.
بالرغم من وجود ناشرين غير تقليديين، مثل «ستونتن»، فليس من الصعب أن
نفهم درجة الشك الموجود بين كثير من الكُتَّاب الأفارقة وناشريهم؛ فكل طرف
لديه توقُّعات ومفاهيم مختلفة عن واقع عالَم النشر، وكثيرًا ما لا تُحقِّق
المطبوعات عائدات، وقد تنشر الكتب ولكن التوزيع يكون شديد السوء، ولذلك
عندما يراها الكاتب في الأسواق، يتصوَّر أنَّ الناشر يثري من ورائها. قرصنة
الكُتب — كذلك — مشكلة كبيرة في عدد من الدول الأفريقية، ولكنَّ الكُتَّاب
يعتقدون أنَّ ناشريهم يقومون أحيانًا بهذه القرصنة؛ أي إنهم يقدِّمون
معلومات مغلوطة عن أرقام التوزيع. هذا الرأي عبَّر عنه «أولالاري أولاديتان
Olalare Oladitan»، في معرض زيمبابوي
الدولي للكتاب (١٩٩٨م)، ومن ناحية أخرى، يشعر الناشرون بأنَّ الكُتَّاب لا
يعرفون تفاصيل عملية النشر وما تتضمَّنه، كما يُشير تقرير ندوة الكُتَّاب
والناشرين في «أروشا» (١٩٩٨م) إلى أنَّ «هناك حاجة لأن يفهم الكُتَّاب
الحقائق العملية، والتكلفة التي تتضمنها الطباعة، والتخزين، والتوزيع،
وغيرها من العمليات، ومن جانبهم، فإن الناشرين لا بدَّ من أن يفكروا فيما
يجب عمله من أجل تقديم خدمات أفضل للكُتَّاب» (
p.
5). في هذه الندوة اتفق المشاركون العشرون من الكُتَّاب
والناشرين من أنحاء القارَّة، على قانون جديد يحكم عملهم، ليكون أكثر
إنسانية، ويحسِّن العلاقات بينهم، وتحدد الوثيقة التي جاءت بعنوان «صفقة
جديدة» بين الكُتَّاب والناشرين، ما يتوقعه كل طرف من الآخر، لا جديد هنا،
لا شيء أكثر من قواعد النشر المعروفة في الغرب سوى اعتراف الطرفين «بضرورة
عمل شيء ما»، ومعظم الاتفاق محاولة لجعل كل طرف على علم بما يفعله الطرف
الآخر في جميع المراحل، بدءًا من تسليم الكاتب مخطوطته، وانتهاءً بمسئوليات
ما بعد البيع، واستلام مستحقَّاته، والعبارات النهائية لها الدرجة نفسها من الأهمية:
«لا بدَّ من تشجيع مشاركة الكُتَّاب في كل جوانب النشر في أفريقيا،
وكذلك في كل الجهود المبذولة من أجل دعم وتنشيط اتحادات الكُتَّاب، كما
نرحِّب بإعلان شبكة الناشرين الأفارقة بأنَّ مهمتها هي تقوية اتحادات
الناشرين من خلال وسائل الاتصال، والتدريب، والترويج للكتب الجيدة
المرتبطة بالواقع الاجتماعي، والسياسي، والاقتصادي، والثقافي الأفريقي،
كما أنَّ هناك حاجة لدعم إنتاج الكُتب المدرسية، والكتب الإبداعية،
وتشجيع المؤلِّفين على الكتابة باللغات الأفريقية، وتنمية القيم
الأفريقية الإيجابية، وأن يجد الناشرون وسيلة لنشر هذه الأعمال، بحيث
تحقِّق ربحًا، وتكون في متناول الأفارقة في الوقت نفسه.»
(p. 35)
وهناك أملٌ كبير، في أن يساعد مؤتمر «أروشا»، على تخفيف حدَّة التوتُّر
بين الكُتَّاب والناشرين.