«تحليل حالةِ رُهابٍ لدى صبيٍّ في الخامسة»
نُشِرَت هذه الورقة البحثية، التي تُعرف عادةً باسم «الصغير هانز» عام ١٩١٠ (فرويد، ١٩١٠)، وتُقدِّم عرضًا حيًّا للحياة الخيالية لطفلٍ جذاب، ومحاولات أبيه، تحت إشراف فرويد، لتحرِّي أسباب خوفه المرضي من الخيل وعلاج هذا الخوف. ويُعَد هذا هو التحليل الوحيد لطفلٍ الذي عرضه فرويد؛ إذ كان يؤمن بأن الأبوَين فقط هما من يستطيعان تولِّي مهمة تحليلِ طفلٍ في هذه السن الصغيرة نفسيًّا. إن ثَراء وعُمق ما تَكشَّف في هذا التحليل جعل منه حجرَ أساسٍ لا جدال فيه لمنهج التحليل النفسي للأطفال ومجال علم نفسِ الأطفال.
كان للسيرة المرضية لهانز غرضان رئيسان لدى فرويد؛ وهما إثبات وجود الجنسانية الطفلية وأهميتها النفسية عبر الملاحظة المباشرة لطفل، لا عَبْر استنتاجاتٍ نابعة من حالاتِ عُصابٍ لدى البالغِين، وإنما من خلال الملاحظة المباشرة لطفل، إلى جانب تقديمِ وصفٍ لكيفية تكوُّن تسويةٍ عُصابية؛ أي عرَضٍ مرضي، نتيجةً لكبت الجنسانية الطفلية.
عندما كتب فرويد «ثلاثة مقالات حول النظرية الجنسية» (١٩٠٥)، كان قد أصبح له مجموعةٌ متحمسة من المُريدِين، وكان يُشجِّعهم على تسجيل ملاحظاتٍ عن أطفالهم الصغار، علَّها تُفيد في توضيح نظرياته. وكان والد هانز باحثًا متدربًا مجتهدًا، يُدوِّن ملاحظاتٍ حول تطوُّر ابنه الصغير، رصد فيها تحوُّل هانز من الاهتمام الشديد بالخيل إلى خوفٍ مرَضي منها جعله مرعوبًا من مغادرة البيت. وقد أتاحت تقارير الأب لفرويد الفرصة لدراسة العُصاب وهو في طَور التكوين، وأثناء مروره بتغيُّراتٍ استجابةً للتفاعُلات مع الأب حسب توجيهات فرويد.
كانت ملاحظة تطوُّر هانز وعُصابه تقع ضمن سياقِ علاقاتٍ شخصية مُعقَّدة؛ فوالدة هانز كانت مريضة لدى فرويد، وهو نفسه كان قد أهدى الصبي حصانًا هزَّازًا في عيد ميلاده الثالث (جراف ١٩٤٢، الصفحات ٤٥٩–٤٧٦)، وإن كان لم يذكر ذلك في النص. ولا بُد أنه كان واضحًا للطفل رغبةُ أبيه في إسعاد «الأستاذ» (فرويد) وإرضائه من خلال ملاحظته له؛ ففي إحدى المرات حضر الأب والابن معًا للخضوع لجلسةٍ علاجية لدى فرويد. ولا بد أن فرويد قد لاحظ أن اهتمام الطفل بالمسائل الجنسية، رغم تقزُّزه منها أحيانًا على نحوٍ مألوف (وهو ما عبَّر عنه بقوله «هذا مُقزِّز»)، كان محل اهتمامٍ كبير لدى الأب.
(١) الجنسانية الطفليَّة
في عام ١٩٠٥ نشر فرويد كتابه الرائع «ثلاثة مقالات عن نظرية الجنسانية»، الذي وصف فيه كيف أن الجنسانية الطفليَّة تتألف من مجموعةٍ مُتنوِّعة من العناصر الشبقية الذاتية والعناصر السابقة للمرحلة التناسُلية، وهي عناصرُ قد تُجهض في مسار التطوُّر نحو الأَوَّلانية التناسلية، مُتسبِّبةً في جنسانيةٍ منحرفة أو عُصاب. لقد استبدل فرويد بنظريته السابقة حول كون الإغواء في الطفولة هو سبب العُصاب نظريةً أخرى تُعيد جذور العُصاب إلى تقلُّبات الدوافع الشهوانية التي تُمارِس نشاطها لدينا جميعًا في مرحلة الطفولة المُبكِّرة، بل إن الدوافع ما قبل التناسُلية المتعددة قد تندمج في النهاية تحت الأَوَّلانية التناسُلية المشتهية للجنس المتغاير. غير أنها قد تُؤكِّد استقلاليتها في السلوك الجنسي المنحرف، أو تُظهِر وجودها المستمر وقوتها عَبْر الأعراض العُصابية نتيجةً للفشل في كبتها.
إن التقارير الأُولى عن هانز والسابقة على إصابته بالرُّهاب تُبيِّن اهتمامًا بأعضائه التناسُلية يجلب له المتعة؛ فنجده يُمارِس الاستمناء ويدعو أمه إلى لمس قضيبه. والمتعة هنا تجمع بين كونها شبقيةً ذاتية ومُوجَّهة نحو موضوعٍ مُعيَّن، ألا وهو أمه.
دفع الفضول هانز إلى الاهتمام، على نحوٍ يجلب له المتعة، بالنظر إلى أعضاء الحيوانات التناسُلية، لا سيما الخيول والزَّراف، واشتد فضوله، لا سيما بعد مولد أخته هانا عندما كان يبلغ من العمر ثلاث سنوات ونصفًا، فأخذ يتساءل عما إذا كان الآخرون، لا سيما أمه، يملكون أعضاءً تناسُلية مختلفة عنه (ذات حجمٍ كبيرٍ مثل أعضاء الحِصان التناسُلية)، أو ما إذا كان لديهم «عضو تبوُّل» من الأساس. يرى فرويد أن تشكُّك هانز نابعٌ من قلقه من فقدان عضوه التناسلي، وهو قلقٌ ينبذه الصبي عندما تُهدِّده أمه بقطع قضيبه، لكنه أدَّى بعد ذلك، حسبما يؤكد فرويد، إلى خوفه من عض الحصان له. وعندما ضحك هانز لدى رؤية جسد أخته الرضيعة عاريًّا وادعى أنه ضحك لأن لديها عضو تبوُّل لطيفًا للغاية، اعتبر فرويد ذلك رد فعل دفاعيًّا على ما اعتبره الطفل حالةَ إخصاء.
كذلك مما يُساهِم في تعزيزِ اهتمامِ هانز بالأعضاء التناسُلية دوافعه التلصُّصية والاستعراضية؛ إذ كان لعبه مع رفاقه يتضمَّن التلذذ بمُشاهدة الآخرين بينما يبولون ومشاهدتهم إياه في الحالة نفسها.
انبهر فرويد كثيرًا بقوة الفضول الجنسي لدى الأطفال لدرجةٍ دفعته إلى التفكير في اعتبار هذا الحافز المعرفي دافعًا منفصلًا.
انشَغلَ فضول هانز بقضية اختلاف الأعضاء التناسُلية، لكنَّ فرويد ذكر في كتابه «ثلاثة مقالات عن نظرية الجنسانية» أن السؤال الأول الذي يُثير غريزة المعرفة لدى هانز كان من أين يأتي الأطفال؛ إذ يصف ميلاد هانا بأنه «التأثير الأهم على تطوُّره النفسي الجنسي»، الذي نتج عنه إزاحةٌ مزدوجة لهانز من مكانته كطفلٍ وحيد ومن مكانه السابق في غرفه أَبوَيه. ذكر الأب أنه عندما حكى لهانز قصة «اللَّقلَق الذي يجلب الأطفال»، أبدى الطفل تشكُّكًا واضحًا، مُعلِّقًا أنه رأى دمًا في نونية السرير في غرفة أُمه عندما زارها بعد مولد الطفلة، وأن هذا الدم لم يصدر من عضو التبوُّل الخاص به. وفي واحدةٍ من أجمل الفِقرات وأكثرها إقناعًا في دراسة فرويد، يكشف الطفل لأبيه على سبيل الدعابة أنه كان يعلم بوجود الطفل معهم «داخل صندوق اللَّقْلَق» أثناء الصيف السابق للولادة. لقد كان في شدة الانبهار بمباهج الأُبوة ويُحيط نفسه بلُعبه التي يعتبرها أطفاله. وعندما يخبره والده أن النساء فحسب هن من يستطِعن إنجاب الأطفال، اعترض رافضًا ذلك، ناكرًا اختلافه الجنسي بعُنف مثلما تُنكِر الفتيات الصغيرات «إخصاءهن».
(٢) تكوين الرُّهاب وآليَّاته
خضع استكشاف هانز التلذُّذي لدوافعه الجنسية الطفلية إلى الكبت، حسبما وصف فرويد في كتابه «ثلاثة مقالات عن نظرية الجنسانية»؛ ففي الفترة التي سَبقَت إصابته بالرُّهاب مباشرة، ذكر الأب أن اللذة الممتعة التي كان يستشعرها بينما يشاهده رفاقه أثناء تبوُّله ومساعدته له في ذلك حلَّ محلها إحساسٌ بالخجل؛ إذ بدأ هنا تكوُّن رد فعل، خالقًا آليةً دفاعية من الخزي لمواجهة الدافع لاستعراض نفسه وكشف أعضائه التناسُلية. وحل التقزُّز محل اهتمامه السابق بالبراز الذي كان يجلب له المتعة. يُشير فرويد كذلك إلى تغيُّر في أحلام هانز؛ إذ لم تعد تمنح دوافعه إشباعًا مباشرًا كما في الحلم الذي يرغمه فيه «شخصٌ ما» على التبول. كان الحلم الذي سبق بداية الرُّهاب مباشرة حلمًا عقابيًّا، حسب رواية فرويد، حيث يُعاقب هانز على رغبته في «ملاطفة» أمه بتركها إياه.
رأى فرويد في كتابه «ثلاثة مقالات» أن الكبت يعمل عن طريق موجاتٍ باطنية النمو، تحدث في مراحلَ مُحدَّدةٍ زمنيًّا، ويُشير في حالة هانز إلى عدد من العوامل الأخرى. بينما كان هانز يُعاني من الوحدة في غياب رفاق الصيف، تعاظَمَت استثارته فيما يتعلق بشوقه الجنسي إلى أُمه وأدَّت حدة هذه الاندفاعات إلى لجوئه لكبتها. ولما كان قد نبَذ تهديد أمه السابق له بإخصائه، فقد أصبح لهذا التهديد الآن تأثيرٌ مُؤجَّل تسبب في إثارة خوفه من الاندفاعات الكامنة في عضو التبول؛ فكان الصبي يُجاهد على مستوًى واعٍ للتغلُّب على الاستمناء التناسُلي الذي كان يُواسي به نفسه ليلًا.
في هذا الوقت، فَسَّر فرويد شيوع القلق اللاعقلاني لدى مرضى العُصاب إلى تحوُّل الشهوة الجنسية (الليبيدو) المكبوتة إلى قلق. وكما شرح لوالدَي هانز، لم يكن الطفل يُعاني من القلق العُصابي؛ لأنه انغمس في ممارسة الاستمناء، بل لأنه أخفق في كبته. علاوة على ذلك، ما إن تحوَّلَت الليبيدو عبر الكبت إلى قلق، لم يكن بالإمكان إعادة تحويلها؛ فحتى في ظل الرفقة المطمئنة جنسيًّا الممثلة في أمه، ظل هانز خائفًا من الخيول في الشارع.
في سياق التحول الهستيري، تجد الليبيدو المكبوتة منفذًا لها عبر الأعراض الجسمانية، وقد يكون التحول كاملًا تمامًا إلى حدٍّ يجرد المريض من القلق على نحو مذهل، وهي حالة يطلق عليها «اللامبالاة الجميلة». وحيثما يكون التحول أقل نجاحًا أو لا يحدث من الأساس، يتفجر القلق بديلًا عنه. بذل فرويد جهدًا خاصًّا في دراسته لإثبات أن نشوب القلق لدى هانز لم يكن في الأصل متركزًا حول الرهاب، إلا في وقت لاحق. فالرهاب حيلة دفاعية ثانوية موجهة ضد هستيريا القلق؛ فعَبْر تركيز القلق على موضوعٍ رُهابي، يتمكن المريض من مُحاصَرة القلق.
أكَّد فرويد أن محتوى الرُّهاب أتاح الفرصة لعودةٍ مُشوَّهة للمكبوت، اتخذت شكل خوفٍ من أن يعضه أبوه، الذي يرمز إليه الحصان ذو اللجام الأسود، أو أن ينهار هذا الحصان الذي يرمز إلى أبيه. كانت العربة الساقطة تمثل كلًّا من خيالاته حول مهاجمة أبيه وأفكاره المُروِّعة بشأن ولادة الأطفال. يُشير فرويد، إضافة لذلك، إلى أن الدوافع الأولية التي فُعل الكبت في مواجهتها كانت في الحقيقة «عاجزةً تمامًا عن التعبير عن نفسها دون حرج». إنها الرغبات الغيورة والعدائية ضد أبيه التي فسَّرها فرويد أثناء مباشرته للحالة والدوافع الجنسية السادية تجاه أمه. إن موجة الكبت التي خَضعَت لها تلك الدوافع اكتَسحَت في طريقها المتع الشهوانية التي يستمتع بها الطفل على نحوٍ واع، مثل أنشطته الشرجية والاستعراضية والتلصُّصية. لقد كان الكبت مُوجَّهًا نحو الدوافع العنيفة، وهي التخلُّص من أبيه والاستحواذ على أُمه ومعاشرتها، وهي العناصر التي شكَّلَت ما سيصفه فرويد لاحقًا بعقدة أوديب الإيجابية.
لعب الرُّهاب، شأنه شأن الأعراض، دورًا في خدمة كلا جانبَي الصراع غير الواعي؛ فقد وضع قيودًا على حركة هانز واستكشافه النفسي لعالم الجنسانية الذي تُجسِّده الخيل والعربات في الشارع، ولكنه أبقاه في البيت بالقرب من أمه الحبيبة.
ينشأ الكبت والأعراض العُصابية التي قد تترتب عليه من الصراع. لقد كان هانز في صراع؛ لرغبته في تملُّك أمه والتخلُّص من أبيه، وهو موقف قد ينتج عنه انتقام أبيه منه (عبر إخصائه)، أو خسارة علاقته بأبيه الذي كان يحبه كذلك. «لماذا قلت لي إنني شغوف بأمي وإن هذا سببُ خوفي، في حين أنني شغوفٌ بك أنت؟»
من العناصر المحورية في نظرية التحليل النفسي الزعم بأن كبت دوافع الجنسانية الطفليَّة وأوهامها هو أساس الاضطراب العُصابي. غير أن فرويد يشعر بالحاجة إلى تناوُل — ودحض — فكرة أن العدوانية في رغبات هانز الأوديبية هو ما أدَّى إلى الكبت. في هذه المرحلة، رفض فرويد فكرة وجودِ دافعٍ عدواني منفصل؛ إذ كان دائمًا ما يتصور الدوافع بوصفها ثنائياتٍ متضاربة، وكان يراها في هذه المرحلة دوافعَ جنسية ودوافعَ أكثرَ توجُّهًا نحو الواقع للحفاظ على النفس، لكلٍّ منها نصيبٌ أساسي من العدوانية. مع حلول عام ١٩١٥ (فرويد، ١٩١٥، الصفحات ١٠٩–١٤٠)، صار يفترض أن الكراهية هي تعبيرٌ عن دوافع الحفاظ على الذات، وفي عام ١٩٢٠ (فرويد، ١٩٢٠، الصفحات ٧–٦٤)، أعاد صياغة نظريته حول الغريزة جَذريًّا كي يضع العدوانية والنزعة التدميرية البشرية كتعبير عن غريزة الموت في مكانة مركزية لكونها مكونًا من المكونين الغريزيين للحياة العقلية والصراع العقلي.
تُعد هذه الدراسة وصفًا لتطوُّر الرهاب، ولكنها تُقدِّم كذلك عرضًا لطرق التخفيف من حدَّته عبْر تَدخُّل التحليل النفسي. ومما يُشكِّل أهميةً بالغة في هذا التحليل الطريقة التي يُحدِّد بها فرويد ووالد هانز منافسة الفتى لأبيه بوصفها عنصرًا حاسمًا فيما يُعانيه من عُصاب. فيتلقَّى الطفل المساعدة من الأبِ نفسه الذي كان يخشى انتقامه، كي ينظر إلى منافسته له كأمرٍ مُتوقَّع ولا يستحق العقاب. وفُسر للطفل طبيعةُ رغبته في أن يحلَّ محلَّ أبيه في الاستحواذ الجنسي على أمه، لتصبح تلك الرغبة واعيةً وخاضعة للحكم الواعي بدلًا من إذكاء الرُّهاب من موقعها في اللاوعي كرغبةٍ مكبوتة. لقد استطاع الأب، بمعاونة فرويد، تمكين هانز من تعريضِ مخاوفِه غيرِ الواعية لاختبارٍ واقعي. عندما يتلقَّى هانز تفسيرًا لخيالته حول أبٍ مخصي أو يقوم بإخصائه من شخصياتٍ أبوية؛ أي أبيه وفرويد، تتفهم ما يخوضه من صراع، يشعر بالارتياح. ومن هذه المرحلة فصاعدًا في مسار العلاج أصبح هانز أكثر تحرُّرًا على المستوى النفسي، وأضحى قادرًا على استئناف استكشافاته المرحة، إن لم يكن ذلك خارجَ جدران المنزل في البداية، ولكن في سياق علاقته مع أبيه، عَبْر ممازحته ولعب دورٍ نشط في استكشافاته للأمور الجنسية.
يبدو فرويد مؤمنًا ضمنًا بأن التعريف بحقيقة الأمور الجنسية سوف يُريح هانز من أعراضه؛ إذ قيل لهانز إن النساء لا يملكن عضو تبوُّل في معرض حَيرته وتساؤلاته حول ما إذا كان لدى الجميع عضو تبوُّل، وإن كان فرويد يُقِر لاحقًا بأن هذا التعريف بالحقائق ربما يزيد من قلق الطفل بشأن فقدان عضوه. لم يحاول أحدٌ إزالة الالتباس الذي حدث لدى هانز بين الوظائف التناسُلية والبولية والذي تسبَّبَت فيه أمه بإخبار الصبي أنها تملك بالطبع عضو تبوَّل؛ إذ قيل له لاحقًا إن النساء فقط هن من يستطعن إنجاب الأطفال. كان فرويد يُفضِّل أن يخبر الأب هانز بدور الرجل في الممارسة الجنسية والتناسُل، وهو دورٌ كان الطفل قد بدأ بالفعل يستشعره في لعبه. ليس واضحًا ما إذا كانت المعرفة الجنسية قد قُدمت بهدف التصدي للتوقُّعات غير الواقعية، مثل رغبة هانز في ولادة الأطفال مثل أمه، أم كانت تهدف إلى تلبية الرغبة المُثبِّطة في المعرفة التي اعتقد فرويد أنها قد تدفع الأطفال إلى فقدان الثقة بالكبار والاستياء منهم لإخفائهم مثل هذه المعلومات عنهم.
كان لدى فرويد خطةٌ تعليمية؛ فكان يعتقد أن الآباء أيضًا يميلون بشدة إلى كبت سلوك الأطفال واستفساراتهم والتحكُّم بها. وعبْر نبذ ما لا يرَونه مناسبًا في شخصية الطفل، مثل الرُّهاب، قد تفوتهم فرصة منع عُصاب قد يظهر في مرحلة البلوغ نتيجةً لتجاهُل هذا النوع من المشكلات. ومرةً أخرى يبذل فرويد جهدًا كبيرًا للتأكيد على أن النظر بجديةٍ إلى الدوافع الكامنة لا يعني أن تلك رخصة بتفريغها، لكن الإدراك والحكم الواعيَين أقل إثارةً للتوتُّر من التسويات العُصابية التي غالبًا ما تستتبع الكبت. ويذكر فرويد عودة هانز لزيارته بعدما أصبح شخصًا بالغًا لا يعاني من العُصاب، وذلك لطمأنة قُرائه إلى تأثير التحليل النفسي في فترة الطفولة وتأثير الانفتاح في تربية الأطفال.
كان أسلوب فرويد العلاجي في هذا الوقت يحوي عناصرَ مُعتبرةً من التوجيه والتحقيق؛ فقد كان يعتقد أن المريض في حاجةٍ لتفسيراتٍ لما يحدُث وليس لديه الثقة الكاملة في قدرته على الانتظار ومراقبة كيفية تطوُّر عملية التواصُل لدى المريض والتعبير عما بداخله. كان والد هانز يُراقِبه، لكنه كثيرًا ما يستجوب الطفل على نحوٍ قسري وعقيم. لقد كان هانز، في الحقيقة، طفلًا ذا خيالٍ جامح وفي سياق التحليل النفسي تعلَّم الأب أن يترك ابنه يقوده إلى مناطقَ لم يتوقَّعها هو كأب.
(٣) التطوُّرات اللاحقة في نظريات فرويد
في عام ١٩٢٦ عدَّل فرويد في كتابه «الكف والعَرَض والقلق» من نظريته حول القلق، وفي خِضَم ذلك راجع فهمه لرُهاب الأطفال من الحيوانات؛ فنبذ رؤيته السابقة حول كون الليبيدو المكبوتة مصدر القلق العُصابي، وزعم، على العكس من ذلك، أن القلق الذي تستشعره الأنا هو ما يدفع إلى الكبت. ولم يُورِد هنا أي ذكرٍ للقلق المختلط الذي كان، في حالة هانز، موجودًا قبل أن يُركِّزه الطفل على الخيل. بل يزعم عِوضًا عن ذلك أن قلق هانز قد نبع مباشرةً من خوفه الأوديبي من الإخصاء، وأن هذا الخوف كان مكبوتًا بجانب رغباته الشهوانية والدموية حيال والدَيه. وكانت الآلية الدفاعية التي لجأ إليها الطفل تتمثل في إحلال الخوف من الخيل محل خوفه من أبٍ يُريد إخصاءه.
تَبلورَت آراء فرويد حول عقدة أوديب في الأبحاث التي كتَبها خلال العقد الثاني من عشرينيات القرن العشرين؛ ففي عام ١٩١٩ كتَب فرويد في كتاب «طفل يُضرب» عن عقدة أوديب دون أن يُشير إلى قلق الإخصاء أو حسد القضيب لدى الفتيات. غير أنه في عام ١٩٢٣ احتل هذان العاملان موضعًا رئيسًا في دراسته «النظام التناسلي الطفلي»، وذلك في نظرية الأحادية القضيبية التي شكَّلَت الأساس لدراساته اللاحقة. عندما يُدرك الصبي، كما في حالة هانز، أن الفتيات والنساء لا يملكن قضيبًا مثله، فإنه يفترض أنهن قد تعرَّضن للإخصاء. وقد أدَّى خوفه من احتمالية تعرُّضه للإخصاء على يد أبيه جزاءً له على منافسته الشهوانية له في الاستحواذ على الأم إلى لجوء هانز لكبت جنسانيته الطفلية والانتقال إلى مرحلة الكمون. في المقابل، تُدرك الفتيات في هذه المرحلة أنهن مَخصِيَّات، ويعتقدن أنهن لا يملكن أعضاءً تناسلية ويحسُدن الرجال على امتلاكها. وقد زعم فرويد أن الأطفال لا يعرفون إلا نوعًا واحدًا من الأعضاء التناسلية وهو القضيب، ولا يُدرِكون وجود المهبل حتى مرحلة البلوغ. وعلى نحوٍ مماثل، أصبح يؤمن بأن «من السهل ملاحظة عجز الطفل عن تخمين الحقائق الفعلية للعملية الجنسية» (فرويد، ١٩٢٧، صفحة ٢١٣).
تختلف تلك الآراء على نحوٍ غريب مع الملاحظات التي طرحها فرويد في حالة الصغير هانز؛ ففي الملاحظات السابقة كان يُفسِّر خيالات الطفل على أنها «في سبيلها لافتراض وجود المهبل»، ولاحظ في لعبه إدراكًا لطبيعة العلاقة الجنسية والتناسُل. وقد تساءَلَت شاسيجيه-سميرجل (١٩٧٦، الصفحات ٢٧٥–٢٨٦) لمَ لا تستطيع الفتاة إدراك وجود المهبل وهي تملك واحدًا بالفعل إذا كان الصبي قادرًا على توقُّع وجود فتحة مهبلٍ عبر ملاحظة جسده. تجاهَلَ فرويد (١٩٣٣، صفحة ١١٨) أهمية النتائج التي تَوصَّل لها زملاؤه ممن تحدَّثوا عن ذكرياتٍ من مرحلة الطفولة تُشير إلى حدوث استثارةٍ مهبلية. ويُشير إتشجوين (١٩٨٨، الصفحات ٣٧–٤٣) إلى احتمالية أن هانز ربما لم يكن مُخادعًا لأغراض دفاعية، بل مُعجبًا عندما سخر من عضو التبوُّل لدى هانا مبررًا سلوكه بعد ذلك بأنه كان يرى أن عضوها لطيفٌ للغاية.
انقَسمَت مدرستا التحليل النفسي في فيينا ولندن حول مسألة الأُحادية القضيبية خلال العشرينيات والثلاثينيات من القرن العشرين، وكان رأي جونز (١٩٣٢، الصفحات ٤٥٢–٤٨٤) أقرب إلى رأي فرويد عامَ ١٩٠٩ عندما أدرك أن الأطفال يعُون الواقع الجنسي سريعًا، سواء أخبرهم آباؤهم عنه أم لا، وسواء شاهدوا المشهد الجنسي الأَوَّلي أم لا؛ فيرى جونز أن نظرية الأُحادية القضيبية هي وهم يعمل كحيلةٍ دفاعية لمواجهة ما هو مزعج بشأن الاختلاف الجنسي والمشهد الجنسي الأَوَّلي، وهو نفس موقف كلاين (١٩٤٥، الصفحات ٣٧٠–٤١٩)، التي بنَت مُلاحظاتِها على لعب الأطفال في مرحلةِ ما قبل الكمون، وهو المصدر الذي استخدمه فرويد عندما كتب عما كان يعرفه الصغير هانز.
(٤) عقدة أوديب السلبية
في التقارير الأُولى لحالة هانز، قبل بداية الكبت والرُّهاب، وصف الأب مشاعر الصبي المُحِبة تجاه رفاقه، مثل فريتزل، بأنها كانت على نفس مستوى استجاباته الرقيقة تجاه الفتيات. وقد أشار فرويد إلى «مداخل المِثلية الجنسية» هذه لدى هانز بوصفها واحدةً من جوانب الشهوة الجنسية المُتعدِّدة الأشكال التي ازدَهرَت قبل أن تَتبدَّى تأثيرات الكبت للعِيان. وأشار كذلك نظريًّا إلى كون المثلية الجنسية تقع في المنتصف بين الشبقية الذاتية والعلاقات بالموضوع، وهو في هذا النص لا يَتعقَّب مشاعر هانز المثلية الجنسية بوصفها تلعب دورًا في إصابته بالعُصاب.
لقد كان يضمر دون شكٍّ مشاعرَ حبٍّ ناحية أبيه كذلك، ولعِبَت هذه المشاعر دورًا في كبت المشاعر المناقضة لها، لكن لا يسعنا إثبات ما إذا كانت هذه المشاعر قويةً بما يكفي كي تستدعي الكبت ولا إثبات اختفائها لاحقًا. في الحقيقة يبدو أن هانز كان صبيًّا طبيعيًّا لديه ما يُطلَق عليه عقدة أوديب «إيجابية».
ليس واضحًا إن كان فرويد لم يُدرِك المعاني الضمنية المثلية في رُهاب الحيوانات إلا من خلال التحليل النفسي لحالة رجل الذئاب، أم إنه أحجم في عام ١٩١٠ عن استكشاف هذا الجانب من العُصاب مراعاةً لردود الفعل المُحتمَلة من جانب والد هانز ومن قُرائه آنذاك.
من الواضح أن هانز كان مأخوذًا بالإشباعات المرتبطة بالأمومة ورفض المعلومات التي تؤكد أنها إشباعاتٌ خاصة بالنساء فقط. وحتى بعدما أدرك الكثير من المعلومات، كان أحد أوهامه الأخيرة التي دُونت أنه محاطٌ بأطفاله يتولى رعايتهم وتنظيفهم بعد عمليات الإخراج. وعلى الرغم من أنه كان يقول وقتها إنه والدهم، لا والدتهم، فإن المشهد يبدو أنه يستمد مما لاحظه من علاقة بين أمه وأخته الرضيعة أكثر مما استمد من التماهي مع أبيه. ولا يستكشف فرويد في هذا النص احتمالية كون هذا التماهي مع الأم قد امتد إلى أوهامٍ يحل فيها محلَّها في العلاقة الجنسية مع أبيه.
يُركِّز التحليل على عدائية هانز الأوديبية تجاه أبيه، غير أننا نجد العديد من المؤشرات على عدائيته تجاه أمه؛ فالحُلم الذي يؤدي إلى بدء الرُّهاب يدور حول تركها له. ويُفسِّر فرويد هذا الحُلم على أنه حُلمٌ عقابي، لكن فرانكيل (١٩٩٢، الصفحات ٣٢٣–٣٣٣) تقترح أنه ربما نتج عن رغبةٍ في التخلُّص منها؛ فيُلقي والد هانز اللَّوم على الأم لقيامها باستثارة الصبي إلى حدٍّ مبالغ فيه عندما تساهَلَت مع رغباته في النوم معها في فِراشٍ واحد والدخول معها إلى الحمام. ويَتناوَب هذا التدليل مع تهديداتٍ فظة وقاسيةٍ بتركه أو بقطعِ قضيبه. وربما كان تخيُّل هانز لها وهي تضربه ذا طابعٍ انتقامي لا شهواني. وخوفُه من الغرق في المغطس ينبُع من أوهامه القاتلة لما قد تفعله أمه بأخته، وهي أوهامٌ قد تكون نابعةً من تصوُّرٍ منطقي ترسَّخ عنها لديه، وكذلك من ميوله القاتلة تجاه أخته.
دَافِعه في قصرِ مغامرته خارج البيت على عتبة الباب وعدم الابتعاد لأكثر من ذلك، والالتفاف للوراء في منتصف الطريق مع أول استشعارٍ للقلق هو خوفه من ألا يجد أباه وأمه في البيت لأنهما قد ذهبا وتركاه. (صفحة ٤٥، الفقرة ١٠)
عندما نما إلى علمه أن والدة هانز قد هدَّدَت الطفل بتركه، تجاهَلَ التهديد بوصفه ردَّ فعل طبيعيًّا إزاء سلوكه المشاغب، وفي هذا الصدد أشارت فرانكيل إلى أنه لا يمنح ابنه أيَّ اطمئنان في هذا السياق. يبدو أن الخوف من التعرُّض للهجر لا يرُوعه مثل الخوف من الإخصاء. وقد أشارت سيلفرمان (٢٠٠١، الصفحات ٣٢٥–٣٥٨) إلى أن استكشافات هانز الجنسية فد تعزَّزَت دفاعيًّا بفعل شعوره بعدم الأمان، كما «اكتسبت قوةً خاصة ربما لكونها جزءًا من محاولاته للتحكُّم في حالة القلق المزمنة لديه.»
أبدى فرويد احترامًا واستحسانًا للطريقة التي يتبعها والدا هانز في تربية الأطفال؛ فقد تأثَّرا بنظرياته؛ ومن ثَمَّ كان يعتبر حالة هانز مثالًا توضيحيًّا إيجابيًّا للتأثير النافع للمعرفة بالتحليل النفسي على تنشئة الأطفال. وعندما أُثِيرَت بعض الانتقادات بشأن سلوك الأبوَين في مجتمع التحليل النفسي بفيينا (نانبرج وفيدرن، ١٩٦٧)، أبدى تحفُّظًا واحدًا فحسب، وهو أنه ما كان ينبغي للأم السماح لهانز بمرافقتها إلى الحمَّام، وأضاف: «أمَّا باقي الأمور، فهي تكوينية.» ويدافع فرويد عن الأم في الدراسة عينها قائلًا: «لقد اضطَلعَت بدورٍ محتوم وكان موقفها عسيرًا.»
كان من أحد العوامل التي نَظرَ إليها الآن أتباع نظريتَي التعلُّق والتحليل النفسي بجديةٍ تفُوق كثيرًا نظرة فرويد في عام ١٩٠٩ أنه في خِضَم مُعاناة هانز من الرُّهاب، خضع لعملية استئصال اللوزتَين. لقد أُصيب هانز بالرُّهاب في يناير ١٩٠٨، فيما عاد الأب إلى كتابة التقارير حول حالةِ ابنه «بعد أكثر من شهر» مع بداية مارس. خلال تلك الفترة الزمنية الفاصلة أجرى هانز عملية استئصال اللوزتَين وكان عليه قضاءُ أسبوعٍ داخل المنزل، وبعد انقضاء هذا الأسبوع «ساءت حالة الرُّهاب لديه كثيرًا». من المثير للاهتمام أن فرويد قد مَرَّ مرور الكرام على هذا الحدَث الذي ربما ضَخَّم من مخاوف الطفل بشأن تعرُّضه للإخصاء. كانت أُمه عندما هدَّدَته، قبل ذلك بكثير، بالإخصاء قد أَخبرَته أنها ستستعين بالطبيب لإجراء تلك العملية، ولمَّا كان فرويد طبيبًا، فربما ضاعف ذلك من قلَق الطفل.
(٥) التحويل
لم يتناول هذا النص قضية التحويل. يبدو أن فرويد قد افتَرضَ أن الطفل لن تنشأ لديه علاقةٌ تحويلية بينما لا يزال مُرتبِطًا في المقام الأول بموضوعاته الأُولى؛ أي أَبوَيه.
رغم ذلك، ربما لعب التحويل دورًا على مستوى البالغِين في علاقة والد هانز بفرويد. إن التنافُس الذي شَعَر به هانز نحو هانا ربما ظهر كذلك بين الأب وزوجته التي حظِيَت بميزة العلاج على يد فرويد، وربما كان التحويل حاضرًا في دائرة المُحيطِين بفرويد ممن طلَب منهم إمداده بملاحظاتٍ حول سلوك الأطفال. وربما يكون قد ساهم في الصورة التي قدَّمَها والد هانز لزوجته؛ فهو يبدو لنا ولفرويد الطرف الأكثر عطفًا وحنانًا مُقارنةً بالأم.
يُلقي هينشلوود (١٩٨٩، الصفحات ٦٣–٧٨) نظرةً عن كثَب على مسار الجلسات الذي دوَّنها والد هانز. وتتناول دراسته كيف شَعَر هانز حيال الاهتمام الحماسي الذي أبداه والدُه بأوهامه واستكشافاته الجنسية. عندما لاحظ هانز أباه وهو يُدوِّن المحادثة التي دارت بينهما حول قصة الزرافة، سأله عن سبب قيامه بذلك، فأجاب الأب بأن ذلك من أجل إخبار الأستاذ. وكان رد فعل هانز المباشر أن أَخبَر والده بأن عليه إبلاغ الأستاذ أيضًا بحُلمه الذي رأى فيه أُمه في قميصها النسائي الداخلي. يُشير هينشلوود إلى أن هذا التداعي يُشير إلى شعور هانز بأنه عارٍ نتيجةً لاستغلال أبيه لأسراره. ولاحقًا يُخبِر أباه أنه قد رَفضَ الإجابة على تساؤلاتِ أُمه حول قصة الزرافة الخيالية؛ لأنه كان يشعر ﺑ «خزيٍ بالغ». يُلاحِظ هينشلوود كذلك الإشارات إلى العُري: «رأيتُ صبيًّا مُتشردًا يركب فوق شاحنةٍ وجاء الحارس وخلع عنه ملابسه حتى أصبح الصبي عاريًا تمامًا وأَجبرَه على الوقوف في مكانه هكذا حتى الصباح.» وزعم أن الصبي قد شَعَر بأن استجوابات أبيه قد أدت إلى فضحه، مشيرًا إلى أن استجوابات الأب المستمرة، وإن كانت مُغلَّفة بالنوايا الحسنة واللطف، كانت تطفُّليةً في عين هانز. أمَّا السباك الذي يحمل مِثقابًا كبيرًا طعن به هانز في بطنه، فيُمثِّل، حسب رؤية هينشلوود، شعور هانز باقتحام أبيه الدائم لعالمه الداخلي، وما جَسَّده هانز باستخدام دميته المطاطية قد يشير إلى مدى شعوره بالانتهاك.
إن التخيُّل الأخير الذي تصوَّر فيه هانز سبَّاكًا يستبدل مُؤخرته وقضيبه يكشف عن استسلام الطفل لتصوُّر أبيه لما يجري داخله. لا يعتبر فرويد أن هانز ربما شَعَر بانتهاك خصوصية عالمه الخيالي، أو ربما شَعَر بتناقُضٍ حيال استخدام تلك الخيالات في مثل تلك المحادثات المُمتِعة التي دارت بين أبيه والأستاذ. إن الحاجة إلى درجةٍ من الخصوصية في استكشاف الحياة النفسية الخاصة للمريض هي الدافع الرئيسي وراء الأهمية البالغة التي عادةً ما تُضفَى على السرية بين الطبيب والمريض، وسببٌ أساسي لاعتبار الأبوَين الآن أشخاصًا غيرَ مُناسبِين إطلاقًا للعبِ دَور المُعالِج النفسي للطفل.
تحظى احتماليةُ وجودِ عناصرَ جنسيةٍ مثليةٍ مازوخيةٍ لم يُحسم أمرها لدى هانز بدعمٍ تأكيدي في سيرة هانز الذاتية اللاحقة التي أُطلِق عليها اسم «رجلٍ خفي» (جراف، ١٩٧٢، الصفحات ٢٥–٢٩). لقد عمِل هانز مديرًا للأوبرا في دار أوبرا الميتروبوليتان حيث تعاوَنَ مع زفيريلي ورودولف بينج، وكان الأخير غالبًا ما يفرض رأيه عليه. وقد أشار البعض (فرانكيل، ١٩٩٢، الصفحات ٣٢٣–٣٣٣) إلى أن قدْره كان المساعدة في تنفيذ العروض المسرحية لرجالٍ أكبر منه سنًّا وأكثر منه شهرة.
خاتمة
كتب فرويد دراسته حول هانز مع بداية اكتشافاته النظرية الكبرى حول اللاوعي والعلاقة بين الجنسانية الطفلية والعُصاب. وطالما عدَّل النتائج التي كان يَتوصَّل إليها ونقَّحَها على مدى السنوات الثلاثين اللاحقة. إن العوامل مثل التداعيات الكاملة للانفصال والفقد المبكر والأهمية البالغة للتحويل لم تُدرك حتى لاحقًا. إن تأمُّل هذه الدراسة الآن من شأنه تسليط الضوء على ما بلغ فهمنا لاحقًا، ولكنه يُركِّز اهتمامنا كذلك على كلِّ ما حظي بأهميةٍ ثوريةٍ ودائمة في رؤية فرويد. لقد ظلَّ تأكيدُ فرويد على اتساع الحياة الشهوانية لدى الطفل وقُوَّتها البُعدَ الذي طالما أثار المقاومة الأشَدَّ في فهم التحليل النفسي، والذي لا يزال عُرضةً للتجاهُل أو الاستخفاف. صحيح، كما يشير فرويد نفسه، أن «والدَي هانز هما من استخلصا من المظاهر المرضية لدى هانز فكرةَ اهتمامِه بأعضاء التبوُّل»، غير أن غزارة التخيُّلات ذات الطابع الجنسي لدى هانز تتجلَّى في لعبه وبَلغَت في أغلب الأحيان مستوًى لم يتوقعه الأب؛ إذ كان قلقًا إزاء اختلاف الأعضاء الجنسية ومعناه، وكان يُبدي فضولًا واهتمامًا بالغًا بالحمل فضلًا عن تخيُّل نفسه مكان أبيه. إن هانز يسعى لاكتشاف الدور الذي يضطلع به والده تحديدًا في عملية التناسُل وتقبُّل الحدود المرتبطة بالانتماء إلى جنسٍ محدد. وعبْر عمليات الاستكشاف تلك وما تُخلِّفه من صراعات، يُساعد الأب ابنه، بوصفه شخصًا بالغًا ذا نوعٍ جنسي محدد يستطيع الطفل التوحُّد معه في التحوُّل إلى رجل، والنأي بنفسه عن الالتباسات التي تكتنف علاقته الوثيقة أكثر من اللازم في بعض جوانبها مع أُمه.
إن الطفولة المبكرة هي البوتقة التي تتحدد بداخلها طبيعة علاقاتنا في مرحلة الرشد إلى حدٍّ كبير، لكن تلك الارتباطات تتعلق على نحوٍ مهم بخيالاتنا وتطلُّعاتنا الجنسية فيما يتعلق بآبائنا، وما نفهمه عن حياتهم الجنسية. ويكمن الاختلاف بين التحليل النفسي ونظرية التعلُّق في اعتباره مصير تلك الدوافع الجنسية الطفليَّة ونشاطها المستمر في اللاوعي قضيةً ذات أهميةٍ محورية لفهم حياة الشخص البالغ النفسية وما يطرأ عليها من أمراض.