ملفٌّ أصفر … وشريطٌ أحمر!
انتهى «أحمد» من تدريباته الرياضية، وتناول وجبةً خفيفة ثم عاد إلى غرفته. كان يقرأ في كتاب عن الجاسوسية المضادَّة … شدَّ انتباهه، فاعتذر عن تمضية السهرة مع بقية الشياطين، وعاد لاستكمال قراءة الكتاب.
عندما دخل الغرفة لفت انتباهَه مظروفٌ أصفر موضوع على مكتبه الصغير. كان محزومًا بشريطٍ أحمر عريض، مكتوبٍ عليه بالحبر الأسود «محظور»، ثم بخطٍّ أصفر لا يُفتح إلا بمعرفة رقم «١»، وأحمد هو رقم «١» في مجموعة الشياطين اﻟ «١٣».
وفكَّر قليلًا، كنوعٍ من التدريب الذهني، في محاولة معرفة محتويات المظروف … إنه في الأغلب عمليةٌ خاصة ربما سيقوم بها وحده، والمطلوب ألا يُثيرَ الموضوعَ في اجتماعٍ عام مع رقم «صفر»، كما هي العادة في مثل هذه الموضوعات، ثم إن كلمة محظور تعني أسرارًا على درجةٍ كبيرة من الأهمية.
- (١)
اقرأ هذه الأوراق بدقة.
- (٢)
حاول أن تحفظ المعلومات والأرقام التي بها.
- (٣)
استمِع إلى الشريط ولاحِظْ نبراتِ المتحدث فيه.
- (٤)
كن جاهزًا للسفر في موعدٍ أقصاه مساء الغد.
وبدأ «أحمد» يقلِّب الأوراق التي في المظروف … كان أوَّلَها تقرير، ثم مجموعة من الصور، وشريطٌ مسجَّل، وملفٌّ صغير، به مجموعة من الأوراق أصغر حجمًا من بقية الأوراق.
وبدأ في قراءة التقرير الذي كان عنوانه: «مطلوب القبض عليه حيًّا أو ميتًا».
ثم العنوان التالي: «عضوٌ سابق في منظمة الشياطين اﻟ «١٣» ينضم إلى جهةٍ معادية».
وأحَسَّ «أحمد» بتوتُّرٍ مفاجئ … فهذه أول مرة يخرج فيها واحدٌ من المؤسسة وينضم إلى عدوٍّ لها. وكانت مفاجأة ﻟ «أحمد» أن يقرأ اسم الرجل … لقد كان من أوائل الذين أسَّسوا مجموعة الشياطين اﻟ «١٣»، ثم اختلف مع رقم «صفر»، ومضت سنواتٌ طويلة لم يسمع عنه أحد.
- الاسم: عوني مسعود.
- السن: من مواليد ١ / ١ / ١٩٣٣م.
- الطول: ١٨٠ سنتيمترًا، الوزن: ٩٠ كيلوجرامًا.
- مواهبه: مدرَّبٌ تدريبًا راقيًا على كل أعمال وطرق القتال والدفاع بالمنظَّمة.
وتوقَّف «أحمد» عن القراءة لحظات، وأخذ يفكِّر ويتذكَّر … لقد كان «عوني» من أول الأساتذة الذين درَّسوا له في مقر الشياطين اﻟ «١٣»، عندما كان مجرد مجموعة من الثكنات … ولم يكن قد بُني بعدُ على أحدث طراز، وتوفَّرَت فيه أحدث آلات التكنولوجيا بجميع أنواعها تقريبًا … ثم اختفى الرجل، بعد أن قضى نحو ستة شهور يعلِّم الشياطين الضرب بالأسلحة الصغيرة؛ الطبنجة، والبندقية. وسمع الشياطين أنه اختلف مع رقم «صفر»، وترك العمل، وعاد إلى الدولة التي قَدِم منها.
وقد كان للشياطين ولرئاسة المنظمة قَسَم أقسموا عليه جميعًا؛ أنهم مهما اختلفوا أو تركوا العمل، فلن ينضموا إلى أية جهةٍ معادية … فهل حنث «عوني» في قَسمه؟ هل تجاهل أم نسي أن هذا القسَم إذا حنث به فسيُصبح جزاؤه الموت؟!
وعاد «أحمد» يقرأ … لقد بدأ الكشف عن شخصية «عوني» في سويسرا، بواسطة عميلنا السري «كراون»، وهو اسم مستعار للرجل الذي يرأس عملاءنا جميعًا في وسط أوروبا؛ فقد لاحظ «كراون» أن أحد عملائنا من شعبة جمع المعلومات، قد أُصيب في حادث سيارة، وقد رجَّح رجال الشرطة في سويسرا، أن السيارة التي صدَمَته، كانت تتعمَّد ذلك، وأن من فيها حاولوا حمله بعد الإصابة بدعوى نقله إلى المستشفى … ولكنَّ تدخُّل رجال الشرطة منعهم … وقد استطاعوا الفِرار في الظلام.
وقد عثَر رجال الشرطة في مكان الحادث، على نسخة من جريدة تصدُر في إحدى العواصم العربية، ووجدوا علامةً بالقلم الجاف على سطور في صفحة الوفيات … وقد استطاع «كراون» أن يحصل على هذه الصحيفة … وعندما قرأ اسم المتوفَّى وجده من أُسرة «عوني مسعود» … وفي البداية اعتبرناها مجرد مصادفة، ولكن بعد ذلك بقليلٍ استطاع «كراون» أن يعرف من أحد أصدقائه من رجال البنوك، أن مبلغًا ضخمًا من المال قد وُضع في بنك «كريدي دي سويس»، باسمِ «عوني مسعود» … وهكذا بدأنا نبحث عنه، وقد استطاع رجالنا أن يُحدِّدوا مكانه.
إنه يعيش في قرية تُدعى «نيون»، على مسافة نحو أربعين كيلومترًا من جنيف … وفي نفس الوقت يتردَّد يوميًّا مريض في مصحة «جونولييه» وقد عرفنا أن المريض هو «سيرج کول»، وهو أحد الأعضاء البارزين في عصابة «سادة العالم» التي حاولَت، وما زالت تحاول القضاء على منظمة الشياطين اﻟ «١٣» … وقد طلبنا من رجالنا الاستمرار في جمع المعلومات قبل أن نُقرِّر تصفية «عوني» ولكنه اختفى تمامًا لمدة شهر … ثم ظهر مرةً أخرى في مدينة «لوزان»، لعدة أيام ثم اختفى مرةً أخرى، وقد تأكَّد رجالنا أنه لم يعبُر الحدود السويسرية إلى دولةٍ أخرى، ومعنى ذلك أنه ما زال هناك … ولهذا فنحن نريدك أن تذهب وحدك أولًا، وسيقابلك «كراون» ويعرض عليك مقترحاته لمطاردة «عوني»، والتأكُّد من أنه انضم إلى عصابة «سادة العالم» … ولا تتخذ قرارًا بتصفيته قبل أن تتأكد تمامًا من كل المعلومات.
وطوى «أحمد» الأوراق وجلس ساكنًا، ثم وضع شريط التسجيل في ريكوردر، وأخذ يتسمَّع إلى صوت «عوني»، ورغم مرور سنوات على آخر مرة سَمِعه فيها، فقد عرف صوته على الفور. كانت بقية الأوراق عبارةً عن مجموعة من الصور ﻟ «عوني» من زوايا مختلفة … وقد أحس «أحمد» بالألم؛ لأن كلمة تصفية تعني في قاموس العمل (القتل)، وليس من سياسة ولا أخلاقيات الشياطين اﻟ «١٣» القتل، مهما كانت الأسباب … إلا في حالة الدفاع عن النفس.
تمدَّد «أحمد» في فراشه وسرح بفكره … إنه يواجه عصابة «سادة العالم»، ومعها رجلٌ يعرفه جيدًا هو «عوني» … وهو خصمٌ لا يُستهان به؛ فهو أستاذٌ سابق في منظَّمة الشياطين … وهو يعرف نوع الشبان الذين سيتعامل معهم ويواجههم في معارك الحياة والموت.
ورغم أن الشياطين قد ذهبوا إلى سويسرا من قبلُ، إلا أنه ضغط على مفتاحٍ خاص، ليحصل على معلوماتٍ أكثر، وعندما سمع صوتًا يقول نعم، قال: من فضلك أريد خريطة، وأكبر قَدْرٍ من المعلومات عن سويسرا.
ردَّ الصوت: ستكون الخريطة والمعلومات جاهزةً خلال عشر دقائق.
وعاد إلى تفكيره … لم يكن موافقًا على السفر وحده إلى سويسرا … صحيح هناك «كراون»، وبقية أعوان رقم «صفر» ولكن «أحمد» لا يستطيع الاطمئنان إلى أحدٍ سوى الشياطين اﻟ «١٣» … كان يريد أن يناقش رقم «صفر» في هذا القرار … ولكنه فضَّل أولًا أن يقرأ كل المعلومات التي عنده مرةً أخرى، ثم يقرِّر إذا كان من الممكن الاستعانة بأحد الشياطين أم لا.
وبعد عشر دقائق بالضبط سمع دقةً على الباب، ثم امتدت إليه يدٌ بأحد الملفات، وبمظروف … ثم أغلق الباب وفتح الملف وأخذ يقرأ.