مقدِّمات مغامرة
ببراعةٍ كاملة نقل «أحمد» الطائرة من شيءٍ يسير على عَجَلات فوق الأرض، إلى طائرٍ يحلِّق في السماء … وأبدى الشياطين إعجابهم بالزميل البارع، عندما أخذَت الطائرة ترتفع للوصول إلى ارتفاع ٢٧ قدمًا، وبهذا تكون قد وصلَت إلى الارتفاع المطلوب … وانطفأَت إشارة ربط الأحزمة … وبدأَت «إلهام» تقوم بدور المضيفة الجوية البارعة، فقدَّمَت شرابًا منعشًا، وعرضَت قائمةَ طعامٍ حافلة.
وأخذ الشياطين يتبادلون حديثًا ضاحكًا استمر بعض الوقت … ثم ساد الصمت، وانصرف كلٌّ منهم إلى خواطره … بينما جلس الكلبان «دهب» و«فضة»، هادئَين، وقد أخذ «بو عمير» يداعبهما في محبة، بعد أن قدَّم لهما وجبةً ساخنة.
كانت خطوتهم الأولى هي «جنيف»، والطيران إليها يستغرق نحو أربعة ساعات ونصف، ثم بعد ذلك إلى «باريس»، ثم «لندن»، ومنها تكون القفزة الواسعة عَبْر المحيط إلى «أوتاوا» في كندا … ثم عبور كندا والنزول في شبه جزيرة «سيورد»، وعبور القنال بين «سيورد» و«كودياك» حسب الظروف … بالطائرة أو في قارب.
كانت رحلةً طويلةً ومجهدة … ولكن نظرًا لحجم الطائرة لم يكن في إمكانهم اختصار محطات الوقوف … فهذه الطائرة تحمل وقودًا يكفيها خمس ساعات فقط، وعليهم أن يقسموا مشوارهم الطويل إلى محطات … وقد أشرفوا على نهاية الرحلة في مساء يومٍ غائم، وأخذَت الطائرة الصغيرة التي أجهدها الطيران المتصل تحلِّق فوق أرضٍ تغطِّيها الثلوج، وقد بدا كل شيء ناصع البياض … وقد صدرَت إليهم تعليمات مطار «سيورد» الصغير بالهبوط … ولم تكَد عَجلات الطائرة تلمس أرض المطار، حتى أحس «أحمد» أن الطائرة تنزلق بسرعة على الجليد السميك، وأخذ يستخدم الفرامل على دفعات، حتى لا تنقلب الطائرة … وأخيرًا وقفَت «الضفدعة» وهو الاسم الذي أطلقَته «زبيدة» على الطائرة، ساكنةً على أرض المطار الصغير … وظهر رجلٌ من المبنى الوحيد في المطار، يُلوِّح لهم في الظلام الذي بدأ يهبط بفانوسٍ صغير.
نزل الشياطين الخمسة، ومعهم الكلبان يقودهما «بو عمير» وكان الجو شديد البرودة، وتحدَّثَت «إلهام» إلى الرجل وطلبَت منه أن يدُلَّهم على مكانٍ يقضون فيه الليل، فأجاب ليست هناك فنادق بالمعنى المعروف عندكم … هنا تُوجد بعض الأكواخ التي يؤجِّرها الصيادون!
إلهام: هذا يناسبنا جدًّا.
الرجل: كم يومًا سوف تقضونها هنا؟
إلهام: هذا متروك للظروف.
ساروا خلف الرجل حتى دخلوا المبنى الصغير للمطار، وكان الرجل كريمًا معهم … فقال لهم بعد أن قدَّم لهم نفسه باسم «بيرد»: هل تشربون كوبًا من القهوة الساخنة؟
ردَّت «إلهام» نيابةً عن الشياطين: بكل سرور.
وكان هناك إناءٌ على النار يتصاعد منه البخار، فأخذ الرجل يصُبُّ الماء الساخن على مسحوق القهوة، وأخذ الشياطين يشربون ويتحدثون مع الرجل.
سأله «أحمد»: هل سمعتَ عن حادث الطائرة الذي وقع في جزيرة «كودياك»؟
بيرد: نعم … ولكن الحمد لله لم يمُت أحد؟
أحمد: كم كان عدد ركَّاب الطائرة؟
بيرد: سبعة أشخاص!
أحمد: هل هم مقيمون في الجزيرة، أم أتَوا للزيارة؟
بيرد: إنهم يملكون مصنعًا هناك، محاطًا بحراسةٍ قوية، ويُقال إنه يستخلص اليورانيوم من رمال الشاطئ!
نظر الشياطين بعضهم لبعض، لقد كانت معلومات على جانبٍ كبير من الأهمية.
وعاد «أحمد» يسأل: كيف الوصول من هنا إلى جزيرة «كودياك»؟
بيرد: بالقوارب … وليست هناك رحلاتٌ منتظمة، ولكن من يريد الذهاب يستأجر قاربًا!
أحمد: هل يمكن أن تدبِّر لنا قاربًا الليلة؟
بدت الدهشة على وجه الرجل، ولكنه هزَّ رأسه قائلًا: لن تجدوا بحَّارًا واحدًا يقبل الخروج بقارب في هذا الليل البارد.
أحمد: لن نحتاج البحار، كل ما نريده هو القارب!
فهم الشياطين لماذا يريد «أحمد» القارب ليلًا … فليس من المعقول أن يبدأ المغامرة بالذهاب إلى «كودياك» في ضوء النهار!
وأخذ الرجل يُجري بعض الاتصالات التليفونية، وبعد حديثٍ قصير التفت إلى «أحمد» وقال: هناك قارب، ولكن لا بد أن تدفعوا تأمينًا خوفًا من أن يحدث شيءٌ غير متوقَّع.
أحمد: لا مانع … متى يكون جاهزًا؟
الرجل: بعد ساعتَين … واسم القارب «النورس الأبيض» وهو قاربٌ متين، وصاحبه سوف يأتي بعد ساعة لأخذ النقود!
أحمد: سنحتاج إلى بعض الراحة … وسنترك لك النقود لتُعطيَها له.
ثم دفع «أحمد» حساب الطلبات، ومنح الرجل بقشيشًا سخيًّا، وترك له أجر القارب والتأمين الذي طلبه.
قادهم الرجل إلى ثلاثة أكواخٍ متجاورة قرب الشاطئ. كانت الريح باردةً تعصف بشدة، فأسرعوا يحتمون بالجدران، وفتح لهم الرجل الأبواب فدخلوا … وأصَر «بو عمير» على أن يبقى مع «دهب» و«فضة» في كوخ واحد … وذهب «أحمد» و«فهد» معًا … و«إلهام» وزبيدة» معًا.
كان أثاث الأكواخ بسيطًا ولكنه مريح … وقرَّر «أحمد» أن ينام ساعة كاملة؛ كان مرهقًا، وهكذا استلقى على الفور ونام … بينما أخذ «فهد» يُعِد الأسلحة والمهمَّات الدقيقة التي سيأخذونها معهم في الرحلة الليلة.
بعد ساعتَين … كان الشياطين الخمسة والكلبان «ذهب» و«فضة» في القارب … كانت الرياح قوية، والأمواج عالية، ولكن السماء كانت صافيةً نسبيًّا، وهكذا أقلعوا، واتجه «أحمد» إلى اليسار ناحية جزيرة «كودياك» التي بدت بعد نحو ساعة كأنها وحشٌ خرافي يربض في مياه المحيط.
كلما اقترب «أحمد» من الجزيرة كان «بو عمير» يمسك بنظَّارةٍ مكبَّرةٍ محاولًا اختيار مكانٍ مناسبٍ للرُّسُو … مكانٍ مهجور يكون محاطًا بالصخور حتى لا يراقبهم أحد … ووجدوا المكان المناسب … كان خليجًا صغيرًا منعزلًا عند طرف الجزيرة، وأدار «أحمد» القارب بمهارة وفي بطء وحذر حتى رسا على الشاطئ الصغير الذي كان يشبه فجوة في قلب الصخور.
قفز الشياطين إلى البر … وأخذ «بو عمير» يتحدث إلى «دهب» و«فضة» حديثًا هادئًا، ثم غادروا الشاطئ وتوغَّلوا في الجزيرة … ولكن لم تمضِ سوى دقائق حتى لاحظوا أضواءً عموديةً تصعد من الأرض إلى السماء كأنها سيوفٌ ضخمة … ثم تهبط لتدور حول نفسها كأنها مروحة!
لفتَت هذه الأضواء أنظار الشياطين … فاتجهوا إليها حذرين … كانت الجزيرة شبه مهجورة في هذه المنطقة، ولكن على مبعدة ظهرَت أضواءُ منازلَ متعددة.
كانت الساعة قد تجاوزَت منتصف الليل عندما اقتربوا من منطقة الأضواء، ولاحظوا مجموعة من المباني المستطيلة التي تشبه مباني المصانع، كانت أضواؤها تتناثر هنا وهناك والصمت يلُفُّ المكان.
قال «أحمد» هامسًا: سأصعد إلى شجرة من هذه الأشجار، لأرى بمنظارٍ مُكبَّر ماذا يجري هناك … انكمش الشياطين والكلبان في مكان، ومشى «أحمد» قليلًا، ثم اختار شجرةَ صنَوبرٍ عالية وأخذ يصعد عليها، حتى وصل إلى أقصى ارتفاعٍ ممكن، واستند إلى بعض الأغصان، وأخرج نظَّارته المُكبَّرة المزوَّدة بالأشعة تحت الحمراء ووضعَها على عينَيه ونظر … واستطاع أن يرى مجموعة المباني التي تفترش مساحةً واسعةً وقد أُحيطت بالأسلاك الشائكة … وبالحُراس المسلَّحين.