مفاجآت … مفاجآت!
لاحظ «أحمد» أن العمل في مجموعة المباني مستمر ليلًا، واستطاع أن يتأكد من أن القائمين على العمل هم مجموعة من «الروبوت» أو الإنسان الآلي … ومعنى ذلك أنها صناعةٌ ضخمة، وأنها منظمة تنظيمًا دقيقًا.
وفي الجزء الشمالي من مجموعة المباني لاحظ وجود مجموعة من الفيلات الصغيرة، كانت مطفأة الأنوار، ما عدا واحدة، وأخذ يُفكِّر في الطريقة التي يمكن بها اختراق حاجز الأسوار، ثم الحراس، للوصول إلى الرجل الذي حضروا من أجله … وأحس أنها مغامرةٌ صعبة، بل شديدة الصعوبة … ونزل، وقدَّم تقريرًا موجزًا عن الموقف إلى الشياطين.
وعلَّق «فهد» قائلًا: إن الهجوم يجب أن يستهدف محطة الكهرباء لقطع التيار عن المباني، ويمكن أن نهاجم في الظلام.
زبيدة: إننا لم نقدِّر بعدُ عدد الحُراس ومستوى التسليح!
بو عمير: أهم من هذا كله … هل الرجل الذي جئنا من أجله موجود أم لا! إن معلوماتنا ضئيلة جدًّا عن العملية.
إلهام: في إمكاننا تفجير المكان كله … إن عندنا كميةً هائلة من الديناميت!
قال «أحمد» بعد لحظة صمت: سأدخل وحدي.
إلهام: لماذا؟
أحمد: كما قال «بو عمير» … إن معلوماتنا عن المكان والأشخاص ضئيلة جدًّا، ومن الأفضل الحصول على معلومات أكثر … ستعودون جميعًا إلى القارب في انتظاري.
فهد: ولماذا القارب؟
أحمد: إذا تأخَّرتُ في الحضور إليكم، ضع خطةً للهجوم أو العودة إلى الفيلا والهجوم غدًا ليلًا!
ثم أخذ «أحمد» بعض المعدات، ومسدَّسًا ضخمًا، وانسلَّ في هدوء دون انتظار كلمة أخرى.
أخذ يسير محاذرًا رغم الظلام حتى اقترب من سور الأسلاك الشائكة، كان عليه أن يتأكد أولًا أنها ليست أسلاكًا مكهربة، وأخرج مفكًّا صغيرًا يضيء أحد طرفَيه إذا كانت الأسلاك مكهربة، ولم يكَد يضع المفكَّ على الأسلاك حتى أضاء المفكُّ بشدة … وأدرك أنه أمام أسلاكٍ مكهربة، ولم تكن هذه مشكلة.
اختار «أحمد» شجرة صنَوبر قريبة من السور تسلَّقها مسرعًا، واتجه إلى الطرف الأقرب إلى السور، وأمسك بغصنٍ طويل ثم تدلَّى منه فانثنى الغصن بشدة، وضرب جذع الشجرة بقدمه فابتعد كالنبلة عن الشجرة، وتجاوَز السور في الفضاء، ثم قفز داخل السور فسقط على الأرض محدثًا صوتًا مكتومًا.
ربض في مكانه دقائق يستمع … لم يحدث شيء، فاتجه زاحفًا إلى الفيلا المضاءة، وكان أحد الحُراس في ملابسَ شبهِ عسكرية يقوم بالحراسة عند الطرف البعيد للفيلا، ووضع «أحمد» على وجهه قناعًا أسود، حتى بدا كتلة سوداء في الظلام لا يمكن رؤيتها.
كان حول الفيلا حديقة، ساعدَت على إخفاء تحرُّكات «أحمد»، الذي وصل إلى إحدى النوافذ، فجذب بعض الشجيرات حوله حتى تُخفي وجوده، ثم أخذ ينظر خلال الزجاج … كانت الستائر مسدولةً من الداخل، ولكن من خلال فتحةٍ صغيرة استطاع أن يرى ما يحدث في الداخل.
كانت هناك مجموعة من الرجال، استطاع «أحمد» أن يعُدَّهم … كانوا خمسة وكان أمامهم على المائدة التي جلسوا حولها شيءٌ ما، كانوا منهمكين في الإشارة إليه، ولاحظ «أحمد» أن ثلاثةً منهم يضعون ضماداتٍ على أيديهم، أو رءوسهم، وتأكَّد أنهم كانوا بين مصابي الطائرة التي سقطَت.
استطاع «أحمد» أن يُحدِّد شخصية «عوني»، رغم أنه كان يُوليه ظهره؛ فقد كان يتذكر حجم الرجل الهائل، ورقبته القوية، وأكتافه العريضة … واستنتج «أحمد» أنهم يدرُسون خريطةً ما، ثم شاهد «عوني» وهو يرفع سماعة التليفون، ويستمع قليلًا، ثم يضعها ويقف … ومن المدهش أنه اتجه إلى النافذة التي يقف خلفها «أحمد»، وغاص «أحمد» بين الشجيرات واستطاع من مخبئه أن يرى شبح «عوني» … وأحس بأن «عوني» قد تلقَّى مكالمةً هامة، هل يمكن أن تكون خاصة بالشياطين؟ … هل أبلغه أحدهم أنهم وصلوا قريبًا منه؟!
اختفى شبح «عوني» من النافذة، وعاد «أحمد» ينظر … كانت الستائر قد انفرجَت قليلًا … وشاهد «أحمد» «عوني» يتحدث مع بقية الرجال وقد بدت على وجهه علاماتُ الاهتمام.
وفي هذه اللحظة سمع صوتًا مكتومًا يشبه صَفَّارةَ إنذارٍ داخلية، وأُضيئت مجموعة من الأضواء الكاشفة، أخذَت تمسح الأرض الفضاء المحيطة بالمباني … وأدرك «أحمد» أن استنتاجه صحيح … لقد تلقَّى «عوني» إنذارًا، باقتراب الشياطين ووصولهم إلى مكانه … ولا بد أن شخصًا ما أخطره بوصول طائرة عليها خمسةٌ من الغرباء … ومن السهل على «عوني» أن يعرف من أوصافهم أنهم الشياطين.
أسرع «أحمد» يزحف بين الشجيرات مبتعدًا … كان يريد الخروج من المكان بأسرعِ ما يمكن، ليُبلغ الشياطين أن «عوني» عرف بوجودهم، وأن الصراع سيبدأ بأسرعَ مما تصوَّروا، ولكن حُلم الخروج تبدَّد تمامًا عندما سمع صوت كلاب الحراسة وهي تنطلق من عقالها … ونباحها الوحشي يرنُّ في الصمت المُوحِش.
تدحرج مسرعًا إلى أقرب حفرة؛ فقد فرش أحد الكشافات الضخمة مكانه، وربض في الظلام، وقد تسارعَت أنفاسه أنه لم يكد يبدأ مهمَّته حتى وقع في فخ.
رفع رأسه تدريجيًّا، كانت البقعة التي يتمدَّد فيها ساكنة؛ فقد انطلقَت الكلاب والحُراس ناحية السور.
وفكَّر «أحمد» أن آخر مكانٍ يمكن أن يتصوَّروا وجوده فيه هو المبنى الذي أمامه … زحف على الأرض حتى وصل إلى نافذةٍ مظلمة، وأخرج من جيبه أداةً رفيعة استعملها في فتح النافذة … ثم قفز إلى داخل الغرفة.
كانت الغرفة تسبح في ظلامٍ دامس … لذا أخرج مصباحًا صغيرًا أطلق منه خيطًا من الضوء استطاع أن يكشف له بسرعة أنه في غرفة نوم لم يكن بها أحد … ولكن في لحظة تالية فُتح الباب ودخل أحد الأشخاص مسرعًا وأضاء النور … وفي قفزةٍ واحدة كان «أحمد» بجوار الرجل، وقبل أن ينطق بحرف، كان قد وجَّه له لكمةً ساخنة ثم تلقَّاه بين ذراعَيه، قبل أن يسقط على الأرض، ومدَّده سريعًا على الفراش … ثم أطفأ النور بعد لحظات … وربما كان ذلك هو الخطأ الوحيد الذي ارتكبه في تلك الليلة؛ فقد فُتح الباب مرةً أخرى، وأطَلَّ وجهٌ قال صاحبه: ماذا حدث يا «هانز»، هل ستنام؟
أخرج «أحمد» مسدَّسه ورفعه في وجه الرجل وقال: ادخل فورًا!
ثم جذبه من رقبته … كان رجلًا متوسط الطول شديد الأناقة يلبس ثياب البحارة، وعندما شاهد «أحمد» ابتسم وقال: ما هذا يا بني … لقد وصلتم منذ ساعات قليلة فكيف دخلتَ؟
قال «أحمد»: ادخل.
ثم أغلق «أحمد» الباب وقال: أين عوني؟
ردَّ الرجل وهو ما زال يبتسم: يا لك من شابٍّ شجاع! إنك تبحث عن موتٍ محقَّق!
أحمد: دعك من الموت والحياة … إنني جئتُ في طلب «عوني»، وسوف أحصل عليه حيًّا أو ميتًا.
اقتربَت أصوات وقع أقدامٍ من باب الغرفة المغلق، ثم توقفَت، واتجه «أحمد» سريعًا ناحية النافذة المفتوحة، ومسدَّسه مصوَّب إلى الرجل الذي كان وما زال يبتسم، وفي الوقت الذي فُتح فيه الباب، أطلق «أحمد» مسدَّسه، فحطَّم مصباح الغرفة ثم قفز إلى الخارج … أخذ يجري مسرعًا، وقد توقَّع سيلًا من الطلقات خلفه ولكنَّ شيئًا من ذلك لم يحدث … واتجه ناحية البحر … كانت فرصته الوحيدة أن يقفز إلى المياه ثم يسبح مبتعدًا حتى ولو اضطُر إلى السباحة ساعاتٍ طويلة في المياه شبه المتجمدة.
اقترب من الساحل وهو يلهث … ولكن الأمل الذي راوده كان من الصعب تحقيقه … فقد كان هناك حارسان، أمامهما مجموعةٌ من كلاب الحراسة السوداء المتوحشة، كانت واضحة تمامًا فوق الأرض التي يغطِّيها الجليد.
كان الشاطئ مكوَّنًا من مجموعة من التلال المغطَّاة بالثلج … ولاحظ «أحمد» وجود فجوةٍ سوداءَ ضخمة في أحد التلال … أسرع إليها وقد بدأَت الكلاب تُدير وجوهها في اتجاهه.