هجوم … وهجومٌ مضاد!
طلب «أحمد» من «بو عمير» مساعدته في فك بعض أجزاء الطائرتَين حتى لا تصلُحا للإقلاع، إلا بعد إعادة تركيب هذه الأجزاء … وبسرعة تم خلع الأجزاء الصغيرة الهامة.
ثم قال «أحمد» للشياطين: إنهم اكتشفوا وجودنا بسرعة … وبالطبع فهم يعرفون أين نسكن.
فهد: لقد شاهدتُ مجموعةً من قوارب «الكاياك» على الشاطئ … وكل قاربٍ منها يسع شخصًا واحدًا … وإنني أقترح أن نتفرَّق حتى لا يمكن اصطيادنا بالجملة.
إلهام: إنني أفضِّل أن نهاجم الآن!
التفت إليها الشياطين في دهشة فقالت: إنهم يتوقَّعون بعد هرب «أحمد» بالطائرة، وفرارنا بالقارب، أننا سنحاول الابتعاد عنهم … ولهذا فإن قُوَّتهم الرئيسية ستكون مشغولة الآن بمطاردتنا، وأعتقد أن المعسكر الرئيسي والمصانع ستكون خالية من الحُراس، أو أن يكون حولها عددٌ قليل … ولو هاجمنا الآن فسوف نتمكن من العثور على «عوني» الآن، وقد لا نعثُر عليه فيما بعدُ.
تحمَّس «أحمد» و«زبيدة» للاقتراح، وهكذا أصبحوا ثلاثة موافقين، أمام اثنَين معارضَين، فتقرَّر تنفيذ الاقتراح … وتناقشوا سريعًا في وضع خطة الهجوم!
قال «بو عمير»: أعتقد أن من الأفضل وضع أكبر كمية من الألغام «اليورانيوم» سرًّا … ومن المصلحة القضاء عليها … وفي نفس الوقت سيكون تركيز الهجوم على «عوني» الذي هو المهمة الرئيسية لنا.
أحمد: خذ «إلهام» و«زبيدة» معك … وسنجتمع عند المبنى الرئيسي … هناك حظيرة للسيارات … وبعد ساعتَين سنكون هناك.
بو عمير: والكلبان؟
أحمد: سنأخذهما معنا للهجوم على المعسكر من الداخل.
وتحرك الجميع … «بو عمير» وزميلتاه اتجهوا ناحية الشاطئ؛ حيث حصلا على المفرقعات من القارب … و«أحمد» و«فهد» والكلبان، اتجهوا إلى التلال الثلجية المحيطة بالمعسكر، وقد لاحظ «أحمد» على الفور حركة السيارات التي أخذَت تغادر المعسكر.
وقال ﻟ «فهد» هامسًا: لقد كانت «إلهام» على حق … فهم جميعًا يغادرون المكان، وبالتأكيد سوف يمسحون جزيرة «سيورد» و«كودياك» بحثًا عنَّا.
غادرَت ثلاث سيارات المعسكر، محمَّلة بالحُراس المسلَّحين … وأغلقت البوابة … وما كادت السيارات تختفي، حتى قفز «أحمد» و«فهد» ومعهما الكلبان، ودارا دورةً واسعة إلى حيث نفس الشجرة التي قفز منها «أحمد» إلى المعسكر، وقفز «أحمد» إلى الداخل وتَبِعه «فهد» وبحث «أحمد» عن قطعة خشب حتى وجدها، ثم وضعها بين الأسلاك الشائكة المكهربة، ونادى على الكلبَين فقفزا داخلَين.
سار الأربعة مسافةً في اتجاه المبنى الرئيسي الذي كان مظلمًا، عدا بعض أضواءٍ قليلة تناثرَت هنا وهناك … وفجأة سمع «فهد»، و«أحمد» زمجرةً عالية، وظهر شبح ثلاثة كلابٍ تتجه ناحيتهما.
فقال «فهد»: ذهب وفضة … هيا.
وقفز الكلبان إلى الأمام … وسرعان ما كانا يشتبكان مع الكلاب الثلاثة في معركةٍ ضارية … وشاهد «أحمد» و«فهد» الأضواء تزداد، ثم ظهر شبح رجل على الباب الرئيسي، واتجه وأحمد يمينًا، و«فهد» يسارًا، ووقفا بجوار الباب، وكان الرجل يمد يده بمسدَّسٍ ضخم وهو يُبحلِق في الظلام … ومد «فهد» يده بهدوء، وأمسك بمعصم الرجل، ثم لواه في اتجاهٍ عكسي، وبيده الثانية ناوله لكمةً سقط على أثَرها فاقد الوعي.
اقتحم «أحمد» و«فهد» الباب، وسمعا حركة تدور في إحدى الغرف، فأسرعا إليها … كان الباب مفتوحًا، وسمعا صوت رجلَين يتحدَّثان.
كان أحدهما يقول: ماذا حدث؟
ردَّ الصوت الآخر: لقد كنتُ نائمًا، واستيقظتُ على حركة الكلاب.
الأول: وأين «عوني»؟
الثاني: إنه في غرفة اللاسلكي، يتصل بالسيارات التي خرجَت للبحث عن هؤلاء الأولاد.
وعندما خرج الرجلان من الغرفة، انقَضَّ «فهد» على أحدهما، و«أحمد» وعلى الآخر … ودارت معركةٌ سريعة، سقط أحد الرجلَين على أثَرها مصابًا بضربةٍ قاضية من يد «فهد»، بينما لوى «أحمد» ذراع الثاني وقال له: خذنا إلى غرفة اللاسلكي!
سار الثلاثة معًا حتى وصلا إلى سلَّم ينزل تحت الأرض، ونزل الرجل أولًا، ثم تبعه «أحمد» وهو يضع مسدَّسه في ظهره … ودار السلَّم بهم إلى دهاليزَ مصفَّحة بالصلب الراق، والأضواء الكهربائية العالية، وعشراتٍ من المفاتيح الضخمة التي تتحكَّم في المكان، وسار مسافةً بعيدة في اتجاه الشمال … وخُيِّل ﻟ «أحمد»، أنه يسمع شيئًا.
سمع صوت الرياح وهدير البحر … ثم أشرفوا على صالةٍ واسعة، ظهر في أحد جوانبها بابٌ ضخم مصفَّح بالحديد وعليه مقودٌ يشبه مقود السيارة، وهو عبارة عن مجموعة من العدادات والساعات الموجودة على الحائط؛ عندئذٍ أدرك أنه في مكان القيادة التي يتحرَّك منه «سادة العالم» ويحاولون السيطرة على الدنيا، ولم يشُكَّ «أحمد» لحظةً أن هذا الباب يؤدي إلى البحر.
كان المشهد رهيبًا … وصوت البحر يزداد حدَّة. وداروا يمينًا ثم شاهدوا بابًا مغلقًا … ودق الرجل الباب بطريقةٍ معينة، ثم ضغط زرًّا جانبيًّا وسمعوا صوتًا يشبه دوران المحرك … ودار الباب على عقبه … وفي الداخل كان «عوني» يجلس وبجواره رجلٌ آخر، وكلٌّ منهما يضع على أذنه سماعة ويتحدث إلى الأخرى.
صاح «أحمد»: لا تتحركا!
ودار الرجلان في مكانَيهما بسرعة، وقد بدا عليهما الذعر … كان «عوني» يبدو أكثر هدوءًا … أما الآخر وهو رجل يقترب من الستين، فقد كان له شكلٌ أقرب إلى شكل العلماء، بنظارته المذهبة ولحيته البارزة ولونه الشاحب.
قال «عوني»: من الأفضل لكما أن تُسلِّما … لن تستطيعا الفِرار من هذا المكان مطلقًا … إننا على استعداد لإتمام تسوية.
ردَّ «أحمد»: إننا نريدك أنت … بقية الأمور سوف نعالجها فيما بعدُ … هيا بنا.
وقف الرجل ذو اللحية، بينما حدث شيءٌ غريب من «عوني» فقد دار بكرسيه فجأة، وضغط شيئًا بقدمه، فانطفأَت الأنوار في المكان … وسقط «أحمد» و«فهد» في فتحة انشقَّت عنها أرض المكان.
حدث كل شيء في جزء من الدقيقة! … ووجد «فهد» و«أحمد» نفسَيهما في غرفةٍ من الصلب تعمل بها أجهزة تكييف في السقف، وواضحٌ أنها على بُعدٍ سحيق تحت الأرض.
لم يكن عندهما ما يفعلانه … وأحَسَّ «أحمد» بالضيق الشديد لأنه وقع مرتَين في براثن العصابة … وأدرك أنهم تسرَّعوا بالهجوم … فالقوة التي أمامهم ليست هينة.
وفجأةً دوَّى صوتُ مُكبِّرٍ قوي في الغرفة الضيقة وسمعا صوت «عوني» يقول: أظن أننا لن نختلف هذه المرة … أجب يا رقم «واحد»!
لم يرُدَّ «أحمد»؛ كان يُحس بغيظٍ لا يمكن قياسه.
وعاد «عوني» يقول: لقد تمَّت السيطرة على بقية العناصر … ولم يعُد عندكم ما يمكن أن تفعلوه!
تحدَّث «أحمد» لأول مرة فقال: إنكَ مهما فعلتَ فلن تُفلِت من أيدينا، وأنت تعرف قبل أي شخصٍ آخر أننا لسنا وحدنا … إن وراءنا منظمةً قوية سوف تسعى للإيقاع بك أينما ذهبت!
عوني: إذن … ستتكلم رغمًا عنك.
وسمع «فهد» و«أحمد» صوتًا يشبه مرور النسيم … صوت شيءٍ يتسرَّب إلى الغرفة، وشمَّا رائحةً جميلة، وبعد لحظاتٍ شعر كلٌّ منهما أن إرادته تتلاشى تدريجيًّا … وأنه يرى عشرات الألوان المتداخلة … وأنه يدخل في رحلةٍ مريحة كأنه على سطح قاربٍ فوق بحرٍ هادئ.
ومرَّت دقائق، وفتح الباب ودخل رجلان، قام كلٌّ منهما بإمساك واحدٍ من الشياطين وخرج به من الغرفة، ووقفا على سلالمَ متحرِّكة حملَتهم إلى فوق … كانا مستسلمَين كطفلَين صغيرَين قد شربا كميةً رائعة من اللبن واستسلما للسعادة.