نهاية البداية
ردَّ «أحمد» على الفَوْر بسلسلةٍ من الكلماتِ شملَت اتجاه الغرب واتجاه الصوت، وتفرَّق الشياطين … واختبأ الكلبان المدرَّبان … وسمع الشياطين مكانهم صوتَ أقدامٍ كثيرة تجري في كل اتجاه.
وقال «بو عمير»: إنهم يحاولون محاصرتنا.
أحمد: اتجهوا إلى الممر الأيمن … هناك غوَّاصةٌ جاهزة للإبحار.
وأسرع الجميع في الاتجاه الذي وصفه «أحمد»، ولكن ظهر مجموعة من الرجال في ملابسَ سوداءَ متشابهة، وبدأَت معركةٌ من معارك الشياطين النموذجية … معارك الالتحام بالأيدي والأقدام. وطار الرجال في الهواء، وسقطوا … وارتفعَت الأنَّات والآهات من كل مكان.
واشترك الكلبان «فضة» و«دهب» في المعركة … واستطاعت مجموعة الشياطين أن تنتهي من المعركة في دقائق، ثم اتجهوا إلى ناحية الغوَّاصة … في نفس الوقت الذي ظهر فيه ثلاثة من الرجال في ملابس البحَّارة ومعهم قائدهم … كانوا أيضًا متجهين إلى الغوَّاصة … وأشار «أحمد» للشياطين بالاختباء حتى يَرَوا كيف سيتمكَّن الرجال من دخول الغوَّاصة.
واتجه الرجال إلى الباب الضخم الذي كانت الأمواج قد جرفَته، ولكنه ظل مفتوحًا … وأخرج الكابتن مفتاحًا صغيرًا أدخلَه في الجدار، فظهر مقبضان من الصلب أداره ناحية اليسار ثم ناحية اليمين ثم أعاده إلى مكانه، وبسرعةٍ قفز إلى أرض المكان ما يشبه منفاخًا ضخمًا كأنه سلَّم طائرة، وأسرع الرجال للدخول … ودخل خلفهم الشياطين … ومرةً أخرى دارت معركةٌ عنيفة كان «أحمد» حريصًا على ألا يقتل أحدًا … كان يريدهم أحياءً لإدارة الغوَّاصة.
واستطاع الشياطين السيطرة على الموقف … وبرزَت المسدَّسات تضغط على صدور الرجال وصوت أوامر «أحمد» بإبحار الغوَّاصة … ودارت الماكينات.
قال للكابتن وهو يمسح فمه: إلى أين؟
أحمد: إلى حيث يُوجد «عوني» ومن معه.
الكابتن: كيف عرفتَ أنهما في انتظارنا؟
أحمد: لقد حاولا إدارة الباب، ولكنَّ الماء جرفهما بعيدًا، وإنني أتصور أنهما في انتظاركم قريبًا من هذا المكان.
الكابتن: على شاطئ «سيورد» … لقد حاولا إدارة الطائرة ولكنهما لم يستطيعا.
أحمد هيا بنا.
وأخذَت الغوَّاصة الصغيرة تتحرك … وسرعان ما خرجَت إلى مياه خليج ألاسكا … ومضت نصف ساعة، وأخذ الكابتن يُصدِر أوامره إلى الرجال للصعود بالغوَّاصة إلى ظهر المياه.
بدأَت الغواصة تصعد … وطلب «أحمد» من «بو عمير» و«فهد» أن يقفا في جانب الباب الرئيسي، وبعدهما «إلهام» و«زبيدة»، ووقف هو يراقب الرجال، وقال بحزم: أية محاولةٍ للعبث ستُواجَه بالضرب بالرصاص.
وبدأَت أصوات المياه المُنحسِرة تعلو حتى صَعِدَت الغوَّاصة إلى سطح الماء … وانتظر الشياطين أن ينزل «عوني» ومن معه … ولكنَّ أحدًا لم ينزل … ومرَّت دقائقُ حرجة، وأشار «أحمد» إلى «بو عمير» أن يصعد بحذر ويرى ما يحدث … وصَعِد «بو عمير»، وبعد أن تلاشى صوتُ أقدامه على السلَّم ساد الصمت.
انتظر «أحمد» نحو خمسِ دقائق دون أن يسمع شيئًا، فأشار إلى «فهد» أن يصعد ويرى … ولكن ما حدث مع «بو عمير» حدث مع «فهد»، ولم يتردَّد «أحمد» … وأسرع يصعد هو … صَعِد بهدوء حتى أصبح رأسه يُحاذي الحافة العليا لباب الغوَّاصة المستدير … ثم أبرز رأسه وخَفضَه بسرعة … ونزلَت آلةٌ حديدية ضخمة رنَّت على حديد الباب، وعرف «أحمد» أن زميلَيه قد أُصيبا بنفس الضربة من قبلُ.
مدَّ مِدفعه الرشاش من الباب، ثم أطلقه في شكلٍ دائري … وسمع صيحاتٍ وأنَّاتٍ فصَعِد مسرعًا … وشاهد على الفور سيارةً تقف، وبجوارها رجلان … ثم سيارةً أخرى قد أطلقَت أشعة فوانيسها على الغوَّاصة، وحولها بضعة رجال … وأعاد «أحمد» إطلاق الرصاص على أضواء السيارة، فساد الظلام وصاح «أحمد»: «عوني»، سلِّم نفسك.
جاء صوت «عوني» في الظلام قائلًا: إن زميلَيك تحت رحمتنا … وإذا لم تسلِّم نفسك قتلناهما على الفور.
صاح «أحمد» غاضبًا: إنك لن تساومني بهذه الطريقة … اقتلهما إن شئتَ وسأنسفك وأنسف كل شيء على هذه الأرض … وتحت الماء أيضًا.
عوني: دعنا نتحدَّث كعقلاء … إنك تحمل ديناميت … ونحن نملك زميلَيك … دعنا نفترق في هدوء.
ساد الصمت … كان «أحمد» مُوزَّعًا بين واجبه وعواطفه.
وقال «عوني»: سنأخذ الغوَّاصة ونترك لكم السيارة … إنني أعرف أنكم عطَّلتم الطائرتَين … وفي إمكانكم الرحيل بواحدةٍ منهما.
فقال «أحمد»: أوافق.
وصرخ ينادي «إلهام» و«زبيدة»، اللتين صَعِدتا السلَّم في حذر وكلٌّ منهما تحمل سلاحًا.
نفَّذ «عوني» وعده، وقام رجاله بوضع «بو عمير» و«فهد» في السيارة، وفي هذه اللحظة، حدث شيء ينقض الاتفاق تمامًا … فقد أخرج «ذو اللحية» مسدَّسًا من جيبه، وأطلق الرصاص على «أحمد»، الذي ألقى نفسه على الأرض فطاشت الرصاصة … وانقضَّت «إلهام» و«زبيدة» على الحقيبتَين اللتَين كانتا على الأرض.
وصاح «أحمد»: إلى السيارة!
وأخذ يُطلِق الرصاص من مِدفعه الرشاش … وأسرع «عوني» ورجاله إلى الغوَّاصة، بينما انطلق الشياطين بالسيارة، وقد حملوا معهم الوثائق السرية، وانطلقَت السيارة الثانية خلفهم، وبدأَت مطاردةٌ مخيفة على الجليد وفي الظلام.
كانت «إلهام» تقود السيارة ببراعة، وقال «أحمد»: إلى الطائرة … ودُوري حولها، وسأقذف بنفسي خارجها!
اتجهَت «إلهام» إلى الطائرة، ودارت خلفها السيارة الثانية والرصاص يتطاير منها … وألقى «أحمد» بنفسه خارجها … ثم أطلق مِدفعه الرشاش على السيارة التي انفجرَت إطاراتها … فدارت حول نفسها، ثم انزلقَت بعيدًا، وسقطَت في إحدى الخلجان الكثيرة المنتشرة في المنطقة. أسرع الشياطين إلى الطائرة، وقد أفاق «فهد» و«بو عمير» رغم الآلام الهائلة التي كانا يُحسَّان بها … وفي دقائقَ قليلة كان «أحمد» قد أعاد الأجزاء المفكوكة من طائرة العصابة؛ فقد وجدها أفضل لأنها مسلَّحة.
وفي الدقائق التالية كانت الطائرة قد صَعِدَت إلى فوق … يقودها «أحمد»، بمساعدة «زبيدة»، واتجهَت الطائرة إلى الميناء الذي كانت تقف فيه الغوَّاصة، ودار «أحمد» عدة دوراتٍ يبحث عن الغوَّاصة الصغيرة … ولكنها كانت قد اختفت تحت المياه.
قالت «إلهام»: من الخطأ أن نعود مرةً أخرى إلى جزيرة «سيورد» … إنهم سوف يبحثون هنا وهناك، وسيُوقِعون بنا أشد العقاب؛ فقد نسفنا لهم مقرهم ومعملهم.
أحمد: أوافقك على ذلك … وسوف نتجه إلى الولايات المتحدة فهي أقرب مكانٍ لنا … سننزل في مدينة «سياتل»، ونتصل برقم «صفر» … إن معنا مجموعةً رائعة من الوثائق سنكشف بها خطط «سادة العالم» … وقد نعرف عنهم ما لم نعرفه من قبلُ.
وإلى اللقاء في المعركة القادمة.