طبيعة المرأة المُفترى عليها
يُبرِّر الرجالُ القُيود المَفروضةَ على المرأةِ أو وضعَها الأدنى في المجتمع والأُسرة إلى الطبيعةِ، ويقولون: إن طبيعةَ المرأةِ هي التي فرضت عليها هذا الوَضعَ؛ لأنها هي التي تَحمِل وتَلِد وتُرضِع، أمَّا الرجلُ فقد خُلِقَ بالطبيعة للأعمالِ خارجَ البيتِ التي تَستلزِم العَقلَ والحِكمةَ والقُوةَ، وهناك مَن يقول: إن المرأةَ بطبيعتِها أقلُّ منَ الرجُلِ عَقلًا وحِكمةً، أو إنها بطبيعتِها تُفضِّل العملَ في البيتِ، أو إنها بطبيعتِها ماسُوشِيةٌ أو سَلبيةٌ أو ضعيفةٌ، إلى غَيرِ ذلكَ منَ الصفاتِ التي أُلْصِقَت بطبيعةِ المرأةِ.
وليس معنى ذلك أنه لا تُوجَدُ فُروقٌ بينَ الرجل والمرأة؛ فالمرأةُ هي التي تَحمِل الجَنينَ في رحمِها، والرجلُ يَحتوِي جسدُه على الخِصيتَينِ اللتَينِ تُفرِزانِ الحيواناتِ المَنَويةَ التي تُخصِّب بُوَيضةَ المرأةِ، ويَنتُج عن ذلك الجَنِينُ، ولكنَّ هذا الاختلافَ بينَ الرجل والمرأة في بعضِ الوظائفِ الفِسيولوجيةِ لا يَعني تَكبيلَ النساءِ بالقُيود وإطلاقَ الرجالِ. إذا كانتِ المرأةُ تَحمِل وتَلِد فليس معنى ذلك أن تَكونَ وظيفتُها في الحياة هي الحملَ والولادةَ فقط، وإذا كان الرجلُ هو الذي يُخصِّب المرأةَ فليس معنى ذلك أن تكون وظيفتُه في الحياة هي الإخصابَ فقط.
إنَّ الحَمل والوِلادة لا يُعطِّلان المرأةَ الحديثةَ عن عَملِها في المجتمعِ أو إنتاجِها الفِكريِّ والعَقليِّ، وإنَّ الحَملَ لم يَكن قيدًا على المرأةِ القديمةِ التي كانت تَنسِب أطفالَها إليها، لكِنَّ الحَمل أصبَح قيدًا على المرأةِ حين امتلكَ الرجُلُ الجَنينَ، وأعطى نَفسَه حقَّ الاعترافِ به أو إنكارِه، وبالتالي إعدامه بعدَم شرعيَّتهِ.
وإنَّ الحَمل والوِلادة لا يُعطِّلان الفَلَّاحة المِصرية عن العملِ المُضني في الحَقل والبَيت، ومنَ الظواهرِ المعروفةِ أن الفلاحةَ المصريةَ تَلِد طفلَها في الحقلِ ثُمَّ تَضعُه في «القُفَّة» على رأسِها وتعودُ إلى البيتِ لِتطبُخ لِزوجِها وأُسرتِها، يَحدُث هذا كلَّ يومٍ لملايينِ الفلَّاحاتِ المِصرياتِ، ومعَ ذلك هُناك بعضُ الرجالِ الذين يقولون: إن طبيعةَ المرأةِ من حيث الوِلادة فَرضَت عليها البقاءَ بالبيت وعدَمَ الخروجِ إلى العمل.
والسؤال هنا: كيف تَخرُج ملايينُ الفلَّاحاتِ المِصرياتِ كل يوم إلى الحقول؟! رغم أن عمل الفَلَّاحة يَستنفِد منها جهدًا عضليًّا وجسديًّا أكثرَ من الموظَّفة أو المُشتغِلة بعملٍ فكريٍّ أو ذهنيٍّ، فهَلْ يُمكِن للحَملِ والوِلادةِ أن يُعطِّلا المرأةَ عن عَملِها الذهنيِّ في الوقتِ الذي لا يُعطِّلان فيه الفَلَّاحة عن عملِها الجسديِّ والعضليِّ المُضني؟!
ونُدرِك من هذا الخطأِ المَنطقَ الذي يُلْصِق بطبيعة المرأة كافَّة الاتهاماتِ، ويُرْجِع إليها القيودَ المفروضةَ على المرأةِ من قِبَل المجتمع والأُسرة.
إنَّ الطبيعةَ بريئةٌ، والمرأة ليست ضعيفةً بالطبيعةِ، فالمرأة المتزوِّجة العاملة تَشتغِل ضِعْف الساعاتِ التي يَشتغِلها زوجُها؛ لأنها تشتغل داخلَ البيتِ وخارجَه، أمَّا زوجُها فيَشتغِل خارجَ البيتِ ويَستريح في البيتِ، والخادِمة في أيِّ بيتٍ تحمل عن سيِّدها البِيهِ الحقائبَ الثقيلةَ التي يَعجزُ سيدُها عن حَملِها، والفلَّاحة تَعمل في الحقلِ وفي البيتِ، لكنَّ الفلاحَ يَعملُ في الحقلِ ويَستريحُ في البَيتِ.
إن الأغلبيةَ الساحقةَ من النساءِ في مُجتمعِنا كادحاتٌ عتَّالاتٌ أو شِبهُ عتَّالاتٍ، فمَنْ هُن هؤلاءِ النساءُ الضعيفاتُ بالطبيعةِ اللائي يَتحدَّث عنهُن الرجالُ؟ لا بُد هذه القِلَّة من النساء، النساء العاطلات منَ العملِ داخلَ البيتِ (بسببِ وجودِ الخادِماتِ)، والعاطِلات من العمَل خارجَ البيتِ (بسبب ثَراءِ الزوج أو تقاليدِ الأُسَر المتوسِّطة والعالية)، هؤلاءِ النساءُ ضعيفاتُ العقلِ والجسدِ بغيرِ شكٍّ؛ لأنهُن عاطلاتٌ بغيرِ وظيفةٍ عضليةٍ أو فكريةٍ، وهؤلاءِ هُن النساءُ اللاتي يُعانين أكثرَ من غَيرِهن مِن آلامِ الحملِ والوِلادةِ، وبعد أن تَلِد الواحدةُ مِنهُن طِفلَها تَظَل مَريضةً أو شِبهَ مريضةٍ بالفراش أيامًا وأسابيعَ.
فهلْ يتحدَّثُ الرجالُ عن هذهِ القلَّةِ القليلةِ منَ النساءِ؟
وهلْ هذا الضَّعفُ الذي يُصيبُهن ضَعفٌ طبيعيٌّ؟ أم إنه مَفروضٌ عليهِن من المجتمع والأُسر بسبب البَطالةِ والجهلِ والكسَلِ والتراخِي؟