مأساة المرأة العاطلة
تَختلِف المآسي التي تتعرَّض لها المرأةُ باختلافِ طبقَتها الاجتماعية، وبرغْم أن المرأةَ العامِلةَ الكادِحةَ تُرْهَق جسديًّا ونفسيًّا بسبب العمَلِ المُتَّصِل داخلَ البيت وخارجَه، إلا أن المرأة العاطِلة تتعرَّض أيضًا لمآسٍ من نَوعٍ مُختلفٍ. كِلاهُما، الكادحةُ والعاطلةُ، تتعرَّضان معًا لمشاكلِ الزواجِ والطلاقِ والعُذرية والخِتان والحَمل والإجهاض والشَّرف، وغيرِ ذلك مما تتعرَّض له النساء من مُختلفِ الطبَقاتِ، وتَزيدُ هذه المشاكلُ بالطَّبعِ كلَّما هبَطتِ المرأةُ في السُّلَّم الاجتماعي.
لكِنَّ المرأةَ العاطلةَ لها مأساةٌ أُخرى، فالمرأةُ العاطلةُ داخلَ البيتِ وخارجَه امرأةٌ مُستهلِكةٌ فقَط، وهِيَ بذلِكَ على عكْسِ الفلَّاحة المِصريةِ التي هي مُنتِجة فقَط، وتَكاد لا تَستهلِك شيئًا، وكلاهما — المنتجةُ فقط أو المستهلكةُ فقط — تتعرَّضان لمشاكلِ النساءِ المُشترَكة، إلا أن الفَرقَ بينهما كبيرٌ، فالمرأةُ المُستهلِكة كَسُولةٌ جسَدُها سمينٌ ممتلئٌ باللَّحمِ، وتَضعُ على وَجهِها كَمًّا هائلًا منَ المَساحِيقِ، أما المرأةُ الفلَّاحة فهي تُعاني من النُّحولِ والذُّبولِ وجِلبابُها مُتربٌ بتُرابِ الحقل، ووَجهُها لا تَكادُ تَغسلُه؛ نظرًا لارتفاعِ سِعرِ الصابونِ.
وقد يَتصوَّر بعضُ الناسِ أن البَطالةَ المَفروضةَ على بعضِ النساءِ مَيزةٌ تُعطيهِن الراحةَ، وهذا صحيح بالنسبةِ للإرهاقِ الشديدِ الذي تتعرَّض له الفلَّاحة والعامِلة الكادِحة، لكِنَّ البطالة أيضًا نوعٌ من استقلالٍ، ونوعٌ من الإرهاقِ النفسيِّ، والبَطالةُ تَرحَم المرأةَ من العملِ والإنتاجِ الذي هو ضَرورةٌ إنسانيةٌ تُحقِّق به ذاتَها، وتُحقِّق به نفعًا للمُجتمعِ.
والاستهلاكُ الشَّرِهُ في الطعامِ والشرابِ والملابسِ والمساحيقِ الذي تُمارسُه مِثلُ هؤلاءِ النساءِ العاطلاتِ ليس إلا تعويضًا عن سَعادةِ العملِ والإنتاجِ التي يُحْرَمْن منها.
ولهذا فإنَّ المرأةَ مِنهُن ما أن تَغسِلَ المساحيقَ عن وَجهِها حتى يَظهَرَ وجهُها شاحبًا (رغمَ امتلائه باللَّحمِ)؛ بِسببِ الشَّقاءِ الذي تَعيشُه في الفراغِ القاتلِ المُمِل، والتناقُضاتِ الصارخةِ التي تَعيشُها، فالمرأةُ مِنهُن مُتْخَمَة لكنَّها مَحرومةٌ، وهي مُشبَعةٌ لكنَّها فارغةٌ، وهي مُكتظَّة بالشهَواتِ وهيَ عاجزةٌ عن الاستمتاعِ بشيء، وهيَ في كل تصرُّفاتِها مُستهلِكة فقط، ومُنفعِلة فقط لا تَجرؤ على الفِعل؛ بسببِ التقاليدِ والمحظوراتِ.
إنها تُردِّد النِّكاتِ الجنسيةَ الرخيصةَ، وتتحدَّث عن الجنسِ والأفلامِ الجنسيةِ، وتُمارِس الحُب نظريًّا فقط، وإن مارسَتْه في الواقعِ فهي تَشعُر على الدوامِ بالندَم والإثْم، والزوجةُ من هؤلاء تَتساوَى مع غيرِ المُتزوِّجة في الحِرمان العاطفيِّ والجنسيِّ. إن عِلاقتَها بِزوجِها لا تُسبِّب لها الرضا في مُعظَم الأحيان، وإنَّما النفورَ والكراهيةَ، فمُعظَم هذه الزيجاتِ تمَّتْ لأسبابٍ نَفعيةٍ واقتصاديةٍ واستغلاليةٍ، ولم تَتِمَّ بسببِ الحُبِّ أو التفاهمِ أو التجاوبِ، كما أن عِلاقةَ الزوجِ بزوجتِه هي علاقةُ صاحبِ السلطةِ بالخاضعِ للسلطةِ، بسببِ قانونِ الزواجِ والتقاليدِ والعُرْف، وعلى هذا فإن العلاقة الزوجية في هذه الأُسَر مُنفِّرة كريهةٌ يَهربُ منها كلا الزوجَينِ، ويَذهَب كلٌّ منهما إلى حيثُ يُعوَّضُ عن ذلك الحِرمانِ بطريقةٍ أو بأُخرى.
إنَّ مظاهرَ التعويضِ في غيابِ العمَلِ المُنتِج نلاحظُها على هذه المرأةِ العاملةِ في جَرْيِها الجُنوني وراءَ المُوضاتِ والأزياءِ والمساحيقِ الجديدةِ، والتظاهُر بالجاذبيةِ الجنسيةِ المُتأجِّجة تعويضًا عن الجنسِ المفقودِ، أو تلك القَسوةِ الجُنونيةِ التي تُعامِل بها هؤلاءِ النساءُ خادماتِهن من حيثُ الضربُ والسبُّ إلى الكَيِّ بالنَّارِ.