أولًا: الشرح: التفسير والتلخيص والجوامع
(١) الأنواع الأدبية الثلاثة
بالرغم أنه يمكن استعمال لفظي «الشرح» والتفسير على التبادل فقد استعمل الحكماء نفس المعنى تقريبًا. فضل الفارابي لفظ «شرح» في «شرح العبارة»، وابن سينا في الجزء المتبقي من «شرح البرهان» بالرغم من صمت ابن سينا عن مصادره والانتقال مباشرة إلى العرض والتأليف وربما الإبداع، وكذلك فضل ابن باجه نفس اللفظ في «شرح السماع الطبيعي».
وفضل ابن رشد نفس اللفظ في «شرح البرهان» بالرغم من تغييره إلى لفظ تفسير في «تفسير بعد الطبيعة». وللفارابي تفسير كتاب المدخالحال في الأسلوبيةل. ويمكن المقارنة بين البداية عند الفارابي والنهاية عند ابن رشد لمعرفة الفرق بينهما بعد حوالي مائتي عام. هل هناك عملية حضارية واحدة بالرغم من اختلاف العصر من بداية الوافد للتعرف والإعلان إلى نهايته للتصحيح والختام؟
بدأ التطوُّر التاريخي لعلوم الحكمة بعد النقل بالتأليف مواكبًا الكندي. ثم ظهر العرض الصريح الجزئي والكلي أو العرض الشعبي عند إخوان الصفا والأدبي عند التوحيدي أو العرض النسقي عند ابن سينا. ثم يظهر الشرح والتلخيص والجوامع مؤخرًا عند ابن رشد ويجب التأليف. فشروح ابن رشد وتلخيصاته وجوامعه أكبر بكثير من مؤلفاته التي لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة. فالتاريخ يسير في خط معاكس للبنية؛ إذ تتكون البنية من النقل ثم الشرح ثم التلخيص ثم التأليف والعرض بأنواعه. فالغريب أن يبدأ الشرح في مرحلة متقدمة عند ابن رشد وكأنه في نهاية الفترة الأولى من تاريخ الحضارة الإسلامية وليس في بدايتها. بدأ بعد التأليف من أجل حسن الاستيعاب وقضاء على الازدواجية الثقافية. كانت الشروح المتقدمة للتعريف بالوافد (الكندي والفارابي)، والشروح المتأخرة للنقد إما للشرَّاح السابقين يونان ومسلمين أو لنقد الموروث المتكلس والمتحد مع السلطة السياسية. في ظاهرها شرح للوافد وفي باطنها نقد للموروث الديني والسياسي.
-
(١)
المنطق موزع على الأنواع الأدبية الثلاثة، وأن التلخيص أكملها وأن تلخيص إيساغوجي ما زال بالعبرية واللاتينية والإنجليزية، وأن الجوامع تشمل منطق الظن باستثناء السفسطة، وأن شرح البرهان جزءٌ وليس كله، وأن الغالب على المقالات منطق اليقين.
-
(٢)
الطبيعيات موزعة على الأنواع الثلاثة أيضًا، أكبرها الجوامع ثم الشروح ثم التلاخيص، وأن تلخيص الآثار العلوية ما زال بالعبرية. والسماع الطبيعي والسماء والعالم والنفس غير موجودة فلا توجد نماذج من شروح الطبيعيات، والمقالات الطبيعية تضم مقالين من السماع الطبيعي بالإضافة إلى اتصال العقل والإنسان بين الطبيعة وما بعد الطبيعة، والطبيعيات تنقصها الشروح المفقودة.
-
(٣)
الإلهيات بها جوامع وشروح وليس لها تلخيص أو مقالات. هناك على الأقل نوع كامل من كل حكمة، تلخيص المنطق، جوامع الإلهيات، وشروح ما بعد الطبيعة. ولا يوجد كتاب له الأنواع الأدبية الثلاثة باستثناء السماء والعالم إلا أن الشرح مفقود.٣ ومجموع الأعمال كلها خمس وأربعون عملًا.
وابن رشد هو الشارح الأعظم ليس كلقب لاتيني بل كلقب إسلامي لأن الكندي والفارابي وحكماء الإسلام لم يشرحوا كل شيء. وإخوان الصفا جمعوا الوافد والموروث دون المزج بينهما في صياغة واحدة، وتمثل ابن سينا بسرعة بعد أن جمع ونظر وصاغ وتحول من النقل إلى الإبداع. وألقاب ابن رشد كثيرة: الفقيه، الأجل، العالم، المحصل، الكافي، فلقب الشارح أحد الألقاب؛ لأنه قام بالشرح كما قام بالقضاء فهو القاضي، وبالدفاع عن الفلسفة فهو الحكيم، وبنقد علم الكلام الأشعري فهو المتكلم، وكتابه في الطب فهو الطبيب. لا تعني الشارح الأعظم أنه تابع لأرسطو وأن كل رسالته في التاريخ هو أنه شارح لأرسطو خاصة في تصور شائع أن الشرح هو الفرع والمشروح هو الأصل.
- (١)
أن المنطق أكمل العلوم؛ لأنه يتوزع على الأنواع الثلاثة.
- (٢)
أن الطبيعيات تنقصها الشروح كما أن الإلهيات تنقصها التلاخيص.
- (٣)
هناك نوع كامل من كل حكمة، تلخيص المنطق، جوامع الطبيعيات، شروح ما بعد الطبيعة.
- (٤)
لكل كتاب نوع واحد على الأقل، وتلخيص وجامع.
- (٥)
بعض الكتب لها نوعان؛ شرح وتلخيص مثل البرهان، وتلخيص وجامع مثل الجدل، والخطابة، والشعر، والسماء والعالم، وشرح وجوامع مثل ما بعد الطبيعة.
- (٦)
لا يوجد كتاب واحد لهذه الأنواع الأدبية الثلاثة باستثناء السماء والعالم بعدما تم العثور على النص العربي للتلخيص. التلخيص للمقولات والعبارة والقياس والسفسطة. والجامع للسماع الطبيعي والكون والفساد والآثار العلوية والنفس والحس والمحسوس.
والانتقال طبيعي من الترجمة والتعليق إلى الشرح والتلخيص قبل التحول إلى العرض والتأليف. فالحضارة تتحول طبيعيًّا من النقل إلى الإبداع. والتمثل والاحتواء بديلان منهجيان عن التأثر والاحتذاء. العملية الأولى هضم للوافد بينما الثانية تقليد له. ولا يمكن إدراك ذلك إلا بالتجربة الحية والعيش مع الوافد الغربي الجديد كما عاش القدماء، مترجمين وشراحًا، مع الوافد اليوناني القديم كخطوة نحو العرض والتأليف والإبداع.
وإذا كان لفظ الشرح له جمع ومفرد وكان لفظ الجوامع له جمع دون مفرد إلا تكلفًا «جامع» فإن التلخيص لفظ مفرد وليس له جمع إلا تكلفًا «تلاخيص» وليس «ملخصات». التلخيص لفظٌ واحد لا بديل عنه.
الشروح والتلاخيص والجوامع نموذج للحوار بين الحضارات مع اعتزاز بحضارة الذات واحترام كامل لحضارة الآخر. تدل على فكر إنساني متفتح بحثًا عن الحقيقة المشتركة التي يجاهد الجميع في معرفتها. تحيي التراث القديم، وتكمل جهود السابقين، وتواصل التراكم الحضاري. الشرح ليس مجرد تفسير ألفاظ بألفاظ، وتوضيح عبارات بعبارات أو ضم فقرات إلى فقرات بل هو موقف حضاري متكامل يستأنف عمل الترجمة. فالترجمة شرح صغير بدايات الشرح الكبير ومقدمة له.
كما تكشف عن قدرة على إيجاد المصطلحات الجديدة وتجاوز الترجمات الحرفية بل والمعنوية، وعن قدرة ثانية على الفهم والاستيعاب للوافد، وعن قدرة ثالثة لنقل النص اليوناني على البيئة الجديدة وإيجاد مناطق التعشيق بين الوافد والموروث، وقدرة رابعة على تطوير الموضوع كله استعدادًا لمرحلة التأليف والإبداع. وإذا كانت هذه الأنواع الثلاثة ليست مجرد تصنيف كمي من حيث تفاوتها في الحجم بل هي تصنيف كيفي من حيث دلالتها على عمليات الإبداع الحضاري، فالسؤال: هل لها أي مصادر عند علماء المسلمين أم أنها أشكال نمطية فرضتها عمليات الإبداع الحضاري؟ ربما الشرح أقرب إلى تخريج المناط عند الأصوليين مجرد إبراز العلة من الأصل. والتلخيص أقرب إلى تنقيح المناط أي بلورة العلة وتوضيحها من الأصل. والجوامع أقرب إلى تحقيق المناط أي إيجاد العلة في الفرع من أجل تعدية الحكم. فهناك بنية أصولية وراء هذه الأنواع الأدبية الثلاثة صريحة أو ضمنية خاصة وأن ابن رشد هو الحكيم القاضي، الفيلسوف الأصولي.
والشرح أكبر من حيث الكم لأنه تقطيع للنص، ومحاولة مضغه قطعة قطعة حتى يسهل ابتلاعه قبل أن يتمثله التلخيص وتخرج الجوامع فضالاته ويستبقي للتأليف عصارته، والشرح الأوسط أقل كمًّا؛ لأنه خلص النص المترجم من شوائبه وأصبح أكثر تركيزًا. والجوامع أقل كمًّا؛ لأنها تتعامل مع القلب وليس الأطراف. الشرح أقرب إلى الطول؛ لأنه يتعامل مع الترجمة كلها من ألفها إلى يائها على الاتساع. والتلخيص أقرب إلى العرض؛ لأنه يتعامل مع الشرح الذي يتضمن قلب الترجمة والجوامع أقرب إلى الارتفاع نحو العمق؛ لأنها تتجه نحو الموضوع والقصد، وتستخرج اللب من القشور، وهو أكثر دلالة على الوافد من الجوامع والتلاخيص لأنه ما زال يتعامل مع الخارج لإحضاره إلى الداخل. يبدأ بالترجمة قبل أن يدخلها في عمليات التمثل الإخراج من أجل التأليف والإبداع. التلخيص أكثر دلالة على تعشيق الوافد في الموروث لأنه يدخل الخارج في الداخل، ويفسح أوسع مجال في الداخل لاستقبال الخارج. والجوامع أكثر دلالة على الإبداع الذاتي المستقل عن الوافد والموروث، الوليد الجديد بعد أن تم اللقاح. الشرح أقرب إلى المعارك الخارجية مع النص المترجم وشراحه، والتلخيص أقرب إلى المعارك الداخلية، كيفية التعشيق والاستيعاب وصب مضمون الوافد في قالب الموروث، والجوامع هو الكوب المملوء والمقدم للشاربين.
الشرح مملوء بأسماء الوافد أكثر من الموروث؛ لأنه ما زال يتعامل مع الخارج أكثر مما يتعامل مع الداخل. وفي التلخيص أسماء الموروث أكثر من أسماء الوافد لأنه يبحث عن أماكن التعشيق. والجوامع لا هذا ولا ذاك، لا بذور ولا تربة، بل زرع جديد في التأليف، وحصاد جديد في الإبداع.
ويصعب التمييز في الواقع بين هذه الأنواع الثلاثة خاصة وأنه لا توجد أمثلة واضحة من كل نوع. وقد يكون السبب في ذلك أنها متداخلة المهام، في كل منها تعميم وتخصيص، تحليل وتركيب، فك وإدغام، حذف وإضافة. ما يفعله الشرح مع الترجمة يفعله التلخيص مع الشرح وتفعله الجوامع مع التلخيص.
(١) التاريخ والبنية
والسؤال: لماذا الشرح والتلخيص بالمفرد والجوامع بالجمع؟ ربما لأن الجوامع تعبر عن موضوع واحد، رؤية واحدة، مذهب واحد من أجل التأكيد على الوحدة العضوية للنص المشروح. مع أن الشرح أحيانًا يكون جمعًا مثل شروح ابن باجه على السماع الطبيعي، وربما وجد النساخ تسمية الجوامع بالمفرد لا تعني شيئًا مثل جامع الجدل أو جدل الجامع في حين أن المفرد في حالة الشرح والتلخيص أدل مثل شرح البرهان، تلخيص المقولات.
- (١)
تجاوز الازدواجية الثقافية بين الوافد والموروث، ومزاحمة الوافد للموروث، ومقاومة الموروث للوافد حتى لا يقع الأنا الحضاري في ازدواجية الثقافة وبالتالي ازدواجية الشخصية وشق الصف الوطني، وصراع القوى السياسية كما هو الحال في هذه الأيام.
- (٢)
تجاوز عزلة الوافد؛ وبالتالي عزلة النخبة الناقلة لها حتى لا تصبح عنصر جذب وتغريب لثقافة الموروث؛ وبالتالي يتم الاستفادة بالوافد في المصطلحات والمناهج وتطوير الموروث.
- (٣)
تجاوز الأنا الحضاري البدوي الإحساس بالدونية أمام ثقافة الآخر العقلانية الطبيعية المفتوحة التي تقوم على تعدد الرأي والافتراض والرد والحجة والبرهان. ولا يكفي أن يقوم الوحي بتعويض الأنا هذا الإحساس بالدونية وإلَّا تحول إلى إحساس مضاد بالعظمة بل تطوير الأنا الحضاري الحامل للوحي وللحضارة؛ وحي الأنا وحضارة الآخر خاصة وأن كليهما يقوم على أسسٍ مشتركة، العقل والطبيعة.
- (٤)
عدم الوقوع في عزلة الموروث وثباته دون تطويره بالتفاعل مع الثقافات المجاورة وعقلنته طبقًا لروح الثقافة الوافدة، وبيان اتفاق الوحي والعقل والطبيعة. فالوافد وسيلة والموروث غاية، وهو التقابل المعروف عند المؤرخين بين علوم العجم وعلوم العرب، بين علوم الأوائل وعلوم الأواخر أو عند الفقهاء بين علوم الوسائل وعلوم الغايات.
- (٥) إظهار إبداعات الأمة وحيويتها وقدرتها على الإبداع الحضاري دون التصاق بالموروث المعطى من الداخل أو تخوف من الوافد المنقول من الخارج، وثقتها بالنفس على دورها الحضاري في التاريخ منذ حضارات الشرق القديم حتى وراثتها دين الوحي ودين الطبيعة في مرحلة جديدة من تاريخ الحضارات الإنسانية. ويتم ذلك على النحو الآتي:
- (أ)
تحليل نص أرسطو وعرضه على العقل فما اتفق معه أخذ وما خالفه حذف تلقائيًّا وإكمال البنية العقلية حتى يظهر الجزء داخل الكل، وإعادة التوازن لها ضد أحادية الطرف، وفهم الموروث على جانبه العقلي والطبيعي في نظرة متكاملة وتعشيق الوافد عليه لاتفاقهما في العقل والطبيعة.
- (ب)
عرض الموضوع على الواقع والتجربة فما اتفق معه أخذ وما خالفه سقط تلقائيًّا، فالواقع مثل العقل محك النظر ومعيار العلم، وإكمال الموضوع إحصائيًّا حتى يظهر الجزء في الكل، وتتكامل النظرة.
- (جـ)
إدماج الوافد في الموروث حتى تظهر الوحدة بينهما من خلال العقل والطبيعة، وأهمية الوحي في الموروث كعنصر زائد على العقل والطبيعة، القاسمين المشتركين في الموروث والوافد. دور الوحي هو إعطاء الحقيقة الكلية سلفًا من أجل عدم الوقوع في النظرة الجزئية، وإعطاء يقين قبلي مسبق وحقيقة موضوعية محايدة لا تخضع لأهواء البشر أو رغبات الناس، وسرعة المعرفة وإعطاؤها مرة واحدة ولو في صورة حدس في حاجة إلى برهان، فرض في حاجة إلى التحقق من صدقه بدلًا من طول البحث عن الحقيقة من أجل اختصار الزمن نظرًا لقصر العمر، وتوفير الجهد والوقت من أجل سرعة الانتقال من البحث النظري إلى التحقق العملي.
- (أ)
(٢) اللفظ والمعنى والشيء
-
(أ)
الانتقال من الترجمة إلى الشرح على مستوى اللفظ والعبارة والقول؛ وذلك لتحقيق عدة أهداف:
- (١)
التحوُّل من الأسلوب العربي المترجم حرفيًّا أو معنويًّا إلى الأسلوب العربي المؤلف، وتطوير الترجمة بالمعنى درجة أخرى حتى يتم تذويب اللفظ المترجم الأول كخطوةٍ نحو التأليف. ويعبر الشرح عن المعاني المترجمة بسهولةٍ ويسرٍ حتى تستطيع الحضارة التعامل مع المعاني مباشرة في المراحل التالية، وتوضيح ما غمض من الترجمة، وتبسيط الأفكار وتقريبها إلى الأذهان. الشرح هو تأدية المعنى بعبارةٍ عربيةٍ سليمةٍ من المعنى إلى اللفظ إذا كانت الترجمة من اللفظ إلى المعنى. فهما حلقتان متكاملتان، تحويل الوافد من مستوى العبارة اليونانية إلى مستوى العبارة العربية، أي ترتيب قول أرسطو وإعادة تنظيمه بتفكيكه من أجل تنظيم العبارة.
- (٢)
التخلي كليةً عن المصطلحات المعربة إلى المترجمة واستقرار المصطلح العربي وكأنه نابع من اللغة العربية العادية أو الاصطلاحية للموروث، وليس مترجمًا من اليونانية مثل العلة والمعلول، الصورة والمادة، الجوهر والغرض، الزمان والمكان، الكيف والكم، وهي التي أصبحت المكون الرئيسي للمبادئ العامة في علم الكلام المتأخر بعد أن اعتمد على الفلسفة.
- (٣)
البرهنة على صحة الأفكار المشروحة والتمثيل لها شرحًا وتوضيحًا، وتبني قضايا النص المترجم وإعمال مزيد من العقل، وجعله مقبولًا مستساغًا وكأنه نابع من الموروث وليس آتيًا من الوافد، التعامل مع النص من أعلى وليس من أسفل، من القلب وليس من الأطراف، من الجوهر وليس من العرض، من المركز وليس من المحيط، من المعنى وليس من اللفظ. كما يهدف إلى التصريح بالضمني واستخلاص النتائج المضمونة.
- (٤)
وضع الجزء في إطار الكل وإعادته داخل البنية الكلية مثل اعتبار الشعر جزءًا من المنطق.
- (٥)
الإشارة إلى الوافد أكثر من الإشارة إلى الموروث والإحالة إلى العرب أكثر من الإحالة إلى اليونان، وتغيير البيئة الثقافية من النص المترجم إلى النص المشروح. فغاية الشرح إرجاع القول الوافد إلى الشيء المدروس من الموروث، تحويل الوافد من الخارج إلى الموروث الداخل، وتركيب التصورات اليونانية على التصورات الإسلامية.
- (٦)
ضبط المعنى غير المتوازن وجعله أكثر توازنًا أو إكمال المعنى الناقص وجعله أكثر تكاملًا. فالعقل قد يكون حاد المزاج، أحادي الطرف، والعقل مع النص أكثر اعتدالًا وتكاملًا، وتحديد المطالب التي قد تُحدث لبسًا وحلها من أجل التوضيح للمعنى، وتحديد قصد أرسطو على مستوى الموضوع أو الشيء.
- (٧) تقوية يسار الأرسطية ضد يمينها، وتخليص النص الأرسطي من التأويلات المسيحية اليونانية والإسلامية مع توظيفه إلى الداخل لنقد الأشعرية والتصوف والفلسفة الإشراقية.١٦
وتباين القصد بين أرسطو والمسلمين، فهم أرسطو له وقصد المسلمين منه تعبير عن طبيعة العمل الحضاري ونقل النص وتوظيفه وإعادة بنائه من حضارة إلى أخرى. فهو بالإيجاب لا بالسلب.١٧ كما أن أسئلة الباحثين عن علاقة النص بالشرح تدخل ضمن العمليات الحضارية التي تتم انتقالًا من الترجمة إلى الشرح، ومن المؤلف أو المترجم إلى الشارح مثل: كيف فهم المسلمون كتاب الشعر؟ فالفهم بداية والعمليات الحضارية من الشرح إلى التأليف إلى الإبداع. فقد فهم الشراح المسلمون معنى الملحمة والدراما، ورفضوا تقليد معاني شعرهم، مما يدل على تجاوز الفهم الموضوعي إلى النقل الحضاري. والإبداع فهم. والحكم بأنهم حرفوا هذه الكتب كي تتلاءم مع أفكارهم حكم خاطئ لأنه يقوم على أن الشرح تكرار ونقل مطابق من الترجمة إلى الشرح وإسقاط العمليات الحضارية التي تتم منذ نقل النص من بيئة ثقافية إلى بيئة ثقافية أخرى. وقد تمت في مرحلة الترجمة عند المترجم قبل أن تتم عند الشارح. وإن فهم الأفكار العامة يعني أخذ لب الموضوع وأساسه من أجل إعادة بنائه وتركيبه انتقالًا من الخاص إلى العام، ومن التاريخ إلى البنية. أما أنهم لم يفهموه على الإطلاق فهذا حكم يقوم على مفهوم المطابقة بين الترجمة والشرح. وهو مفهوم يقوم في ذهن المستشرق على افتراض التبعية، تبعية الشارح للمشروح والقارئ للمقروء. كما يعتمد لا شعوريًّا على الوضعية التي ترى وجودها في موضوعية النصوص. فالمعاني أشياء. ولا يوجد فهم صائب وفهم خاطئ بل يوجد تأويل وقراءة للآخر طبقًا للأنا، قراءة الموضوع طبقًا للحاجة، نقل النص من مستوى الموضوع إلى مستوى الذات، من ثقافة الأنا إلى ثقافة الآخر.ليست وظيفة الشرح ضبط الترجمة، ويكون ذلك إحدى وظائف الشرح وميزاته على الترجمة. فغاية الشرح احتواء الترجمة وقراءتها وليس ضبطها نظرًا لتباين المستويين. يضبط الشرح المعنى وليس اللفظ، ومن الطبيعي أن يكون الشرح أكثر وضوحًا من الترجمة وأسلس عبارة. الترجمة خطوة أولى والشرح خطوة ثانية لاحقة بعد التعليق. ولا يستعمل اللاحق لضبط السابق بل يستعمل السابق لمعرفة كيفية خروج اللاحق منه، ليست الغاية ضبط النص المترجم فهو ليس نصًّا منفصلًا يوضع في متحف ويتم الحفاظ عليه وتقديسه أو تحنيطه بل هو بداية عملية جنينية. هو الخلية الأولى التي منها يبدأ الشرح والتلخيص مع التأليف في كل مراحله. وليست مهمة المترجم وعالم اللغة مقارنة الترجمة بالشرح لضبط الأولى، ولكنها مهمة الفيلسوف لمعرفة وجوه عدم التطابق بين الترجمة والشرح وكيفية تطور النص المترجم إلى نص مشروح وانتقال الجنين من مرحلة الحمل إلى مرحلة الولادة، وقد يقرب الشرح أو يبعد عن النص لأن الشرح خطوة نحو التأليف؛ لذلك تظهر بوادر التأليف في الشرح. فإذا خالف الشرح النص يفضل الشرح لأنه تأليف مبكر، وهي نفس العلاقة بين النص اليوناني والنص العربي. إذا خالف النص العربي النص اليوناني فهو شرح مبكر، الشرح نظرية في الإيضاح، إيضاح ما غمض من الترجمة، تحويل النص المترجم من مستوى اللغة إلى مستوى المعنى، من مستوى النص إلى مستوى العقل، الترجمة لفظ، والشرح معنى، مهمة المترجم تحسين اللفظ، ومهمة الشارح توضيح المعنى، وظيفة الشرح بعد الترجمة عرض الفكرة دون جسدها اللفظي ثم الانتقال إلى التعبير عنها بلفظ طبيعي غير منقول. وإذا ظهرت بعض الركاكة في الترجمة فإن جمال العبارة يظهر في الشرح قبل التأليف في الموضوع انتقالًا من الترجمة والنقل إلى التمثل والاحتواء.١٨ فإذا ما ساير شرحان لابن سينا وابن رشد الترجمة في حالة الموضوع والاتفاق في المصطلحات فإن ذلك يعني وجود بداية موضوعية وفهم لنواة النص. أما إذا خالف الشرح الترجمة تكون للشرح الأولوية على النص لأن الشرح قام بدور الفهم والبناء والتركيب كخطوة نحو التأليف. وأصبحت الترجمة عملًا تاريخيًّا ماضيًا بغير ذي دلالة مثل النفايات النووية بعد أخذ الطاقة منها. وإن استعمال بعض ألفاظ الفهم والتمثُّل والاحتواء والهضم والمضغ والازدراد والإخراج من العمليات العضوية لوصف العمليات الحضارية له ما يبرِّره في الوعي الحضاري. وهو وعي حي له عملياته في التمثل والإخراج، في النقل والإبداع. - (١)
-
(ب)
الانتقال من الشرح إلى التلخيص على مستوى المعنى: ويتم الانتقال من الترجمة والشرح إلى التلخيص على مستوى المعنى، من أجل التركيز والتعامل مع المعاني كماهيات ووحدات مستقلة يمكن إعادة تركيبها وبنائها في مرحلة التأليف. ولابن رشد تسعة تلخيصات؛ ثمانية في المنطق وواحد في الطبيعيات. والهدف من ذلك:
- (١)
الانتقال من الغموض إلى الوضوح، وما تبقى من المنقول إلى المعقول من أجل إبراز المعنى الخالص بصرف النظر عن مصدره، وافد أو موروث، عقلي أو نقلي، ورفع قلق عبارات المترجمين.
- (٢)
العرض العقلي النظري الخالص بلا أمثلة على مستوى العموم أو الخصوص. فالفكرة واضحة بذاتها، تحتوي على مقياس صدقها في ذاتها.
- (٣)
الترابط المنطقي في البنية العقلية على مستوى الاتساق الداخلي للموضوع حتى يظهر الموضوع العقلي قبل أن يتحول في التأليف إلى الموضوع الواقعي.
- (٤)
حذف الزائد وإكمال الناقص، وبلورة المعنى وتحديد الموضوع حتى يصبح مركزًا مدببًا يمكن التعامل معه في بناء موضوع أشمل وأعم، تخليص الشرح مما زال عالقًا به من أخلاط من أجل الإيجاز والاختصار.
- (٥)
الإقلال من المادة والأمثلة على مستوى التعميم والتطبيق سواء في البيئة الثقافية للترجمة الأولى أو في البيئة الثقافية الثانية للتلخيص.
- (٦)
تخليص النص المشروح من الأقاويل الجدلية والخطابية وتحويلها إلى أقاويل برهانية أكثر دقة من أجل إحكام طرق استدلالاتها لتصبح نظرية عامة خارج إطار بيئتها المحلية.
- (٧)
وضع الوافد في الموروث منعًا للتغريب والازدواجية ليس فقط على طريقة الوعاء كما هو الحال في الشرح بل عن طريق الموضوعات نفسها أي بداية للتحول من الشكل إلى المضمون، ومن الألفاظ إلى المعاني.
وكما أن الشرح مرحلة تالية للتعليق والتعليق مرحلة تالية للترجمة، فإن التلخيص مرحلة تالية للشرح، يبدأ بالمعنى وليس باللفظ، بالقصد وليس بالعبارة. ومع ذلك قد تكون الترجمة تلخيصًا منذ البداية، مجرد التعرف على المعنى حتى يتضح في الذهن، والتعبير عن ذلك باللغة العربية المباشرة حتى يتم التأليف في الموضوع. فالترجمة تتم بناءً على باعث فكري واهتمام فلسفي بالموضوع. وذلك مثل ترجمة الآثار العلوية. فهي مجرد تلخيص بطريقة القول الشارح. وقد يكون الشرح تلخيصًا أي إدماجًا وحذفًا كيفيًّا دون حذف كمي. إذا كان النص المنقول غير متوازن المقالات من حيث الكم فإن وظيفة الشرح إعادة إنتاج النص بحيث يحقق توازنًا أكبر بين المقالات. وإذا ما تفاوتت مؤلفات أرسطو فيما بينها من حيث الكم فإن الشرح لا يلتزم بنفس النسبة الكمية. قد يسهب في كتاب قصير، ويختصر كتابًا طويلًا.١٩ قد يكون الهدف من الشرح جمع الموضوعات المشتتة المفرقة دون قسمة جامعة بينها أو بنية. مهمة الشرح لم الموضوع وجمع عناصره المتناثرة في بنية واحدة كما هو الحال في كتاب الآثار العلوية الذي تشتت موضوعاته وتتفرق دون قسمة جامعة بينها.٢٠ وبالتالي يصبح الشرح هو الأصل والترجمة هي الفرع، عملية وعي حضاري بقلب الأصل فرعا، والفرع أصلًا.وقد يقوم النَّقَلة أنفسهم بمختصرات قبل الشراح والفلاسفة. يساهم في ذلك الأدباء والأطباء وكل أهل الثقافة المشتغلين بالفكر سواء كانوا معروفين أو غير معروفين، يأتي التلخيص قبل الترجمة كما هو الحال في كتاب الشعر قبل ترجمته من أجل مجرد التعريف بالكتاب. فإن دعت الحاجة بعد ذلك إلى ترجمته كليةً جاءت الترجمة في جو ممهد ثقافيًّا لقبول الكتاب والرغبة في التعرف على المعاني قبل الألفاظ على عكس كتب المنطق الأخرى التي بدأت ترجماتها قبل شرحها وتلخيصها. وقد يتم التلخيص والشرح مع الترجمة وربما قبلها في صياغتها وحولها من أجل تفتيت النص من الداخل ثم حصاره من الخارج. ولا يتحقَّق الغرض عن طريق محاصرة النص بوضع الشرح مع النص مساويًا له في الأهمية وبالتالي يتم ابتلاع النص في الشرح.
التلخيص إحدى مراحل الانتقال من الترجمة والتعليق والشرح إلى الجامع والتأليف والإبداع، بداية التأليف المستقل من النص وإن كان في معانيه دون الالتزام بحروفه. ليست مهمته الإضافة والزيادة بل العرض الواضح للموضوع مع إعادة الترتيب وتقطيع النص إلى وحدات جزئية وإبراز المعاني والأشياء وراء الألفاظ والعبارات. التلخيص قراءة، والقراءة إعادة بناء القديم طبقًا للجديد، أسسه واحتياجاته. فالحكم بعدم الجدة في التلخيص يصدر عن عقلية الانقطاع، وإضافة شيء جديد بديلًا عن شيء قديم من الخارج وليس على عقلية التواصل، استخراج الجديد من القديم من الداخل عن طريق التولد. يضع التلخيص الجزء في الكل، وأحد كتب المنطق داخل كتب المنطق كلها، وبيان جوانب الموضوع في بنية واحدة ورؤية القصد الكلي للعمل.
- (١)
-
(جـ)
الانتقال من التلخيص إلى الجامع على مستوى الشيء: فإذا كان الشرح يقترب من النص كلفظٍ وعبارة، وينتقل التلخيص إلى المعنى والمفهوم فإن الجامع يذهب إلى الموضوع مباشرة فيما وراء الألفاظ والمعاني لإبرازه حتى يراه القارئ، ولابن رشد جوامع إحدى عشر، ثلاثة في المنطق، وسبعة في الطبيعيات وواحد في السياسة.٢١ وتهدف الجوامع إلى:
- (١)
التوجه مباشرةً نحو الموضوع من أجل إعادة صياغته واستئناف عملية التحول من النقل إلى الإبداع.
- (٢)
تغيير كتب أرسطو المختلفة في «الأرجانون» وإعطائها عناوين أخرى، وإعادة عرضها بطريقة أكثر عقلانية بحيث تعبر عن بيئتها الداخلية.
- (٣) تقديم صناعة المنطق بحيث تبدو متلائمة مع طريقة أرسطو أي إعادة التركيب مع الحفاظ على البيئة.٢٢
- (٤)
عرض المذهب من حيث هو قول برهاني ونقله من مجاله الحيوي، مجال الحوار والجدل والنقد التعليمي إلى ميدان البرهان الخالص.
- (٥) تخليصه من الشوائب الأفلوطينية والأفلاطونية.٢٣
- (١)
-
(د)
تحليل المضمون؛ يضم تحليل مضمون كل نص من الشرح أو التلخيص أو الجامع الخطوات الآتية:
- (١)
تحليل أفعال القول لمعرفة إلى أي حد الشرح أو التلخيص أو الجامع يتعامل مع الألفاظ أو المعاني أو الأشياء كما هو الحال في تحليل ألفاظ الرواية في الحديث وفي الأصول.
- (٢)
تحليل ألفاظ البيان والإيضاح وأنماط الاعتقاد، الظن والشك واليقين والاستفهام، لمعرفة كيفية توضيح الشرح للنص المترجم، وأن الغاية هو تجاوز اللفظ إلى المعنى.
- (٣)
تحليل الوافد وكيف أمكن تقطيعه من أجل مضغه وبلعه وتمثله ثم إخراجه، سواء كان أسماء أعلام أو فرق ومذاهب أو أعمال أو أمثلة وافدة.
- (٤)
تحليل الموروث لمعرفة كيفية تركيب الوافد عليه، أسماء أعلام أو أعمال أو بيئة جغرافية أو لسان عربي أو مصطلحات منقولة أو معربة، علوم إسلامية أو آيات قرآنية وأحاديث نبوية.
- (٥)
تحليل البدايات والخواتيم في كل نص، البسملات والحمدلات والصلوات والدعوات بالتوفيق لأنها تضع «الكادر» العام الذي يتم فيه الشرح مع المكان والزمان والناسخ والملكية الشرعية للمخطوط، يدل على أن الشرح عمل حضاري وليس مجرد شرح على نص، ويدل على حال الأمة والدعوة لمصر أو لإشبيلية المحروسة من الغزوات الصليبية والاستعمارية الحديثة. فالنص كما أنه يعبر عن فكر فلسفي يعكس أوضاعًا سياسية واجتماعية.
ومنهج تحليل المضمون لا يتم إلا في النص الأصلي، الشرح أو التلخيص أو الجامع لأنه يقوم على تحليل الألفاظ، ولا ينطبق على الترجمات العبرية أو اللاتينية أو الأوروبية الحديثة. فهذه خضعت لعمليات حضارية أخرى، وذلك مثل نصوص الوحي التي لا يمكن تحليلُها لغويًّا إلا في لغتها الأصلية العربية أو الآرامية أو العبرية. فقد تعرف المترجم اللاتيني بناء على نفس العمليات الحضارية المضادة، إسقاط المصطلحات والألفاظ والأمثلة المحلية ووضع لاتينية مكانها مع ترك البسملات والحمدلات وكل ما يظن المترجم اللاتيني أنه يتعلق بالبيئة الثقافية العربية الإسلامية ولا يدخل مباشرة في الموضوع على عكس المترجم العربي الأول الذي تغلب على ثقافة اليونان المغايرة بإيجاد مصطلحات عربية ملائمة مثل ترجمة لفظ آلهة جمعًا بلفظ الملائكة. تفيد الترجمات اللاتينية لمعرفة كيفية نقل العلوم العربية الإسلامية إلى اللاتينية. يقوم بتحليلها إما باحثون عرب أو أوربيون. فقد يدل المحذوف على أحد أسباب أزمة العلوم الأوروبية بناءً على الفصل بين الواقع والقيمة إذا كان المحذوف هو كل ما يتعلق بعالم القيم.
وبالرغم من طابع التكرار لهذا التحليل في كل عمل متكرر كما هو الحال في تلاخيص الكتب الثمانية للمنطق عند ابن رشد، وأنه من الأفضل تجميع هذه العناصر مرة واحدة وليس عملًا عملًا إلا أن الرغبة في الحفاظ على وحدة العمل، وفردية كل تلخيص هي التي غلبت حتى ولو ساد بعض التكرار النمطي العناصر التحليل في كل تلخيص.
- (١)
ونظرًا لإمكانية إدماج هذه العناصر الخمسة السابقة للتحليل في ثلاثة فقط الوافد والموروث والآليات التي تشمل تحليل ألفاظ القول والبيان، وضم البدايات والخواتيم الدينية للموروث، يمكن عرض الشروح والتلخيصات والجوامع بثلاثة طرق رئيسية. كل منها ينقسم إلى طريقتين فرعيتين مع استبعاد المنطق والطبيعيات إلى أجزاء وإلا تشعبت القسمة بحيث لا يمكن السيطرة عليها على النحو الآتي:
الوافد والموروث والآليات هي القسمة الرئيسية باعتبارها المكونات الرئيسية لكل علوم الحكمة في كل مراحلها، الترجمة والتعليق والشرح، والتلخيص والتأليف والإبداع. ثم يتم داخل كل عنصر عرض الشرح والتلخيص والجامع بداية بكل علم، المنطق والطبيعيات والإلهيات، ثم كتابًا كتابًا داخل كل علم أو يتم داخل كل عنصر عرض الأنواع الأدبية الثلاثة؛ الشرح والتلخيص والجامع على النحو الآتي:
وميزة هذه الطريقة أنها تركز على المكونات الرئيسية للإبداع، الوافد والموروث والآليات لتبين كيفية التفاعل بينها بصرف النظر عن النوع الأدبي أو العلوم، ولكن عيبها التفصيلات الكثيرة والتكرار وضياع وحدة العمل الفلسفي، والبداية بالوافد والموروث والآليات وهي في النهاية مجردات وافتراض علمي لا وجود له كوحدة فعلية إلا في الوعي الحضاري العام خاصة وأنه عدد المؤلفات يتجاوز الخمسين.
وميزة هذه القسمة البداية بالعلوم سواء ببيان الأنواع الأدبية فيها ثم العناصر التكوينية داخل كل نوع أو بالعناصر التكوينية ثم بالأنواع الأدبية، ولكن عيبها أنها تجعل العلم هو الوحدة الأولى للتحليل مع أن العلوم الثلاثة قد تخضع لمنطقٍ حضاري واحد سواء ظهر هذا المنطق من خلال الأنواع الأدبية أولًا قبل العناصر التكوينية أو من خلال العناصر التكوينية أولًا قبل الأنواع الأدبية.
وميزة هذه الطريقة أن وحدة التحليل الأولى هو النوع الأدبي ثم بعد ذلك إما ينقسم إلى علوم ثم عناصر تكوينية أو إلى عناصر تكوينية ثم علوم. وإذا كان الإبداع أساسًا في الشكل الأدبي فإنها قد تكون الأفضل. وإذا كان كل عمل فلسفي له وحدته العضوية الخاصة كعمل إبداعي فريد فإن البداية بالعلوم بعد الأنواع الأدبية وعرض العناصر التكوينية داخل كل علم ابتداءً من كل كتاب فيه خاصة المنطق والطبيعيات قد يكون هو الأفضل من أجل وصف عمليات الشرح ومراحله المختلفة قبل التأليف والإبداع.
وقد تحدَّث المؤرخون القدماء عن الشرح مع قائمةٍ بالنصوص المشروحة. وليس هذا هو المقصود، بل المقصود وهو وضع منطق محكم للشرح سواء كان تفسيرًا أو اختصارًا.
ويمكن عرض الشرح بطريقتين؛ الأولى عرض مكونات الشرح وعناصره الأولوية والمقارنة بين النص المشروح والنص الشارح لمعرفة منطق الشرح، الإضافة والحذف والتأويل، كما هو الحال في منطق الترجمة بصرف النظر عن وحدة العمل المشروح. فالشرح موضوع واحد، يخضع لمنطق واحد وآليات واحدة. وهذه هي الطريقة العرضية التي تتخلل الشروح كلها. وتقتضي هذه الطريقة إيجاد نسقٍ وترتيب مثل الترتيب الزماني للشروح بداية بالفارابي حتى ابن رشد وترتيبًا داخليًّا في ابن رشد بداية بالمنطق، شرح البرهان، ثم ما بعد الطبيعة، تفسير ما بعد الطبيعة.
والثانية عرض الشروح عملًا عملًا حتى لا تفقد وحدتها العضوية كعمل فلسفي ثم الكشف عن منطق الشرح وآلياته داخل كل عمل. وهي الطريقة الطولية التي تسير طبقًا للترتيب الزماني للشروح ابتداءً من الفارابي وابن باجه وابن رشد. فلربما هناك تطور في آليات الشرح. وعيب هذه الطريقة التكرار، تكرار النتائج مع تكرار كل عمل، ولكنها الطريقة الأفضل. فلربما تغيرت آليات الشرح من عمل إلى عمل، ومن فيلسوف إلى فيلسوف، ومن عصر إلى عصر.
ولا فرق بين الشروح في تحليلها سواء كانت من الفارابي أو ابن باجه أو ابن رشد. فالعمليات الحضارية واحدة. هنا يتداخل التاريخ مع البنية. ويساعد تحليل الشروح زمانيًّا على اكتشاف البنية اللازمانية. كما تساعد البنية اللازمانية على تحليل أي شرح جديد في ترتيبه التاريخي. فالموضوع واحد بالرغم من تعدُّد الشراح. ومجرد التتبُّع التاريخي للنصوص المترجمة أو الشارحة لا يعطي البنية إنما يساعد فقط على كشفها ووصف العمليات الحضارية التي وراءها لا فرق في ذلك بين النصوص من حيث موضوعاتُها فلسفية أو علمية أو أخلاقية. وإن بقاء الموضوع على نفس المنوال بالرغم من اختلاف الفلاسفة يُثبت وحدة الموضوع وتعدد الفلاسفة. وهو ما يؤكد أهمية دراسة علوم الحكمة كموضوعات وليس كأشخاص، كبنية وليس كتاريخ.
شروح | تلاخيص | جوامع | مقالات | |
---|---|---|---|---|
منطق | البرهان (جزء) | إيساغوجي | مقولات ١ | |
المقولات | عبارة ۲ | |||
العبارة | قياس ۹ | |||
القياس | برهان ٣ | |||
البرهان | ||||
الجدل | الجدل | |||
السفسطة | ||||
الخطابة | الخطابة | |||
الشعر | الشعر | |||
طبيعيات | شروح السماع الطبيعي | السماع الطبيعي | ||
السماء والعالم | السماء والعالم | السابعة والثامنة من السماع الطبيعي | ||
السماء والعالم | الكون والفساد | المزاج | ||
الآثار العلوية | الآثار العلوية | البزور والزروع | ||
النفس | النفس | اتصال العقل بالإنسان | ||
والمحسوس | ||||
إلهيات | تفسير ما بعد الطبيعة | ما بعد الطبيعة |
العلم | الكتاب | الشرح | التخليص | الجامع |
---|---|---|---|---|
المنطق | المدخل | (ثلثا المقالة الأولى) بدوي | ||
المقولات | بترورث | |||
العبارة | بترورث | |||
القياس | بترورث | |||
البرهان | بترورث، بدوي | |||
الجدل | بترورث، بدوي | بترورث | ||
السفسطة | بترورث، سالم | |||
الخطابة | بدوي | بترورث | ||
الشعر | سالم، بدوي | بترورث | ||
الطبعيات | السماع الطبيعي | حيدر آباد | ||
السماء والعالم | العلوي | حيدر آباد | ||
الكون والفساد | العلوي | حيدر آباد | ||
الآثار العلوية | العلوي | حيدر آباد | ||
المعادن | ||||
النبات | ||||
الحيوان | ||||
النفس | الغربي | بترورث | ||
الحس والمحسوس | بدوي | |||
ما بعد الطبيعة | ما بعد الطبيعة | بويج | حيدر آباد، أمين | |
الأخلاق والسياسة | السياسة | جمهورية أفلاطون |
- (أ)
الجوامع بين ٢٥٢–٥٦٠، وكان ابن رشد عمره ۲٧–٣٥ سنة (٨ سنوات).
- (ب)
التلاخيص بين ٥٦٠–٥٧٢ وكان ابن رشد عمره ٣٥–٤٧ سنة (١۲سنة).
- (جـ)
الشروح بين ٥٧٣–٥٨٨ وكان ابن رشد عمره ٤٨–٦٣ سنة (١٥ سنة).
- (د)
المؤلفات ٥٨٨–٥١٥ وكان ابن رشد عمره ٦٣–٧٠ سنة (١٥سنة). وللمرحوم فضل كبير على نشر مؤلفات ابن رشد وابن باجه وهو ما زال طالب دكتوراه. فالطالب المغربي أستاذ مشرقي، والأستاذ المشرقي طالب مغربي.
الفكر | اللفظ | المعنى | الشيء |
المثل | الشرح | التلخيص | الجامع |
الطعام | تقشير الخضار | الطهي والإعداد | الطعام |
الجنس | الإثارة | الجماع | القذف |
المحاور | الأفقي | الرأسي | العمق |
الأبعاد | الطول | العرض | الارتفاع |
العمارة | التأسيس | البناء | الإسكان |
الجامع | المسجد | القبلة | المئذنة |
الحرب | الدرع | الحربة | رأس الحربة |
الزراعة | البذرة | الشجرة | الثمرة |
الصناعة | تراب الحديد | الرقائق | المصنوعات |
التجارة | الجملة | القطاعي | الاستهلاك |
الأسرة | الأب | الأم | الطفل |
العمر | الشباب | الرجولة | الكهولة |
الحرب | الاستعداد | التدريب | القتال |
التراث والتجديد | الوافد | الموروث | الواقع |