أولًا: جوامع شعر للفارابي
يظن الكثير أن «الجوامع» مصطلح رشدي أو نوع أدبي ابن رشد هو أول من كتب فيه، وهو
في
الحقيقة مصطلح الفارابي مثل أنواع الأقاويل الثلاثة الخطابي والجدل والبرهاني.
فالفارابي هو المعلم الثاني وابن رشد هو الشارح الأعظم، وقد كان ابن باجه هو الصلة
بينهما. وهو الذي حوَّل التعليق إلى نوع أدبي مستقل. كتب الفارابي جوامع الشعر.١ وهو الوحيد من كتب المنطق الذي صب في هذا النوع الأدبي، وهي قصيرة مثل:
الجوامع، مركزة للغاية، تعطي اللب والجوهر، ترى الموضوع ذاته فيما تحت اللفظ، وفيما
وراء المعنى.٢
والجوامع لفظ في صيغة الجمع وليس له مفرد «جامع» في حين أن اللفظين الآخرين الشرح أو التفسير والتلخيص في صيغة المفرد. ربما لأن «الجوامع» هي التي تضم الموضوعات وتجعلها في نسق واحد، تبدأ من الكل إلى الأجزاء في حين أن الشرح أو التفسير يبدأ من الأجزاء إلى الكل. أما التلخيص فإنه أيضًا يبدأ من الجزء إلى الكل وفي نفس الوقت من الكل إلى الجزء. يبدأ بالقول الجزئي وينتهي إلى المعنى الكلي.
ولا يوجد أي ذكر للوافد حتى أرسطو. فالجوامع هنا أقرب إلى التأليف غير المباشر، لم
يذكر إلا أوميروس واليونانيون والقدماء.٣ ويضرب المثل بأوميروس شاعر اليونانيين بعدم تساوي النهايات في الأبيات.
فقوام الشعر وجوهره عند القدماء أن يكون قولًا مؤلفًا مما يحاكي الأمر، وأن يكون
مقسومًا بأجزاء ينطق بها في أزمنة متساوية.٤
ومن الموروث يظهر العرب، وفي أول عبارة، وكأن الفارابي يكتب للبيئة الثقافية الجديدة
وليس لليونان، البيئة الثقافية القديمة التي نشأ فيها النص أول مرة. يلاحظ الفارابي أن
للعرب عنايةً بنهايات الأبيات التي في الشعر ويعني القوافي أكثر مما لكثير من الأمم.
ويقارن بين النغم في الشعر العربي والنغم في شعر باقي الأمم. ويعني بالنغم الشعر أو
وزنه. فبعض الأمم يجعلون النغم الذي يلحنون به الشعر جزء منه فلو وجد القول دون اللحن
بطل الوزن، والعرب لا يجعلون النغم كبعض حروف القول، ويجعلون القول بحروفه وحدها. ويضرب
الفارابي المثل بزيد كما هي العادة في الأسلوب العربي، عمل تمثال لزيد أو صنع مرآة يرى
فيها تمثال زيد.٥
١
الفارابي: جوامع الشعر، تحقيق وتعليق د. محمد سليم سالم، المجلس الأعلى
للشئون الإسلامية، القاهرة، ١٩٧١م.
٢
لا يتجاوز الجوامع الخمس صفحات، السابق ص١٧١–١٧٥. ويبين ذلك أيضًا صغر فصل
الجوامع بالنسبة لفصلَيِ التفسير والتلخيص.
٣
أوميروس، اليونانيون، القدماء «١».
٤
جوامع الشعر، ص١٧۲.
٥
السابق، ص١٧١، ١٧٥.