ثالثًا: تفسير كتاب إيساغوجي لفرفوريوس (أبو الفرج بن الطيب)
وقد نُسب هذا التفسير مدة طويلة إلى الفارابي، صاحبه أبو الفرج بن الطيب الطبيب
المشهور (٤٣٥ﻫ) وربما من إملائه وليس من تأليفه. مدحه ابن سينا في الطب وذمه في الحكمة
وهو معاصر له. وهو المفسر الشارح مثل ابن رشد.
١ وألقابه هي «الشيخ الفاضل»، «الفيلسوف الكامل» وهي ألقاب إسلامية، بالإضافة
إلى «قدس الله روحه» وهي دعوى نصرانية. فقد كان نصرانيًّا وأسلم. واحتفظ باللغتين داخل
الولاء للثقافة العربية، وهناك اثنان باسم فرفوريوس؛ الأول من صور والثاني من سفيلة
الشام، وواضع إيساغوجي هو الصوري نسبة إلى المكان صور وليس إلى المنطق الصوري. وقد تم
التفسير بناءً على عادة مفسري الصناعة المنطقية بعدما رأوا طولها ونقلها وأنها مجرد آلة
لغاية أخرى هي الفلسفة. فكان من الضروري تسهيل الآلة لبلوغ الغاية.
٢ والفلسفة على أربعة ضروب طبقًا للعلل الأربعة وهو ما أهمله مفسرو كتب
أرسطو.
ويبدأ التفسير دفاعًا عن الفلسفة ضد منكريها وهم في الأغلبية السوفسطائيون دون
الإشارة إليهم.
٣ ثم يقدم تعريفات ستة للفلسفة ثم منهجها وهو الحد، والقسمة إلى تعليمي
وطبيعي وإلهي.
وكان الدافع على التفسير هو شكوى المفسرين من صعوبات منطق أرسطو ومقولات آخرين مثل
أفلاطون وفيثاغورس وثاوفرسطس وجالينوس وكتب خروساوريا شاكيًا من صعوبة المقولات. فقام
فرفوريوس بشرحها. فالتفسير شرح على شرح، تفسير على تفسير، توضيح على توضيح. وواضح أن
مستوى التوضيح الثاني إنما يتم على مستوى اللغة والألفاظ وتحليل الحروف. فالمقولات في
النهاية ألفاظ قبل أن تكون تصورات. وهو مستوى الحضارة الجديدة وكأننا في مدرسة تحليل
اللغة المعاصرة في الغرب الحديث. مهمة النصين الشارح والمشروح تجنب الألفاظ الغريبة.
فاللغة توجد من الجمهور، والمعاني من الخواص، وتجنب التطويل، والقول بإيجاز، وتجنب
الأسماء المشتركة ورداءة التأليف لأن الغرض الإيضاح والتقسيم.
٤
وهو نموذج التفسير الذي يتقطَّع فيه النص، وتنفصل فقرات المؤلف عن فقرات المفسِّر.
٥ الأولى تبدأ بعبارة: قال فرفوريوس، والثانية تبدأ بعبارة، قال المفسر،
والتفسير ضِعف النص تقريبًا. وقد تتجاوز فقرة التفسير فقرة النص مما يدل على أن النص
مجرد مناسبة للتفسير، وأن التفسير يتجاوز النص لدرجة أنه قد يصبح تأليفًا غير مباشر
مستقلًّا عن النص.
٦ وقد يكون هذا التجاوز إلى الحد الأقصى والذي قد يبلغ العشرين ضعفًا ثم
العشرة أضعاف ثم الخمسة أضعاف. وهنا يكون التفسير زيادة على النص. وقد يتساوى التفسير
مع النص. وقد يقل التفسير عن النص لدرجة النصف أو الربع. وفي هذه الحال يكون النقصان
والتركيز.
وهو مقسم إلى ثمانية عشر تعليمًا. ولا يبدأ تقطيع النص إلا من التعليم السادس. أما
التعاليم الخمسة الأولى فهي تأليف مباشر من المفسر الأول دفاع عن أرسطو ضد المعاندين
الجاهلين، والثاني دفاع عن المطالب الأربعة (العلل)، والثالث ضد الفلسفة، والرابع منهج
الفلسفة والحد والقسمة، والخامس النظر في الكتاب نفسه، الغرض والمنفعة والسمة ومرتبة
الكتاب وقسمته وواضعه والنحو الذي يستعمل فيه والنظر في أي علم من العلوم هو.
٧
وبالإضافة إلى قال فرفوريوس هناك أيضًا «نقول» تقابلًا بين الأنا والآخر، بين المفسَّر
والمفسِّر، بل ويستعمل ضمير المتكلم الجمع مثل «خيرنا» و«أما نحن». هناك تمايز بين المفسَّر
والمفسِّر تمايزًا حضاريًّا بين نصين وموقفين وثقافتين.
٨
ويتتبع المفسر مسار فكره ومسار فكر المفسر، إحالة إلى ما تقدم، واستبصارًا لما هو
قادم.
٩ ويحاول المفسر أن يربط كلام فرفوريوس بعضه ببعض، ويجد تسلسله المنطقي
واتصاله بالرغم من تقطيع النص، بالجمل الشرطية، ابتداءً من فعل الشرط حتى جواب الشرط
للدلالة على الانتقال من المقدمات إلى النتائج. والتفسير بيان موجز للنص المفسر وتركيز
له. التفسير في حجمه شرح وفي مضمونه تلخيص لأنه إبراز المعاني والقضايا والموضوعات. كما
أنه بيان للغرض، فالغرض هو الذي يُعطي النص وحدته. وهو أيضًا اقتضاء، ما ينبغي أن يكون،
فكر معياري له بنيته الداخلية، محكوم من أعلى ومن الداخل.
١٠ وفي كل فقرة شارحة تظهر أفعال الشعور المعرفي، شك ونظر وبيان وتوضيح وتحليل
ووصف وبحث وإقرار. فالتفسير ليس مجرد إيجاد مترادفات بل الدخول إلى الفكر نفسه كعملية
ذهنية. ويتخيل المفسر الاعتراض، ويسبق إلى الرد عليه سلفًا من أجل إحكام الاستدلال
وتوضيح مسار الفكر.
١١
ولا يعني التفسير التأييد بل قد يعني أيضًا النقد والرفض والمراجعة. فقد زعم أن العرض
هو ما يكون ويفسد من غير فساد موضوعه والمشاهد على خلاف ذلك.
١٢ ويوسع المفسر منظور المنطق فيشمل التعاليم والطبيعي والإلهي والأخلاق،
وربما لم يمتد إلى الاجتماع والسياسة. التفسير هو إعطاء نظرة عامة للمنطق ثم إدخال
إيساغوجي فرفوريوس فيها. البداية بالكل ثم الجزء. ويجعل المفسر مثل الفارابي البرهان
قمة المنطق، ما قبله، مثل المقولات والعبارة والقياس مقدمة له تؤدي إليه، وما بعده
انتقاص منه وتخلٍّ عن شروطه مثل الجدل والسفسطة والخطابة والشعر. وتتم مخاطبة القارئ،
فالفكر رسالة مشتركة، وهو تعبير حسب الطاقة، مفتوح للأجيال القادمة. لا يدعي أنه يعطي
القول الفصل والرأي النهائي، ويخاطب المفسر المفسر ويناديه يا فرفوريوس من أجل تحويل
النص المدون إلى حوار شفاهي حي كما فعل فرفوريوس مع تلميذه خروساوريا.
١٣
وبطبيعة الحال يتصدَّى الوافد الموروث في التفسير، وتكثر أسماء الأعلام. ويأتي فرفوريوس
في المقدمة ثم أرسطو ثم أفلاطون ثم سقراط ثم فيثاغورس ثم أوميروس ثم ثاوفرسطس وجالينوس،
ثم أوديموس وأنكساجوراس، وانسطانس الكلبي، ويوحنا المفيادروس وكسانوقراطيس ويحيى
النحوي، ويدل ذلك على صدارة المدرسة الفيثاغورية التي خرج منها كبار الفلاسفة الثلاث.
١٤ وتكثر أسماء أعلام الأساطير اليونانية وآلهتها زيوس وأجاممنون. ترك المفسر
أسماء آلهة اليونان وأبطالهم مثل أوميرطس الذي صعد إلى جبل شاهق وخاطب الشمس أنه تخلص
من الآلام الجسدية لينال الحياة الأبدية.
١٥ ولا يسقط حتى اسم محاور فرفوريوس وهو خروساوريا ولا أمثلته من أوميروس.
ويفسر المعنى الاشتقاقي لخروساوريا الذهبي. امتلأ التفسير بالأسماء اليونانية كأمثلة
دون تغييرها إلى أمثلة عربية سواء كانت أسماء فعلية أم أسطورية.
١٦ التفسير هنا هو إعادة إنتاج النص ووضعه داخل التراث الفلسفي المنطقي
الطبيعي الإلهي، وإدخاله داخل بنيته اليونانية بأقل قدر من التمثل في الموروث. يحول
التفسير النص إلى تاريخ الفلسفة ويضعه في ميدانه. فلا تفسير إلا بالتاريخ.
لقد أتى هذا التفسير ليسد الفراغ الذي تركه مفسرو كتب أرسطو وقبولهم الفلسفة لأنها
في
غاية الظهور، فالعالم موجود والنظر موجود. وزعم المعاندون لأرسطو أن الفلسفة اسم فارغ
لا معنى له لأن الوجود سيلان لا يمكن للغة معرفته. ويرد عليهم أشياع أرسطو لإثبات ضرورة
الفلسفة. ويحدها أرسطو بأنها صناعة الصنائع وعلم العلوم، وأرسطو هو واضع الصناعة بشهادة
تلميذيه ثاوفرسطس وأوديموس، ويستعمل أرسطو كله في المنطق أولًا، والطبيعيات ثانيًا،
والإلهيات ثالثًا أي إدخال مقدمة المقولات داخل النص الأرسطي كله، وإعادة توظيفه لصالح
المنطق خاصة المقولات، فالأسباب الأربعة مقولات تتداخل طبقًا للأجناس والأنواع. ويراها
أرسطو صورًا موجودة في الكثرة. فهي أنواع وأجناس طبيعية ليست في الوجود لأنه لا يوجد
في
الوجود إلا أشخاص محسوسة جزئية.
١٧
وإيساغوجي ليس نظر أرسطو بل نظر فرفوريوس؛ إذ إن فرفوريوس ينظر في الأمور العامية
في
حين أن أرسطو ينظر فيها من حيث هي ذوات تنقبض إلى عشرة. لم يحددها أرسطو لاشتهارها.
وينقد المفسر أرسطو، ويضرب المثل بما قاله في سوفسطيقا بأن رجلًا من سبعين وهو أخلوس
قتل مائة كنموذج لرداءة التأليف في تركيب الألفاظ التي يجب أن يقاس طولها واختصارها
طبقًا للمعاني وليس طبقًا للألفاظ.
١٨
ويعرف أفلاطون الفلسفة بأنها التشبُّه بالله تعالى بحسب الطاقة الإنسانية في علم
الحق
وفعل الخير، ويشارك في تعريف أوبرنطيس بأنها أيضًا تعلم الموت الإرادي أي إماتة
الشهوات. وينقد المفسر هذا التعريف الذي يزعم أفلاطون في «فادن». فقد يفهم منه أن
الفلسفة إيثار الموت. ويرد عليه بأن الموت والحياة طبيعيان إراديان. فأفلاطون يعني
الموت الإرادي لا الموت الطبيعي، ويستشهد بأفلاطون على أنه لا يجب أن يكون للكتاب أغراض
كثيرة. ويخرج المفسر إيساغوجي من دائرة المنطق الضيقة إلى رحاب الفلسفة ومسائلها
وتاريخها ضامًّا أرسطو إلى المدرسة التي خرج منها فيثاغورس وأفلاطون بل وأوميروس الشاعر
دون خوفٍ من الأساطير آلهة وأبطالًا. فيتم الحديث عن النفس وتأليفها من الأعداد، وعند
أفلاطون مؤلفة من دائرة هو هو والآخر، الأولى دائرة الكواكب الثابتة والثانية دائرة
المتحيزة وأن الباري أخذ خطًّا مستقيمًا فشقه بالطول قسمة للأمور إلى فاسدة وغير فاسدة.
وكأن أفلاطون يحاور أنطستانس الكلبي حول الأجناس والأنواع.
١٩ ويستعمل سقراط وأفلاطون كأسماء علم بدلًا من زيد وعمرو.
٢٠
ويقارن المفسرون أفلاطون وأرسطو. فلم يزعم فرفوريوس أن الموجود اسم مشترك لأنه
أفلاطوني بل هو رأي أرسطو، والقسمة عند أفلاطون تتم بالفصول الجوهرية والحد منها مؤلف،
والبرهان المحقق بتوسطها يكون وكذلك التحليل. وعند أفلاطون الجن في الهواء نموذج غير
المائت وغير الناطق في مقابل نماذج الناطق المائت، وغير الناطق الكائن، والناطق غير
المائت. وفرفوريوس أفلاطوني المذهب بالرغم من أنه يكتب مدخلًا لمقولات أرسطو. فالتقابل
في الفصول في الجنس بالفعل، ويفسر أرسطو بأفلاطون. فإذا كان أرسطو قد جعل الفلسفة ثلاثة
أجزاء تعليمية وطبيعية وإلهية فإن أفلاطون أخرج التعليم من الفلسفة.
٢١
ويفسر إيساغوجي بنصوص أرسطو وأفلاطون. فمن مؤلفات أرسطو يتعدد قاطيغورياس، فالمقولات
أقرب الموضوعات إلى الكليات الخمس، وتذكر في الغالب معربة وفي الأقل مترجمة. ثم تأتي
باقي كتب المنطق، فإيساغوجي كان مقدمة للمنطق، مثل طوبيقا، السوفسطية ثم البرهان. كما
تذكر باقي الكتب الطبيعية وما بعد الطبيعة.
٢٢ ويرجع المفسر إيساغوجي إلى مجموع كتب منطق أرسطو وأولها المقولات. فالأسماء
الخمسة مقدمة لها.
٢٣ كما تتم الإحالة إلى مؤلَّفات أفلاطون وتأتي «فادن» في المقدمة ثم طيماوس والثاطيطس.
٢٤
ويظهر تاريخ الفلسفة اليونانية بكل مدارسها الأفلاطونية والأرسطية، ويذكر فيثاغورس
في
حد الفلسفة بأنها العلم بالأشياء الموجودة بما هي موجودة، وأنها العلم بالأمور الإلهية
والإنسانية وأنها إيثار الحكمة، ويحدها أمبريطوس بأنها تعلم الموت الإرادي أي إماتة
النفس عن الشهوات. واختلفت الآراء في معنى الجسم. فهو مركب من الأجزاء المتشابهة عند
أنكساجوراس أو من الأجزاء التي لا تتجزأ عند أبيقورس أو من الأسطقسات الأربعة كما يظن
بقراط وأفلاطون وآخرون أو من الأعداد المتآلفة كما يعتقد فيثاغورس أو هي صورة عند
الباري كما يرى أفلاطون أو هي عدد محرك لذاته كما يرى كسانقراطس. والطبيعة مطبوعة على
شيء واحد عند جالينوس، وأحيانًا يذكر من التاريخ ما يصعب التحقق منه مثل يوحنا
المفيادروس واللينوس والعصابة الإسكندرانية بأسرها.
٢٥
ويحال إلى القدماء على الإطلاق في مقابل المحدثين على مستوى اللاوعي، الآخر في مقابل
الأنا، والماضي في مقابل الحاضر، بحثوا الأجناس والأنواع، ولا يجب التقيد بالقدماء
فعادات الكلام تتغير، وكانوا يستخرجون الحد من القسمة. وقد يكون هذا الإحساس بالقدماء
هو السبب في وضع النص في إطاره التاريخي من صاحب النص الأول وتبعه في ذلك صاحب النص الثاني.
٢٦
ويرتبط النص المفسر بلغة اليونانيين وبشعر اليونانيين وبثقافة اليونانيين. فلا يوجد
منطق دون لغة، ولا توجد لغة إلا لشعب.
٢٧ زيوس عند اليونانيين مثل آدم عند الشرعيين، أصل النسب بالرغم من ارتقاء
طائفة أخرى من اليونانيين إلى بوسيدون. ويضرب المثل بالسواد المشترك بين الغراب والزنجي
ممَّا يدل على رؤية عرقية في النص اليوناني.
٢٨
ومن أسماء الفرق اليونانية يذكر المفسرون على العموم أو مفسرو كتب أرسطو على الخصوص.
٢٩ فالتفسير جرى وراء عادة المفسرين في أمور كثيرة منها النظر في أمر الحد،
وإجماعهم على ستة حدود للفلسفة. كما اختلف مفسرو كتب أرسطو فيما بينهم في غرض إيساغوجي.
وزعم المفسرون أن قول فرفوريوس أرى تعني «يشبه». وإنما فعل ذلك التماسًا
للتواضع.
والكتاب مقسم إلى ثمانية أبواب على عادة مفسري كتب أرسطو؛ الغرض، والمقدمة، والسمة،
والمرتبة، والقسمة، والوضع، واستعماله، وعلمه. وينظر النحويون للأجناس الخمسة على أنها
ألفاظ ويزعم أصحاب الرواق أن المنطق جزء من الفلسفة، وبحثوا الأجناس والأنواع واعتقدوا
أنها أجسام.
٣٠
ولا يكاد يظهر الموروث على عكس تفاسير ابن رشد وشروحه وتلخيصاته وجوامعه، وكأن الهدف
هو مجرد التفسير، ربما لأن المفسر كان نصرانيًّا قبل أن يسلم؛ وبالتالي كان ولاؤه الأول
للوافد على الموروث. ولا يذكر إلا يحيى بن عدي ومتى بن يونس كمترجمين للوافد مع أنه أتى
بعد الكندي والفارابي والرازي والعامري وابن سينا. عاش في النصف الأول من القرن الخامس
بعد أن ورث الفلاسفة المترجمون والشراح الأوائل. فيحيى ومتى والينس يزعمون أن اسم
الموجود ليس باسم متفق ولا بمتواطئ بل متوسط بينهما. ربما لأنه أراد إعطاء نوع جديد من
التفسير، وضع النص في سياقه التاريخي.
٣١ ويعتمد على بعض الشراح من النصارى العرب مثل يحيى النحوي في أن أحد وسائل
إيضاح الأمور ليس هي ذاتها بل في الألفاظ بأن تكون مختصرة فتطول، وغير منظمة فتنتظم،
ومطولة فتختصر.
وتظهر بعض الأمثال العربية مثل عنز أيل وعنقاء مغرب. كما يظهر الأسلوب العربي في
ضرب
المثل بزيد وعمرو.
٣٢ كما يتم الحديث عن الشرعيين واعتبارهم آدم أصل النسب. كما أنه زيوس أو
بوزيدون أصل شعب اليونان. وتظهر البيئة العربية الإسلامية على استحياء في مقابل البيئة
اليونانية مثل الإسكندرية وروما، والقسطنطينية والشام. ويضرب المثل بالمسافة من مدينة
الإسكندرية ورومة كمثل للحد الكمي.
٣٣
والتشبه بالله على تسعة أضرب في الجوهر أو الصورة أو الفعل أو اللون أو الشكل أو
القوة أو الطعم أو الرائحة، وتشبه الفيلسوف بالباري جل اسمه في أفعاله وصفاته وهي
ثلاثة؛ الجود والقدرة والحكمة. وهي صفات مكتسبة للفيلسوف، والسعادة هي التشبه بالله
تعالى بحسب الطاقة. والتشبه بالله إنما يتم بعلم الحق وفعل الخير، وهذان يتمان بالوقوف
على طبيعة البرهان وجميع طرق البيان؛ القسمة والتحديد والبرهان والتحليل. وهذا يتم
بالوقوف على الجنس والنوع والفصل والخاصة والعرض.
٣٤ ويعتمد حد الفلسفة على أنها صنعة الصنائع وعلم العلة وعلم العلوم على حجة
أن الأشياء الشريفة بمنزلة الله. والملك يحمل أسماء مضاعفة مثل ملك الملوك، إله الآلهة.
والحد الثالث أن الفلسفة إيثار الحكمة، وقد سُميت كذلك لأنها تتولى الأشياء الإلهية.
وهي
تنظر في الموجودات بأسرها. وأقصى سعادة هي الاتصال بالله تعالى. فمن ضمن التعريفات
الستة للفلسفة أربعة منها تتعرض للأمور الإلهية مما يدل على رؤية حضارة المفسِّر في مقابل
حضارة المفسَّر.
٣٥
ويظهر لفظ الإلهي ترجمة لما بعد الطبيعة في تقسيم أرسطو للفلسفة إلى تعاليمية وطبيعية
وإلهية. والتعاليم تعود إلى الإلهيات؛ وبالتالي فهي جزء من الفلسفة. أما الطبيعية فإنها
تتعامل مع المادة والتغير، والإلهية عرية عنهما. وأحد الحدود الستة للفلسفة الحد الثاني
وهو أن الفلسفة علم الأمور الإلهية والإنسانية. والحد الخامس وهي أن الفلسفة هي التشبُّه
بالله تعالى بحسب الطاقة الإنسانية في علم الحق وفعل الخير وهما لأفلاطون. وإذا كانت
الفلسفة هي العلمية الموجودات بأسرها، والعملية نفوس الناس، فإن الإلهية هو الاتصال
بالله والتشبه به بقدرة الطاقة الإنسانية. حدود الفلسفة إذن ستة؛ ثلاثة لفيثاغورس
واثنان لأفلاطون وواحد من أرسطو. وقد يطرأ شك على حد الفلسفة بأنها معرفة الأمور
الإلهية والإنسانية دون معرفة مصادر العلم بالأسطقسات وباقي الحيوان والنبات. ويكفي في
حل هذا قول أوميروس أن زاوس رب الآلهة والناس الكائنات الطبيعية الفاسدة، والأمور
الإنسانية والأمور الإلهية.
واعتقد أفلاطون أن للأجناس والأنواع وجوداتٍ ثلاثة، وجودًا قبل الكثرة وهو اعتقاده
بالصور الموجودة عند الباري سبحانه قبل أن يخلق خلقه إذ إنه كان يعتقد أن عند الباري
تعالى صورة إنسان وحمار وذهب. واعترض الفلاسفة عليه ومعهم أرسطو.
٣٦ وهي موضوعات الرجل الإلهي، وفائدة النظر في إيساغوجي في أي علم من العلوم
حتى لا يخلط نظر الإنسان فيقرأ كتابًا إلهيًّا في علم طبيعي، ويدخل الباري في تنظيم
الأجناس والأنواع وكأن التنزيه العقلي والإيمان الديني صنوان.
ويظهر الله في تحليل اللغة إذ يستعمل لفظ الله في تحليل حرف النداء «يا» مثل
يا للتعجب «يا لَغور رحمة الله»، وللتضرع «يا رب ارحمني».
٣٧ كما يضرب المثل على المفرد الواحد بالله والإنسان في مقابل المركب.
ويظهر الله في العلم الطبيعي كامتداد لصناعة المنطق. فالله جوهر وكيفية لا هيولى له
ولا نفس مثل باقي الكيفيات. والإلهي ليس كله غير محسوس إذ كانت السماء وحركاتها
والكواكب محسوسة بأسرها وبها يتم الوقوف على ما خفي من الأمور الإلهية بمنزلة العلة
الأولى تقدس. وإذا كان النبات ينقسم ثلاثة أقسام السامي عن الأرض، والقريب منها،
والمتوسط بينها، فإن الله تعالى ليس جسمًا بل هو جوهر غير جسم.
والله موضوع علم ما بعد الطبيعة وحده. فالنجار لا يسأل عن طبيعة الخشب هل هو من
الأسطقسات الأربعة أو له صورة عند الباري تعالى. والباري هو الذي أخذ خطًّا مستقيمًا
وشقَّه بالطول وقسم الأمور إلى فاسدة وغير فاسدة. ولا يرى المفسِّر حرجًا في الحديث عن
آلهة
اليونان أن زيوس أب لجميع الآلهة والناس. يقول الشعراء إن للآلهة آباء. وقد يسبق الظن
إلينا أن الآلهة يولدون، بل من باب تهذيب الكلام أي المجاز دعوة بعض الناس أنهم أبناء
الآلهة لصفاء عقولهم وعنايتهم بالأشياء الإلهية وتشبههم بالآلهة قدر الطاقة. ويدخل
الملائكة كعنصر لشرح الأجناس والأنواع مع الإنسان. فكلاهما يشاركان في المنطق كما يشارك
الإنسان الحيوان في الحياة، ويفصل الإنسان والملائكة الموت. وقد تعني الملائكة الأجسام
السمائية.
٣٨ ويبدأ التفسير بالبسملة ولا ينتهي بالحمدلة.
٣٩