(١) المترجمون ملخصون
(أ) وقد ضم حنين بن إسحق الشرح والتلخيص معًا لجوامع الإسكندرانيين ومنها كتاب
جالينوس في فرق الطب.
٢ وهو إلى التلخيص أقرب نظرًا لصغره ما زال يذكر أعلامه، ما يقرب من
العشرين، على الاتساع وليس في العمق، مقسمًا إياها مثل جالينوس إلى أصحاب التجربة،
وأصحاب القياس، وأصحاب الحيل.
٣ ومن ثم فهو أقرب إلى الطب المنهجي أو منهج الطب منه إلى موضوع الطب
والمدارس الطبية مثل الفرق الكلامية في بنية عقلية واحدة وفي حوار معها.
ويقوم هذا النوع الأدبي الذي يجمع بين الشرح والتلخيص على القسمة، قسمة الطب إلى
علم وعمل، وقسمة العلم إلى الطبائع، والأسباب، والعلامات والدلائل، ثم قسمة العمل
إلى حفظ الصحة واجتلاب الصحة.
٤ فالقسمة أفضل وسيلة جامعة للشرح والتلخيص في آن واحد. وهي قسمة عقلية
تضم الموضوع كله؛ وبالتالي تجمع بين العقل والطبيعة وهما دعامتا الوحي.
ولا ضير في هذا النوع الأدبي أن يتحدث جالينوس عن نفسه بعد أن تقمص الملخص الشارح
شخصيته. ويوضع لفظ شرح أمام كل باب من الأبواب العشرة. ولا تغيب الشعوب، فالطب
مرتبط بالجغرافيا. فيضرب المثل بالمناطق شديدة البرد مثل بلاد الصقالبة أو شديدة
الحر مثل بلاد الحبشة.
وقد زاد عليه الناسخ ثلاثة أبيات من أقوال الشيخ الرئيس ابن سينا في فاتحته.
٥ وقد يذكر هامش ساقط إما من الشارح الملخص أو من الناسخ.
٦
ويظهر البعد الديني، فالشيء الخفي إما أن يكون بطبعه خفيًّا مثل جوهر الله تبارك
وتعالى وجوهر العقل والنفس والطبيعة. ولا يعرف إلا بالقياس من الظاهر على الخفي أي
قياس الغائب على الشاهد بتعبير الأصوليين وفي البداية البسملة والدعوة، وفي النهاية
الحمدلة والصلاة على النبي وآله.
٧
(ب) ومن نوع الشرح والتلخيص ولكنه إلى الشرح أقرب لكبره هو «كتاب جالينوس إلى
غلوقن في التأتي لشفاء الأمراض»، مقالتان، شرح وتلخيص حنين بن إسحق المتطبب.
٨ لا يعني هذا النوع الأدبي الالتزام بنوع واحد إما الشرح أو التلخيص بل
ضمهما معًا، أحيانًا يحتاج النص إلى شرح وإسهاب وتفصيل، وأحيانًا أخرى يحتاج إلى
تلخيص وتركيز وتجميع. بل إن لفظ الجوامع يبدو في المقالة الثانية وكأن حنين أراد أن
يمارس الشرح والتلخيص والجامع في آنٍ واحد. وإذا كانت الدلالة الأهم في الترجمة
القراءة والحذف والإضافة وإعادة كتابة النص بعيدًا عن المطابقة فإن الدلالة في هذا
النوع الأدبي الجامع بين الشرح والتلخيص هي مسار الفكر. فالفكر له مسار يظهر في
عبارات التقديم والتأخير «على ما قلنا من قبل»، «وقد بينا فيما سلف».
٩ كما يبدو في أفعال القول بعد تقطيع النص حتى يسهل هضمه شرحًا أو
تلخيصًا «يقول» ثم «نقول» تقابلًا بين الموضوع والذات، بين المقروء والقارئ، بين
النص المترجم والنص الشارح أو الملخص.
١٠
ويظهر الاستدلال في مسار الفكر المشروح بفضل رؤية الفكر الشارح في كل صفحة بأفعال
البيان والإيضاح.
١١ وقد يكون الاستدلال في صيغة شرطية، فعل الشرط ثم جواب الشرط وأفعال
الشرط مثل البيان والعلم. والقدرة.
١٢ والغالب فعل الكون، «إن كان … كان» أو مع الزمان مثل «متى كان». وقد
يكون الشرط منفيًّا مثل «إن لم يكن» إذا لم يقدر.
١٣ ثم يأتي الإقرار والخاتمة «وما كان ذلك كذلك» ويبحث الشارح عن الأسباب
دون الاكتفاء بالوصف أي أنه يتجه إلى التعليل، انتقالًا من الخارج إلى الداخل كما
هو الحال في التعليل الأصولي؛ لذلك تظهر ألفاظ السبب والأسباب.
١٤ ويترك الظاهر ويذهب إلى الباطن.
١٥ وأخيرًا يتوجه الشارح نحو الغاية والقصد والغرض؛ فالفكر ما يريد إثباته
وما سواه مقدمات له. والتفسير بالعلة الغائية أقرب أنواع التفسيرات لأن الغاية هي
التي تحدد مسار الفكر.
١٦ وبعد الفكر الوصفي والتعليلي يأتي الفكر المعياري الذي يضع ما ينبغي أن
يكون إيجابًا «وينبغي أن» «ويجب أن»، أو سلبًا «ليس ينبغي» و«لا ينبغي».
١٧
وبالرغم من وضوح الفكر والعبارة القصيرة المركزة وسلاسة الأسلوب بالرغم من تطور
اللغة حتى الآن إلا أن الشارح يقوم بضرب الأمثال لمزيد من الإفهام والتوضيح والبيان.
١٨ ومن أجل الاحتواء يقوم الشرح على القسمة والعدد والإحصاء من أجل احتواء
الموضوع أولًا، فقسمة العقل هي مراتب الوجود نظرًا لتماثل العقل والطبيعة المكونين
الرئيسيين للوحي.
١٩ كما لا يبعد النص المشروح عن تصور العالم للنص الشارح. فالشرف في
الطبيعة، والكمال في الوجود. والطبيب خادم الطبيعة. والطب فلسفة نظرًا وليس مجرد
ممارسات عملية. ولا يظهر الموروث صراحة فلا حاجة لذلك طالما أن العقل قادرٌ على
احتواء النص. وإذا كان النص المشروح إرشاديًّا تعليميًّا فإن النص الشارح يزيد من
ذلك ويتوجه إلى مخاطبة القارئ أسوة بأسلوب التأليف العربي.
٢٠ وبالرغم من أن الشرح والتلخيص تجاوز المسافة بين القارئ والمقروء إلا
أن التمايز ما زال قائمًا بين الشارح العربي والنص اليوناني. فالشرح ما زال يذكر
اللغة اليونانية ويركز على التمايز اللغوي، ويحيل إلى الآخر، قدماء اليونانيين. كما
أن النص المشروح يكشف عن حضور الشرق والغرب داخل اليونان.
٢١ ولا يظهر نقل الوافد على الموروث لأنها رسالة علمية دقيقة صرفة، ومناطق
التعشيق فيها غائبة تمامًا أي مستوى الإلهيات، باستثناء البدايات بالبسملة بل ودون نهايات.
٢٢
(ﺟ) وهناك «مختصر لكتاب الأخلاق لجالينوس» ربما من وضع أبي عثمان سعيد بن يعقوب
الدمشقي كما أخبر بذلك ابن أبي أصيبعة.
٢٣ أبقى على فلاسفة اليونان أفلاطون وهرمس ثم أبقراط ثم سقراط وأرسطو
وسولون، كما أبقى على أسماء الفرق مثل الفلاسفة والقدماء، وتظهر اللغة اليونانية
إحساسًا باللغة المترجم منها، وكعادة التلخيص في التركيز على المعاني دون الألفاظ،
وعلى استدلال الفكر دون العبارات. ويظهر مسار فكر جالينوس، بداية ونهاية، مقدمات
ونتائج، والأسلوب أدبي طبيعي كأنه تأليف وليس تلخيصًا، إعادة كتابة النص وكأنه نابع
من الحضارة. وهي أخلاق طبية بيولوجية تعتمد على العضو الحي، ولا تخرج النتائج عن
الفكر العقلاني الإسلامي العام الذي يقوم على الثنائية الخلقية الناتجة عن الثنائية
الدينية وعلى استحقاق الذم والمدح كما هو الحال عند المعتزلة في قانون الاستحقاق،
وإن العوام أشد طاعة للأغنياء منهم إلى الفقراء.
ويغيب الموروث كلية من التلخيص. فما زال التلخيص يتم للوافد دون نقله على الموروث
كما هو الحال في المراحل التالية كالعرض والتأليف والتراكم. ومع ذلك تظهر بعض
التعبيرات الدينية مثل أن محبة الجميل من محبة الله تعشيقًا في حديث: «إن الله جميل
يحب الجمال»، ولا كرامة أعظم مرتبةً من الاقتداء بالله حسب الإمكان البشري، ومعرفة
الإنسان بالأشياء الإنسانية والإلهية. ويستعمل الإيقاع والنظم في تسبيح الله.
والفيلسوف هو العالم بالحكمة أي بالأمور الإلهية، وهي الحركات السماوية والأفعال
الطبيعية الكلية والحيوانية والنباتية. والحكمة التامة لله تعالى وحده، فهو الحكيم
المطلق. فإيثار الحكمة والميل إليها أمر إلهي جليل القدر، ومحبة الخير تشبه بالله
لأن الله محب للخير، ومحبة الله محبة أفاضل الأبرار. والله يتعالى عن الإحسان.
٢٤
كما يظهر لفظ الملائكة عدة مرات. فعلى الإنسان أن يختار إما أن يكون قبيحًا
كالخنزير أو حسنًا كالملاك. والملائكة لا تتغذى ولا تتناسل على عكس أبدان الحيوان
التي تتغير وتفسد لما ركب الله فيها من شهوة الطعام والتناسل. ومن صاروا كالملائكة
يحق لهم تسميتهم بالمتألهين. وكما يميل الإنسان إلى اللذة يميل أيضًا إلى قوة كالتي
في الملائكة، وبعد الموت يصير الإنسان كالملائكة، ويكون بعقله مثلهم وشبيهًا
بسيرتهم، وقد أعان الباري الإنسان على النفس الشهوية بالنفس الغضبية وأعانه على
كليهما بالنفس الناطقة. وواضح اعتماد تلخيص جالينوس على أفلاطون، وقوى النفس
الثلاث. والنفس التي يقتدي بها الإنسان هي النفس الناطقة. ومع ذلك ففي الإنسان
فضائل ليست في الملاك لأنها لا تليق به مثل الغذاء والتناسل.
٢٥ وكما يبدأ التلخيص بالبسملات ينتهي بالحمدلات.
٢٦
ويقوم بالمختصر مجهول. فالمهم العمل وليس الشخص، وهو مختصر للمقالات الأربعة. لا
ضير أن يبدأ بفعل القول «قال» مع أنه ليس اقتباسًا حرفيًّا بل هو تلخيص للمعنى مما
يدل على أن الغاية من المختصر هو اقتناص المعاني وليس شرح الألفاظ.
٢٧ ولا يعني المختصر إسقاط أسماء الأعلام كلها فهذا أقرب إلى الجامع الذي
يركز على الأشياء، ففي مختصر كتاب الأخلاق لجالينوس تذكر أسماء الأعلام مثل أفلاطون
وأرسطو وسقراط وسولون. بل وتذكر الأسماء الخيالية النمطية مثل هرمس. كما تذكر أسماء
الفرق مثل الفلاسفة القدماء، القوم المتأخرين، الفلاسفة. ومن بقايا الترجمة يتم
التخصيص على اللغة اليونانية تمايزًا بين لغة الوافد ولغة الموروث. ويحيل جالينوس
إلى باقي أعماله الأخرى مثل «آراء أبقراط وأفلاطون».
والأهم من ذلك كله هو تعشيق ملخص الوافد في ثقافة الموروث بالحديث عن الملائكة
وأنها لا تتغذى ولا تتناسل لأن جوهرها باقٍ على حال واحد، أما أبدان الحيوان فإنها
تتغير وتفسد، جعل الباري لها شهوة الطعام والتناسل. ومن كان طبعه من البشر حب
الجميل وفعله فقد اقتدى بسيرة الملائكة. واستحقوا أن يسموا متألهين، وتكون سيرتهم
مثل سيرة الملائكة، طالما أن الإنسان لا يشعر بأن العقل الذي فيه لا يموت. وهذا لا
يمنع من الطعام والشراب وإلا كان الإنسان ملاكًا بالفعل. «ولا كرامة أعظم من مرتبة
الاقتداء بالله حسب الإمكان البشري.» وهي عبارة أفلاطون، ومن الفضائل ما يليق
بالإنسان ولا يليق بالملاك مثل ضبط النفس عن الشهوات؛ لذلك قال أفلاطون لا يقدر أن
يسوس الناس سياسة فاضلة إلا أن يكون ملكًا.
٢٨
والأشياء التي تعرف منها إنسية ومنها إلهية. والإنسية لرياضة النفس مثل الحساب
والهندسة والأعداد والنجوم والموسيقى؛ إذ يستعمل الوزن والإيقاع والنظام في تسبيح
الله وعند الذبائح، والحكيم هو العالم بالأمور الإلهية. وهي الحركات السماوية
والأفعال الطبيعية الكلية الحيوانية والنباتية. وليست الحكمة التامة إلا الله
تعالى؛ فهو الحكيم المطلق. ولهذا قيل للإنسان فيلسوف أي محب الحكمة. فإيثار الحكمة
والميل إليها أمر إلهي جليل القدر. وهو من خصائص النفس الناطقة ومن فضائلها. والله
محب للخير. والنفس الناطقة تقتدي به. ويتعالى الله عن الإحسان، ومحبة الناس لله
والأبرار السابقين لأنه غني عن العالمين. ولا تطلب منفعة إلا من السلطان الإلهي
وحده وهو الله، ولا تطلب المخاصمة إلا منه وليست من السلطان الأرضي، فالله هو العدل
حتى ولو أكثر الإنسان ترك حقه. وكالعادة ينتهي كل مقال بالحمد والشكر والمجد والشكر
دائمًا أبدًا.
٢٩
(د) وقد قام المترجمون أيضًا بالتلخيص مثل ثابت بن قرة (٢٨٨ﻫ) «في تلخيص كتاب ما
بعد الطبيعة لأرسطو».
٣٠ ويستعمل لفظ «تلخيص» مما يدل على أنه نوع أدبي مبكر عند المترجمين.
ويعني التلخيص عند ثابت التحول من الإقناع إلى البرهان «مما جرى الأمر فيه على
سياقه البرهان سوى ما جرى من ذلك مجرى الإقناع.» فأرسطو يأتي في كتابه هذا بأقاويل
فيه إغماض «يحتاج إلى شرح وبيان.»
٣١ وهو تلخيص «على طريق الجملة» أي التركيز الشديد الذي سيصبح الجوامع
فيما بعد.
ويذكر أرسطو ثم أفلاطون. ويحال إلى السماع الطبيعي ثم إلى السماء.
٣٢ ويوضع أرسطو في سياقه بالمقارنة بأفلاطون، وصفًا للجزء في إطار الكل.
وإحالة ما بعد الطبيعة إلى الطبيعة تدل على أنهما علم واحد ولا تستعمل أفعال القول
كما هو الحال في الشرح والتفسير إلا قليلًا.
٣٣
ويتم شرح عنوان الكتاب «فيما بعد الطبيعة» ببيان القصد منه. ثم يتتبع مسار فكره
خطوة خطوة من المقدمات إلى النتائج للوثوق بصحة الاستدلال. ويظهر مسار الفكر وتوضيح
الأشكال بعبارات الشرط «فإن ظن ظان»، «فإن قيل»، ثم الجواب «فقد تبين من هذا أن»
فالغاية من التلخيص هو أيضًا الشرح والبيان والتوضيح.
٣٤ «التلخيص تبديد الظن الذي يظن كثير من الناس» أي التخلص من الأفكار
الشائعة التي ذاعت عن أرسطو وتصحيحها. التلخيص حجاج وجدل مع مسيئي تأويل أرسطو «إلا
أن قومًا يرون أنه يجب من هذا.»
٣٥ وهو ملخص بناء على طلب الإيضاح والتفسير، وكالعادة يبدأ التلخيص
بالبسملة وطالب التوفيق.
٣٦
(٢) الكندي
(أ) وقد قام الفلاسفة بعد المترجمين بالاختصارات والمختصرات قبل أن تتحول إلى نوع
أدبي مستقل وتستعمل عند ابن رشد. فللكندي «القول في النفس المختصر من كتاب أرسطو
وأفلاطون وسائر الفلاسفة.»
٣٧ وكان يمكن أن يدخل في العرض الجزئي لولا أن الكندي لا يذكر أنه عرض
لكتاب النفس لأرسطو بل يذكر أنه مختصر له. كما أن العرض لا يكون إلا لعمل واحد في
حين أن هذا المختصر هو لأرسطو وأفلاطون وسائر الفلاسفة خاصة أفسقورس.
٣٨
والمضمون إشراقي، أقرب إلى أفلاطون منه إلى أرسطو؛ إذ يذكر أفلاطون ثم أرسطو ثم
أفسقورس، السيطرة على قواها الغضبية والشهوية لصالح الناطقة. وهو ما يتفق عليه
أفلاطون وأفسقورس. ويتوارى أرسطو والنفس الحساسة المدركة أمام هذا التيار الإشراقي،
والمختصر إجابة على سؤال اختصار قول في النفس. فجاء الجواب اختصارًا لكتاب أرسطو في
النفس تلخيصًا كافيًا وفحصًا شافيًا.
وجوهر النفس من جوهر الباري عز وجل، إلهي روحاني، من نور الباري عز وجل. النفس
مفارقة للبدن، وصائرة إلى عالم الحق الذي فيه نور الباري سبحانه، معرفتها بالتشبه
بالباري سبحانه فيصبح الإنسان فاضلًا قريبًا الشبه من الباري سبحانه لأن الأشياء
التي للباري عز وجل هي الحكمة والقدرة والعدل والخير الجميل والحق، ويكون تشبه
الإنسان بها. إذا تجردت النفس وفارق صارت في نور الباري وراءه وانكشفت لها العلوم
والحقائق كما هي للباري عز وجل، تنظر بنور الباري كل ظاهر وخفي. تنصقل النفس وتعكس
صورة من نور الباري، ويفيض عليها الباري من نوره ورحمته، وتحصل على لذة إلهية
روحانية ملكوتية. ومسكن النفوس بعد التجرد كما قالت الفلاسفة خلف الفلك في عالم
الربوبية حيث نور الباري، فتطابق النفس نور الباري ويفوض إليها الباري أشياء من
سياسة العالم، فقوة النفس قريبة الشبه بقوة الإله تعالى. وهنا يأتي أرسطو متفقًا مع
إشراقيات أفلاطون وأفسقورس عن طريق حلم الملك اليوناني الذي رأى الأنفس والصور
والملائكة وأعطاهم البراهين عليها. فأرسطو فيلسوف البرهان، الحكيم المبرز، المتعبد
لباريه، ويعترف الجهال بفضل المتعبد لله. وينتهي الكندي إلى الدرس المستفاد من هذا
المختصر في النفس بالتوجه إلى القارئ وبأنه عابر سبيل في هذه الدنيا عليه التوجه
بإرادة ربه عز وجل. الأخلاق إذن بين الفلاسفة والأنبياء، بين الفلسفة والدين في أمر
النفس، ولا خلاف بين الحكماء أنفسهم أفلاطون وأرسطو وأفسقورس، وكما يبدأ المختصر
بالدعوة للسائل بالتسديد والإسعاد تنتهي أيضًا بالإسعاد في الدنيا والآخرة
وبالحمدلة لرب العالمين والصلاة على محمد وآله أجمعين.
(ب) وللكندي أيضًا «كلام في النفس، مختصر وجيز» مكتوب بنفس المختصر الأول. يجمع
بين أفلاطون وأرسطو، وأقرب إلى أفلاطون الإشراقي منه إلى أرسطو العلمي.
٣٩ ومع ذلك يتفق الفيلسوفان في أن النفس جوهر بسيط تظهر أفعالها من خلال
الأجرام. فالحكمة واحدة عند الفلاسفة وعند الأنبياء وعند الفلاسفة
والأنبياء.