وثبة الشرق
كانَتِ الدولةُ العثمانيةُ قد أصابَها الضَّعْف، ودبَّ في أوصالِها الوهَنُ في بدايةِ القرنِ العشرين، بحيثُ أصبحَتْ كالمريضِ المُسنِّ الذي ينتظرُ الجميعُ موتَه؛ ليَرِثُوه ويقتسِمُوا ما يَملك. وشيئًا فشيئًا تعالَتِ الأصواتُ المُطالِبةُ بالتغيير، وكانَ بعضُها هادئًا مُتَّزِنًا، يرى إمكانيةَ إصلاحِ النظامِ الحالي، وكانَ البعضُ الآخَرُ مُتطرفًا يرى أنَّ الحلَّ في الثورةِ الشاملةِ والتحرُّرِ من جميعِ القيودِ والمَوْروثات، وهو ما حَدَث. وبزوالِ الخِلافةِ المُتهالكةِ رَنَتِ العيونُ إلى تركيا الحديثةِ وما قَطعَتْه من خطواتٍ نحوَ النَّهْضة، فرأى بعضُ المُفكِّرين كصاحبِ كتابِنا هذا أنَّ السبيلَ الوحيدَ لإصلاحِ دولِ الشرق هو أنْ نتمثَّلَ التجرِبةَ التركيةَ بكلِّ خُصوصيتِها. وظهرَت بعضُ الأُطْروحاتِ الشديدةِ التحامُلِ على التُّراثِ والتَّقالِيد؛ تلك الأُطْروحاتِ التي قد نجِدُ بها بعضَ النَّزَقِ والانْدِفاع، ولكنَّها حملَت بعضَ الوَجاهة، ويبقى الحكمُ للقارِئ.