مَن كانت؟
في وقت متأخِّر من تلك الليلة، وحين كان هيثرويك يعيد التفكير في الأمور، أعلن صوت الدهس على سلَّمه والطَّرْق على بابه الخارجي دخولَ ماذرفيلد، الذي ألقى بنفسه في أقرب كرسي وثير وقد علت وجهه نظرات معبِّرة.
وصاح قائلًا: «حبًّا بالرب يا سيد هيثرويك، أعطني قطرة من ذلك الويسكي! أنا مرهق تمامًا، وخائب الأمل تمامًا أيضًا! يا له من يوم ذلك الذي قضيته خلف تلك المرأة! ومعنى كل ذلك لا يعلمه إلا الرب وحده، أما أنا فلا أعرف معناه!»
قدَّم هيثرويك إلى زائره، الذي قضى وقتًا طويلًا في الخارج، الويسكي والصودا، وانتظر حتى تجرَّع الرجل شربة كبيرة منه. ثم عاد إلى مجلسه وأخذ غليونه.
وقال متسائلًا: «هل أفهم أنك حظيت بيوم غير ناجح جدًّا يا ماذرفيلد؟ آمل أنك لم تكن تسعى في مطاردة وهمية؟»
صاح ماذرفيلد قائلًا: «هذا بالتحديد هو ما آلت إليه الأمور! على أي حال، بعد أن عانيت معاناة كبيرة هربت المرأة، تحت ناظري تقريبًا! لكنني سأخبرك بكل شيء؛ هذا هو سبب مجيئي هنا. حين خرجتُ من ذلك المنزل في «سانت ماريز تيراس، كانت تنعطف» لتوِّها يمينًا إلى طريق «بيشوب رود». تبِعتُها بالطبع. عبرت هي الجسر؛ جسر السكة الحديدية الكبير، وانعطفت في نهايته نحو محطة «بادينجتون». حينها ظننت أنها ستستقل أحد القطارات الصباحية المبكِّرة. دخلت المرأة المحطة عبْر مكتب الحجز الخاص بالدرجة الأولى، ولم أكن حينذاك بعيدًا عنها إلا بياردات قليلة. لكنها بدلًا من أن تتوقَّف هناك وتأخذ تذكرة، أكملت طريقها وعبرت المحطة ووصلت إلى رصيف الوصول وأشارت إلى سيارة أجرة. وفي غضون دقيقة كانت تستقل السيارة التي انطلقت بها. من حسن الحظ أنه كانت هناك سيارة أجرة أخرى قريبة. ناديت عليها وأخبرت السائق أن يُبقي السيارة الأولى أمام ناظره وأن يتبعها إلى أي مكان تذهب إليه. وهكذا انطلقت مرة أخرى، في مطاردة أخرى! وانتهت تلك المطاردة في محطة أخيرة أخرى؛ محطة «واترلو»!»
علَّق هيثرويك بينما توقَّف ماذرفيلد من أجل أن يرتشف شيئًا من كأسه: «أظنُّ أنها كانت عائدة إلى المنزل. يمكنك الذهاب إلى دوركينج من واترلو.»
أجابه ماذرفيلد: «لم تكن متوجهة إلى دوركينج! سرعان ما اكتشفت ذلك. فبالرغم من أنَّ اليوم لا يزال في باكورته، كان هناك الكثير من الناس في «واترلو»، وحين ذهبت إلى مكتب التذاكر تمكَّنت من البقاء بالقرب خلفها؛ كنت قريبًا بما يكفي على أي حال لأسمع أي شيء تقوله. وقد طلبت تذكرة فردية من الدرجة الأولى إلى ساوثامبتون.»
قال هيثرويك متعجِّبًا: «ساوثامبتون! أممممم!»
كرَّر ماذرفيلد يقول: «ساوثامبتون! تذكرة فردية من الدرجة الأولى إلى ساوثامبتون. أخذت المرأة التذكرة وسارت مبتعدة، ولم تنظر لا عن يمينها ولا عن شمالها؛ لم تلمحني قط. والآن وكما أخبرتك بالأمس أني لا أحب البدء في أي شيء إلا إن كنت سأنهيه حتى آخره. لذا وبعد أن فكَّرت لدقيقة، حجزت تذكرة إلى ساوثامبتون، في الدرجة الثالثة. خرجتُ ونظرت إلى لوحة الإعلانات. ساوثامبتون، ٥.٤٠. حينها كانت الساعة الخامسة وخمسًا وعشرين دقيقة. لذا ذهبت إلى مكتب الهاتف واتصلت بمقرنا وأخبرتهم أنني أسعى خلف شيء وألَّا ينتظروا رؤيتي طوال اليوم. بعد ذلك، اشتريت جدولًا وجريدة أو اثنتين من الكشك الذي كان يفتح أبوابه لتوه وذهبت إلى القطار. كان هناك الكثير من المسافرين فيه. لم يكن القطار قد أتى على الرصيف حينها؛ وحين أتى القطار بعد دقيقة أو اثنتين رحت أرقبها وهي تستقله؛ كان من السهل تحديد مكانها بسبب طول قامتها. ودخلت أنا إلى عربةٍ مخصصة للتدخين في الأسفل قليلًا وانطلقنا في موعدنا المحدَّد، ولكي أخبرك بالحقيقة، كنت أتساءل عن سبب ذهابي بالتحديد! لكنني كنت ذاهبًا إلى أي مكان ستذهب هي إليه.»
سأله هيثرويك بابتسامة: «حتى ولو كان ذلك إلى خارج البلاد؟»
قال ماذرفيلد موافقًا: «أجل، فكَّرت في ذلك! فربما كانت تهرب على حد علمي. وقد جعلني هذا ألتفت إلى أخبار السفن البخارية في الجريدة، ورأيت حينها أن السفينة «تارتاريك» على وشْك أن تغادر من ساوثامبتون إلى نيويورك في الثانية من ظهر ذلك اليوم. والحق أنه كانت توجد أمورٌ أصعب في التصديق من هذا تبرِّر ذَهابها على متنها؛ وذلك لأسباب خاصة بها، لا سيما إن كانت هي حقًّا السيدة ويتينجهام المسئولة عن حادثة سيليثوايت قبل عشر سنوات. ذلك أنني فكَّرت في الأمر على هذا النحو: إن كانت هي السيدة ويتينجهام فإنها ستكون فطنة بما يكفي لتعرف أنه ما من حدٍّ زمني لإسقاط الدعاوى القضائية في هذه البلاد، وأنها لا تزال عرضة لإلقاء القبض عليها ومقاضاتها وإدانتها، ومن المرجَّح أنها تعرف أيضًا أن مسألة هانافورد هذه قد جذبت اهتمامًا حديثًا نحو مسألتها الصغيرة، وأنها في خطر. ثم إنني كنت أفكِّر بشأن علاقتها بذلك الرجل المدعو باسيفيري. كيف لنا أن نعرف أن باسيفيري ذلك لم يكن شريكًا لها في جريمة احتيال سيليثوايت؟ في معظم القضايا من ذلك النوع يكون للمرأة شريكٌ ما في الخلفية؛ وربما كان باسيفيري متورطًا معها آنذاك. والآن ربما كانت لديه معلومات أدَّت به إلى أن يحذِّرها لتنجو بنفسها، أليس هذا محتملًا؟»
قال هيثرويك مُقِرًّا: «قد ينطوي ذلك على شيء مهم يا ماذرفيلد. أجل، لا شك أنه ينطوي على شيء.»
فقال ماذرفيلد مؤكِّدًا: «قد ينطوي على شيء كبير. فقد تركْنا رجالَ الصحافة يحصلون على معلومات كثيرة. أنا أومن بأهمية الاستفادة من الصحافة؛ إذ تكون مصدرَ عون كبير أحيانًا، أو ربما بصفة عامة، لكن ثمة أوقاتًا أخرى تكون فيها الاستعانة بالصحافة خطرًا كبيرًا، وذلك حين ينطوي الأمر على تقديم مساعدة قيمة إلى العدو. لست متأكدًا بأننا لم نسمح لأولئك المراسلين بمعرفةِ ما هو أكثر من اللازم عن هذه القضية. على سبيل المثال، تركناهم يعرفون عن الصورة التي وجدناها في محفظة هانافورد وعن المظروف المختوم الذي نظن أنه كان يحتوي على سر ابتكاره؛ كل ذلك كان في الصحف، وإن لم تكن قد كتبت عنها كثيرًا. ومع ذلك، فقد ورد من المعلومات الكثير لأي شخص يتابع القضية عن كثب. والآن، إذا افترضنا أن باسيفيري كان هو شريك السيدة ويتينجهام في الجريمة قبل عشر سنوات، وأنه قرأ كل ذلك ورأى نسخة الصورة، ألم يكن ليرى أنها معرَّضة للخطر وأن عليه تحذيرها؟ أظن أن ذلك مرجَّح، وأتمنى أننا لم نكن متساهلين للغاية فيما يتعلق بالأخبار التي قدمناها للصحف. على أي حال، أنا مسرور أنه يوجد شيء لم أخبر الصحافة بشأنه، وهو زجاجة الدواء التي وجدناها في منزل جرانيت! لا أحد غيري وغيرك والأطباء يعرفون بذلك، حتى الآن.»
قال هيثرويك مكرِّرًا كلام ماذرفيلد: «أتظن أن هذه المرأة التي هي الليدي ريفرسريد الآن والسيدة ويتينجهام من قبل، كانت تهرب إلى ساوثامبتون أو ربما أبعد من ذلك بناءً على تحذير من باسيفيري؟»
أجابه ماذرفيلد: «فكِّر في الأمر على هذا النحو. بالطبع علينا أن نفترض الكثير من الأمور، لكن لا يمكننا أن نتحرَّك قيد أنملة من دون أن نفترض الأشياء في هذا المجال. كانت الليدي ريفرسريد فيما مضى هي السيدة ويتينجهام. قامت السيدة ويتينجهام بتنفيذ جريمة تزوير ماكرة في سيليثوايت، وهربت بالغنيمة. كان باسيفيري شريكها في الجريمة. والآن وبعد مرور عشر سنوات أصبحت السيدة ويتينجهام هي الليدي ريفرسريد، تلك المرأة الثرية. وفجأة يزورها باسيفيري في قصر ريفرسريد، ومن الواضح أنها كانت مستاءة للغاية من زيارته الأولى. يزورها مرة أخرى. وبعد ذلك بثلاث ليالٍ شُوهدت وهي تخرج من نادٍ يتردَّد عليه هو كثيرًا. تقضي معظم الليلة في شقة في حيٍّ هادئ من لندن، وفي الصباح التالي تنطلق مبكرًا جدًّا في الخامسة صباحًا لأحد الموانئ؛ ساوثامبتون. فما الذي يمكن استنتاجه من ذلك؟ أن زيارتها إلى ساوثامبتون لها علاقة بكل تأكيد بزيارة باسيفيري لها وزيارتها إلى نادي فيفيان!»
قال هيثرويك: «أعتقد أنَّ ذلك ينطوي على شيء مهم أيضًا. لكننا في الطريق إلى ساوثامبتون. أكمل!»
أكمل ماذرفيلد يقول: «كان قطارًا جيدًا للغاية. وصلنا إلى ساوثامبتون قبل الثامنة تمامًا، لم نتأخَّر إلا لدقيقة أو اثنتين. كنت أريد أن أتناول شيئًا من الطعام والشراب بحلول ذلك الوقت، وكنت مسرورًا لرؤية السيدة تلتفت لتدخل غرفة المرطبات فور أن غادرت عربة القطار التي كانت تستقلها. وهكذا تبِعتها أنا. كنت أعلم أنها لم يكن ليساورها الشك أبدًا بشأن رجل هادئ وطبيعي مثلي، وإن تفضَّلت ورمقتني بنظرة منها؛ إذ لاحظت أنها امرأة يبدو عليها التكبُّر، لظنت أنني مندوب تجاري متجول ليس إلا. ولم نكن بعيدين أحدنا عن الآخر في تلك الحجرة؛ إذ جلست هي إلى طاولة صغيرة، وكانت تتناول بعض الشاي وما إلى ذلك، وكنت أنا جالس عند المنضدة. لم أُظهِر قط أنني أرقبها بالطبع، لكنني حصلت على فرصتين أو ثلاث للنظر إليها بإمعان. لا شك أنها امرأة جميلة يا سيد هيثرويك، وهي متأنقة في ملبسها! لكنك بالطبع رأيت ذلك بنفسك.»
علَّق هيثرويك قائلًا وهو يضحك: «ينبغي أن تتذكَّر أنني لم أرَها إلا مرتين. مرة في فيكتوريا حين أشارت إليها الآنسة هانافورد، والأخرى ليلة أول من أمس، وكانت الإضاءة سيئة. لكنني سأصدِّق كلمتك يا ماذرفيلد. حسنًا، وماذا حدث بعد ذلك؟»
استطرد ماذرفيلد: «حسنًا، أخذت وقتها في تناول الشاي والخبز المحمص. أؤكِّد لك أنها تؤدي كل حركاتها في تؤدة. بعد ذلك، تحرَّكت أخيرًا وقد تبعتُها بالطبع بشكل طبيعي وغير لافت. والآن وكما قد تعلم، فإن ساوثامبتون ويست، حيث نزلنا من القطار، تبعُد عن المدينة بعض الشيء، فتوقَّعت منها أن تستقل سيارة أجرة. غير أنها لم تفعل؛ إذ سارت مبتعدة عن المحطة. فعلت مثلها تاركًا بيننا مسافة تتراوح بين عشرين ياردة وثلاثين. أخذت المرأة وقتها؛ وبدا لي أنها تتسكع عمدًا. وأخيرًا خطر لي السبب في ذلك؛ كانت تنتظر حتى تفتح المكاتب التجارية أبوابها. وكنت محقًّا في ذلك؛ فحالما دقت ساعات المدينة معلنةً التاسعة أسرعت هي خطاها وتوجَّهت مباشرة إلى حيث مبتغاها. فماذا كان ذلك في ظنك؟»
قال هيثرويك: «ليس لديَّ أدنى فكرة.»
فأجاب ماذرفيلد: «مكاتب وايت ستار! ذهبت إلى هناك مباشرة، ودخلت إلى المكان مباشرة! انتظرتها بالخارج طبعًا في مكانٍ لا يمكنها أن تراني منه حين تخرج مرة أخرى. مكثت هناك قرابة عشرين دقيقة. وحين خرجت توجَّهت إلى مكانٍ آخر من المدينة. وبالقرب من تلك البوابة القديمة، أو الحانة أو أيًّا كان ذلك الذي كان موجودًا في الجهة الأخرى من الشارع، فقدتُها تمامًا!»
علَّق هيثرويك: «أظن أن ذلك لسبب استثنائي يا ماذرفيلد. كيف حدث ذلك؟»
زمجر ماذرفيلد قائلًا: «كانت تلك غلطتي الفادحة! حوَّلت بصري عنها في منطقة مزدحمة للغاية؛ إذ كانت المدينة قد بدأت تزدحم. ما حدث أنني سمحت لانتباهي أن يتحوَّل عنها، وحينها اختفت! في البداية كنت متأكدًا أنها دخلت إلى أحد المتاجر. فنظرت في داخل عدة متاجر على الرغم من خطورة ذلك، لكنني لم أجدها. فتسكَّعت في الأرجاء؛ لكن ذلك لم يُجدِ نفعًا. فاستنتجت أنها دلفت إلى أحد الشوارع الجانبية أو الأزقَّة أو الممرَّات، وكان هناك عدد منها، ثم اختفت. وبعد أن تسكَّعت في الأرجاء قليلًا، ورحتُ أسير في بعض الشوارع، وهو أسلوب سيئ في عملنا في أفضل أوقاته ويعتمد تمامًا على الحظ فقط، قررتُ أن أقوم بمحاولة جريئة وأن أتأكد من أي شيء على أي حال.»
سأله هيثرويك: «ماذا؟ كيف؟»
ردَّ ماذرفيلد قائلًا: «فكَّرت في أن أعرف ما ذهبت إلى مكاتب «وايت ستار» من أجله. لم أُرِد بالطبع أن أثيرَ حولها أيَّ شكوك في ظل هذه الظروف. لكنني أثني على نفسي بقولي إنني أتمتَّع بشيء من الدبلوماسية؛ وضعت خطتي. دلفت إلى هناك، وتحدثت إلى موظفٍ بدا عليه أنه من النوع الذي يحافظ على الأسرار، وأخبرته بهويتي وأريته أوراق اعتمادي، وطلبت منه المعلومات التي أردتها. وقد حصلت عليها بالفعل. فمن حسن الحظ أن ذلك الرجل كان قد أشرف على طلباتها بنفسه وكان يتذكَّرها جيدًا. كان قد مرَّ على وجودها هناك أكثر من ساعة ونصف بالفعل.»
سأله هيثرويك: «ولماذا كانت هناك؟ ماذا سمعت؟»
أومأ ماذرفيلد بشكل ينم عن شأن خطير.
وأجاب يقول: «ما توقعت أن أسمعه تمامًا. لقد حجزت تذكرة من الدرجة الثانية إلى نيويورك على متن سفينة «تارتاريك» التي كانت ستغادر ظهر ذلك اليوم تحت اسم إتش كانينجهام. فور أن عرفت ذلك، علمت أنني سأعثر عليها مرة أخرى، دون حاجة إلى تمشيط المدينة بحثًا عنها. تأكَّدت من معلومة أن الركَّاب سيُسمح لهم بالصعود على متن السفينة من الثانية ظهرًا؛ إذ إن السفينة ستغادر بين الخامسة والسادسة. لذا، وبعد أن حثثت الموظف ثانية على الحفاظ على السرِّ وأعطيته الأسباب الوجيهة لاستفساراتي، ذهبت لأستريح قليلًا، وفي الوقت المناسب كنت أجلس لتناول وجبة غداء مبكرة مريحة؛ إذ ينبغي على المرء أن يروِّح عن نفسه بين الحين والآخر يا سيد هيثرويك.»
قال هيثرويك: «بالتأكيد يا ماذرفيلد، أتفق معك. لكني أعتقد أن عقلك كان لا يزال مشغولًا بينما كنت تتناول طعامك وشرابك، أليس كذلك؟»
قال ماذرفيلد موافقًا: «هذا صحيح يا سيدي. أجل، كنت قد وضعت خططي. لم أكن سأذهب إلى نيويورك بالطبع؛ كان ذلك مفروغًا منه. لكنني كنت أريد أن أتحدَّث إليها. قررت أنني سأنتظر صعودها على متن السفينة «تارتاريك»؛ إذ خمنت أنها ستأتي مبكرًا بما أنها وحيدة. كنت سأعرض عليها أن نأخذ جانبًا، مخاطِبًا إياها باسم الليدي ريفرسريد بالطبع وكنت سأخبرها بهويتي وأريها أوراقي، وأسألها إن كانت تستطيع أن تدلي لي بمعلومات عن الدكتور سيبريان باسيفيري. كنت سأراقب استجابتها لذلك قبل أن أسألها أي شيء آخر؛ إذا رأيت أنها محجمة ومرتبكة، وإذا أعطتني إجابات مراوغة، فقد كنت سأسألها مباشرة إن كانت قبل زواجها من الراحل، السير جون ريفرسريد تُعرَف باسم السيدة ويتينجهام، تلك السيدة التي مكثت لبعض الوقت في فندق «وايت هارت» في سيليثوايت قبل عشر سنوات. وكنت قد قررت أيضًا أنها لو اعترفت بذلك ورأيت سببًا وجيهًا، فسأُلقي القبض عليها.»
قال هيثرويك متعجبًا: «أكنت تنوي فعل كل هذا؟»
أجاب ماذرفيلد: «بالفعل! كان لديَّ الكثير من المبرِّرات التي تدفعني لذلك. لكن أيًّا من ذلك لم يحدث؛ لأنني لم أرَها قط! وصلت إلى مكان الرحيل قبل الثانية بوقت كافٍ، وتأكدت من أن أحدًا لم يصعد على متن السفينة حتى تلك اللحظة. ظللت أراقب بعينين ثاقبتين قدر إمكاني منذ الثانية إلا عشر دقائق وحتى الخامسة وخمس وعشرين دقيقة حين أبحرت السفينة، لكنها لم تظهر. قد تقول بالطبع إنها مرت ولا بد من دون أن ألحظها، لكنني متأكد من أنها لم تفعل. لا يا سيدي! في رأيي أنها أعادت التفكير في الأمر ولم تغادر؛ فخسارتها لسعر التذكرة أو جزء منه لن يمثِّل معضلة لامرأة تتمتَّع بما تتمتع هي به من موارد مالية، أو أنها خافت في اللحظة الأخيرة من أن تُظهر نفسها على ذلك المسرح!»
قال هيثرويك متسائلًا: «خائفة! لماذا؟»
ضحك ماذرفيلد كثيرًا.
وأجاب يقول: «كان هناك رجلان أو ثلاثة من رجالنا في سكوتلاند يارد في الأرجاء. لا أعرف ما كانوا يسعون خلفه، ولم أسألهم. لكنني طلبت منهم أن يساعدوني في البحث عن سيدة قدمتُ لهم أوصافها بالكامل؛ وهذا هو سبب يقيني من عدم خروجها على متن السفينة. مَن يدري! ربما تكون قد ذهبت إلى هناك وتعرَّفت على بعض أولئك الرجال، ونأت بنفسها عن المكان! على أي حال، لم تقع المرأة تحت ناظري مجددًا. الحق أنني لم أرَها مرة أخرى بعد أن فقدت إثرها في الصباح. لذا؛ هذا هو موقفي!»
علَّق هيثرويك قائلًا: «إذن فقد عُدت، مهزومًا؟»
أقرَّ ماذرفيلد قائلًا: «إن كنت تريد أن تصف الأمر بذلك. أجل، عُدت في قطار السابعة وثمانٍ وثلاثين دقيقة. كنت في غاية الإنهاك! لكنني لم أنتهِ من هذا الأمر بعدُ يا سيد هيثرويك، وأريد منك أن تفعل شيئًا لأجلي. الآنسة هانافورد في قصر ريفرسريد الآن. يوجد هاتف هناك بالطبع. أريد منك أن تتصل بها في وقت مبكر من صباح الغد، واطلب منها أن تقابلك ظهرًا في دوركينج بشأن أمر خاص وهام، إن كانت تستطيع ذلك. أين يمكننا أن نلتقي مثلًا؟»
اقترح هيثرويك قائلًا: «سيَفي «وايت هورس» بالغرض.»
فوافقه ماذرفيلد قائلًا: «جيد جدًّا، فندق «وايت هورس» عند الظهيرة. سنذهب إلى هناك بقطار العاشرة وعشر دقائق من فيكتوريا؛ ذلك أنني سوف أذهب معك. والآن من فضلك، كن حذرًا للغاية بهذا الشأن يا سيد هيثرويك، حين تجري المكالمة الهاتفية. لا تقُل أيَّ شيء عن أيِّ سبب للذهاب إلى دوركينج. ولا تذكر الليدي ريفرسريد بأيِّ شكل من الأشكال. لا تقُل للآنسة هانافورد إلا أنك تريد رؤيتها لأسباب عاجلة. ورتِّب للقاء!»
ردَّ عليه هيثرويك قائلًا: «حسنًا، يمكنني أن أرتِّب اللقاء بسهولة. يمكن للآنسة هانافورد أن تركب السيارة بسهولة من قصر ريفرسريد. لكنني لا أعرف ما تريد منها.»
أجابه ماذرفيلد بنظرة العارِف: «انتظر حتى الصباح وسترى. سأقابلك في فيكتوريا في العاشرة بالضبط.»