والمزيد بعدُ
بدا أنَّ التصريح الذي أدلى به بلينكنسوب، والذي لم يكن مباغتًا تمامًا لهيثرويك نظرًا لما جرت عليه الأمور خلال الدقائق القليلة المنصرمة، قد نزل على ماذرفيلد وكأنه صاعقة. ذلك أنه فغر فاه، واتسعت عيناه، والتفَت ينظر إلى هيثرويك وكأنه كان تائهًا لمدة زمنية طويلة في متاهة محيِّرة، وفجأة رأى طريق الخروج منها ظاهرًا أمامه.
فصاح يقول متعجِّبًا: «هذا هو الأمر إذن، أليس كذلك؟ أخت توءم؟ إذن … لكن، أكمل يا سيد بلينكنسوب؛ بدأت أفهم الأمور الآن.»
فأجابه بلينكنسوب: «لا شك أن الأمر محيِّر ومربِك للغرباء. ولكي أوضِّح الأمر، سآتي على ذكر شيء من تاريخ تلك العائلة. أكرِّر أن الليدي ريفرسريد والسيدة ليستوريل أختان توءم. وهما ابنتان لرجلٍ كان في زمنه رُبَّان عدة سفن تجارية قديمة، وجاب العالم كثيرًا. تزوَّج هذا الرجل بامرأة أمريكية ووُلدت ابنتاه في جليفستون بولاية تكساس. وقد تلقت الفتاتان تعليمهما في أمريكا، لكننا لسنا في حاجة لأن نذكر تفاصيل طفولتهما المبكرة …»
قاطعه هيثرويك: «هناك تفصيلة بعينها أحبُّ أن أطَّلع عليها إذا سمحت. كانت السيدة ويتينجهام التي مكثت في سيليثوايت قبل عشر سنوات تحمل وشمَ ثعبان بألوان متعدِّدة حول رسغها. وكانت ترتدي شريطًا مخمليًّا أسودَ لكي تغطيه. والآن …»
التفت بلينكنسوب إلى شريكه مبتسمًا.
وقال: «ظننت أن ستُطرَح هذه المسألة. في الواقع يا سيد هيثرويك، وإذا ما أردت أن تعرف عن هذا الأمر، فإن كلا الأختين تحمل الوشم نفسه. كان هذا من عمل والدهم البحَّار العجوز المخضرم؛ وهو عمل بارع وأحمق من جانبه. لقد دقَّ وشمهما في سن صغيرة، وقد أثار ذلك اشمئزازهما حين كبرا. كلتا السيدتين ترتديان ساعدةً مخملية تغطي بها الوشم، بحسب ما أعرف.»
قال هيثرويك: «أكمل من فضلك. لقد اتضح ذلك الآن!»
علَّق بلينكنسوب قائلًا: «أرى أنك كنت تتقصَّى عن الأمر من جانبك. حسنًا، حيث إننا نريد أن نخبركما بكلِّ شيء، فإننا سنلتزم بكلمتنا. لنتطرق إذن إلى مسألة سيليثوايت. الأرجح أنكما سمعتما جانبًا واحدًا من القصة، ربما حصلتما عليه من هانافورد، وربما حصلتما عليه من الجرائد القديمة، وربما حصلتما عليه من مصدر؛ هذا لا يعنينا. لكنكما لم تسمعا القصة من السيدة التي كانت حينها هي السيدة ويتينجهام. وهذا يُظهِر الأمر بشكل مختلف بعض الشيء. لأسباب خاصة بها لا تعنينا في شيء، مكثت السيدة ويتينجهام في سيليثوايت بعض الوقت، وكان ذلك هو اسمها الحقيقي والقانوني آنذاك. أجرت عدة تعاملات مع صائغٍ هناك؛ وفي نهاية المطاف اشترت منه قلادة ماسية بسعر ثلاثة آلاف وتسعمائة جنيه. حرَّرت له شيكًا بالمبلغ، وكانت تتوقَّع أن أموالًا بعينها ستصل حسابها من أمريكا حين يصل الشيك إلى موظفي البنك في مانشستر. حدثت عقبةٌ ما؛ فلم تصل الأموال، ورُفض الشيك. تقدَّم الصائغ إلى الشرطة؛ فحصل هانافورد الذي كان مفوَّض الشرطة هناك على مذكرة، وتتبَّع السيدة ويتينجهام. ألقى القبض عليها، وهربت هي منه وغادرت إنجلترا وعادت إلى أمريكا. ظلت بعض الوقت في ضائقة مالية. بالرغم من ذلك، لم تنسَ مسئولياتها، وفي النهاية أرسلت إلى الصائغ في سيليثوايت ثَمن القلادة الماسية، وفائدةَ ثماني سنوات بقيمة خمسة بالمائة. ولديها الآن إيصال رسمي بالمال الذي دفعته له. وفيما يتعلَّق بهذا الجزء من القصة، فإنني لا أعرف إن كان هانافورد قد عرف بهذا أم لم يكن يعرف. لكننا نميل إلى الاعتقاد بأنه لم يكن يعرف. على أية حال، فقد أُدِّي ثَمن القلادة، وبسخاء أيضًا.»
قال هيثرويك: «يجدر بي القول إنني أعرف هذا. فقد أُخبِرتُ بذلك الأمر بصورة مباشرة.»
قال بلينكنسوب بابتسامة أخرى من ابتساماته الماكرة: «جيد جدًّا. أرى أنك ذهبت إلى سيليثوايت. والآن، نأتي لما هو وثيق الصلة بالموضوع أكثر، وهي الأحداث الأخيرة. كان الموقف فيما يتعلَّق بالليدي ريفرسريد والسيدة ليستوريل قبل بعض الوقت — لنقل حين أتى هانافورد إلى المدينة — كالآتي: كانت الليدي ريفرسريد وهي أرملة السير جون ريفرسريد قد ورثت ثروته الكبيرة واستقرت في قصر ريفرسريد في سُري، وأسست دارًا للضباط المصابين الموجودين بالجوار، والذي يعمل صديقي وشريكي هنا الرائد بنتيني ممثِّلًا لها في لندن. كان لأختها السيدة ليستوريل شقةٌ في بادينجتون وأخرى في نيويورك. وكانت تعيش معظم الوقت في نيويورك، لكنها كانت تعيش أحيانًا في لندن وأحيانًا أخرى في باريس. والحق أنَّ السيدة ليستوريل خبيرةٌ في الأحجار الكريمة الثمينة بالفعل وتتاجر فيها. لكنها خُطِبت مؤخَّرًا إلى أحد النبلاء المشاهير وهو رجلٌ متقدِّم في العمر وفي غاية الثراء؛ ومن المحتمل أن يكون لهذا الأمر علاقة وطيدة بما أنا على وشك أن أخبركم به.»
فأشار بنتيني قائلًا: «على الأرجح يا بلينكنسوب، ليس من المحتمل. على الأرجح! بلا ريب.»
قال بلينكنسوب موافقًا: «على الأرجح إذن، على الأرجح!» اتكأ إلى الأمام على مكتبه باتجاه المستمعين. وقال: «والآن أيها السيدان أطلب منكما كامل انتباهكما؛ ذلك أنني سأذكر النقاط المهمة بحق في هذا الأمر، لا سيما تلك النقاط التي تهم الشرطة. قبل حوالي أسبوعين، كانت الليدي ريفرسريد في مكتبها الخاص في «الدار» بالقرب من قصر ريفرسريد، وكان ينتظرها رجلٌ أرسل بطاقةً تحمل اسم الدكتور سيبريان باسيفيري. ظنَّت الليدي ريفرسريد أن مقدِّم تلك البطاقة رجلٌ من القطاع الطبي ويرغب في رؤية «الدار»، فأُدخِل عليها لرؤيتها. وسرعان ما أدركت الليدي ريفرسريد أن الرجل لم يأتِ من أجلِ المهمة التي كانت تتخيَّلها. قصَّ عليها الرجل قصةً غريبة. في بادئ الأمر، أخبرها أنه ملِمٌّ تمامًا بتلك الفترة من حياة أختها والتي تتعلَّق بسيليثوايت والقلادة الماسية. وشعرت الليدي ريفرسريد التي كانت تعلم كلَّ شيء عن ذلك الأمر أن معلومات الرجل مكتسبةٌ بصورة مباشرة. أخبرها الرجل أيضًا أنه يعرف المكان الذي تمكث فيه السيدة ليستوريل ويعرف أمرَ خطبتها أيضًا؛ أي إنه أظهر لها باختصار أنه مطلِعٌ على التاريخ الحديث للعائلة فيما يتعلَّق بالليدي ريفرسريد نفسِها وبأختها. بعد ذلك كشف الرجل كلَّ أوراق لعبته. فأخبر الليدي ريفرسريد أن عصابةً بعينها من الرجال في لندن أصبحوا يعرفون بوقائع مسألة سيليثوايت، وبأمرِ مذكرة الضبط وعملية القبض على السيدة ليستوريل وهروبها، وأنهم أيضًا يعرفون بخطبة السيدة ليستوريل على اللورد الذي سنترك اسمه غيرَ معروف في الوقت الراهن أو سنشير له باللورد «س»، وأنهم يريدون ثمنًا لسكوتهم. بكلمات أخرى، كان هؤلاء الرجال عازمين على ابتزازها. وهدَّدوا بأنه إن لم يتم دفع الثمن الذي يريدون، فإنهم سيذهبون إلى اللورد «س» وسيقصون عليه الوقائع بأكملها ليخبروه بأنه مخطوبٌ إلى امرأةٍ لا تزال خاضعة بموجب قانون البلاد إلى إلقاء القبض عليها ومحاكمتها بتهمة الاحتيال.»
سأله ماذرفيلد: «أوَليست كذلك؟ أظن أن مثل هذه القضايا لا يُطبَّق فيها الحد الزمني يا سيد بلينكنسوب. وفي رأيي أنها ستكون خاضعة للقانون بعد عشر سنوات أو عشرين سنة أو حتى ثلاثين!»
أجاب بلينكنسوب: «لقد قلت بالفعل إنَّ مسألة سيليثوايت كانت مشكلة تتعلَّق بالحساب البنكي. لم تكن هناك نية للاحتيال، وقد دُفِع المبلغ مع الفائدة على النحو الواجب. على أي حال، ليس ذلك هو المهم؛ فنحن نتعامل مع طرح هذا الرجل المدعو باسيفيري لذلك الأمر على الليدي ريفرسريد. لم تكن الليدي ريفرسريد تعرف الوضعَ القانوني في هذه القضايا بالطبع، وقد انزعجت من أجل أختها. سألت باسيفيري عمَّا يريده. فأخبرها حينذاك بكلِّ صراحة أنه يستطيع التعامل مع أولئك الرجال، إذا قدَّمت له المال. فقد قال بأنه يتمتَّع بسلطةٍ ما عليهم يمكن أن يستخدمها لمصلحتها. وأرادت الليدي ريفرسريد أن تعرفَ نوعَ تلك السلطة، لكنه لم يخبرها. فأرادت بعدها أن تعرف مقدارَ ما يريده من المال، لكنه لم يخبرها أيضًا. ما قاله هو أنها لو كانت على استعداد لتخصيص المال لإسكاتهم، فإنه سيضغط عليهم في غضون الأسبوع التالي من أجل القبول بمبلغٍ مناسب، وأنه سيأتي إليها يوم الجمعة التالي وسيخبرها بمقدارِ ما سيأخذون من المال. فحدَّدت الليدي ريفرسريد معه ذلك الموعد.»
غمغم ماثرفليد: «آمل أنها أخذت بالنصيحة في تلك الأثناء. لا بد أنها سلَّمته المالَ هناك وفي الحال!»
أكمل بلينكنسوب يقول: «لا، لم تأخذ بنصيحةِ أحدٍ في تلك الأثناء. كانت السيدة ليستوريل في باريس، وكان الرائد بنتيني في رحلةِ عملٍ في الريف. وانتظرت الليدي ريفرسريد مجيء باسيفيري للمرة الثانية. وحين أتى أخبرها بما كانت تريده العصابة؛ ثلاثين ألف جنيه. وحدَّد أيضًا طريقةَ دفع المال؛ وهي طريقة تحُول دون تتبُّعه إلى الأشخاص الذين سيحصلون عليه. غير أنَّ الليدي ريفرسريد كانت أكثر استعدادًا في هذه المرة؛ إذ كان لديها وقت للتفكير. كانت تتوقَّع وصول الرائد بنتيني في اليوم التالي، كما علمت أيضًا أن أختها ستعود من باريس يوم الإثنين التالي. لذا أخبرت الليدي ريفرسريد باسيفيري أنها ستعطيه الإجابة مساء يوم الإثنين إن وافق على مقابلتها في موعد في مكانٍ ما في لندن. وفي نهاية المطاف حدَّدا موعدًا في نادي «فيفيان» في ممر كاندلستيك. غادر باسيفيري، وفي اليوم التالي أخبرت الليدي ريفرسريد الرائد بنتيني بكلِّ ما حدث. ونتيجة لذلك، ذهب معها إلى نادي «فيفيان» مساء يوم الإثنين. وانتظرا ساعة بعد الموعد المحدَّد. لكن باسيفيري لم يظهر …»
غمغم ماذرفيلد: «بالطبع! لم يكن ليظهر؛ لأنَّ الرائد ذهب إلى هناك!»
قال بلينكنسوب موافقًا: «ربما. على أي حال، لم يظهر الرجل. ولهذا غادرت الليدي ريفرسريد وتركت الرائد بنتيني في المكان. ويمكنني القول إنه انتظر هناك مزيدًا من الوقت، وظلَّ متيقظًا لظهور الرجل الذي وصفته الليدي ريفرسريد بالتفصيل، وهو رجل بارز المظهر كما أفهم. لكنه لم يرَه قط.»
صاح ماذرفيلد ساخرًا: «لا! بالطبع لم يظهر! لكنه كان سيظهر، لو ذهبت بمفردها!»
أكمل بلينكنسوب يقول: «حسنًا، هذا هو ما حدث. والآن لنكمل ما حدث مع الليدي ريفرسريد. لقد انطلقت إلى شقة أختها في بادينجتون، ووجدت السيدة ليستوريل قد عادت لتوِّها من باريس. أخبرتها بكلِّ ما قد حدث. فعزمت السيدة ليستوريل على الذهاب إلى نيويورك في الحال لإحضار أوراقٍ معيَّنة من شقتها سوف تثبت براءتها تمامًا في قضية سيليثوايت. وبعد أن تركت الليدي ريفرسريد في الشقة، انطلقت السيدة ليستوريل إلى ساوثامبتون قبل الخامسة من صباح اليوم التالي، هل أتابع؟»
ضرب ماذرفيلد على جبهته وهو يُطلِق غمغمةً عميقة.
وتمتم يقول: «أجل! طبعًا! بالتأكيد! أكمل! أكمل يا سيدي.»
قال بلينكنسوب: «يبدو أنك مندهش للغاية. على أي حال، في ساوثامبتون حجزت على متن العبارة «تارتاريك» التي تبحر في ظهر اليوم نفسه باسمٍ دائمًا ما كانت تستخدمه في السفر، وهو اسمها قبل الزواج. وبعد أن فعلت ذلك، ذهبت إلى فندقٍ لتناول الغداء. وبدأت تفكِّر في الأمر بهدوء أكثر. وفي النهاية، وبدلًا من أن تبحر إلى نيويورك، عادت وألغت الحجز وانطلقت في القطار إلى منزل اللورد «س» الريفي في ويلتشاير، وأخبرته بالقصة بأكملها. وبعثت برقيةً إلى أختها بما فعلت، وفي المساء كتبت إليها رسالة. في تلك الأثناء كانت الليدي ريفرسريد قد عادت في الصباح الباكر إلى قصر ريفرسريد. وذهب الرائد بنتيني معها. كان واثقًا من أن باسيفيري سيأتي. وقد أتى بالفعل! لكنه لم يقابل الليدي ريفرسريد. بل قابل الرائد بنتيني، وحدَه. وبعد أن تحدَّث معه الرائد بنتيني حديثًا صريحًا مقتضبًا، يمكن القول إنه طرده وأخبره أن يفعل أسوأَ ما لديه. وذهب الرجل، وهو يحمل تحذيرًا بأنه سيُسلَّم إلى الشرطة إذا ما أتى إلى هناك مرة أخرى.»
تأوَّه ماذرفيلد مرةً أخرى، وكان من الواضح أنَّ سبب انزعاجه من طبيعة مختلفة.
وصاح يقول وهو يهزُّ رأسه لبنتيني: «كان هذا خطأً يا سيدي؛ خطأً كبيرًا! ما كان ينبغي لك أن تسمح لذلك الرجل بأن يذهب بهذا الشكل! كان ينبغي عليك تسليمه للشرطة حينها. تدعه يذهب؟ أنت لا تعرف أين عساه أن يكون!»
فأجابه: «حسنًا، نحن لسنا بحمقى كما يبدو علينا يا ماذرفيلد. فحين ذهبت إلى دوركينج مع الليدي ريفرسريد صباح يوم الثلاثاء كان معي رجل ذكي يمكنني أن أثق به. وقد رأى باسيفيري وهو يصل، ورآه وهو يغادر. وأظنُّ أننا سنكون قادرين على وضع أيدينا على باسيفيري في أيِّ وقت. فرجلنا لن يضيِّعَه من أمام ناظرَيْه!»
قال ماذرفيلد: «هكذا إذن، حسنًا، هذا أفضل يا سيدي، هذا أفضل بكثير! لا بأس بهذا! ينبغي برجل مثل هذا أن يكون تحت المراقبة ليل نهار. لكن الآن أيها السادة، ماذا عن تلك المكافأة! لا شك بأنَّ فكرة تقديمِها قد انبثقت من أمر باسيفيري هذا. لكن، كيف بالتحديد؟ هل ذكر أمر هانافورد لليدي ريفرسريد؟»
أجاب بلينكنسوب: «لا! سأخبرك بكيفية توصُّلنا إلى فكرة إصدار ذلك الإعلان. كنتُ أنا والرائد بنتيني والليدي ريفرسريد طوال يوم الأحد في ظهيرته ومسائه ولبعض الوقت من صباح يوم الإثنين في جلسات تشاور مغلقة عن هذا الأمر. وسأخبركما في الحال بكيفية ربطنا لهذا الأمر بمسألة تسمُّم هانافورد التي قرأنا عنها جميعًا في الجرائد بالطبع، وبالسبب الذي دفعنا إلى ذلك.»
سأل ماذرفيلد قائلًا: «أجل! كيف، أخبِرنا الآن؟»
أجابه بلينكنسوب: «بسبب الآتي.» ونقرَ على المكتب ليؤكِّد أهمية كلماته، وكان ينظر إلى ماذرفيلد باهتمام بينما يتحدَّث. وأكمل يقول: «بسبب هذا: أخبر باسيفيري الليدي ريفرسريد أنَّ عصابة المبتزين لديهم المذكرة الأصلية الخاصة بإلقاء القبض على السيدة ويتينجهام!»
شعر هيثرويك بدافع كبير يحثُّه على القفز من كرسيه، والصراخ بصوتٍ عالٍ. غير أنه كبحَ جِماح رغبته تلك، لكن ماذرفيلد كان أقل تحفُّظًا.
فصاح بصوت حاد: «آه! آه!»
أكمل بلينكنسوب يقول: «كانت تلك خطوة خاطئة من باسيفيري. ما كان ينبغي عليه أبدًا أن يقول ذلك. لكنه فعل؛ لا شك أنه ظنَّ أن امرأةً ثرية ستكون فريسة سهلة. والآن بالطبع، حين جلسنا للمشورة، كنا نعرف كلَّ شيء عن مسألة سيليثوايت، ونعرف أيضًا أن هانافورد كان مفوَّضًا للشرطة في ذلك الوقت، وأنه كان يحوز المذكرةَ؛ فلم يكن من المستبعَد تمامًا أنه كان يحتفظ بها في دفترِ جيبه، وأنها كانت معه حين أتى إلى لندن. فماذا تكون النتيجة الواضحة إذن: أن الرجال الذين يحوزون على تلك المذكرة الآن أخذوها على الأرجح من هانافورد بأساليبَ خبيثةٍ وأنهم مشتركون في مقتله؟ إضافةً إلى ذلك، هل العصابة التي يتحدَّث عنها باسيفيري موجودة بالفعل؟ أليس من المحتمل أن تكون العصابة هي باسيفيري نفسه؟»
غمغم ماذرفيلد يقول: «أجل! كنت أفكِّر في هذا!»
قال بلينكنسوب: «بالرغم من ذلك، كنا نضع في حسباننا أنه ربما توجد عصابة. فقمنا بالبحث في الأخبار التي روتها الجرائد بإمعان. ووجدنا أنه لا يمكن الحصول على أيِّ معلومات تتعلَّق بتحركات هانافورد بين وقت وصوله إلى لندن وليلة مقتله. الرجل الوحيد الذي كان بإمكانه أن يدلي بمزيد من المعلومات عمَّا كان هانافورد يفعله في ساعات المساء السابقة لوفاته، وهو جرانيت، كان ميتًا، ومن الجلي أنه مات مسمومًا على غرار هانافورد. تلك الملابسات، والتي خطرت لكليكما على الأرجح، هي التي أدَّت إلى اعتقادنا أن هانافورد كوَّن في هذه المدينة علاقات مع أشخاص مثيرين للريبة. وثمة شيء واحد أكيد بما لا يدَع مجالًا للشك، وهو أنه إذا كانت تلك المذكرة بحوزة العصابة أو باسيفيري بالفعل، فلا شك بأنها أُخِذَت من هانافورد! حسنًا؟»
قال هيثرويك موافقًا: «يمكننا أن نعتبر ذلك أمرًا أكيدًا. لا بد أنَّ المذكرة أُخِذت منه سواء أكان ذلك بطريقة مباشرة أو بطريقة غير مباشرة.»
قال بلينكنسوب: «نظنُّ أن العصابة، أو باسيفيري، حصل على المذكرة منه مباشرة، فنظريتنا هي أنه إذا كانت تلك العصابة موجودة، فإن باسيفيري عضوٌ فاعل فيها، وربما كان هو زعيمها، وأن هانافورد تعرَّف عليه أو على أحد أفراد العصابة الآخرين، وأن هانافورد كان معه أو معهم في ساعات المساء السابقة لمقتله، وأنه أخبرهم مازحًا أنه اكتشف أنَّ السيدة ليستوريل هي السيدة ويتينجهام؛ فسمَّموه هو وجرانيت أيضًا؛ لأنه كان حاضرًا معه، وذلك كي يحتفظوا بالسر لأنفسهم ويبتزوا السيدة ليستوريل والليدي ريفرسريد. تلك هي فكرتنا العامة، وهذا هو السبب الذي جعلنا نُصدِر ذلك الإعلان ظهر يوم الإثنين. كنا نريد في بادئ الأمر أن نبقي الأمر لأنفسنا، وإذا ظهرت أدلة جوهرية ملموسة، كنا سنقدمها للشرطة. والآن صرتما تعرفان كل شيء. إذا كانت هناك عصابة، فقد ينقلب أحد أعضائها خائنًا من أجل الحصول على خمسة آلاف جنيه وتبرئة نفسه؛ وقد تتطوَّر الأمور أكثرَ حتى نجد أنفسها في موقفٍ يجعلنا نربط جميع هذه الأمور بباسيفيري …»
قال ماذرفيلد: «ما زلت أتمنى لو أنَّ الرائد بنتيني سلَّمه للشرطة، أو سلَّمته الليدي ريفرسريد للشرطة! فمثلما تعلمون …»
قاطعه بنتيني قائلًا: «عليك أن تتذكَّر أنَّ باسيفيري لم يطلب أيَّ شيء لنفسه. لقد قدَّم نفسه وسيطًا بين الطريفين. لكن رجلنا آمن بما يكفي؛ فهو محقِّق متقاعد، و…»
حينها فتح موظَّف الباب ودخل وفي يده برقيَّة. فتح بلينكنسوب المظروف ورمق الرسالة بسرعةٍ ثم ألقى بالورقة على مكتبه وقد صدرت عنه صيحةُ انزعاج.
وقال: «هذه الرسالة من رجلنا! لقد أرسلها من دوفر. تتبَّع باسيفيري إلى هناك، وقد هرب منه باسيفيري!»