الملصقات الممزَّقة
تقدَّم بنتيني وأمسك بالبرقية؛ وبعد لحظةٍ سلَّمها إلى هيثرويك.
وقال متعجبًا: «هذا مؤسف للغاية! وغير متوقَّع أيضًا! لقد هرب الرجل بالطبع إلى أوروبا.»
نظر ماذرفيلد من فوق كتف هيثرويك وقرأ الرسالة.
«تبعتُه إلى هنا ليلة أمس. نزلت في الفندق نفسه، لكنه هرب من ناظري وترك الفندق باكرًا هذا الصباح. سأعود الآن.»
قال ماذرفيلد: «كان ينبغي عليكما أن تعيِّنا رجلين أيها السيدان. رجل واحد لا يكفي في قضيةٍ من هذا النوع. لكن الأمر كما قلت من قبل: كان ينبغي تسليم هذا الرجل للشرطة في الحال. على أي حال …»
نهض من كرسيه وكأنه لا يجد شيئًا آخر يقوله، وتحرَّك نحو الباب. لكنه توقَّف في منتصف الطريق إلى الباب.
وقال متسائلًا: «هل ستُعلِمونني إن أتاكم أيُّ شخص بشأن هذه المكافأة؟ فهذا من عمل الشرطة بدرجة أكبر، كما تعلمان.»
أومأ الشريكان اللذان كانا منزعجين جدًّا بسبب تلك البرقية.
وأجاب بلينكنسوب: «سنُعلِمك في الحال. وأنت ستحافظ على السرية الشديدة لما أخبرناك به بالطبع، أليس كذلك؟»
فردَّ ماذرفيلد: «بلى، بكل تأكيد يا سيدي. أؤكِّد لكما أنَّ هذا ليس هو الشيء الوحيد الخاص والسري في هذه المسألة.»
في الخارج، التفت ماذرفيلد إلى هيثرويك.
وقال: «حسنًا! لقد اتضحت لنا بعض الأشياء، يا سيد هيثرويك، بل الأدق أنَّ هذين السيدين أوضحا لنا بعض الأشياء. لكن هل اقتربنا بأيِّ شكل من الإجابة عن السؤال الذي نريد الإجابةَ عنه: مَن سمَّم روبرت هانافورد؟»
فأجاب هيثرويك: «أظن أننا اقتربنا! اقتربت أنا على أي حال! إما أن باسيفيري سمَّمه، أو أنه يعرف مَن فعلها!»
كرَّر ماذرفيلد يقول: «يعرف مَن فعلها! آه! هذا أكثر ترجيحًا. لا أظنُّ أنه فعلها؛ وإلا لما أصبح على هذا الاستعداد للظهور بنفسه بعدها.»
علَّق هيثرويك قائلًا: «لست واثقًا تمامًا من ذلك. فمن خلال ما سمعنا عنه، يبدو لي أنه من نوعية الأوغاد الشجعان الجريئين. ربما ظنَّ أنه سيجد الليدي ريفرسريد فريسةً سهلة للغاية؛ وربما كان يظن أيضًا أنَّ امرأةً تمتلك هذا القدْر من المال لن تبالي بدفع ثلاثين ألف جنيه. ثمة شيء واحد أكيد بالرغم من ذلك، وهو أن باسيفيري يعلم ما نريد نحن أن نعرفه. وها هو ذا قد اختفى!»
قال ماذرفيلد: «ربما، ربما! وربما لم يفعل. لا شك أنَّ ذلك الرجل الذي يعمل لحساب بنتيني قد تتبَّعه إلى دوفر، وفقدَ أثره هناك، لكن هذا لا يعني أن باسيفيري ذهب إلى أوروبا. إذا كان باسيفيري هو الزبون الفطِن الذي يبدو أنه عليه، فلا بد أنه أدرك حقيقةَ الموقف حين حذَّره الرائد بنتيني من الاقتراب من قصر ريفرسريد. ومن المرجَّح أنه خمَّن أنَّ بنتيني سيراقبه، وربما حتى رأى الرجل الذي كان يراقبه. وإذن إذا كان يتمتَّع بأي شيء من المنطق، فإنه سيحاول مراوغةَ ذلك الرجل وفي النهاية سيخدعه. لا! أعتقد أن باسيفيري عاد هنا إلى المدينة! هذا هو رأيي يا سيد هيثرويك. لكن ما هذا؟ لقد أتى أحدُ رجالي ليلتقي بنا. لقد أخبرتهم بمكان وجودي.»
رفع هيثرويك عينه ورأى رجلًا كان من الواضح أنه رجل شرطة يرتدي زيًّا مدنيًّا، ويتحرك باتجاههما. كان الرجل هادئ المظهر ممتلئ الوجه، وكان وجهه ينطق بأنه يحمل الأخبار.
سأله ماذرفيلد وهما يلتقيان: «ماذا هنالك يا مارلر؟ هل عرفت شيئًا؟»
لم يكن هناك أحد بالأرجاء في تلك الزاوية الهادئة من «لينكولنز إن فيلدز»، لكن الرجل نظر حوله كمَن يحاول الابتعاد عن الأنظار ولفتِ الانتباه، وتحدَّث هامسًا.
فأجابه قائلًا: «أظنُّ أنني عثرت على ذلك الكيميائي! أو هذا ما يبدو عليه الأمر على الأقل. زرتُ كيميائيًّا صباح اليوم، اسمه ماكفيرسون ويقع متجره في شارع «ميدِن لين». عرضت عليه صورَ ملصقات زجاجتَي الدواء، وسألته أن يمدني بأيِّ معلومات. وأظنُّ أنه رجلٌ حذِرٌ للغاية؛ إذ راح يفحص صور الملصقات وقتًا طويلًا، ولم يقُل أيَّ شيء. بعد ذلك قال إنه يعتقد أنني رجل شرطة، وما إلى ذلك، وبالطبع كان عليَّ أن أخبرَه بالقليل، لم أخبره إلا بالقليل. ثم قال الرجل فجأة: «اسمع، من الأفضل أن تخبرني مباشرة: هل لهذا الأمر علاقة بقضية تسميم هانافورد؟» لذا بالطبع أخبرته أن للأمر علاقةً بهذه القضية، وأن هذا كان بيني وبينه. فقال: «أليس ماذرفيلد مسئولًا عن القضية؟» فأجبته أنك بالطبع مسئولٌ عنها. فقال: «حسن جدًّا، أرسِل إليَّ ماذرفيلد. لن أخبرَك بأي شيء. سأقول ما أعرفه لماذرفيلد.» لذا عُدت إلى مقرِّنا وأخبروني هناك أنك ذهبت إلى «لينكولنز إن فيلدز».»
قال ماذرفيلد: «حسنٌ يا رجل! إن كنت قد وجدت الرجل المناسب، فسأتذكر لك ذلك. ما اسمه — ماكفيرسون، في شارع «ميدِن لين»؟ حسنٌ جدًّا؛ سأذهب إليه مباشرة لرؤيته.» وأضاف بينما كان الرجل يلتفت مبتعدًا: «لا تذكرْ أيَّ شيء لأيِّ أحد يا مارلر! وابقَ بالقرب.» وتابع يقول وهو يضحك ويفرك يديه: «والآن أصبح الأمر لا بأس به يا سيد هيثرويك! هذا يفوق كلَّ ما سمعناه لدى بنتيني! فقط دعني أحصل على اسم الرجل الذي صُنعت له زجاجة الدواء تلك وعنوانه، وأظن أننا حينها سنكون قد قطعنا شوطًا طويلًا! هيا؛ سنذهب لرؤية الكيميائي معًا.»
كان المتجر الكائن في شارع «ميدِن لين»، والذي توقَّف الرجلان أمامه بعد فترة قصيرة، متجرًا صغيرًا ذا واجهةٍ ضيقة وطرازه قديم، ولم يكن في نوافذه شيء سوى القليل من الزجاجات الملوَّنة المعتادة، ولم يكن على مقدِّمته أكثرُ من اسم «ماكفيرسون» مكتوبٍ بأحرف مذهَّبة باهتة على لافتةٍ ترك عليها الزمن علاماتِه. كان المتجر من الداخل مظلمًا وخانقًا، وكان على هيثرويك أن يضني عينيه ليتمكَّن من رؤية رجلٍ طويلٍ نحيف متقدم في العمر يرتدي نظارة، وتبدو في مظهره الأناقةُ وشدة العناية بالتفاصيل، وكان الرجل يقف خلف الطاولة الوحيدة صامتًا وينظر إليه وإلى ماذرفيلد.
سأله ماذرفيلد: «السيد ماكفيرسون؟ حسنًا! صباح الخير يا سيدي. اسمي ماذرفيلد: المفتش ماذرفيلد. أخبَرني أحد رجالي …»
قاطعه الكيميائي قائلًا: «لحظة واحدة!» ثم دخل إلى خلف ستارة في الجزء الخلفي من متجره وعاد بسرعة ومعه شابٌّ يافع، وهمس إليه بكلمة أو اثنتين. بعد ذلك أشار إلى زائرَيه بالاقتراب، وفتح بابًا في الزاوية البعيدة من المتجر، ثم أرشدهما إلى غرفة استقبال خاصة. وقال: «سنحظى بالخصوصية هنا يا سيد ماذرفيلد. ولا شك لديَّ أن طبيعة عملك سرية للغاية.»
قال ماذرفيلد مقِرًّا: «شيء من هذا القبيل يا سيد ماكفيرسون.» بينما أخذ هو وهيثرويك مجلسيهما على كراسي طاولة في المنتصف. وأكمل يقول: «لكن لا شك أن رجلي مهَّد لك الأمر بعض الشيء. لقد أخبرني أنه عرض عليك صورًا لملصقات ممزقة كانت موجودة على زجاجة دواء لها علاقة بقضية هانافورد، وأنك طلبت رؤيتي بعد أن اطلعت على تلك الصور. وها أنا ذا جئت يا سيدي!»
قال الكيميائي وهو يزيد إضاءة المصباح الذي كان معلَّقًا فوق الطاولة: «أجل، صحيح يا سيد ماذرفيلد، هذا هو ما حدث بالتحديد. أجل، هذا أكيد!» ثم جلس هو أيضًا إلى الطاولة وضم أصابعه الطويلة الرفيعة بعضها إلى بعض، وقال: «وهل تظنُّ يا سيد ماذرفيلد أن تلك الزجاجة لها علاقة بتسميم هانافورد؟»
فأجابه ماذرفيلد: «سأكون صريحًا معك يا سيد ماكفيرسون. لكن اسمح لي أولًا أن أطرحَ عليك سؤالًا. هل قرأت ما ورد في الصحف عن هذه المسألة؟»
«لقد فعلتُ يا سيد ماذرفيلد، أجل، قرأت كلَّ ما امتدت إليه يدي.»
«إذن فأنت تعرف أنَّ ثمة رجلًا آخر سُمِّم هو أيضًا إضافةً إلى هانافورد؛ رجلًا يُدعى جرانيت، وكان مع هانافورد ليلة وقوع كلِّ هذا؟ هذا السيد الفاضل الذي أتى معي هو مَن كان في القطار ورأى هانافورد يموت وجرانيت يغادر لإحضار طبيب، على حد قوله.»
قال الكيميائي بانحناءة مهذَّبة: «هذا هو السيد هيثرويك، كما أظن. أجل، صحيح!»
علَّق ماذرفيلد بابتسامةٍ قائلًا: «أرى أنك قرأت تقارير التحقيقات. جيد جدًّا، وكما قُلت، وُجد جرانيت مقتولًا في وقت لاحق. وقد وجدت زجاجة دواء وكأس بجوار سريره. كان في كليهما مشروب الويسكي، لكنَّ الخبراء الطبيِّين وجدوا أيضًا أنهما كانتا تحتويان على سمٍّ؛ إذ يقولون إن آثاره واضحةٌ بما لا يدَع مجالًا للشك. والآن، كان يوجد على زجاجة الدواء تلك، ملصقان ممزَّقان، وعلى الملصق العلوي منهما كما ترى من خلال نسخة الصورة، اسم مكتوب كلُّ ما تبقَّى هو الحرف الأول «ت». والحرف الأول من اسم العائلة وهو الحرف «أ». وكلُّ ما سوى ذلك قد مُزِّق. وما أريد أن أعرفه هو: هل أنت الكيميائي الذي ركَّب الدواءَ أو المستحضَر أو أيًّا ما كان في هذه الزجاجة، وإن كنتَ أنت مَن أعَدَّه، فمن الزَّبون الذي صنعتَها لأجلِه، والذي يبدأ اسمه بالحرف «ت» واسم عائلته بالحرف «أ»؟ أتفهمني؟»
أجابه الكيميائي في حماسة: «أجل، أجل يا سيد ماذرفيلد! أفهم كلَّ كلمة تقولها، وكلُّ ما تقوله واضح. وأنا أريد أن أقدِّم إليك كلَّ المعلومات التي أعرفها، لكن أولًا أريد أن أعرف أنا معلومة بسيطة عن مسألة وثيقة الصلة بالموضوع. قد تعلم يا سيد ماذرفيلد إن كنت قد اطلعت على الصحف في اليوم الماضي أو اليومين المنصرمين أنَّ شركة محاماة في «لينكولنز إن فيلدز» تعرض مكافأة قدرُها خمسة آلاف جنيه …»
قاطعه ماذرفيلد بابتسامة، ونظرة ماكرة رمق بها هيثرويك: «أنا مطلع على ذلك بالقدر الكافي يا سيد ماكفيرسون. لقد أتينا أنا والسيد هيثرويك من مكتب الشركة مباشرة، وأنت تريد أن تعرف إذا ما كان تقديم المعلومات لي مساويًا لتقديمه إلى الشركة؟ أتريد أن تتأكَّد من المكافأة؟»
قال الكيميائي باهتمام: «بالتحديد يا سيد ماذرفيلد، بالتحديد! لقد تطرقت إلى ما أقصد تمامًا. ذلك أنه حين تكون هناك مكافأة كتلك بالطبع …»
قال ماذرفيلد: «إذا قدمتَ لنا يا سيد ماكفيرسون معلوماتٍ من شأنها أن تؤدي إلى القبض على الطرف المذنِب وإدانته، فيمكنك أن تطمئن إلى أنك ستحصل على المكافأة. وأنا واثق أن السيد هيثرويك يدعمني في ذلك.»
وبينما كان هيثرويك يغمغم بتأكيده، قال ماكفيرسون: «أنا راضٍ؛ أنا راضٍ أيها السيدان! الحق أنَّ هذه المسألة غريبة وغامضة ولم يكن لديَّ أدنى فكرة أنني سأكون وثيقَ الصلة بها حتى أتاني موظفك صباح اليوم يا سيد ماذرفيلد. لكنني عرفت حينها! وسأختصر عليك الأمور حين أقول لك في الحال إنني مَن صنع ذلك المستحضَر الذي كان في الزجاجة!»
راح ماذرفيلد يفرك يده.
وقال في هدوء: «جيد! جيد! والآن: السؤال الأهم! لمن صنعتَه؟»
أجابه ماكفيرسون: «لرجلٍ يُدعى الدكتور تشارلز أمبروز، وذلك طبقًا لوصفةٍ طبية خاصة به. إنه مستحضَر من نوعية المنشطات. صنعته له أول مرة قبل عامين، وصنعتُه له عدة مرات منذ ذلك الحين. وكانت الأخيرة قبل حوالي ستة أسابيع. لديَّ كل التواريخ في سجلاتي؛ يمكنني أن أطلعكما عليها.»
قال ماذرفيلد: «مهلًا. ليس لذلك أهمية كبيرة، حتى الآن. الدكتور تشارلز أمبروز، صحيح؟ ألديك عنوانه؟»
أجابه الكيميائي: «أجل، بكل تأكيد! عنوانه هو المنزل رقم ٣٨، بناية رقم ٥٩، شارع «جون».»
سأله ماذرفيلد: «الموجود في أديلفي!»
فكرَّر ماكفيرسون يقول: «أديلفي، بالضبط؛ المنزل رقم ٣٨، بناية رقم ٥٩، شارع «جون»، أديلفي. هذا في السجلات أيضًا.»
فجأة صمت ماذرفيلد، وكان يحدِّق في الأرض. وحين رفع نظرَه مرةً أخرى كان ينظر إلى هيثرويك.
وسأله: «ألم يَصِح جرانيت بأنه كان يعرف طبيبًا قريبًا حين كان يُهرع خارج القطار في محطة «تشارينج كروس»؟ أو أعطى انطباعًا أنه كان يعرف طبيبًا قريبًا على أي حال؟»
فأجابه هيثرويك: «لقد قال بوضوح إنه قريب. لماذا، هل تفكِّر …»
قاطعه ماذرفيلد بإشارة من يده، والتفت إلى الكيميائي مرة أخرى. وسأله فجأة: «أرأيت الدكتور تشارلز أمبروز هذا؟»
فأجابه ماكفيرسون: «أجل يا سيد ماذرفيلد، رأيته الكثير والكثير من المرات. لكنني أدرك الآن إذ أفكِّر في الأمر أنني لم أرَه مؤخَّرًا.»
فسأله ماذرفيلد: «متى كانت آخر مرة؟»
أجابه ماكفيرسون بعد وقت من التفكير: «أظن أن آخر مرة كانت حين أتاني وطلب مني أن أصنع له زجاجة أخرى من مستحضره. ربما قبل ستة أسابيع كما قلت الآن. لكن السجلات …»
«دعك من تلك السجلات الآن. ما شكلُ ذلك الطبيب المدعو تشارلز أمبروز؟»
«رجل طويل وسيم ذو مظهر مميَّز؛ وأقول إنه في الأربعين من عمره. وهو رجل ذو شعر داكن وكذلك عيناه ولحيته. يصفِّف شاربه ولحيته على نمط … أجنبي؛ الحق أنه يبدو إسبانيًّا أكثرَ مما يبدو إنجليزيًّا.»
«لكن، أهو إنجليزي؟»
«كنت أظنُّ دائمًا أنه إنجليزي؛ فهو يتحدَّث كالإنجليز؛ أعني يتحدَّث كإنجليزي من الطبقة العليا. وقد أخبرني ذات مرة أنه تخرَّج في «أوكسفورد»؛ إذ كنا نتحدَّث عن الجامعات.»
«أهو متأنق في ملبَسه؟»
«أجل، هو كذلك بالفعل! إنه رجل أنيق ووسيم.»
«هل رأيته من قبل يرتدي معطفًا كبيرًا داكنًا وكوفية حريرية كبيرة بيضاء يلفُّها حول رقبته والجزء السفلي من وجهه؟»
«أجل، رأيته بهذا الشكل! في الليالي الباردة. هذا شيء آخر أخبرني به بالفعل؛ أنه عرضة لنوبات الشُّعب الهوائية.»
سأله ماذرفيلد: «كان يغطي نفسه جيدًا، أليس كذلك؟»
«بلى، بالضبط! لقد أتى إلى هنا وهو يرتدي ما تصِفُ.»
التفت ماذرفيلد إلى هيثرويك وفي عينيه نظرةٌ ذاتُ مغزًى.
وصاح متعجبًا: «ذلك هو الرجل الذي التقى بهانافورد في محطة فيكتوريا في تلك الليلة! الرجل الذي رآه ليدبيتر، ولم يرَهُ أحد منذ ذلك الحين! أراهنك بكلِّ شيء على ذلك! والآن، مَن يكون ذلك الرجل؟»
علَّق هيثرويك: «أنت تعرف اسمه وعنوانه.»
ردَّ ماذرفيلد بإيجاز: «أجل، وأعرف أيضًا أن السيد ماكفيرسون لم يرَه مؤخَّرًا! والآن يا سيد ماكفيرسون، ما الوتيرة التي كنت تراه بها؟ أقصد، هل كنت تراه في أوقاتٍ أخرى غير تلك التي يأتي فيها إلى متجرك؟»
أجاب الكيميائي: «أجل، أجل! رأيته في الشارع بالخارج. ورأيته أيضًا وهو يتردَّد على متجر «رولز» وعلى متجر «رومانوز».»
علَّق ماذرفيلد قائلًا: «بصيغةٍ أخرى، كان الرجل معروفًا هنا في هذا الجانب من شارع «ستراند». لست واثقًا الآن من أنني لا أتذكر رجلًا بهذه الصفات: داكن البشرة، حريري الملبس وذقنه مشذَّب بعناية، ودائمًا ما يكون متأنقًا. غير أنَّ السيد ماكفيرسون لم يرَه مؤخرًا! هممم! أتعرف إن كان يمارس الطب يا سيد ماكفيرسون؟»
«لا يمكنني أن أجزم بذلك يا سيد ماذرفيلد. لقد افترضت أنه كان يمارس الطب بناءً على تسميته لنفسه بالدكتور أمبروز، لكنني لا أعرف شهاداته أو مؤهلاته على الإطلاق.»
لمح ماذرفيلد صفًّا من الكتب التي كانت موضوعة على مكتبٍ في أحد جوانب الغرفة.
وسأله: «هل لديك دليل طبي حديث؟ جيد! لنبحث عن الرجل.» وأكمل يقول بينما سلَّمه الكيميائي مجلَّدًا: «فلتبحث عن اسمه يا سيد هيثرويك. أنت معتاد على الكتب أكثرَ مني. اعرف إن كان هناك أي شيء عنه.»
راح هيثرويك يقلِّب صفحات الدليل، وسرعان ما هزَّ رأسه.
وقال: «ليس هناك تشارلز أمبروز هنا. انظر بنفسك.»
رمق ماذرفيلد الموضعَ المشارَ إليه ولم يقُل شيئًا. وهنا أطلق ماكفيرسون صيحةً تنم عن التعجب والمفاجأة.
وعلَّق قائلًا: «حسنًا، ربما كان أجنبيًّا في النهاية. لكنني ما كنت لأظنه أجنبيًّا، وقد أخبرني بالتأكيد أنه تخرَّج في جامعة أوكسفورد.»
صرَّح ماذرفيلد وهو ينهض ممسكًا بعصاه بتعبير عن العزم والتصميم: «سواء أكان أجنبيًّا أم من خريجي أوكسفورد، سوف أعرف المزيد عنه! حسنًا يا سيد ماكفيرسون، نحن ممتنان لك، وإن نتج عن هذا أيُّ شيء، أنت تعرف! لكني أطلب منك في الوقت الراهن أن تتحلى بشيء من الحذر الذي تتميزون به أنتم، أيها الاسكتلنديون، حسنًا؟»
وفي الخارج، وضع ماذرفيلد يده على مرفق هيثرويك.
وقال بنبرة جادة: «يا سيد هيثرويك، نحن على الطريق؛ أخيرًا! أنا متيقن من هذا مثلما أنا متقين من أن اسمي ماذرفيلد، لقد وضعنا أقدامنا على الدرب! والآن سنذهب إلى شارع «جون» في أديلفي؛ وأراهنك بأي شيء على أن الرجل سيكون قد اختفى!»