القلادة الماسية
في غضون الأيام القليلة التالية، ازدادت لدى هيثرويك قناعةٌ كبيرة بأنَّ قص هانافورد لصورة تلك المرأة الجميلة المميزة والاحتفاظ بها، ينطوي على أكثر مما يبدو من الأمر. راح هيثرويك يتذكَّر كلَّ ما قاله هانافورد عن تلك الصورة في القطار في غضون الدقائق القليلة التي سبقت وفاته المفاجئة. لماذا كان متحمسًا جدًّا لأن يُري تلك الصورة للرجل الآخر؟ أكان يصطحب الرجل الآخر للفندق خِصِّيصَى من أجل أن يُريَه تلك الصورة، وفي تلك الساعة من الليل؟ ولماذا أثارت فيه ذكريات امتلاكه لتلك الصورة الكثير من الاهتمام الواضح، والاستمتاع أيضًا مثلما بدا؟ وما هو تحديدًا معنى تلك الكلمات التي كُتبت بقلم رصاص على هامش الصورة المقصوصة؟ — من خلال يدي قبل عشر سنوات! — ما الظروف التي جمعت بين تلك المرأة وهانافورد؟ ومَن تلك المرأة؟ وكلما أطال هيثرويك التفكير في هذا الأمر، زادت قناعته بأن هذا الأمر يحمل أهمية أكبر من تلك التي توليها الشرطة إياه. لقد أثبتت الشرطة أنها لا تبالي نهائيًّا برواية هيثرويك عن المحادثة التي جرت في القطار؛ إذ قال ماذرفيلد باستعلاء المسئولين إنَّ تلك المحادثة لم تكن أكثر من ذكريات واجترار من جانب المفوَّض السابق، وقال إنَّ كبار السن من الرجال مولعون بالحديث عن أحداث الماضي. وكانت الأهمية الوحيدة التي يراها ماذرفيلد في هذا الأمر أن الرجل الذي اختفى من القطار كان على معرفة بهانافورد قبل عشر سنوات.
وبعد أن مرَّ أسبوع لم تكن الشرطة قد سمعت بأي شيء عن الرجل. ولم يتوصلوا أيضًا إلى أي معلومات بشأن الرجل الآخر الذي أقسم ليدبيتر إنه رآه مع هانافورد في محطة فيكتوريا. كان أفضل الرجال في سكوتلانديارد يعملون بكد وبلا كلل، ولم يتوصلوا إلى أي شيء. شخص واحد فقط كان قد رأى الرجل الأول بعد أن انطلق على دَرج محطة تشارينج كروس وهو يصيح بأنه سيذهب ليُحضِر طبيبًا؛ وكان هذا الشخص هو رجل شرطة خلال عمله في مقدمة محطة القطار. كان الشرطي قد رأى الرجل وهو يخرج من المحطة جريًا بأقصى سرعته في شارع فيليرز، ولم يظن سوى أنه متأخر ويحاول اللَّحاق بآخر حافلة في شارع ستراند. وفيما عدا ذلك، اختفت جميع أخبار هذا الرجل وتلاشى كل أثر له. أما عن الرجل الذي كان يرتدي نظارة كبيرة وكوفية بيضاء فلم يوجد أيُّ أثر له على الإطلاق، ولا ورد عنه أيُّ خبر سوى ما جاء به ليدبيتر. لكن ليدبيتر كان شاهدًا يُعتدُّ بشهادته كثيرًا، ولم يكن هناك شك أنه رأى هانافورد بصحبة ذلك الرجل. ومِن ثَمَّ فلا شك أنَّ هانافورد التقى برجلين في غضون الساعات القليلة الأخيرة في حياته، وكلاهما مفقود لا يستطيع الوصول إليه أحد. وفي غضون أربع وعشرين ساعة من وفاة هانافورد، تطوَّع عدة رجال ممن تعاملوا مع هانافورد منذ وصوله إلى لندن للإدلاء بشهاداتهم. وثمة حقيقة واحدة واضحة بشأن المعلومات التي كانوا يدلون بها، وهي أن أحدًا منهم لم يعرف شيئًا عن الرجل الطويل الذي رآه ليدبيتر، أو عن الرجل الرثِّ الثياب الذي رآه هيثرويك، أو عن السر الذي كان هانافورد يحمله في الظرف المغلق معه. ذُكِرَت قصة ذلك الظرف المغلق كثيرًا في الصحف، لكن لم يكن أحد ممن أدلوا بشهاداتهم يعرف عنه شيئًا. وبعد مرور أسبوع على دفن جثة المفوَّض السابق، بدا أن لغز مقتله المؤكَّد سيُصبح واحدًا من تلك الألغاز الكثيرة التي لا تُحلَّ أبدًا.
بالرغم من ذلك، كان هيثرويك يزداد انهماكًا في ذلك الأمر الذي انخرط فيه كليًّا بشكل غريب. كان لديه شيء من وقت الفراغ؛ إذ كان ميسور الحال في متاع هذا العالم، ويهتم بالجانب النفسي لمهنته أكثر من اهتمامه برغبته في جني المال من مزاولتها. ومنذ اللحظة التي عرف فيها أن الأطباء وجدوا أن هانافورد مات مسمومًا، شعر هيثرويك بأن هذا لغز جريمة قتل ينبغي عليه أن يصل إلى قراره؛ إذ كان مأخوذًا بهذا اللغز. ومن خلال تخميناته ونظرياته عن الأمر، كان مهووسًا بالصورة الموجودة في حوزته. فمن كانت تلك المرأة؟ وماذا تذكَّر المتوفى بشأنها؟
وفجأة في صباح أحد الأيام، وبعد زيارة من ماذرفيلد الذي مرَّ عليه سريعًا في شقته ليخبره بأن الشرطة لم تتوصَّل إلى أي شيء، ارتدى هيثرويك قبَّعته وتوجَّه إلى شارع سُري. وجد رونا هانافورد مشغولة بالاستعداد للرحيل عن فندق مالتر؛ إذ كانت ستعيش مع السيدة كيلي فترة من الوقت على الأقل. فدخل هيثرويك مباشرةً في صلب الموضوع الذي جاء بشأنه.
قال هيثرويك: «صورة تلك المرأة التي كانت في جيب جدِّك وهي الآن في جيبي. من أي صحيفة قصَّها؟ من الوضح أنها مقصوصة من صحيفة.»
أجابته رونا: «أجل، لكنني لا أعرف أيُّ صحيفة هي. كلُّ ما أعرفه أنها صحيفة وصلت إليه عن طريق البريد في صباح اليوم الذي غادر فيه سيليثوايت. كنا على وشك التوجُّه إلى المحطة حين أتى رجل البريد. وضع جَدي الخطابات والأوراق — وقد كان هناك الكثير منها — في جيب معطفه وراح يفتحها في القطار. وفي مكانٍ ما في طريقنا إلى لندن قصَّ جَدي تلك الصورة. لكنه رمى الصحيفة بعد ذلك مع أشياء أخرى. كان معتادًا على شراء الكثير من الصحف وقصِّ الفقرات منها.»
غمغم هيثرويك وهو يفكِّر بصوتٍ عالٍ: «حسنًا، أعتقد أن بإمكاننا أن نتتبَّعها.» ألقى بنظره على شواهد رحيل رونا. وقال: «إذن ستذهبين إلى العيش مع عمتكِ؟»
فأجابته: «أجل، لبعض الوقت.»
قال هيثرويك مقترحًا: «هلَّا تسمحين لي بالزيارة؟ فأنا مهتم بهذه المسألة أشدَّ الاهتمام، وربما أتمكَّن من إخبارك بشيء حيالها.»
ردت عليه رونا: «سيكون هذا من دواعي سرورنا. سأعطيك العنوان. لكنني لا أنوي البقاء عاطلة؛ ستجدني على الأرجح إذا زرتنا في المساء.»
سألها هيثرويك: «ما الذي تخططين للقيام به؟»
أجابته رونا: «أفكِّر في الالتحاق بأعمال السكرتارية. لقد تلقيت تدريبًا على ذلك بالفعل في سيليثوايت. يمكنني الكتابة على الآلة الكاتبة والقيام أعمال المراسلات والحسابات، وأتحدَّث الفرنسية والألمانية، أنا مؤهلة جيدًا لهذا العمل.»
فقال هيثرويك فجأة: «أرجو ألا تظنِّي أنني فضولي. لكن آمل أن جدَّك لم يَنسَك في وصيته؛ فقد سمعت بأنه ترك وصية له!»
أجابته رونا: «شكرًا لك، لكنه لم يَنسَني. لقد ترك لي كل شيء. سأحصل على ثلاثمائة جنيه في العام تقريبًا، أو ربما أكثر. لكن هذا ليس سببًا لأن أقعد عن العمل وألا أفعل شيئًا، أليس كذلك؟»
قال هيثرويك: «صحيح! لكن ماذا لو كان بإمكاننا إيجاد ذلك المظروف المختوم؟ فما كان يساوي مائة ألف جنيه لجدِّك سيساوي مائة ألف لوريثته الوحيدة. إنه جدير بالبحث عنه!»
ردَّت عليه رونا: «أتساءل إن كنا سنجد أي شيء؟ الأمر برُمَّته لغز غامض ولم أقترب حتى من حلِّه.»
قال هيثرويك: «الأمر يتطلَّب وقتًا! وصبرًا أيضًا!»
سرعان ما غادر هيثرويك ومشى حتى وصل إلى «بريك كورت»؛ حيث توجد شقة كينثوايت.
وسأله وهو يدخل عليه: «هل تفعل شيئًا؟»
فأجابه كينثوايت: «لا شيء. تفضَّل!»
جلس هيثرويك، وأشعل غليونه.
سأله بعد أن انتهى من إشعال التبغ: «أنت تعرف سيليثوايت، صحيح؟ إنها مدينتك، أليس كذلك؟»
أجابه كينثوايت: «وُلدت وترعرعت هناك، وخطيبتي أيضًا منها. ماذا عن سيليثوايت؟»
سأله هيثرويك: «هل كنت هناك قبل عشر سنوات؟»
«قبل عشر سنوات؟ لا، في أيام العطلات فحسب. كنت في المدرسة قبل عشر سنوات. لماذا؟»
«أتذْكر قضية للشرطة في سيليثوايت في تلك الفترة تتعلَّق بامرأة جميلة — كمدعًى عليها على الأرجح؟»
«لا! لكنني في ذلك الحين كنت مهتمًّا بلعبة الكريكيت أكثر من اهتمامي بعالم الجريمة. هل تفكِّر في المرأة التي تحدَّث عنها هانافورد في القطار إلى ذلك الرجل الذي لا يستطيعون إيجاده؟»
«هذا صحيح! يبدو لي أن هذا الأمر يحمل أكثر مما تعتقد الشرطة.»
«لا عجب في ذلك. لننظر في الأمر: بأي صفة تحدث هانافورد عن تلك المرأة؟»
«قال إن أمرها تمَّ على يده، قبل عشر سنوات.»
«حسنًا، هذا أمر سهل! إن كان أمرها قد تمَّ على يد هانافورد، بصفته مفوَّض الشرطة، قبل عشر سنوات، فسيكون ذلك في سيليثوايت. ستوجد هناك سجلات وتفاصيل وما إلى ذلك في سيليثوايت.»
أومأ هيثرويك، وراح يدخِّن غليونه في صمت لبرهة.
وأخيرًا قال: «أظنُّ أن عليَّ الذهاب إلى هناك.»
فحملق به كينثوايت في تعجُّب.
وصاح قائلًا: «أنت مهتم بالأمر لهذه الدرجة!»
قال هيثرويك: «هذه قضية غريبة! أريد أن أحلَّها.»
علَّق كينثوايت قائلًا: «حسنًا، إنها تبعُد مسافة أربع ساعات من محطة «كينجز كروس». وهي مدينة مثيرة أيضًا. فهي قديمة بعمر التلال فيها، لكنها حديثة أيضًا بمثل حداثة المدن الجديدة. وبها فندق ممتاز اسمه «وايت بير». أخي المستقبلي أيضًا يعمل محاميًا هناك، واسمه مايكل هوليس. سأعطيك خطاب تقديم له، وسيصحبك هو حول المدينة ويقدِّم لك العون اللازم.»
قال هيثرويك: «شكرًا لك! اكتبه لي!»
جلس كينثوايت وراح يكتب، وقدَّم إليه ما كتب.
سأل كينثوايت بينما كان هيثرويك يشكره ويهم بالرحيل: «ماذا تريد أن تعرف بالتحديد؟»
أجابه هيثرويك: «كلَّ ما يتعلق بتلك المرأة، والسبب الذي دفع هانافورد إلى قصِّ صورتها من الجريدة. حسنًا، أراك حين أعود.»
ذهب إلى شقته، وحزم حقيبته، وذهب بالسيارة إلى محطة كينجز كروس ليلحق بقطار الظهيرة المبكِّر إلى الشمال. وفي تمام الساعة السابعة والنصف وجد هيثرويك نفسه في سيليثوايت: مدينة رمادية هواؤها محمَّل بالدخان وتقع وسط تلال قاتمة وعرة، ويتحدَّث أهلها — قياسًا على موظَّفِي السكة الحديدية فيها — بلهجةٍ بدت لأذن هيثرويك الجنوبية وكأنها لغة بربرية. لكن فندق «وايت بير» الذي سرعان ما نزل فيه بعد وصوله، كان يحتوي على كل وسائل الراحة والرفاهية التي يقدِّمها فندق من الطراز الأول؛ فغرفة الطعام التي توجَّه إليها هيثرويك حالما أتم حجزه للغرفة ضمَّت حشدًا من غير المحليين، وسمع معظم اللغات الأوروبية الرئيسة في حديث الحاضرين هناك، ثم عرف هيثرويك لاحقًّا أن النزلاء الآخرين كانوا رجال أعمال أوروبيين ومشترين عازمين على سد النقص في المخزون المستنفد من المستودعات والمصانع الكبرى لسيليثوايت. كان ذلك كله مثيرًا للاهتمام، لكنه لم يكن ينوي أن يقضي بقية المساء في تأمُّل ذلك من ركن منعزل؛ ذلك أنه لم يكد ينتهي من تناول طعام العشاء حتى أتاه حمَّال من الفندق ليخبره أن السيد هوليس يسأل عنه.
أسرع هيثرويك إلى قاعة الانتظار ووجد رجلًا ودودَ الوجه متقدَ العينين في الأربعين من عمره تقريبًا، يمد يده ليسلِّم عليه.
وقال: «أرسل لي كينثوايت برقيةً ظُهْر اليوم يخبرني فيها بأنك قادم، وطلب مني أن آتيك هنا. كنت لأطلب منك أن تتناول طعام العشاء معي لكنني ظللت في مكتبي حتى الآن، كما أنني أعيش في مكانٍ يبعد عن المدينة عدة أميال. لكن مساء الغد …»
أجابه هيثرويك: «هذا كرم بالغ منك. لم يكن لديَّ أدنى فكرة أن كينثوايت أرسل برقية إليك. لقد أعطاني خطاب تقديم لأقدِّمه لك، لكنني أعتقد أنه ظنَّ أنني لا أريد تضييع أي وقت. والحق أني لا أريد ذلك بالفعل، وأنا أعتقد أنك تستطيع أن تخبرني بشيء عن موضوع زيارتي؛ فلنجد ركنًا لندخِّن فيه.»
جلس الرجلان في ركن بحجرة التدخين الكبيرة، وراح هوليس يقرأ خطاب كينثوايت.
وسأله: «ما الذي تبحث عنه؟ يذكر كينثوايت أن معرفتي بسيليثوايت أكبر من معرفته بها، وهذا طبيعي إذ إنني أكبر منه ببضع سنوات.»
أجاب هيثرويك: «حسنًا، سأقص عليك الأمر باقتضاب. أنت تعرف بالطبع ما حدث في لندن لمفوَّض الشرطة الراحل؛ أعني وفاته المفاجئة؟»
فأجاب هوليس مؤكِّدًا: «أجل، أجل؛ قرأت كل الصحف على أي حال. أنت الرجل الذي كان موجودًا في القطار، أليس كذلك؟»
«بلى. وهذا هو سبب حرصي على حل هذا اللغز. ليس هناك أدنى شك في أن هانافورد مات مسمومًا، وأنها قضية قتل عمد. والآن، ثمة جانب من القصة لا يبدو أنَّ الشرطة توليه أيَّ اهتمام. أما أنا فأوليه اهتمامًا كبيرًا. إنها مسألة المرأة التي أشار إليها هانافورد حين كان يتحدث — في حضوري — إلى الرجل الذي اختفى بطريقة غامضة للغاية. ذكر هانافورد عن تلك المرأة أنها كانت بين يديه قبل عشر سنوات. قد يكون ذلك أمرًا حدث له هنا، في هذه المدينة. فهل تعرف أيَّ شيء عنها؟ هل تذكِّرك بأي شيء؟»
كان هوليس يدخِّن السيجار، ونقر به على حافة فنجان القهوة لينفض رماده، بينما هو غارق في التفكير. وفجأة لمعت عيناه.
وقال: «تلك قضية ويتينجهام على الأرجح. كانت قبل عشر سنوات.»
فسأل هيثرويك: «وما قضية ويتينجهام؟ أهي قضية بشأن امرأة؟»
أجاب هوليس: «هي عن امرأة من الجلي أنها مغامِرة أتت إلى سيليثوايت قبل عشر سنوات، وظلَّت بها بعض الوقت، في هذ الفندق بالتحديد. ومن الغريب في الأمر أنني لم أرَها قط! لكن صيتها ذاع كثيرًا في نهاية المطاف. أتت تلك المرأة هنا، إلى فندق «وايت بير»، وحيدة وكان معها الكثير من الأمتعة والأموال. أعرف أنها كانت امرأة بارعة الجمال، تبلغ الثامنة والعشرين أو الثلاثين من عمرها، وكان الجميع يرى أنها ذات شأن ومكانة. أعتقد أنها كانت تقدِّم نفسها بلقب معالي السيدة ويتينجهام. كانت تدفع فواتيرها هنا في موعدها من دون أدنى تأخير في صباح كل يوم سبت. وقد أنفقت مبلغًا كبيرًا من المال بين كبار التجار في المدينة، وكانت دائمًا ما تدفع الأموال نقدًا. موجز الأمر أنَّ تلك المرأة رسَّخت لحظوتها وشأنها بصورة ناجحة للغاية. ولم يكن هناك أحد يتمتع بنفس الشأن الذي تتمتع هي به سوى الصائغ الوحيد هنا، واسمه مالاديل. ابتاعت تلك المرأة من مالاديل مجوهرات كثيرة، لكنها كانت تدفع له دائمًا بالشيكات. وفي النهاية وقعت في مشكلة بسبب صفقة عقدتها معه.»
فقال هيثرويك مقترحًا: «ثم في يد هانافورد!»
قال هوليس موافقًا: «ثم في يد هانافورد بكل تأكيد. لقد سرى الأمر بهذه الطريقة. كما أخبرتك الآن، كانت المرأة قد اشترت الكثير من مالاديل الذي يمكن القول إنه كان يتمتَّع بتجارة رائجة بين أقطاب التجَّار الأثرياء في هذه الأرجاء. لم تكن تعاملاتها معه في البداية تتخطى مبلغ مائة جنيه أو مائتين. لكن الأمر كان يسير بينهما على ما يُرام. وكانت قد اعتادت أن تدفع له بشيكات من بنك في مانشستر، التي لا تبعد عن هنا، كما تعلم، سوى خمسة وثلاثين ميلًا. ولما كانت شيكاتها الأولى مستوفاة على الدوام، فإن مالاديل لم يعبأ بأن يستفسر عن استقرار حالتها المادية؛ إذ كان شديد الإعجاب بها مثل الجميع. وفي نهاية المطاف، عقدت المرأة مع مالاديل صفقة كبيرة؛ إذ كانت لديه قلادة ماسية رائعة يعدُّها للبيع. وقد تناقشا بشأن حصولها عليها، ووفقًا لروايته فقد خاضا نقاشًا دقيقًا حول شروط البيع. وتوصَّلا في النهاية إلى اتفاق مفادُه أن تحصل المرأة على القلادة مقابل ثلاثة آلاف وتسعمائة جنيه. وقد أعطته شيكًا بذلك المبلغ في وقتها، وباع لها مالاديل القلادة.»
قال هيثرويك متعجبًا: «حسنًا!»
أقرَّ هوليس قائلًا: «هذا صحيح! لقد فعل. لكن، لسبب أو لآخر، قام مالاديل بتخليص ذلك الشيك خِصِّصَى. كانت المرأة قد سلَّمته الشيك ظهرًا في أحد أيام الإثنين، وكان أول ما وجد في صباح يوم الأربعاء هو أن ذلك الشيك قد رُدَّ مع عبارة منقوشة على سطحه تفيد بإحالته المشئومة إلى الساحب! أسرع مالاديل بالطبع إلى فندق «وايت بير» لكن معالي السيدة ويتينجهام كانت قد اختفت. دفعت حسابها، وأخذت مقتنياتها وغادرت الفندق والمدينة في وقتٍ متأخر من مساء يوم الإثنين، وكلُّ ما عُرف عنها في المحطة أنها سافرت على متن القطار الأخير إلى ليدز، حيث توجد بالطبع عدة خطوط قطار كبيرة ورئيسية تؤدي إلى كل أجزاء إنجلترا. لم تترك السيدة أي عنوان، لكنها أخبرت الناس هنا أن غيابها لن يطول، كما أخبرتهم بأن يحتفظوا بأي خطاب يصلها حتى عودتها. لذا، ذهب مالاديل بعدها إلى الشرطة، وتولَّى هانافورد الأمر.»
أشار هيثرويك قائلًا: «أفهم من ذلك أنه تتبَّعها؟»
فراح هوليس يضحك بطريقة ساخرة.
وأجابه: «لقد تتبَّعها هانافورد، ووصل إليها. بالرغم من ذلك، يجدر به أن يستخدم ذلك المصطلح الذي ذكرته لتوك. لقد انسلَّت بالفعل من بين يديه، مثلما ينسل ثعبان البحر الزلق، وهربت منه.»