شقق فليجوود المستأجَرة
عاد هيثرويك إلى هاتف الفندق مرة أخرى قبل أن ينتهي من غدائه، ونتج عن ذلك أنَّ ماذرفيلد كان ينتظر على رصيف محطة فيكتوريا حين دخلها قطار الثانية وأربع وعشرين دقيقة. ولم يبدِ أيَّ دهشة لدى رؤيته لهيثرويك ورونا معًا؛ إذ كان جلُّ اهتمامه منصبًّا على أخذ هيثرويك واصطحابه بعيدًا عن المحطة. وحين رأى هيثرويك ذلك، ودَّع رونا وهمس لها أنه سيأتي إلى فندق مالتر قبل حلول المساء؛ وبعد بضع دقائق كان هو وماذرفيلد في سيارة أجرة تسرع بهما على طريق قصر باكينجهام.
تساءل هيثرويك قائلًا: «حسنًا؟ ذلك الرجل؟»
أجابه ماذرفيلد: «لا أظن أن هناك أيَّ شك بأنه هو الرجل الذي رأيته مع هانافورد. إنه ينطبق على الأوصاف التي ذكرتها على أي حال. لكنني سأخبرك كيف عثرنا عليه. جاءني مساء أمس رجلٌ يُدعى آبليارد، وهو يملك متجرًا كيميائيًّا في طريق هورسفيري بويستمنستر: رجل في منتصف العمر من النوع الهادئ، وقد استهل حديثه بأن قال إنه نادرًا ما يمتلك الوقت لقراءة الجريدة ولولا ذلك لجاءنا من قبل. لكن تصادف أمس أنه أتى على نسخةٍ من جريدة تعود ليوم الأحد الماضي، وقرأ خبرًا عن قضية هانافورد. وبعد ذلك، تذكَّر شيئًا بدا أنه ربما يتعلَّق بالقضية. ذلك أنه كان قد نَشر قبل وقتٍ قليل إعلانًا يطلب فيه مساعدًا له؛ مساعدًا مؤهَّلًا. وقد أتاه اثنان من المتقدمين أو ثلاثة لكنهم لم يُرضوه بالشكل الكافي. وذات مساء لم يستطِع أن يقدِّم تاريخًا محدَّدًا له، لكني استنتجت من خلال أشياء كثيرة قالها أنَّ ذلك حدث في المساء نفسه الذي لقيَ فيه هانافورد حتفه، أتاه رجل وقدَّم طلبًا شخصيًّا. وقد وصفه آبليارد بأنه رجل متوسط الحجم هزيل البنية شاحب البشرة ذو وجه نحيل ولحية كثَّة وعينين واسعتين كبيرتين ويتمتع بذكاء كبير وأسلوب راقٍ ويرتدي ثيابًا رثة، ومن الجلي أنه في حاجة إلى المال …»
صاح هيثرويك: «هذا هو الرجل، أُقْسم على ذلك! هل أعطى الرجل ذلك الكيميائي اسمه؟»
أجابه ماذرفيلد: «لقد فعل، أعطاه اسمه وعنوانه. قال بأن اسمه جايمس جرانيت، وعنوانه هو رقم ٨ في زقاق «فليجوودز رينتس» طريق جراي إن، من ناحية هولبورن. أخبر آبليارد بأنه كيميائي كفء، وقدَّم براهينه على ذلك وبعض المراجع. وقال أيضًا إنه لم يمتلك عملًا خاصًّا به قط، لكنه كان موظَّفًا من قبل لدى شركات إقليمية كبرى في وقت من الأوقات، وهو ما اتضح من المراجع بالفعل. ومؤخَّرًا كان يعمل موظفًا لدى شركة لتصنيع الكيماويات في إيست هام، وقد انهارت أعمالهم لسببٍ أو لآخر واضطروا إلى تقليل العاملين لديهم، وكان هو من بين مَن فقدوا عملهم، وزاد سوء حظه إذ أُصيب بمرض عضال. قال الرجل إنَّ ذلك استنفد موارده المالية الصغيرة، وإنه متلهف للحصول على وظيفة أخرى؛ كان متلهفًا جدًّا حتى إنه أتى لآبليارد بشروط منخفضة للغاية. أخبره آبليارد بأنه سيتقصى المَراجع وسيكتب له في غضون يوم أو اثنين. وقد تقصَّى بالفعل، ووجد أن المَراجع مُرضية إلى حدٍّ كبير، وكتب إلى جرانيت يطلب منه أن يعمل لديه. لكن جرانيت لم يظهر بعد ذلك أبدًا، ولم يسمع به آبليارد حتى قرأ جريدة يوم الأحد هذا. وحينها شعر بأن جرانيت هو بالتأكيد ذلك الرجل، فأتى إليَّ.»
علَّق هيثرويك قائلًا: «لا أظنُّ أن هناك أيَّ شك في هذا الأمر. لكن وقبل أن نقوم بأي خطوة أخرى، أريد أن أطرح سؤالًا. هل ذكر آبليارد الوقت الذي أتاه فيه هذا الرجل في ذلك المساء؟»
«لقد فعل. كان ذلك في الوقت الذي يغلق فيه متجره؛ أي التاسعة. وقد توقَّف جرانيت للحديث معه مدة نصف ساعة تقريبًا. الحق أنَّ آبليارد أخبرني بالمزيد. بعد أن انتهيا من حديثهما، أغلق آبليارد المتجر لأنه لا يعيش فيه، ودعا جرانيت لعبور الشارع معه وتناول مشروب قبل أن يذهب إلى المنزل. وقد تناولا مشروبًا معًا في حانة مجاورة، وراحا يتحدثان بعض الوقت هناك؛ وطبقًا لما ذكره آبليارد، فإن الساعة كانت قد شارفت على العاشرة حين غادره جرانيت. وتذكَّر آبليارد أن جرانيت استدار في اتجاه شارع فيكتوريا حين غادر، وكان في طريقه بلا أدنى شك إلى القطار النفقي.»
غمغم هيثرويك: «ودون شك أيضًا، قابل هانافورد في شارع فيكتوريا. وماذا عن بقية الأمر إذن؟»
أجابه ماذرفيلد: «حسنًا، فور أن علمت بكل هذا، عزمت على الذهاب بنفسي إلى فليجوودز رينتس بالطبع. كان أول شيء فعلته هذا الصباح هو أن ذهبت إلى هناك. إن فليجوودز رينتس شارع عشوائي فقير، لا يحاول استئجار غرفة فيه سوى رجل يحتل مكانة هابطة للغاية في هذا العالم. وهو يشبه زقاقًا أو شارعًا قصيرًا يقع على الجانب الأيمن من طريق جراي إن، ويرتفع إلى الأعلى حيث توجد نصف دزينة من المنازل القذرة على كل جانب من جانبيه، وكلٌّ منها مقسم إلى شقق. كان المنزل رقم ٨ قذرًا للغاية بالفعل؛ إذ وجدت على بابه نساء قذرات وأطفالًا مزعجين، وكانت القذارة ورثاثة الهيئة تحيطان بالمكان من جميع النواحي. ولم تعرف أيٌّ من النساء الموجودات في المكان اسم جرانيت، لكن بعد أن وصفت لهنَّ الرجل الذي أبحث عنه، قلن إنه لا بد ذلك الرجل الذي يقطن الحجرة العلوية الخلفية، وأضفن أنهن لم يرينه منذ بضعة أيام. صعدت على سُلَّم قذر إلى الغرفة التي أشرن إليها؛ كان الباب موصدًا ولم أجد لطرقاتي المتكررة من مجيب. لهذا انطلقت بعدها لأعرف مالك المكان، وفي نهاية المطاف عثرت على رجلٍ تفوح منه رائحة الجِعَة في حانة مجاورة وضيعة. عرفت منه أن لديه مستأجِرًا يُدعى جرانيت كان يدفع له ستة شلنات في الأسبوع لقاء استئجار الغرفة الخلفية العليا، وتذكَّر الرجل فجأة أن جرانيت لم يدفع له إيجار الأسبوع الماضي. كان تأثير ذلك عليه أكبر من أي شيء قلته، وذهب الرجل معي إلى المنزل. ولكي أختصر عليك، كسرنا الباب ووجدنا الرجل ميتًا في سريره!»
قال هيثرويك متعجبًا: «ميت! تقول، ميت؟»
ردَّ عليه ماذرفيلد في تجهُّم: «أجل، أقول وجدناه ميتًا، وكان ميتًا منذ عدة أيام، طبقًا لما قاله الأطباء. كان ميتًا من مدة طويلة! كانت الحجرة رديئة وضيعة لكنها كانت نظيفة؛ إذ يُرى من خلال الكثير من التفاصيل الصغيرة أنَّ الرجل كان معتادًا معيشةً أفضل من تلك. أما فيما يتعلَّق بالرجل نفسه، فمن الواضح أنه خلد إلى الفراش بالطريقة المعتادة. كانت ملابسه مطوية بعناية ومرتَّبة، وبجوار السرير كان ثمة كرسي عليه شمعة مشتعلة حتى نصفها وجريدة مسائية.»
أشار هيثرويك قائلًا: «من شأن هذا أن يحدِّد تاريخ الوفاة.»
أجاب ماذرفيلد: «بالطبع؛ وكان هو التاريخ نفسه الذي مات فيه هانافورد. لقد دوَّنت ملحوظة دقيقة بشأن هذه الملابسات! بدا كل شيء وكأن الرجل خلد إلى فراشه بطريقته المعتادة تمامًا؛ إذ قرأ الجريدة لبعض الوقت، ثم أطفأ شمعته، وخلد إلى النوم ومات أثناء نومه.»
قال هيثرويك متعجبًا: «أجل! لكني أتساءل ما سببُ موته؟»
قال ماذرفيلد: «واتتني الفكرة نفسها تحديدًا، وذلك لمعرفتي بما أعرفه عن هانافورد. لكن الأطباء سيخبروننا بالمزيد بخصوص ذلك. ولكي أختتم الأمر، كان معي أحد رجالي فتركته مسئولًا عن الموقع، وذهبت للحصول على المزيد من المساعدة، وبعثت في طلب آبليارد. تعرَّف آبليارد على الرجل فورًا باعتباره الرجلَ الذي رآه. وقد وجدنا خطاب آبليارد بالفعل حين فتحنا الباب وكان بجواره خطاب أو اثنان آخران في الغرفة. هذا هو كل شيء إذن، عدا أنني أريد الآن معرفةَ ما إن كنت تستطيع تأكيد أنه هو ذلك الرجل الذي رأيته مع هانافورد، وأريد أن أفتح صندوقًا مغلقًا وجدناه في الغرفة؛ إذ ربما يحتوي على شيء قد يمدُّنا بمزيد من المعلومات. على كل حال، فتلك خطوة للأمام.»
أقرَّ هيثرويك قائلًا: «أجل، هذه خطوة. لكن لا يزال أمامنا عمل كثير علينا القيام به يا ماذرفيلد. أعتقد أنه لا سبيل الآن إلى الشك في أن جرانيت التقى بهانافورد بعد أن انصرف من عند آبليارد؛ مما يشير إلى أن جرانيت وهانافورد كانا على معرفة سابقة أحدهما بالآخر. لكن بافتراض أنهما التقيا في العاشرة مساء أو بعدها بقليل؛ فإلى أين ذهبا، وأين أمضيا وقتهما من تلك الساعة إلى حين دخلا عربة القطار التي كنت أستقلها في محطة «سانت جايمس بارك»؟»
سأله ماذرفيلد: «كم كانت الساعة حينها؟»
قال هيثرويك: «كانت الساعة قد تجاوزت منتصف الليل؛ إذ كان القطار الذي أستقله هو آخر قطار يتجه شرقًا. وأنا لم ألحق به إلا في ميدان سلون. لكن يمكننا التحقُّق من الوقت حينها بالتحديد، بالدقيقة. ومع ذلك، وبعد أن التقى هذان الرجلان مصادفةً — مثلما أستنتج — فلا بد أنهما كانا معًا لساعتين أو ثلاث. فأين كانا؟ لا سيما في تلك الساعة من الليل. لا بد أن هناك طريقةً لمعرفة ذلك! رجلان، كلٌّ منهما لافت للانتباه بصورة كبيرة؛ لا بد أن أحدهم رآهما معًا في مكانٍ ما! محال ألَّا يكون أحدٌ قد رآهما.»
علَّق ماذرفيلد: «أجل، لكن من خلال خبرتي يا سيد هيثرويك، فإن المحال هو ما يحدث! وفي مكانٍ مزدحم كهذا، حيث يكون كل رجل منشغلًا بأموره الخاصة، فإن تسعة وتسعين رجلًا من أصل مائة لا يلحظون أيَّ شيء إلا إن كان تحت أعينهم مباشرة. من المؤكد أننا إذا استطعنا معرفةَ ما إن كان جرانيت وهانافورد معًا في تلك الليلة أم لا، والمكان الذي كانا فيه، والمكان الذي ذهب إليه جرانيت بعد أن هرب في تشارينج كروس، فإن ذلك سيسهِّل الأمور كثيرًا. لكن كيف سنعرف ذلك؟ لقد حظيت تلك القضية بدعاية هائلة في الصحف كما تعلم يا سيد هيثرويك؛ فظهرت صور هانافورد وذُكرت تفاصيل عن القضية برمَّتها وما إلى ذلك، لكننا وبشكل مثير للدهشة، لم نحصل إلا على القليل من المساعدة والمعلومات. سأخبرك بما علينا فعْله يا سيدي؛ إن ما نريده هو ذلك الرجل الطويل ذو المعطف والذي التقى بهانافورد في فيكتوريا! فمَن ذلك الرجل؟»
قال هيثرويك موافقًا: «بالفعل! لقد اختفى ذلك الرجل! من دون أي أثر له.»
قال ماذرفيلد بابتهاج: «حسنًا! لا يعرف المرء أبدًا متى سيعثر على الأثر. وها نحن أولاء هنا الآن في حي فليجوودز رينتس الكريه.»
توقَّفت سيارة الأجرة عند زقاق مظلم عالي الجدران ومرصوف بالحجارة، وقد بدا في تلك اللحظة ممتلئًا بالنساء والأطفال، وكذلك كانت النوافذ على كلا جانبيه أيضًا. كان المكان كله كئيبًا وله رائحة خبيثة، وشعر هيثرويك بالأسى تجاه الرجل البائس الذي كان حظه سيئًا بما يكفي لأن يجلبه إلى مكان كهذا.
قال ماذرفيلد وهما يشقَّان طريقهما عبر ذلك الحشد الرث الثياب الكريه الرائحة: «إن جريمة قتل أو انتحار أو وفاة مفاجئة لهي نفحة عطرة بالنسبة لهؤلاء الناس! إنه حدث في حيواتٍ تخلو من أيِّ أحداث.» وأضاف حين وصلا إلى بابٍ وقف عنده رجل شرطة يحرسه: «هذا هو المكان. وتلك هي الدَّرج؛ فلتحذر لكي لا تنزلق عليها؛ ذلك أن الخشب مكسور وعواميد الدرابزين مهشَّمة.»
تبِع هيثرويك مرشده إلى أعلى المنزل. وعلى باب آخرَ كان هناك ضابط شرطة آخر، وقد ساعدهما حين رأياه عند النظر من نافذة الدَّرج المغبَّشة بالأوساخ. وقد ابتهج وجهه بعد ضجرٍ حين رأى ماذرفيلد؛ فخطا خطوةً للخلف وفتح الباب الذي كان بجواره في هدوء. دلف الوافدان الجديدان إلى الغرفة على أطراف أصابعهما صامتين مراعاةً للمهمة التي تنتظرهما.
كان المكان مثلما وصفه ماذرفيلد، رديئًا لكنه نظيف ومرتب، ومن الواضح أنَّ ساكنه حاول أن يجعله قابلًا للسكن ومريحًا قدْر ما سمحت له الوسائل المتاحة. كانت هناك صورة أو اثنتان على الطاولة، ونصف دزينة من الكتب على خزانة الأدراج العتيقة، وبضع أزهار ذابلة وميتة في إناء متصدِّع على رف الموقد. رمق هيثرويك كل ذلك بنظرة سريعة، ثم التفت إلى ماذرفيلد الذي سحب الملاءة في صمت من فوق رأس الجثة الجامدة على السرير وأكتافها ونظر إلى رفيقه متسائلًا. فحص هيثرويك وجه الرجل المتوفَّى بدقة وعناية ثم أومأ بالإيجاب.
وقال: «أجل! هذا هو الرجل!»
سأله ماذرفيلد: «من دون شك؟»
قال هيثرويك مؤكِّدًا: «من دون أدنى شك. هذا هو الرجل الذي كان مع هانافورد في القطار. لقد تعرَّفت عليه في الحال.»
أعاد ماذرفيلد الملاءة والتفت نحو طاولة صغيرة كانت تحت النافذة. وقبع فوقها صندوق مربَّع الشكل عتيق الطراز مغلقًا بإحكام عند الزوايا.
وعلَّق قائلًا: «يبدو أن هذا هو الغرض الوحيد الخصوصي الذي كان يمتلكه. إنه مغلق بإحكام، لكن معي هنا أداة ستفتحه. أريد أن أعرف ما بداخله؛ فقد يوجد به شيء يمدُّنا بتلميحٍ ما.»
وقف هيثرويك بينما فتح ماذرفيلد القفل عنوة بأداة أخرجها من جيبه، وراح يفحص محتويات الصندوق. بدا أولًا أنه لا يوجد سوى أشياء قليلة من المرجَّح أن تكشف عن أيِّ معلومات. كانت هناك بذلة كاملة وزيٌّ مصنوع من كتان جيد؛ بدا وكأن جرانيت احتفظ بتلك الملابس بعناية أملًا في أن يشهد أيامًا أفضل. كان هناك المزيد من الكتب، وكلها ذات طبيعة تقنية تتعلق بالكيمياء؛ وكان هناك حقيبة صغيرة تحتوي على جهاز كيميائي، وحقيبة أخرى بها زوج من الموازين؛ وفي حقيبة ثالثة وجدوا مجهرًا.
غمغم ماذرفيلد قائلًا: «لم يكن قد استنفد جميع موارده، وإلا لرهن تلك الأشياء. تبدو جميعها من نوعية جيدة، وخاصة المجهر. لكنَّ هذا هو ما أريده بدرجة أكبر: الخطابات!»
سحب ماذرفيلد حزمتين من الخطابات، كانتا مرتَّبتين بعناية ومربوطتين بشريط. وبعد أن فكَّ الأربطة ونثر المظاريف بسرعة على الطاولة، وضع إصبعه فجأة على أحد العناوين.
وصاح قائلًا: «هاك يا سيد هيثرويك. هذا هو ما توقَّعت أن أجد، رغم أنني بكل تأكيد لم أعتقد أننا سنكتشف بهذه السرعة أنَّ الرجل كان يعيش في سيليثوايت قبل ذلك. انظر إلى هذا العنوان: السيد جايمس جرانيت، رقم ٧ فيكتوريا تيراس، سيليثوايت، يوركشاير. بالطبع! بهذه الطريقة عرف هانافورد وكان معه. كانا على معرفة سابقة. انظر، يوجد العديد من الخطابات.»
أخذ هيثرويك اثنين من المظاريف أو ثلاثة في يده وراح ينظر فيها بإمعان. ولاحظ في الحال ما لم يلحظه ماذرفيلد.
وقال: «صحيح! لكن الأكثر أهمية هو التاريخ. انظر إلى هذا، أترى؟ هذا يوضِّح أن جرانيت كان يعيش في سيليثوايت قبل عشر سنوات، وكان هانافورد يحدِّثه عن تلك الفترة في القطار.»
قال ماذرفيلد مُصدِّقًا: «حسن إذن، ها نحن أولاء نتوصَّل إلى شيءٍ ما! والآن سنعيد كل شيء إلى مكانه، وسآخذ الصندوق وأفحصه بعناية أكثر في وقت لاحق.» أعاد وضع الأشياء المختلفة في مكانها ولفَّ حبلًا حول الصندوق وعقده، ثم التفت نحو ملابس الرجل المتوفَّى والتي كانت موضوعة على كرسي مجاور ومطوية بعناية. ثم أردف يقول: «لم أُلقِ نظرة على جيوب هذه الملابس، سألقي نظرة سريعة؛ فالمرء لا يعرف أبدًا ما قد يجد.»
راح هيثرويك يراقب في صمت مرة أخرى. ولم يكن هناك الكثير مما يثير الاهتمام حتى سحب ماذرفيلد فجأة، ورقة مطوية من أحد جيوب المعطف. وبعد أن قام بفردها أطلق صيحة تعجُّب حادة.
وقال: «جيد! أترى هذا؟ ورقة جديدة من فئة خمسة جنيهات! أراهن أنَّه لم يمتلك هذه الجنيهات الخمسة إلا مؤخرًا! لقد حصل عليها في تلك الليلة بلا أدنى شك. ممَّن يا تُرى؟»
قال هيثرويك: «أقول إن هانافورد أعطاه إياها.»
لكن ماذرفيلد هزَّ رأسه نافيًا ووضع الورقة النقدية في جيبه.
وقال مؤكِّدًا: «هذا دليل دامغ. يمكنني تتبُّع ذلك.»