فرملة الطوارئ
جلست فاندا ظهيرة يوم الاثنين في كافيتيريا مركز المؤتمرات ببرلين، وهي تضغط هاتفها المحمول على أذنها، بينما دست إصبعها في أُذُنها الأخرى حتى تتمكن من سماع يوهانيس على نحو أفضل.
سمعته يقول: «يبدو أن أحدهم حذَّره.»
«لكن مَن؟» لاحظت على الفور أنها تتحدث بصوت عالٍ جدًّا على خلفية من أصوات طقطقة الصحون وصلصلة الكئوس. بصعوبة حاولت — لكن بلا جدوى — أن تتغلب على مستوى الضجيج في محيطها. كانت أعصابها ملتهبة، علاوةً على ذلك فهي لم تَنَلْ قسطًا كافيًا من النوم.
واصل يوهانيس حديثه: «رغم ذلك، فإن المسألة تبدو مبشِّرة.» كان يتحدث بهدوء مدهش رغم انكشاف أمرهم. لقد تنصتت بيترا على ميشائيل فالاخ وعلمت بمواعيد رحلة شتورم. كانوا يعلمون أن ميشائيل سيوصل شتورم صباحًا إلى المحطة. أين وقع الخطأ إذن؟
أخذ يوهانيس يكمل كلامه: «وقفت أمام منزله تمام السادسة صباحًا. من الممكن أيضًا أن يكون قد غيَّر خططه قبل بدء تنفيذها بمدة قصيرة. لم أكن أريد أن أغامر بفقد أثره على أية حال. وكما المتوقع ذهب بسيارة أجرة إلى المعهد في السابعة إلا الثلث. وفي السابعة وخمس دقائق أحضرت بيترا مفاتيحه. ادَّعت أنها نسيت مفتاحها الإلكتروني بالمنزل، وأن مدير المعهد أدخلها لكنها لن تتمكن الآن من دخول وحدة الإشعاع. تعلمين كم هي بارعة في الكذب، ولا مانع من أن تكون قد تدللت في مشيتها أمامه قليلًا. ضحك الثور العجوز مليًّا واقتنع بكلامها. غادرت مكتب شتورم بسلسلة مفاتيحه وأوصدت باب السكرتارية من الخارج. الساعة التالية ما هي إلا عينة لما يمكن أن نعانيه من تدمير لأعصابنا، وكنا نأمل ألا يخطر بباله أن يغادر السكرتارية قبل الموعد. تسللت عدة مرات أمام الباب وأنصتت. لا طَرْق ولا دَقَّ. في كل الأحوال تبطين جدران الغرفة لا يسمح بسماع ما هو أدنى من ذلك. في تمام السابعة وتسع وخمسين دقيقةً دخلت السيدة بونتي الطرقة الموصلة للقسم. على مدخل السكرتارية ورقة ملصقة مكتوب عليها أن الرئيس لن يحضر إلى القسم اليوم مرة أخرى، وعليه لم تندهش أن وجدت الباب مغلقًا. فدخلت وخلعت المعطف ووضعت الحقيبة وفعلت كل ما تفعل عادة حين لا يكون الرئيس موجودًا. ودخنت سيجارة ونظرت إلى رصة طلبات استعارة الكتب التي حرصت — تزيدًا في الاحتياط — على تكديسها أكثر، واتصلت بصديقتها هاتفيًا في المكتبة، وكما هو متوقع، خرجت وأغلقت الباب خلفها بالمفتاح. تقريبًا في الوقت نفسه دق الهاتف في منزل ميشائيل فالاخ.»
وأخبرته زابينة: «بابا لن يعاود الحضور إلى المنزل، ستقوم ماما بتوصيله إلى المحطة»، تعلمين كيف يبدو صوتها طفوليًّا، لقد ظن ميشائيل فعلًا أنها ابنة شتورم. في كل الأحوال، فإنه لم يغادر شقته قبل الثامنة والنصف. زابينة رأت ذلك لأنها كانت واقفة أمام منزله، لا بد أن ما حدث وقع في ذلك الوقت. لقد دق هاتفي فانصرف انتباهي لوقت قليل.
«هلا دخلت في الموضوع أخيرًا؟» صارت معدة فاندا تقرقر من نفاد الصبر.
«سمعت خطوات السيدة بونتي على أرضية الطرقة الساعة التاسعة إلا الربع. كانت صلصلة سلسلة مفاتيحها تنذر بِشَرٍّ. لاحقًا قالت إن الرئيس وصل إليها في المكتبة. كانت تقريبًا خارج المبنى. لا بد أن أحدهم اتصل به، وأن هذا الشخص كان يعرف تمامًا أين هي، لو لم يحدث ذلك لَظلَّ حبيسًا يتلظى نصف ساعة أخرى على الأقل، ولم يكن ليسمعه أحد عبر الأبواب العازلة للصوت. لا يحضر الناس للمناقشات يوم الاثنين قبل العاشرة، أما وردية الصباح فكانت في استراحة الإفطار في الكافيتيريا بالأسفل حيث لا يوجد هاتف.»
قالت فاندا: «ربما اتصل بمدير المبنى؟» كانت ترفض أن تقبل حكاية يوهانيس بوجود واشٍ لا يعرفون مَن هو. رفعت سيدة على الطاولة المجاورة لها رأسها ونظرت إليها باندهاش. استدارت فاندا وأعطتها ظهرها.
قالت فاندا هامسة: «لم تكن هذه الخطة سوى مزحة.»
«كان السيد فايدنرايش مشغولًا بإعادة الثلاجة القديمة إلى معملك. تذكرين ذاك الشيء الضخم الذي قمت بإزاحته مؤخرًا إلى المعمل؟ كان غاضبًا، لكن لم يطرأ ببالي فكرة أفضل.»
حاولت فاندا أن تتحدث بصوت منخفض وهي تقول: «اللعنة! لماذا إذن لم تتصل بي مبكرًا؟ لقد سلمت محاضرتي قبل خمس دقائق، وهي الآن على جهاز الكمبيوتر بالقاعة، لا يمكن أن أستعيدها الآن.»
«ما زالت للحكاية بقية، كان عليكِ أن تري كيف اندفع الرئيس مصهدًا من المكتب، وكاد أن يقفز في وجه بونتي بعد أن فتحت الباب وهو يصيح ما الذي انتابها لتغلق الباب من الخارج؟ وهي السبب في كل ذلك لأنها لا تريد أن تبدل المفاتيح. كادت تبكي، فأنتِ تعرفين عدم ثقتها في نظام الغلق الجديد. آنذاك استسلم الرئيس لرغبتها حين أصرت أن توصد أسوار مملكتها بقفل أمان كلاسيكي، وهذا لحسن حظنا. أما المفاتيح الإلكترونية فثمة طريقة تُفَكُّ بها ليخرج المحبوس من الداخل، وتحت ظرف كهذا لم تكن خطتنا لتنجح. في هذه الأثناء كان قطار شتورم إلى فرانكفورت قد غادر فعلًا إلا أن سيارة الأجرة كانت تنتظره في الجراج بالأسفل. كان لا يزال لديه الفرصة الكاملة أن يلحق بطائرته إلى برلين.»
«وهل فعل أم لم يفعل؟»
«على الأرجح أنه وصل إلى المطار في وقت مناسب، لكن لم يُسمَح له بالصعود إلى الطائرة.» توقف يوهانيس قليلًا، لقد كانت الخطة برمتها من بنات أفكاره، لذلك كان يستمتع أن يقتلها مللًا بالتفاصيل لمرة جديدة.
فصاحت فيه: «توقف عن ذلك وأخبرني أخيرًا ما الذي يحدث.»
«إنذار بوجود قنبلة. فرملة الطوارئ. حقيبة لا يعرفون مَن صاحبها وُجِدت في مكان ما بصالة تخليص الإجراءات. توقفت كل الرحلات، وأُغلِق المطار لعدة ساعات.»
تنفست فاندا الصعداء.
«لن يحضر إذن؟» فرملة الطوارئ؟ ماذا كان يقصد يوهانيس بذلك؟
«لنَقُلْ إنه بالتأكيد لن يصل في الموعد المحدَّد. لقد حلقت طيارته الآن. ولو أسرع الخطى فعلًا قد يصل عند مختتم محاضرتك.»