الثَّعْلَبُ ريدي غَيْرُ مُهَذَّبٍ
إِنَّ الثَّعْلَبَ ريدي عَنِيدٌ، وَمِثْلُ أَغْلَبِ النَّاسِ الْعَنِيدَةِ؛ فَهُوَ يَظُنُّ أَنَّ طَرِيقَتَهُ هِيَ أَفْضَلُ طَرِيقَةٍ، فَقَطْ لِأَنَّهَا طَرِيقَتُهُ. إِنَّهُ ذَكِيٌّ، حَقًّا الثَّعْلَبُ ريدي ذَكِيٌّ. نَعَمْ، بِالْفِعْلِ، الثَّعْلَبُ ريدي فِي غَايَةِ الذَّكَاءِ. يَجِبُ أَنْ يَكُونَ هَكَذَا لِكَيْ يَسْتَطِيعَ أَنْ يَعِيشَ. وَلَكِنْ كَثِيرًا مِمَّا يَعْلَمُ قَدْ تَعَلَّمَهُ مِنَ الْجَدَّةِ ثعلبة الْعَجُوزِ. أَمْهَرُ الْخُدَعِ هِيَ مَنْ عَلَّمَتْهُ إِيَّاهَا. بَدَأَتْ فِي تَعْلِيمِهِ حِينَ كَانَ صَغِيرًا جِدًّا مُنْذُ أَنْ كَانَ يَتَعَثَّرُ فِي الْمَشْيِ. كَانَتْ هِيَ مَنْ عَلَّمَهُ الصَّيْدَ، وَأَنَّهُ مِنَ الْأَفْضَلِ أَلَّا يَسْرِقَ الدَّجَاجَ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ مِنَ الْمَنْزِلِ، وَإِنَّمَا يَذْهَبُ بَعِيدًا جِدًّا لِكَيْ يَصْطَادَ، وَكَيْفَ يَخْدَعُ كَلْبَ الصَّيْدِ باوزر.
كَانَتِ الْجَدَّةُ هِيَ مَنْ عَلَّمَ ريدي كَيْفَ يَسْتَخْدِمُ أَنْفَهُ الْأَسْوَدَ الصَّغِيرَ فِي تَتَبُّعِ آثَارِ الْأَرَانِبِ الصَّغِيرَةِ الطَّائِشَةِ، وَكَيْفَ يَصْطَادُ فِئْرَانَ الْمَرْجِ تَحْتَ الثُّلُوجِ. فِي الْوَاقِعِ، قَلِيلٌ مِمَّا يَعْلَمُ ريدي الصَّغِيرُ لَمْ يَتَعَلَّمْهُ مِنَ الْجَدَّةِ ثعلبة الْعَجُوزِ الْحَكِيمَةِ الْمَاهِرَةِ.
وَلَكِنْ فِي الْوَقْتِ الَّذِي أَخَذَ ريدي يَكْبُرُ أَكْثَرَ فَأَكْثَرَ، حَتَّى أَصْبَحَ فِي حَجْمِ الْجَدَّةِ نَفْسِهَا، نَسِيَ مَا يَدِينُ لَهَا بِهِ. أَصْبَحَ يَمْتَلِكُ وُجْهَةَ نَظَرٍ خَاصَّةً بِهِ، وَيَشْعُرُ أَنَّهُ يَعْلَمُ تَمَامًا كُلَّ مَا يُوجَدُ مِنْ عِلْمٍ. لِذَا حِينَ كَانَ يَفْعَلُ شَيْئًا أَحْمَقَ أَوْ طَائِشًا، وَكَانَتِ الْجَدَّةُ تُوَبِّخُهُ وَهِيَ تَقُولُ لَهُ إِنَّهُ كَبِيرٌ إِلَى حَدِّ أَنْ يَعْرِفَ الصَّوَابَ، كَانَ يَسْتَاءُ وَيَنْصَرِفُ مُتَذَمِّرًا فِي نَفْسِهِ. وَلَكِنَّهُ لَمْ يَجْرُؤْ قَطُّ أَنْ يَكُونَ عَدِيمَ الِاحْتِرَامِ لِلْجَدَّةِ عَلَانِيَةً، وَهَذَا، بِالطَّبْعِ، مَا كَانَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ.
كَانَ يَقُولُ لِنَفْسِهِ: «لَيْتَنِي أَسْتَطِيعُ أَنْ أُمْسِكَ بِالْجَدَّةِ وَهِيَ تَقُومُ بِشَيْءٍ أَحْمَقَ أَوْ طَائِشٍ.» وَلَكِنَّهُ لَمْ يَسْتَطِعْ، وَكَانَ قَدْ بَدَأَ يَظُنُّ أَنَّهُ لَنْ يَسْتَطِيعَ أَبَدًا. وَلَكِنِ الْآنَ وَأَخِيرًا كَانَتِ الْجَدَّةُ، الْجَدَّةُ ثعلبة الْعَجُوزُ الْمَاهِرَةُ، طَائِشَةً! لَقَدْ سَمَحَتْ لِابْنِ الْمُزَارِعِ براون أَنْ يُمْسِكَ بِهَا وَهِيَ غَافِيَةٌ. تَمَنَّى ريدي لَوْ كَانَ هُنَاكَ لِيَرَى ذَلِكَ بِنَفْسِهِ. وَلَكِنْ عَلَى أَيِّ حَالٍ، لَقَدْ عَرَفَ بِالْأَمْرِ، وَاتَّخَذَ قَرَارَهُ أَنَّهُ فِي الْمَرَّةِ الْمُقْبِلَةِ الَّتِي تَقُولُ فِيهَا الْجَدَّةُ لَهُ لَفْظًا حَادًّا بِشَأْنِ إِهْمَالِهِ، سَيَكُونُ لَدَيْهِ مَا يَرُدُّ بِهِ عَلَيْهَا. بِالْفِعْلِ، كَانَ ريدي يَنْتَوِي عَمْدًا أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهَا. وَكَمَا تَعْلَمُونَ، فَإِنَّ هَذَا دَائِمًا يُعَدُّ إِسَاءَةَ احْتِرَامٍ لِلْكَبِيرِ.
وَأَخِيرًا جَاءَتْهُ الْفُرْصَةُ؛ قَامَ ريدي بِشَيْءٍ لَنْ يَقُومَ بِهِ أَيُّ ثَعْلَبٍ حَكِيمٍ. ذَهَبَ لِلَيْلَتَيْنِ مُتَتَالِيَتَيْنِ إِلَى عُشَّةِ الدَّجَاجِ نَفْسِهَا، وَفِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ كَادَ أَنْ يُطْلَقَ عَلَيْهِ الرَّصَاصُ. عَلِمَتِ الْجَدَّةُ بِمَا حَدَثَ. لَمْ يَعْرِفْ ريدي حَتَّى حِينِهَا كَيْفَ عَلِمَتِ الْجَدَّةُ، وَلَكِنَّهَا عَلِمَتْ، وَقَامَتْ بِتَوْبِيخِهِ تَوْبِيخًا نَادِرًا مَا قَامَتْ بِهِ مَعَهُ.
وَبَّخَتْهُ الْجَدَّةُ: «أَنْتَ أَحْمَقُ ثَعْلَبٍ رَأَيْتُهُ فِي حَيَاتِي.»
رَدَّ ريدي بِكُلِّ وَقَاحَةٍ: «لَسْتُ أَحْمَقَ مِنْكِ!»
سَأَلَتْهُ الْجَدَّةُ: «مَاذَا؟ مَاذَا قُلْتَ؟»
فَقَالَ وَهُوَ يَضْحَكُ بِوَقَاحَةٍ: «قُلْتُ إِنَّنِي لَسْتُ أَحْمَقَ مِنْكِ، وَعِلَاوَةً عَلَى ذَلِكَ، أَتَمَنَّى أَلَّا أَكُونَ فِي مِثْلِ حَمَاقَتِكِ. إِنَّنِي لَا آخُذُ قَيْلُولَةً فِي وَضَحِ النَّهَارِ تَحْتَ أَنْفِ ابْنِ الْمُزَارِعِ براون مُبَاشَرَةً.»
رَفَّتْ عَيْنُ الْجَدَّةِ. ثُمَّ حَدَثَ أَمْرٌ؛ أَخَذَتِ الصَّفَعَاتُ تَنْهَالُ عَلَى ريدي هُنَا وَهُنَاكَ، حَتَّى بَدَا لَهُ وَكَأَنَّ الْهَوَاءَ قَدِ امْتَلَأَ بِمَخَالِبَ سَوْدَاءَ، كُلُّ مِخْلَبٍ يَضْرِبُ رَأْسَهُ أَوْ وَجْهَهُ مَعَ وَخْزَةٍ جَعَلَتْهُ يَئِنُّ وَيَضَعُ ذَيْلَهُ بَيْنَ رِجْلَيْهِ، وَأَخِيرًا عَوَى.
صَاحَتِ الْجَدَّةُ أَخِيرًا عِنْدَمَا كَانَ عَلَيْهَا أَنْ تَتَوَقَّفَ؛ لِأَنَّ نَفَسَهَا قَدِ انْقَطَعَ: «هَكَذَا! رُبَّمَا هَذَا يُعَلِّمُكَ أَنْ تَكُونَ مُحْتَرَمًا مَعَ الْكِبَارِ. لَقَدْ كُنْتُ مُهْمِلَةً وَحَمْقَاءَ، وَأَنَا عَلَى أَتَمِّ الِاسْتِعْدَادِ لِأُقِرَّ بِهَذَا؛ لِأَنَّهُ عَلَّمَنِي دَرْسًا. كَثِيرًا مَا تُكْتَسَبُ الْحِكْمَةُ مِنَ الْأَخْطَاءِ، وَلَكِنْ لَيْسَ حِينَ لَا يَكُونُ الشَّخْصُ مُسْتَعِدًّا لِيَعْتَرِفَ بِأَخْطَائِهِ. لَا يَعِيشُ ثَعْلَبٌ طَوِيلًا إِذَا كَرَّرَ نَفْسَ الْخَطَأِ مَرَّتَيْنِ. وَأُولَئِكَ الَّذِينَ لَا يَحْتَرِمُونَ كِبَارَهُمْ، لَا يَصِلُونَ إِلَى نِهَايَةٍ سَعِيدَةٍ. لَدَيَّ وَزَّةٌ سَمِينَةٌ عَلَى الْعَشَاءِ، لَكِنَّكَ لَنْ تَحْصُلَ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ مِنْهَا.»
بَكَى ريدي فِي نَفْسِهِ وَهُوَ يَزْحَفُ لِسَرِيرِهِ دُونَ عَشَاءٍ: «لَيْتَنِي لَمْ أَعْرِفْ شَيْئًا عَنْ خَطَأِ الْجَدَّةِ.»
هَمَسَ صَوْتٌ خَافِتٌ فِي دَاخِلِهِ: «كَانَ يَجِبُ أَنْ تَتَمَنَّى لَوْ أَنَّكَ لَمْ تَكُنْ وَقِحًا.»