الْجَدَّةُ وَريدي يُخْفِقَانِ فِي الصَّيْدِ
لَمْ يَكُنْ طَائِرُ الْقَرْقَفِ تومي وَنَقَّارُ الْخَشَبِ درامر وَكَاسِرُ الْجَوْزِ يانك يانك وَطَائِرُ السِّنْدِيَانِ سامي وَالسِّنْجَابُ الْأَحْمَرُ ثرثار الْوَحِيدِينَ الَّذِينَ خَرَجُوا حَالَمَا انْتَهَتِ الْعَاصِفَةُ. يَا إِلَهِي، لَا! حَقًّا لَا! كُلُّ مَنْ كَانَ نَائِمًا حَتَّى يَنْقَضِيَ الشِّتَاءُ، وَكُلُّ مَنْ لَمْ يَمْتَلِكْ خَزِينًا مِنَ الطَّعَامِ، خَرَجَ. وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ جَمِيعُهُمْ مَحْظُوظِينَ مِثْلَ طَائِرِ الْقَرْقَفِ تومي وَأَصْدِقَائِهِ فِي إِيجَادِ وَجْبَةٍ شَهِيَّةٍ.
خَرَجَ الْأَرْنَبُ بيتر وَزَوْجَتُهُ مِنَ الْجُحْرِ فِي قَلْبِ الدَّغَلِ الْعَزِيزِ؛ حَيْثُ اسْتَطَاعُوا الْبَقَاءَ فِي دِفْءٍ، وَلِلتَّوِّ بَدَآ يَمْلَآنِ بَطْنَيْهِمَا مِنْ لِحَاءِ الْأَشْجَارِ الصَّغِيرَةِ وَأَسَلَةِ الْأَغْصَانِ الرَّقِيقَةِ. كَانَ طَعَامًا رَدِيئًا جِدًّا، وَلَكِنَّهُ سَيَسُدُّ هَذَا الْإِحْسَاسَ بِالْجُوعِ. انْدَفَعَتِ السَّيِّدَةُ طيهوجة خَارِجَةً مِنْ بَيْنِ الثَّلْجِ، وَأَسْرَعَتْ لِلْحُصُولِ عَلَى وَجْبَةٍ قَبْلَ أَنْ يَحُلَّ الظَّلَامُ. لَمْ يَكُنْ لَدَيْهَا الْوَقْتُ لِلتَّدْقِيقِ؛ لِذَا أَكَلَتْ بَرَاعِمَ شَجَرَةِ التَّنُّوبِ. كَانَتْ مُرَّةً جِدًّا، وَهَذَا لَمْ يُعْجِبْهَا، وَلَكِنَّهَا كَانَتْ جَائِعَةً جِدًّا، وَكَانَ اللَّيْلُ وَشِيكًا؛ لِذَا لَمْ تَتَذَمَّرْ. كَانَتْ شَاكِرَةً عَلَى مَا لَدَيْهَا.
كَانَتِ الْجَدَّةُ ثعلبة وَريدي بِالْخَارِجِ أَيْضًا. لَمْ يَكُونَا فِي حَاجَةٍ لِلْإِسْرَاعِ؛ لِأَنَّهُمَا، كَمَا تَعْلَمُونَ، يَسْتَطِيعَانِ الصَّيْدَ طَوَالَ اللَّيْلِ، وَلَكِنَّهُمَا كَانَا فِي غَايَةِ الْجُوعِ، حَتَّى إِنَّهُمَا اضْطُرَّا إِلَى أَنْ يَبْحَثَا عَنْ شَيْءٍ لِيَأْكُلَاهُ. وَبِالطَّبْعِ عَلِمَا أَنَّ الْجَمِيعَ سَيَكُونُونَ بِالْخَارِجِ، وَأَمَلَا أَنْ يَكُونَ بَعْضُ هَؤُلَاءِ الصِّغَارِ ضُعَفَاءَ جِدًّا حَتَّى يَسْهُلَ الْإِمْسَاكُ بِهِمْ. يَبْدُو هَذَا كَأَمَلٍ بَغِيضٍ. أَلَيْسَ كَذَلِكَ؟ وَلَكِنَّ إِحْدَى قَوَاعِدِ الطَّبِيعَةِ الْأُمِّ الْعَجُوزِ هِيَ الْحِفَاظُ عَلَى النَّفْسِ. وَهَذَا يَعْنِي أَنْ تَنْجُوَ بِنَفْسِكَ أَوَّلًا. لِذَا رُبَّمَا لَا نَعْتُبُ عَلَى الْجَدَّةِ وَريدي أَنَّهُمَا أَمَلَا أَنْ يُمْسِكَا بِأَحَدِ جِيرَانِهِمَا بِسُهُولَةٍ بِسَبَبِ الْعَاصِفَةِ الْكَبِيرَةِ. كَانَا حَقًّا جَائِعَيْنِ، وَلَمْ يَسْتَطِيعَا أَنْ يَأْكُلَا اللِّحَاءَ مِثْلَ الْأَرْنَبِ بيتر، أَوِ الْبَرَاعِمَ مِثْلَ السَّيِّدَةِ طيهوجة، أَوِ الْبُذُورَ مِثْلَ فَأْرِ الْخَشَبِ ذِي الْقَدَمِ الْبَيْضَاءِ. لَمْ تَكُنْ أَسْنَانُهُمَا وَبَطْنَاهُمَا مُهَيَّأَةً لِمِثْلِ هَذَا الطَّعَامِ.
كَانَ الْمَشْيُ صَعْبًا عَلَى الْجَدَّةِ وَالثَّعْلَبِ ريدي. كَانَ الثَّلْجُ نَاعِمًا وَعَمِيقًا فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمَاكِنِ، وَكَانَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَبْقَيَا بِالْقُرْبِ مِنْ تِلْكَ الْأَمَاكِنِ؛ حَيْثُ عَصَفَتِ الرِّيَاحُ الشَّمَالِيَّةُ الْبَارِدَةُ بِكَثِيرٍ مِنَ الثَّلْجِ، حَتَّى أَصْبَحَ السَّيْرُ أَمْرًا سَهْلًا نَوْعًا مَا. وَسُرْعَانَ مَا اكْتَشَفَا أَنَّ أَمَلَهُمَا فِي إِيجَادِ بَعْضِ الْفَرَائِسِ مِنْ جِيرَانِهِمَا الْأَضْعَفِ مِنْ أَنْ تَهْرُبَ؛ كَانَ بِلَا طَائِلٍ. حِينَ انْسَدَلَ قُرْصُ الشَّمْسِ الْمَرِحُ الْمُسْتَدِيرُ الْأَحْمَرُ خَلْفَ التِّلَالِ الْأُرْجُوَانِيَّةِ لِيَعُودَ إِلَى فِرَاشِهِ، كَانَ بَطْنَاهُمَا فَارِغَيْنِ تَمَامًا كَمَا بَدَآ.
قَالَتِ الْجَدَّةُ وَهِيَ تَقُودُ الطَّرِيقَ: «سَنَنْزِلُ إِلَى الدَّغَلِ الْعَزِيزِ. لَا أَعْتَقِدُ أَنَّنَا سَنَجْنِي شَيْئًا، وَلَكِنَّكَ لَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَجْزِمَ إِلَّا إِذَا جَرَّبْتَ. قَدْ يَخْطُرُ بِبَالِ الْأَرْنَبِ بيتر أَنْ يَخْرُجَ مِنْ جُحْرِهِ.»
حِينَ وَصَلَا إِلَى الدَّغَلِ الْعَزِيزِ لَمْ يَجِدَا بيتر بِالْخَارِجِ. فِي الْوَاقِعِ، حِينَ حَدَّقَا النَّظَرَ بَيْنَ الْعُلَّيْقِ وَالشُّجَيْرَاتِ، اسْتَطَاعَا أَنْ يَرَيَا هَيْئَتَهُ الْبُنِّيَّةَ الصَّغِيرَةَ تَتَمَايَلُ وَهُوَ يَلْتَقِطُ اللِّحَاءَ الرَّقِيقَ. لَقَدْ قَامَ بِتَمْهِيدِ مَمَرَّاتٍ صَغِيرَةٍ لِيَقْفِزَ بِسُهُولَةٍ. رَآهُمَا بيتر بِنَفْسِ الْوَقْتِ الَّذِي رَأَيَاهُ فِيهِ تَقْرِيبًا.
قَالَ بيتر بِسُرُورٍ: «يَا لَهَا مِنْ أَوْقَاتٍ عَصِيبَةٍ! آمُلُ أَلَّا تَكُونَ مَعِدَتَاكُمَا فَارِغَتَيْنِ مِثْلَ مَعِدَتِي.» انْتَزَعَ لِحَاءً مِنْ شَجَرَةٍ صَغِيرَةٍ وَبَدَأَ يَمْضُغُهُ. كَانَ هَذَا أَكْثَرَ مِمَّا يَحْتَمِلُهُ ريدي. كَانَ مِنَ الصَّعْبِ عَلَيْهِ أَنْ يَرَى بيتر يَأْكُلُ بَيْنَمَا كَانَتْ مَعِدَتُهُ تَتَأَلَّمُ بِشِدَّةٍ لِأَنَّهَا فَارِغَةٌ.
زَمْجَرَ ريدي: «سَأَدْخُلُ إِلَى هُنَاكَ وَأُمْسِكُ بِهِ، أَوْ أَقْتَادُهُ إِلَى هُنَا حَيْثُ تَسْتَطِيعِينَ الْإِمْسَاكَ بِهِ، حَتَّى وَإِنْ تَمَزَّقَ مِعْطَفِي إِلَى أَشْلَاءٍ.»
تَوَقَّفَ بيتر عَنِ الْمَضْغِ وَانْتَصَبَ، وَقَالَ: «تَعَالَ إِلَى هُنَا يَا ريدي. تَعَالَ إِلَى هُنَا إِنْ أَرَدْتَ، وَلَكِنِّي أَنْصَحُكَ أَنْ تَنْجُوَ بِجِلْدِكَ وَمِعْطَفِكَ.»
كَانَتِ الزَّمْجَرَةُ هِيَ رَدَّ ريدي الْوَحِيدَ وَهُوَ مُنْدَفِعٌ فِي طَرِيقِهِ تَحْتَ الْعَلِيقِ. أَخَذَ يَعْوِي بَيْنَمَا مَزَّقَتْ نَبَاتَاتُ الْعَلِيقِ مِعْطَفَهُ وَخَدَشَتْ وَجْهَهُ، وَلَكِنَّهُ اسْتَمَرَّ فِي التَّقَدُّمِ. كَانَتْ مَمَرَّاتُ بيتر مَصْنُوعَةً بِبَرَاعَةٍ. كَانَ قَدْ شَقَّهَا بَيْنَ أَكْثَرِ الْأَشْوَاكِ كَثَافَةً، بِحَيْثُ لَا تَسَعُ سِوَاهُ هُوَ وَزَوْجَتِهِ كَيْ يَقْفِزَا مِنْ خِلَالِهَا بِسَلَاسَةٍ. وَلَكِنَّ ريدي أَكْبَرُ بِكَثِيرٍ؛ لِذَا اضْطُرَّ أَنْ يَشُقَّ طَرِيقَهُ، وَأَنْ يَزْحَفَ عَلَى بَطْنِهِ فِي بَعْضِ الْأَمَاكِنِ، وَكَانَ هَذَا عَمَلًا بَطِيئًا، إِضَافَةً إِلَى الْخُدُوشِ الْمُؤْلِمَةِ بِسَبَبِ الْأَشْوَاكِ. لَمْ يَكُنْ مِنَ الصَّعْبِ عَلَى الْإِطْلَاقِ عَلَى بيتر أَنْ يَبْتَعِدَ عَنْ طَرِيقِهِ، وَسُرْعَانَ مَا اسْتَسْلَمَ ريدي. قَادَتِ الْجَدَّةُ ثعلبة الطَّرِيقَ إِلَى الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ دُونَ كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ. كَانَا يَعْتَزِمَانِ إِيجَادَ مَكَانِ نَوْمِ السَّيِّدَةِ طيهوجة تَحْتَ الثَّلْجِ. وَلَكِنْ عَلَى الرَّغْمِ مِنْ أَنَّهُمَا قَامَا بِمُطَارَدَتِهَا طَوَالَ اللَّيْلِ، فَإِنَّهُمَا فَشِلَا فِي إِيجَادِهَا؛ لِأَنَّهَا ذَهَبَتْ بِذَكَاءٍ لِتَنَامَ فِي شَجَرَةِ التَّنُّوبِ.