الْجَدَّةُ ثعلبة تَعْتَرِفُ بِتَقَدُّمِهَا فِي الْعُمُرِ
مَنْ لَا يَعْتَرِفُ بِأَنَّهُ يَكْبُرُ كُلَّ يَوْمٍ لَا يَخْدَعُ إِلَّا نَفْسَهُ.
إِنَّ الْجَدَّةَ ثعلبة الْعَجُوزَ سَيِّدَةٌ كَبِيرَةٌ رَشِيقَةٌ رَغْمَ سِنِّهَا. إِنْ كُنْتَ لَا تُصَدِّقُ، حَاوِلِ الْإِمْسَاكَ بِهَا. وَلَكِنْ بِكُلِّ رَشَاقَتِهَا هَذِهِ فَهِيَ لَمْ تَعُدْ بِمِثْلِ رَشَاقَتِهَا فِي الْمَاضِي. لَا يَا عَزِيزِي، لَمْ تَعُدِ الْجَدَّةُ ثعلبة بِنَفْسِ رَشَاقَتِهَا كَمَا كَانَتْ. فِي الْحَقِيقَةِ، الْجَدَّةُ تَتَقَدَّمُ فِي الْعُمُرِ. مَا كَانَتْ لِتَعْتَرِفَ بِذَلِكَ، وَلَا كَانَ ريدي لِيُلَاحِظَ ذَلِكَ قَبْلَ هُبُوبِ الْعَاصِفَةِ الْكَبِيرَةِ. حَاوَلَا الِاصْطِيَادَ طَوَالَ تِلْكَ اللَّيْلَةِ سُدًى، وَبِحُلُولِ النَّهَارِ تَسَلَّلَا إِلَى الْمَنْزِلِ لِيَرْتَاحَا لِبَعْضِ الْوَقْتِ قَبْلَ أَنْ يَبْدَآ فِي رِحْلَةِ صَيْدٍ أُخْرَى. لَمْ تَعُدْ لَدَيْهِمَا قُوَّةٌ وَلَا شَجَاعَةٌ كَيْ يَبْحَثَا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ. إِنَّ اجْتِيَازَ الثَّلْجِ عَمَلٌ شَاقٌّ جِدًّا، وَمُتْعِبٌ فِي أَحْسَنِ الْأَحْوَالِ، وَلَكِنْ حِينَ تَكُونُ مَعِدَتُكَ فَارِغَةً لِفَتْرَةٍ طَوِيلَةٍ، حَتَّى إِنَّكَ بَدَأْتَ تَتَسَاءَلُ كَيْفَ كَانَ طَعْمُ الْأَكْلِ، يَكُونُ ذَلِكَ شَأْنًا أَشَقَّ. فَإِنَّ الطَّعَامَ هُوَ مَا يُعْطِي الْقُوَّةَ، وَقِلَّةَ الطَّعَامِ تَسْلُبُ الْقُوَّةَ.
هَكَذَا اضْطُرَّتِ الْجَدَّةُ وَريدي أَنْ يَرْتَاحَا. بِالرَّغْمِ مِنْ جُوعِهِمَا، اضْطُرَّا لِلِاسْتِسْلَامِ لِبَعْضِ الْوَقْتِ. طَرَحَ ريدي نَفْسَهُ أَرْضًا، وَإِذَا كَانَ هُنَاكَ ثَعْلَبٌ صَغِيرٌ مُثَبَّطُ الْعَزِيمَةِ عَلَى الدَّوَامِ فَإِنَّهُ ريدي. نَوَّحَ قَائِلًا: «أَتَمَنَّى لَوْ كُنْتُ مَيْتًا.»
قَالَتِ الْجَدَّةُ ثعلبة بِحِدَّةٍ: «لَا، لَا، لَا! هَذَا لَيْسَ أُسْلُوبَ ثَعْلَبٍ شَابٍّ فِي الْحَدِيثِ. إِنَّنِي خَجْلَانَةٌ مِنْكَ. إِنَّنِي خَجْلَانَةٌ حَقًّا.» ثُمَّ أَكْمَلَتْ بِرِفْقٍ: «إِنَّنِي أَعْلَمُ تَمَامًا كَيْفَ تَشْعُرُ. فَقَطْ حَاوِلْ أَنْ تَنْسَى مَعِدَتَكَ الْفَارِغَةَ وَتَرْتَاحَ لِبَعْضِ الْوَقْتِ. لَقَدْ مَرَّتْ عَلَيْنَا لَيْلَةٌ مُتْعِبَةٌ مُخَيِّبَةٌ لِلْآمَالِ مُثَبِّطَةٌ لِلْعَزِيمَةِ، وَلَكِنْ حِينَ تَرْتَاحُ لَنْ تَبْدُوَ الْأُمُورُ بِهَذَا السُّوءِ. تَعْرِفُ الْقَوْلَ الْقَدِيمَ:
تَظُنُّ أَنَّكَ لَا يُمْكِنُ أَنْ تَشْعُرَ بِأَسْوَأَ مِمَّا تَشْعُرُ الْآنَ، وَلَكِنْ يُمْكِنُ هَذَا. فِي أَوْقَاتٍ كَثِيرَةٍ اضْطُرِرْتُ لِلْبَقَاءِ دُونَ طَعَامٍ لِفَتَرَاتٍ أَطْوَلَ مِنْ هَذِهِ. بَعْدَ أَنْ نَسْتَرِيحَ لِبَعْضِ الْوَقْتِ، سَنَمْضِي إِلَى الْمَرَاعِي الْقَدِيمَةِ. رُبَّمَا نَجِدُ حَظًّا أَفْضَلَ مِنْ هَذَا.»
لِذَا حَاوَلَ ريدي أَنْ يَنْسَى فَرَاغَ مَعِدَتِهِ، وَبِالْفِعْلِ غَفَا؛ لِأَنَّهُ كَانَ مُتْعَبًا جِدًّا جِدًّا. عِنْدَمَا اسْتَيْقَظَ شَعَرَ بِتَحَسُّنٍ.
قَالَ ريدي: «حَسَنًا يَا جَدَّتِي، هَيَّا بِنَا نَنْطَلِقُ إِلَى الْمَرَاعِي الْقَدِيمَةِ. إِنَّ الثَّلْجَ قَدْ تَجَمَّدَ، وَلَنْ يَكُونَ مِنَ الصَّعْبِ الْمَشْيُ مِثْلَ اللَّيْلَةِ الْمَاضِيَةِ.»
نَهَضَتِ الْجَدَّةُ وَتَبِعَتْ ريدي إِلَى عَتَبَةِ الْبَابِ. مَشَتْ بِتَصَلُّبٍ. فِي الْحَقِيقَةِ لَقَدْ تَأَلَّمَتْ جَمِيعُ عِظَامِهَا الْعَجُوزِ. عَلَى الْأَقَلِّ هَذَا مَا بَدَا لَهَا. نَظَرَتْ نَحْوَ الْمَرَاعِي الْقَدِيمَةِ. بَدَتْ بَعِيدَةً جِدًّا. تَنَهَّدَتْ بِإِرْهَاقٍ، وَقَالَتْ: «لَا أَظُنُّنِي سَأَذْهَبُ يَا ريدي. ارْكُضْ أَنْتَ وَلْيُحَالِفْكَ الْحَظُّ!»
الْتَفَتَ ريدي وَحَدَّقَ بِالْجَدَّةِ بِارْتِيَابٍ؛ فَطَبِيعَةُ ريدي شَكَّاكَةٌ جِدًّا. هَلْ مِنَ الْمُمْكِنِ أَنْ تَكُونَ الْجَدَّةُ تُخْفِي خُطَّةً سِرِيَّةً لِنَفْسِهَا كَيْ تَحْصُلَ عَلَى وَجْبَةٍ وَأَرَادَتِ التَّخَلُّصَ مِنْهُ؟
سَأَلَهَا بِفَظَاظَةٍ: «مَاذَا دَهَاكِ؟ أَنْتِ مَنْ عَرَضَ فِكْرَةَ الذَّهَابِ إِلَى الْمَرَاعِي الْقَدِيمَةِ.»
ابْتَسَمَتِ الْجَدَّةُ. كَانَتِ ابْتِسَامَةً حَزِينَةً نَوْعًا مَا. إِنَّهَا فَطِنَةٌ وَحَادَّةُ الذَّكَاءِ، وَعَلِمَتْ جَيِّدًا مَا كَانَ يَدُورُ بِبَالِ ريدي كَمَا لَوْ أَفْصَحَ عَنْهُ لَهَا.
قَالَتِ: «الْعِظَامُ الْعَجُوزُ لَا تَسْتَرِيحُ وَتَتَعَافَى بِنَفْسِ سُرْعَةِ الْعِظَامِ الشَّابَّةِ، وَلَا أَشْعُرُ أَنَّنِي قَادِرَةٌ عَلَى الذَّهَابِ إِلَى هُنَاكَ الْآنَ. الْحَقِيقَةُ يَا ريدي هِيَ أَنَّنِي أَتَقَدَّمُ فِي الْعُمُرِ. سَأَظَلُّ هُنَا وَأَسْتَرِيحُ. رُبَّمَا بَعْدَهَا أَشْعُرُ بِالْقُدْرَةِ عَلَى الذَّهَابِ لِلصَّيْدِ اللَّيْلَةَ. أَسْرِعْ أَنْتَ الْآنَ، وَإِذَا وَجَدْتَ مَا يَسُدُّ أَكْثَرَ مِنَ احْتِيَاجِكَ، فَتَذَكَّرِ الْجَدَّةَ الْعَجُوزَ وَأْتِهَا بِلُقْمَةٍ.»
كَانَ هُنَاكَ أَمْرٌ مَا فِي طَرِيقَةِ كَلَامِ الْجَدَّةِ جَعَلَتْ ريدي يُصَدِّقُهَا. كَانَتْ هَذِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ تَعْتَرِفُ فِيهَا أَنَّهَا تَتَقَدَّمُ فِي الْعُمُرِ، وَأَنَّهَا لَمْ تَعُدْ عَلَى قَدَمِ الْمُسَاوَاةِ مَعَ أَيِّ ثَعْلَبٍ. لَمْ يُلَاحِظْ قَطُّ مِنْ قَبْلُ كَمْ أَصْبَحَتْ شَيْبَاءَ. شَعَرَ ريدي بِالْخَجَلِ يَتَسَلَّلُ إِلَيْهِ وَيَعْتَرِيهِ، خَجِلَ لِأَنَّهُ شَكَّ أَنَّ الْجَدَّةَ كَانَتْ تَقُومُ بِإِحْدَى حِيَلِهَا الْمَاكِرَةِ. وَهَذَا الشُّعُورُ الْبَسِيطُ بِالْخَجَلِ تَبِعَتْهُ عَلَى الْفَوْرِ فِكْرَةٌ جَلِيلَةٌ؛ سَيَخْرُجُ وَيَجِدُ طَعَامًا وَيَعُودُ بِهِ عَلَى الْفَوْرِ لِلْجَدَّةِ. لَقَدْ كَانَتِ الْجَدَّةُ تَرْعَاهُ عِنْدَمَا كَانَ صَغِيرًا، وَالْآنَ سَيُوَفِّي بِدَيْنِهِ لِلْجَدَّةِ جَزَاءَ كُلِّ مَا فَعَلَتْهُ مِنْ أَجْلِهِ بِأَنْ يَرْعَاهَا فِي كِبَرِ سِنِّهَا.
قَالَ لَهَا بِلُطْفٍ: «عُودِي إِلَى الْمَنْزِلِ وَاسْتَلْقِي فِي الْفِرَاشِ. سَوْفَ أُحْضِرُ شَيْئًا، وَأَيًّا مَا كَانَ فَسَتَحْصُلِينَ عَلَى نَصِيبِكِ.» وَبِهَذَا أَسْرَعَ نَحْوَ الْمَرَاعِي الْقَدِيمَةِ، وَبِطَرِيقَةٍ مَا لَمْ يَشْعُرْ بِالْأَلَمِ فِي مَعِدَتِهِ مِثْلَمَا كَانَ مِنْ قَبْلُ.