ثَلَاثُ أُمْنِيَّاتٍ سَخِيفَةٍ
كُلُّنَا نَعْرِفُ ذَلِكَ، وَلَكِنَّ الْبَعْضَ مِنَّا عَلَى قَدْرٍ مِنَ الْغَبَاءِ أَنْ يَتَمَنَّوْا تِلْكَ الْأُمْنِيَّةَ مِنْ وَقْتٍ إِلَى آخَرَ. أَظُنُّكُمْ قَدْ فَعَلْتُمُوهَا مِنْ قَبْلُ. أَعْرِفُ أَنَّنِي فَعَلْتُهَا. كَثِيرًا مَا فَعَلَهَا الْأَرْنَبُ بيتر وَضَحِكَ عَلَى نَفْسِهِ بَعْدَ ذَلِكَ. أَشُكُّ أَنَّ الْجَدَّةَ ثعلبة الْعَجُوزَ الْمَاهِرَةَ الذَّكِيَّةَ نَفْسَهَا قَدْ فَعَلَتْهَا أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ. لِذَا لَيْسَ مِنَ الْمُفَاجِئِ أَنَّ الثَّعْلَبَ ريدي، وَهُوَ جَائِعٌ بِشِدَّةٍ هَكَذَا، يَتَمَنَّى أُمْنِيَّةً سَخِيفَةً صَغِيرَةً.
عِنْدَمَا تَرَكَ الْمَنْزِلَ لِيَذْهَبَ لِلْمَرَاعِي الْقَدِيمَةِ، عَلَى أَمَلِ أَنْ يَجِدَ هُنَاكَ شَيْئًا لِلْأَكْلِ، بَدَأَ رِحْلَتَهُ بِإِقْدَامٍ. كَانَ الْجَوُّ بَارِدًا، بَارِدًا جِدًّا، وَلَكِنَّ مِعْطَفَهُ الْمَصْنُوعَ مِنَ الْفَرْوِ أَبْقَاهُ دَافِئًا مَا دَامَ يَتَحَرَّكُ. كَانَتِ الْمُرُوجُ الْخَضْرَاءُ بَيْضَاءَ لَامِعَةً بِالثَّلْجِ. كُلُّ الْعَالَمِ — عَلَى الْأَقَلِّ الْجُزْءُ مِنْهُ الَّذِي يَعْرِفُهُ ريدي — كَانَ أَبْيَضَ. كَانَ جَمِيلًا، جَمِيلًا جِدًّا؛ حَيْثُ مَلَايِينُ الْوَمَضَاتِ كَانَتْ تَتَلَأْلَأُ تَحْتَ ضَوْءِ الشَّمْسِ. لَمْ يُفَكِّرْ ريدي فِي الْجَمَالِ؛ الْفِكْرَةُ الْوَحِيدَةُ الَّتِي كَانَتْ بِبَالِهِ هِيَ أَنْ يَجِدَ شَيْئًا يَضَعُهُ فِي بَطْنِهِ هُوَ وَالْجَدَّةُ ثعلبة.
كَانَ الصَّقِيعُ قَدْ جَعَلَ الثَّلْجَ مُتَصَلِّبًا حَتَّى يَجْتَازَهُ ريدي بِسُهُولَةٍ. يَسْتَطِيعُ الْآنَ أَنْ يَجْرِيَ عَلَى هَذِهِ الطَّبَقَةِ دُونَ أَنْ يَغْرِزَ فِيهَا. هَذَا سَهَّلَ الْأَمْرَ؛ لِذَا هَرْوَلَ مُسْرِعًا. كَانَ قَدِ اعْتَزَمَ أَنْ يَذْهَبَ مُبَاشَرَةً إِلَى الْمَرَاعِي الْقَدِيمَةِ، وَلَكِنْ جَالَتْ بِخَاطِرِهِ ذِكْرَى عَنْ مَأْوًى بِالْأَسْفَلِ فِي زَاوِيَةٍ بَعِيدَةٍ مِنَ الْبُسْتَانِ الْقَدِيمِ الَّذِي بَنَاهُ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون لِبوب الْأَبْيَضِ. عَلَى الْأَرْجَحِ أَنَّ أُسْرَةَ بوب الْأَبْيَضِ هُنَاكَ الْآنَ، وَهُوَ قَدْ يُفَاجِئُهُمْ. أَرَادَ أَنْ يَذْهَبَ إِلَى هُنَاكَ أَوَّلًا.
تَوَقَّفَ ريدي وَنَظَرَ بِتَمَعُّنٍ لِيَتَأَكَّدَ أَنَّ ابْنَ الْمُزَارِعِ براون وَكَلْبَ الصَّيْدِ باوزر لَيْسَا عَلَى مَرْمَى الْبَصَرِ. ثُمَّ جَرَى بِسُرْعَةٍ نَحْوَ الْبُسْتَانِ الْقَدِيمِ. وَبِمُجَرَّدِ دُخُولِهِ إِلَيْهِ سَمِعَ صَوْتَ فَرَحٍ يُقَرْقِرُ فَوْقَ رَأْسِهِ مُبَاشَرَةً.
تَوَقَّفَ ريدي وَنَظَرَ إِلَى أَعْلَى. هُنَالِكَ كَانَ طَائِرُ الْقَرْقَفِ تومي مُتَشَبِّثًا بِشِدَّةٍ بِقِطْعَةٍ كَبِيرَةٍ مِنَ الدُّهْنِ مَرْبُوطَةٍ بِإِحْكَامٍ بِفَرْعِ شَجَرَةٍ وَيَلْتَهِمُ مِنْهَا. جَلَسَ ريدي أَسْفَلَ الدُّهْنِ مُبَاشَرَةً وَنَظَرَ إِلَى أَعْلَى بِشَوْقٍ. هَذَا الْمَنْظَرُ جَعَلَ لُعَابَهُ يَسِيلُ، حَتَّى إِنَّهُ كَانَ أَكْثَرَ مِمَّا يَحْتَمِلُ. قَفَزَ مَرَّةً، قَفَزَ مَرَّتَيْنِ، قَفَزَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَلَكِنَّ كُلَّ قَفْزِهِ كَانَ هَبَاءً. هَذَا الدُّهْنُ كَانَ أَبْعَدَ مِنْ مُتَنَاوَلِ يَدِهِ. لَمْ تُوجَدْ أَيُّ طَرِيقَةٍ مُمْكِنَةٍ لِلْوُصُولِ إِلَيْهِ سِوَى الطَّيَرَانِ أَوِ التَّسَلُّقِ. تَدَلَّى لِسَانُ ريدي مِنْ فَمِهِ بِاشْتِهَاءٍ.
قَالَ ريدي: «لَيْتَنِي أَسْتَطِيعُ التَّسَلُّقَ!»
لَكِنَّهُ لَمْ يَسْتَطِعِ التَّسَلُّقَ، وَلَنْ تُفِيدَهُ كُلُّ أُمْنِيَّاتِ الْعَالَمِ، وَكَانَ يَعْلَمُ هَذَا تَمَامًا؛ لِذَا بَعْدَ قَلِيلٍ بَدَأَ الْمُغَادَرَةَ. حِينَ اقْتَرَبَ مِنَ الزَّاوِيَةِ الْبَعِيدَةِ مِنَ الْمَرَاعِي الْقَدِيمَةِ، رَأَى بوب الْأَبْيَضَ وَزَوْجَتَهُ وَكُلَّ صِغَارِهِ يَلْتَقِطُونَ الْحُبُوبَ الَّتِي نَثَرَهَا ابْنُ الْمُزَارِعِ براون مِنْ أَجْلِهِمْ أَمَامَ الْمَأْوَى الَّذِي بَنَاهُ لَهُمْ. انْحَنَى ريدي وَتَسَلَّلَ لِلْأَمَامِ، شِبْرًا فَشِبْرًا، وَعَيْنَاهُ تَلْمَعَانِ مِنَ اللَّهْفَةِ. وَحِينَ كَانَ عَلَى بُعْدِ قَفْزَةٍ وَاحِدَةٍ تَقْرِيبًا، أَعْطَى بوب الْأَبْيَضُ إِشَارَةً، وَطَارَتْ كُلُّ أُسْرَتِهِ إِلَى شَجَرَةِ الشَّوْكَرَانِ الْآمِنَةِ عَلَى حَافَةِ الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ.
تَدَفَّقَتْ دُمُوعُ الْغَضَبِ وَخَيْبَةِ الْأَمَلِ مِنْ عَيْنَيْ ريدي. تَمْتَمَ وَهُوَ يُشَاهِدُ الْعَصَافِيرَ الْبُنِّيَّةَ تَخْتَفِي فِي شَجَرَةِ الشَّوْكَرَانِ الْكَبِيرَةِ: «لَيْتَنِي أَسْتَطِيعُ الطَّيَرَانَ!»
كَانَتْ هَذِهِ الْأُمْنِيَّةُ عَلَى نَفْسِ قَدْرِ حَمَاقَةِ الْأُمْنِيَّةِ الْأُخْرَى؛ لِذَا انْصَرَفَ ريدي وَقَرَّرَ أَنْ يَمُرَّ بِالْبِرْكَةِ الْبَاسِمَةِ. عِنْدَمَا وَصَلَ هُنَاكَ وَجَدَهَا مُتَجَمِّدَةً كَمَا تَوَقَّعَ. وَلَكِنْ فِي الْمَكَانِ الَّذِي تَلْتَقِي فِيهِ مَعَ الْجَدْوَلِ الضَّاحِكِ كَانَتْ تُوجَدُ بُقْعَةٌ صَغِيرَةٌ بِهَا مِيَاهٌ مَفْتُوحَةٌ. كَانَ يَقِفُ عَلَى حَافَةِ الْجَلِيدِ الْمِنْكُ بيلي، وَغَطَسَ حِينَ وَصَلَ ريدي إِلَى هُنَاكَ. ثُمَّ خَرَجَ مِنَ الْمَاءِ بَعْدَهَا بِدَقِيقَةٍ وَبِفَمِهِ سَمَكَةٌ.
تَوَسَّلَ إِلَيْهِ ريدي: «أَعْطِنِي قَضْمَةً.»
رَدَّ عَلَيْهِ بيلي الْمِنْكُ قَائِلًا: «اصْطَدْ سَمَكَةً لِنَفْسِكَ. إِنَّنِي أَعْمَلُ بِجِدٍّ مِنْ أَجْلِ مَا أَحْصُلُ عَلَيْهِ.»
خَافَ ريدي أَنْ يَذْهَبَ إِلَى الْجَلِيدِ حَيْثُ كَانَ بيلي، لِذَلِكَ جَلَسَ وَشَاهَدَهُ وَهُوَ يَأْكُلُ تِلْكَ السَّمَكَةَ الشَّهِيَّةَ. ثُمَّ غَطَسَ بيلي فِي الْمِيَاهِ مَرَّةً ثَانِيَةً وَاخْتَفَى. انْتَظَرَ ريدي لِوَقْتٍ طَوِيلٍ، وَلَكِنَّ بيلي لَمْ يَعُدْ. قَالَ ريدي وَهُوَ يُفَكِّرُ فِي السَّمَكَةِ الشَّهِيَّةِ تَحْتَ الْجَلِيدِ: «لَيْتَنِي أَسْتَطِيعُ الْغَطْسَ!»
وَهَذِهِ الْأُمْنِيَّةُ كَانَتْ عَلَى نَفْسِ قَدْرِ حَمَاقَةِ الْأُمْنِيَّتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ.