عَشَاءٌ مَسْرُوقٌ مَرَّتَيْنِ
لَا يَبْلُغُ أَحَدٌ مِنَ الذَّكَاءِ أَلَّا يُمَكِّنَ لِشَخْصٍ آخَرَ أَنْ يُثْبِتَ أَنَّهُ أَذْكَى مِنْهُ.
اسْتَمِعْ وَسَتَعْرِفُ كُلَّ شَيْءٍ عَنِ الْمُحْتَالِينَ الثَّلَاثَةِ. اثْنَانِ كَانَا يَرْتَدِيَانِ الْأَحْمَرَ، وَهُمَا الْجَدَّةُ وَالثَّعْلَبُ ريدي، وَآخَرُ كَانَ يَرْتَدِي الرَّمَادِيَّ، وَهُوَ الْقَيُّوطُ الْعَجُوزُ. كَانُوا أَمْكَرَ وَأَذْكَى ثَلَاثَةِ مُحْتَالِينَ فِي كُلِّ الْمُرُوجِ الْخَضْرَاءِ وَالْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ. انْطَلَقَ الثَّلَاثَةُ لِسَرِقَةِ نَفْسِ الْعَشَاءِ، وَلَكِنَّ الْغَرِيبَ أَنَّهُمْ لَمْ يَنْتَوُوا سَرِقَتَهُ مِنْ نَفْسِ الشَّخْصِ. وَالْأَغْرَبُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ وَاحِدًا مِنْهُمْ لَمْ يَعْرِفْ أَيْنَ ذَلِكَ الْعَشَاءُ، وَمَا هُوَ نَوْعُهُ.
اعْتَزَمَ الْقَيُّوطُ الْعَجُوزُ أَنْ يَعْرِفَ مَا كَانَتِ الْجَدَّةُ وَالثَّعْلَبُ ريدي يَأْكُلَانِ، وَمِنْ أَيْنَ يَأْتِيَانِ بِهِ، فَاخْتَبَأَ حَيْثُ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَرَى مَا يَحْدُثُ فِي بَيْتِ الْمُزَارِعِ براون؛ لِأَنَّهُ كَانَ مُتَأَكِّدًا أَنَّ هَذَا هُوَ الْمَكَانُ الَّذِي يَحْصُلُ مِنْهُ الْجَدَّةُ وَالثَّعْلَبُ ريدي عَلَى الطَّعَامِ. انْتَظَرَ قَلِيلًا ثُمَّ جَاءَتِ الْجَدَّةُ وَالثَّعْلَبُ ريدي مَارَّيْنِ بِالْمَكَانِ الَّذِي كَانَ يَخْتَبِئُ بِهِ الْقَيُّوطُ الْعَجُوزُ. لَمْ يَرَيَاهُ. بِالطَّبْعِ لَا. حَرَصَ عَلَى أَلَّا يَحْدُثَ هَذَا. وَلَكِنْ عَلَى كُلِّ حَالٍ، لَمْ يَكُونَا يُفَكِّرَانِ بِهِ. كَانَتْ أَفْكَارُهُمَا كُلُّهَا عَنْ ذَلِكَ الْعَشَاءِ الَّذِي اعْتَزَمَا الْحُصُولَ عَلَيْهِ، وَعَنِ الْحِيلَةِ الذَّكِيَّةِ الَّتِي سَيَحْصُلَانِ عَلَيْهِ مِنْ خِلَالِهَا.
هَكَذَا كَانَتْ أَفْكَارُهُمَا كُلُّهَا عَنْ ذَلِكَ الْعَشَاءِ حِينَ تَسَلَّلَا خَلْفَ الْحَظِيرَةِ وَاسْتَعَدَّا لِلْقِيَامِ بِالْحِيلَةِ الَّتِي كَانَتْ بَالِغَةَ النَّجَاحِ مِنْ قَبْلُ. تَسَلَّلَ الْقَيُّوطُ الْعَجُوزُ وَرَاءَهُمَا. رَأَى ريدي مُسْتَلْقِيًا حَيْثُ يَسْتَطِيعُ اخْتِلَاسَ النَّظَرِ عِنْدَ زَاوِيَةِ الْحَظِيرَةِ لِيُرَاقِبَ كَلْبَ الصَّيْدِ باوزر، وَلِيَتَأَكَّدَ مِنْ عَدَمِ وُجُودِ شَخْصٍ آخَرَ عَلَى مَقْرُبَةٍ. رَأَى الْجَدَّةَ تَتْرُكُ ريدي هُنَاكَ وَتُسْرِعُ. كَانَتْ مَهَارَاتُ الْقَيُّوطِ الْعَجُوزِ تَعْمَلُ بِسُرْعَةٍ.
تَفَكَّرَ قَائِلًا: «لَا أَسْتَطِيعُ الْوُجُودَ فِي مَكَانَيْنِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ؛ لِذَا لَا أَسْتَطِيعُ مُرَاقَبَةَ الْجَدَّةِ وَريدي. بِمَا أَنَّنِي أَسْتَطِيعُ مُرَاقَبَةَ وَاحِدٍ فَقَطْ، فَمَنْ أَخْتَارُ؟ الْجَدَّةَ، بِالطَّبْعِ. الْجَدَّةُ هِيَ أَذْكَى الِاثْنَيْنِ، وَأَيًّا مَا كَانَا يَفْعَلَانِ فَهِيَ تَقُومُ بِالدَّوْرِ الْأَهَمِّ. الْجَدَّةُ هِيَ مَنْ سَأَتْبَعُ.»
لِذَا، كَظِلٍّ رَمَادِيٍّ، تَسَلَّلَ الْقَيُّوطُ الْعَجُوزُ الْمَاكِرُ وَرَاءَ الْجَدَّةِ ثعلبة، وَرَآهَا تَخْتَبِئُ وَرَاءَ زَاوِيَةِ الْكُوخِ الَّذِي كَانَ بِنِهَايَتِهِ بَيْتُ كَلْبِ الصَّيْدِ باوزر الصَّغِيرُ. اقْتَرَبَ عَلَى قَدْرِ جُرْأَتِهِ، ثُمَّ اسْتَلْقَى مُسَطَّحًا وَرَاءَ مَجْمُوعَةٍ صَغِيرَةٍ مِنَ الْعُشْبِ التَّالِفِ بِالْقُرْبِ مِنَ الْكُوخِ. لَمْ يَحْدُثْ شَيْءٌ لِبَعْضِ الْوَقْتِ، وَتَحَيَّرَ الْقَيُّوطُ الْعَجُوزُ. مِنْ حِينٍ إِلَى حِينٍ كَانَتِ الْجَدَّةُ تَنْظُرُ وَرَاءَهَا وَحَوْلَهَا لِتَتَأَكَّدَ مِنْ عَدَمِ وُجُودِ خَطَرٍ، وَلَكِنَّهَا لَمْ تَرَ الْقَيُّوطَ الْعَجُوزَ. بَعْدَ مَا بَدَا لَهُ أَنَّهُ دَهْرٌ طَوِيلٌ، سَمِعَ صَوْتَ بَابٍ يُفْتَحُ مِنَ النَّاحِيَةِ الْأُخْرَى لِلْكُوخِ. كَانَتِ السَّيِّدَةُ براون تَحْمِلُ إِلَى الْخَارِجِ عَشَاءَ باوزر. بِالطَّبْعِ لَمْ يَكُنِ الْقَيُّوطُ الْعَجُوزُ يَعْرِفُ هَذَا. عَلِمَ مِنَ الصَّوْتِ أَنَّ أَحَدَهُمْ قَدْ خَرَجَ مِنَ الْمَنْزِلِ، وَهَذَا جَعَلَهُ يَتَوَتَّرُ. لَمْ يَكُنْ يَمِيلُ لِفِكْرَةِ وُجُودِهِ بِالْقُرْبِ مِنْ بَيْتِ الْمُزَارِعِ براون فِي وَضَحِ النَّهَارِ، وَلَكِنَّهُ أَبْقَى عَيْنَيْهِ عَلَى الْجَدَّةِ ثعلبة، وَرَأَى أُذُنَيْهَا مُنْتَصِبَتَيْنِ عَلَى نَحْوٍ جَعَلَهُ يُدْرِكُ أَنَّ هَذِهِ الْأَصْوَاتَ هِيَ مَا كَانَتْ تَنْتَظِرُهُ بِالضَّبْطِ.
فَكَّرَ بِمَكْرٍ: «إِذَا لَمْ تَكُنْ خَائِفَةً، فَلَيْسَ عَلَيَّ أَنْ أَخَافَ أَنَا أَيْضًا.» بَعْدَ بِضْعِ دَقَائِقَ سَمِعَ صَوْتَ بَابٍ يَنْغَلِقُ، وَأَدْرَكَ أَنَّ أَيًّا كَانَ مَنْ خَرَجَ فَهُوَ قَدْ دَخَلَ ثَانِيَةً إِلَى الْمَنْزِلِ. عَلَى الْفَوْرِ تَقْرِيبًا بَدَأَ كَلْبُ الصَّيْدِ باوزر يَعْوِي وَيَنْبَحُ. اخْتَفَتِ الْجَدَّةُ سَرِيعًا خَلْفَ الزَّاوِيَةِ. تَمَامًا مِثْلَمَا تَقَدَّمَ الْقَيُّوطُ الْعَجُوزُ سَرِيعًا وَاخْتَلَسَ النَّظَرَ عِنْدَ الزَّاوِيَةِ. هُنَاكَ رَأَى كَلْبَ الصَّيْدِ باوزر يَجُرُّ سِلْسِلَتَهُ، وَبَعِيدًا عَنْهُ كَانَ يَقِفُ الثَّعْلَبُ ريدي يَبْتَسِمُ بِطَرِيقَةٍ مُغَيِّظَةٍ جِدًّا. وَكَانَتِ الْجَدَّةُ فِي الْخَلْفِ تَجُرُّ وَرَاءَهَا عَشَاءَ باوزر. فِي لَمْحِ الْبَصَرِ، فَهِمَ الْقَيُّوطُ الْعَجُوزُ الْخُطَّةَ، وَكَادَ يَضْحَكُ بِصَوْتٍ عَالٍ مِنْ بَرَاعَتِهَا، ثُمَّ رَجَعَ بِسُرْعَةٍ إِلَى وَرَاءِ الْكُوخِ وَانْتَظَرَ. فِي خِلَالِ دَقِيقَةٍ، ظَهَرَتِ الْجَدَّةُ ثعلبة وَهِيَ تَجُرُّ عَشَاءَ باوزر. كَانَتْ مُنْكَبَّةً تَمَامًا عَلَى الْحُصُولِ عَلَى هَذَا الْعَشَاءِ، حَتَّى إِنَّهَا كَادَتْ تَصْطَدِمُ بِالْقَيُّوطِ الْعَجُوزِ دُونَ أَنْ تَشُكَّ فِي وُجُودِهِ بِالْقُرْبِ مِنْهَا.
دَمْدَمَ الْقَيُّوطُ الْعَجُوزُ فِي أُذُنَيِ الْجَدَّةِ: «شُكْرًا لَكِ يَا جَدَّةُ. لَا تَقْلَقِي حِيَالَهُ بَعْدَ الْآنَ؛ سَآخُذُهُ مِنْكِ.»
أَفْلَتَتِ الْجَدَّةُ الْعَشَاءَ وَكَأَنَّهُ قَدْ حَرَقَ لِسَانَهَا، وَبِعُوَاءَةٍ صَغِيرَةٍ خَائِفَةٍ قَفَزَتْ جَانِبًا. بَعْدَ دَقِيقَةٍ، جَاءَ ريدي يَرْكُضُ مِنْ خَلْفِ الْحَظِيرَةِ مُتَلَهِّفًا عَلَى نَصِيبِهِ، لَكِنْ مَا رَآهُ كَانَ الْقَيُّوطَ الْعَجُوزَ وَهُوَ يَلْتَهِمُ هَذَا الْعَشَاءَ الْمَسْرُوقَ مَرَّتَيْنِ بَيْنَمَا تَثِبُ الْجَدَّةُ مِنَ الْغَيْظِ.