عَشَاءٌ لِاثْنَيْنِ
الْأَمْرُ يَعْتَمِدُ عَلَى مَنْظُورِكَ لِلْأَشْيَاءِ. بِالطَّبْعِ، لَمْ يَكُنْ مِنْ شَأْنِ الْجَدَّةِ وَالثَّعْلَبِ ريدي أَنْ يُوجَدَا فِي عُشَّةِ دَجَاجِ الْمُزَارِعِ براون فِي مُنْتَصَفِ اللَّيْلِ، أَوْ فِي أَيِّ وَقْتٍ آخَرَ. بِمَعْنًى آخَرَ: إِنَّهُ فِي نَظَرِ الْمُزَارِعِ براون لَا يُوجَدُ سَبَبٌ لِوُجُودِهِمَا هُنَاكَ. كَانَ سَيَدْعُوهُمَا بِلِصَّيْنِ أَحْمَرَيْنِ. رُبَّمَا هَذَا مَا كَانَا عَلَيْهِ بِالضَّبْطِ. وَلَكِنْ إِذَا نَظَرْنَا لِلْأَمْرِ مِنْ وُجْهَةِ نَظَرِهِمَا، فَلَسْتُ مُتَأَكِّدًا مِنْ هَذَا. بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْجَدَّةِ وَالثَّعْلَبِ ريدي، تِلْكَ الدَّجَاجَاتُ هِيَ مُجَرَّدُ طُيُورٍ غَبِيَّةٍ كَبِيرَةٍ وَرَائِعَةٍ لِلْأَكْلِ إِذَا تَمَّ اصْطِيَادُهَا، وَمَحْتُومٍ عَلَيْهَا أَنْ يَأْكُلَهَا أَحَدٌ. حَقًّا إِنَّ كَوْنَهَا فِي عُشَّةِ دَجَاجِ الْمُزَارِعِ براون لَا يَجْعَلُهَا مِلْكًا لَهُ، مِثْلَمَا لَا يَجْعَلُ وُجُودُ السَّيِّدَةِ طيهوجة فِي قِطْعَةٍ مِنَ الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ الَّتِي يَمْتَلِكُهَا الْمُزَارِعُ براون، مِلْكًا لَهُ.
فَكَمَا تَرَوْنَ، لَيْسَ بَيْنَ أَهْلِ الْغَابَةِ وَالْمَرْجِ الصَّغِيرِ مَا يُسَمَّى بِحُقُوقِ الْمِلْكِيَّةِ، فِيمَا عَدَا أَمَاكِنَ التَّخْزِينِ، وَلِأَنَّ تِلْكَ الدَّجَاجَاتِ كَانَتْ عَلَى قَيْدِ الْحَيَاةِ لَمْ يَبْدُ لِلْجَدَّةِ وَريدي أَنَّ عُشَّةَ الدَّجَاجِ بِمَنْزِلَةِ مَكَانٍ لِلتَّخْزِينِ. لَمْ يَكُنْ لِيُشَكِّلَ أَيَّ فَارِقٍ إِذَا بَدَتْ كَذَلِكَ. وَمِنَ الصَّوَابِ تَمَامًا بَيْنَ تِلْكَ الْكَائِنَاتِ الصَّغِيرَةِ أَنْ تَأْخُذَ مِنْ مَكَانِ تَخْزِينِ شَخْصٍ آخَرَ إِذَا كَانَ لَدَيْكَ الذَّكَاءُ الْكَافِي لِلْعُثُورِ عَلَيْهِ وَكُنْتَ حَقًّا تَحْتَاجُ إِلَى الطَّعَامِ.
إِضَافَةً إِلَى ذَلِكَ، عَلِمَتِ الْجَدَّةُ وَريدي أَنَّ الْمُزَارِعَ براون وَابْنَهُ سَيَأْكُلَانِ بَعْضًا مِنْ تِلْكَ الدَّجَاجَاتِ هُمَا أَنْفُسُهُمَا، وَلَنْ يَحْتَاجَا إِلَيْهَا بَعْدُ مِثْلَ الْجَدَّةِ وَريدي. لِذَا حِينَ نَظَرَا إِلَى الْأَمْرِ، لَمْ يَجِدَا خَطَأً فِي الْوُجُودِ بِعُشَّةِ الدَّجَاجِ فِي مُنْتَصَفِ اللَّيْلِ. كَانَا هُنَاكَ لِأَنَّهُمَا بِبَسَاطَةٍ كَانَا فِي احْتِيَاجٍ شَدِيدٍ جِدًّا لِلطَّعَامِ، وَكَانَ الطَّعَامُ هُنَاكَ.
حَدَّقَا النَّظَرَ عَالِيًا إِلَى الْمَجَاثِمِ حَيْثُ اجْتَمَعَتِ الدَّجَاجَاتُ مَعًا وَهِيَ نَائِمَةٌ. كَانَتْ عَلَى ارْتِفَاعٍ كَبِيرٍ جِدًّا، وَلَا يُمْكِنُ الْوُصُولُ إِلَيْهَا مِنَ الْأَرْضِ حَتَّى بَعْدَ أَنْ وَقَفَ ريدي وَالْجَدَّةُ عَلَى قَوَائِمِهِمَا الْخَلَفِيَّةِ وَتَمَدَّدَا قَدْرَ الْمُسْتَطَاعِ.
قَالَ ريدي وَهُوَ يَلْعَقُ شَفَتَيْهِ مِنَ الْجُوعِ: «لَا بُدَّ أَنْ نُوقِظَهَا وَنُفْزِعَهَا لِكَيْ يَطِيرَ بَعْضٌ مِنْ تِلْكَ الْأَشْيَاءِ السَّخِيفَةِ إِلَى الْأَسْفَلِ؛ حَيْثُ نَسْتَطِيعُ الْإِمْسَاكَ بِهَا.»
قَاطَعَتْهُ الْجَدَّةُ: «هَذَا لَنْ يُجْدِيَ عَلَى الْإِطْلَاقِ! فَإِنَّهَا سَتُحْدِثُ جَلَبَةً كَبِيرَةً وَتُوقِظُ كَلْبَ الصَّيْدِ باوزر، وَسَيُوقِظُ هُوَ سَيِّدَهُ، وَهَذَا بِالضَّبْطِ مَا يَجِبُ أَلَّا نَفْعَلَهُ إِذَا كُنَّا نَأْمُلُ فِي الْمَجِيءِ هُنَا مُجَدَّدًا. ظَنَنْتُكَ أَعْقَلَ مِنْ هَذَا يَا ريدي.»
بَدَا ريدي خَجُولًا وَدَمْدَمَ: «حَسَنًا، إِذَا لَمْ نَفْعَلْ ذَلِكَ، فَكَيْفَ سَنَحْصُلُ عَلَيْهَا؟ لَا نَسْتَطِيعُ الطَّيَرَانَ.»
قَاطَعَتْهُ الْجَدَّةُ: «امْكُثْ هَا هُنَا حَيْثُ أَنْتَ، وَانْتَبِهْ أَلَّا تُصْدِرَ أَيَّ صَوْتٍ.»
ثُمَّ قَفَزَتِ الْجَدَّةُ بِخِفَّةٍ إِلَى رَفٍّ صَغِيرٍ أَمَامَ الْمَفَارِخِ. مِنْ هُنَا اسْتَطَاعَتِ الْوُصُولَ لِلْمَجْثَمِ السُّفْلِيِّ حَيْثُ تَنَامُ أَرْبَعُ دَجَاجَاتٍ سَمِينَاتٍ. دَفَعَتْ رَأْسَهَا رُوَيْدًا رُوَيْدًا بَيْنَ اثْنَتَيْنِ مِنْهَا وَأَبْعَدَتْهُمَا إِحْدَاهُمَا عَنِ الْأُخْرَى. عَارَضَتَاهَا وَهُمَا نَائِمَتَانِ وَتَحَرَّكَتَا قَلِيلًا. اسْتَمَرَّتِ الْجَدَّةُ فِي الْمُبَاعَدَةِ بَيْنَهُمَا. وَأَخِيرًا مَدَّتْ إِحْدَاهُمَا رَأْسَهَا لِتَرَى مَا الَّذِي يَدْفَعُهَا. مِثْلَ الْبَرْقِ أَمْسَكَتِ الْجَدَّةُ بِتِلْكَ الرَّأْسِ، وَلَمْ تَعْرِفِ الدَّجَاجَةُ مُطْلَقًا مَا الَّذِي أَيْقَظَهَا، وَلَمْ تَحْظَ بِفُرْصَةٍ لِإِيقَاظِ الْأُخْرَيَاتِ.
بَعْدَ أَنْ أَوْقَعَتِ الْجَدَّةُ تِلْكَ الدَّجَاجَةَ عِنْدَ أَقْدَامِ ريدي، دَفَعَتْ بِأُخْرَى حَتَّى فَعَلَتْ نَفْسَ الشَّيْءِ، وَحَدَثَ الْأَمْرُ نَفْسُهُ مَرَّةً أُخْرَى. ثُمَّ قَفَزَتِ الْجَدَّةُ بِخِفَّةٍ لِأَسْفَلَ، وَالْتَقَطَتْ إِحْدَى الدَّجَاجَتَيْنِ مِنَ الرَّقَبَةِ، وَأَلْقَتْ بِجِسْمِهَا عَلَى كَتِفِهَا، وَقَالَتْ لِريدي أَنْ يَفْعَلَ نَفْسَ الشَّيْءِ بِالْأُخْرَى وَيَنْطَلِقَ إِلَى الْمَنْزِلِ.
دَمْدَمَ ريدي: «أَلَنْ تَأْتِيَ بِالْمَزِيدِ وَنَحْنُ لَدَيْنَا الْفُرْصَةُ؟»
رَدَّتِ الْجَدَّةُ بِحَسْمٍ: «هَذَا يَكْفِي. لَقَدْ حَصَلْنَا عَلَى عَشَاءٍ لِاثْنَيْنِ، وَحَتَّى الْآنَ لَا يُوجَدُ مَنْ هُوَ أَحْكَمُ مِنَّا. رُبَّمَا لَنْ يَشْعُرَ أَحَدٌ بِفُقْدَانِ هَاتَيْنِ الِاثْنَتَيْنِ، وَسَنَحْظَى بِفُرْصَةٍ لِلْحُصُولِ عَلَى الْمَزِيدِ لَيْلَةً أُخْرَى. وَالْآنَ تَعَالَ.»
هَذَا كَانَ مَنْطِقِيًّا جِدًّا، وَكَانَ ريدي يَعْلَمُ ذَلِكَ؛ لِذَا مِنْ دُونِ كَلِمَةٍ أُخْرَى تَبِعَ الْجَدَّةَ ثعلبة الْعَجُوزَ إِلَى الْخَارِجِ مِنْ نَفْسِ الطَّرِيقِ الَّذِي دَخَلَا مِنْهُ، ثُمَّ إِلَى الْبَيْتِ حَيْثُ أَفْضَلُ عَشَاءٍ حَصَلَ عَلَيْهِ مُنْذُ زَمَنٍ طَوِيلٍ.