ريدي وَاثِقٌ مِنْ أَنَّ الْجَدَّةَ قَدْ فَقَدَتْ عَقْلَهَا
رُبَّمَا لَا يُمْكِنُنَا أَنْ نَرَى أَنْفُسَنَا كَمَا يَرَانَا الْآخَرُونَ.
تَمْتَمَ ريدي وَهُوَ يَسْتَرِقُ النَّظَرَ بَيْنَ الشُّجَيْرَاتِ عَلَى ضِفَّةِ النَّهْرِ الْكَبِيرِ وَيَرَى كواكر وَهِيَ تَسْبَحُ فِي الْمَاءِ الَّذِي يَتَدَفَّقُ سَرِيعًا وَلَا يَتَجَمَّدُ: «كَمَا تَوَقَّعْتُ بِالضَّبْطِ؛ إِنَّ فُرْصَتَنَا فِي الْإِمْسَاكِ بِهَا هِيَ تَمَامًا مِثْلُ فُرْصَتِي فِي الْقَفْزِ إِلَى الْقَمَرِ. هَذَا مَا سَأَقُولُهُ لِلْجَدَّةِ.»
تَسَلَّلَ بِحَذَرٍ عَائِدًا كَيْ لَا تَرَاهُ كواكر، وَحِينَمَا وَصَلَ إِلَى حَيْثُ كَانَتْ تَنْتَظِرُهُ الْجَدَّةُ، اعْتَرَتْ وَجْهَهُ نَظْرَةٌ وَقِحَةٌ.
قَالَتِ الْجَدَّةُ ثعلبة: «حَسَنًا، مَاذَا نَفْعَلُ لِنُمْسِكَ بِهَا؟»
أَجَابَ ريدي بِنَبْرَةٍ وَقِحَةٍ، حَتَّى إِنَّ الْجَدَّةَ مَنَعَتْ نَفْسَهَا بِصُعُوبَةٍ مِنْ لَكْمِ أُذُنَيْهِ: «نَتَعَلَّمُ كَيْفَ نَسْبَحُ كَالسَّمَكِ وَنَطِيرُ كَالْعَصَافِيرِ.»
فَقَالَتْ فِي هُدُوءٍ: «أَتَعْنِي أَنَّكَ تَظُنُّ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْإِمْسَاكُ بِهَا؟»
رَدَّ ريدي بِحِدَّةٍ: «أَنَا لَا أَظُنُّ، أَنَا أَعْلَمُ! لَيْسَ مِنْ قِبَلِنَا عَلَى أَيِّ حَالٍ.»
رَدَّتِ الْجَدَّةُ بِحَسْمٍ: «أَعْتَقِدُ أَنَّكَ لَنْ تُحَاوِلَ عَلَى الْأَقَلِّ.»
أَجَابَ ريدي وَأَشَاحَ بِوَجْهِهِ: «إِنَّنِي كَبِيرٌ بِمَا يَكْفِي لِأَعْرِفَ أَنَّنِي أُضَيِّعُ وَقْتِي.»
احْتَدَّتِ الْجَدَّةُ: «هَذَا يَعْنِي أَنَّكَ تَظُنُّنِي ثَعْلَبَةً عَجُوزًا سَخِيفَةً قَدْ فَقَدَتْ صَوَابَهَا.»
احْتَجَّ ريدي وَهُوَ يَبْدُو مُنْزَعِجًا لِلْغَايَةِ: «لَاااا. لَمْ أَقُلْ هَذَا.»
قَالَتِ الْجَدَّةُ: «وَلَكِنَّكَ تَظُنُّنِي كَذَلِكَ. وَالْآنَ انْظُرْ أَيُّهَا الذَّكِيُّ، سَتَفْعَلُ مَا أَقُولُ لَكَ تَمَامًا. ازْحَفْ إِلَى هُنَاكَ ثَانِيَةً حَيْثُ تَسْتَطِيعُ مُرَاقَبَةَ كواكر وَكُلِّ مَا يَحْدُثُ، وَاحْرِصْ عَلَى أَلَّا تَرَاكَ. وَالْآنَ اذْهَبْ.»
ذَهَبَ ريدي. لَمْ يَكُنْ أَمَامَهُ خِيَارٌ آخَرُ. لَمْ يَجْرُؤْ أَنْ يَتَمَرَّدَ. ظَلَّتِ الْجَدَّةُ تُرَاقِبُ إِلَى أَنْ وَصَلَ ريدي إِلَى مَكَانِ اخْتِبَائِهِ. بَعْدَ ذَلِكَ، بِرَأْيِكَ مَاذَا فَعَلَتْ؟ لَقَدْ خَرَجَتْ إِلَى وَسَطِ الشَّاطِئِ الصَّغِيرِ تَحْتَ ريدي مُبَاشَرَةً عَلَى مَرْأًى مِنْ كواكر! نَعَمْ يَا عَزِيزِي، هَذَا مَا فَعَلَتْهُ.
ثُمَّ بَدَأَ عَرْضٌ غَرِيبٌ؛ وَلِذَا لَا عَجَبَ فِي أَنَّ ريدي ظَنَّ أَنَّهَا فَقَدَتْ عَقْلَهَا. ظَلَّتْ تَلُفُّ مِرَارًا وَتَكْرَارًا. لَاحَقَتْ ذَيْلَهَا فِي دَوَائِرَ حَتَّى أُصِيبَ ريدي بِدُوَارٍ وَهُوَ يُرَاقِبُهَا. قَفَزَتْ عَالِيًا فِي الْهَوَاءِ. رَكَضَتْ ذَهَابًا وَإِيَابًا. تَلَاعَبَتْ بِعَصًا صَغِيرَةٍ. وَطَوَالَ الْوَقْتِ لَمْ تَنْظُرْ لِلْبَطَّةِ كواكر مُطْلَقًا.
حَدَّقَ ريدي بِإِمْعَانٍ. مَاذَا حَلَّ بِالْجَدَّةِ؟ لَقَدْ جُنَّتْ. أَجَلْ يَا عَزِيزِي، لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الْمَسْأَلَةُ هَكَذَا. لَا بُدَّ أَنَّهَا ظَلَّتْ بِلَا طَعَامٍ لِفَتْرَةٍ طَوِيلَةٍ حَتَّى إِنَّهَا جُنَّتْ. مِسْكِينَةٌ الْجَدَّةُ! لَقَدْ عَادَتْ إِلَى طُفُولَتِهَا مَرَّةً ثَانِيَةً. تَذَكَّرَ ريدي كَيْفَ كَانَ يَقُومُ بِمِثْلِ هَذِهِ الْأَفْعَالِ وَهُوَ صَغِيرٌ، عِنْدَمَا يَكُونُ سَعِيدًا. وَلَكِنْ بِالنِّسْبَةِ إِلَى ثَعْلَبَةٍ رَاشِدَةٍ، أَنْ تَقُومَ بِمِثْلِ هَذَا كَانَ مُهِينًا، عَلَى أَقَلِّ تَقْدِيرٍ. وَكَانَ ريدي يُقَدِّرُ الْكَرَامَةَ جِدًّا. لَقَدْ كَانَ هَذَا أَكْثَرَ مِنْ مُهِينٍ، لَقَدْ كَانَ مُخْزِيًا. أَمَلَ ريدي أَلَّا يَمُرَّ أَحَدُ جِيرَانِهِ وَيَرَى الْجَدَّةَ فِي هَذَا الْوَضْعِ. سَيَخْتَفِي عَنِ الْأَنْظَارِ وَلَنْ يَعْرِفَ بِمَا حَدَثَ وَهُمْ يُشَاهِدُونَهَا.
ظَلَّتِ الْجَدَّةُ تَلُفُّ مِرَارًا وَتَكْرَارًا. لَاحَقَتْ ذَيْلَهَا فِي دَوَائِرَ. طَارَ الثَّلْجُ عَالِيًا مِثْلَ سَحَابَةٍ. وَطَوَالَ الْوَقْتِ لَمْ تُصْدِرْ صَوْتًا. كَانَ ريدي يُحَاوِلُ التَّوَصُّلَ إِلَى قَرَارٍ مَا بَيْنَ أَنْ يَرْحَلَ وَيَتْرُكَهَا حَتَّى تَعُودَ إِلَى قُوَاهَا الْعَقْلِيَّةِ، وَبَيْنَ أَنْ يَخْرُجَ وَيُوقِفَهَا، حِينَ نَظَرَ إِلَى الْمِيَاهِ الْمَفْتُوحَةِ حَيْثُ تُوجَدُ كواكر. وَكَانَتْ كواكر تَجْلِسُ مُسْتَقِيمَةً قَدْرَ مَا اسْتَطَاعَتْ. فِي الْوَاقِعِ، كَانَ جَنَاحَاهَا مَمْدُودَيْنِ عَالِيًا حَتَّى يُسَاعِدَاهَا أَنْ تَجْلِسَ عَلَى ذَيْلِهَا؛ لِرُؤْيَةِ مَا كَانَتْ تَفْعَلُهُ الْجَدَّةُ ثعلبة الْعَجُوزُ مِنْ زَاوِيَةٍ أَفْضَلَ.
تَمْتَمَ ريدي: «مُذْهِلٌ! أَعْتَقِدُ أَنَّهَا أَقْرَبُ مِمَّا كَانَتْ!»
رَبَضَ ريدي أَكْثَرَ مِمَّا كَانَ، وَبَدَلًا مِنْ أَنْ يُرَاقِبَ الْجَدَّةَ، أَخَذَ يُرَاقِبُ الْبَطَّةَ كواكر.