الثَّعْلَبُ ريدي يَخْشَى الذَّهَابَ إِلَى الْمَنْزِلِ
أَجَلْ يَا عَزِيزِي، إِنَّ آثَارَ أَقْدَامِ الدَّجَاجِ جَيِّدَةٌ لِلنَّظَرِ، وَلَكِنَّهَا غَالِبًا لَا تَتْرُكُ شَيْئًا فِي فَمِي سِوَى لُعَابٍ.
فَكَّرَ الثَّعْلَبُ ريدي فِي هَذِهِ الْمَقُولَةِ فِيمَا كَانَ يَصْطَادُ فِي الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، خَائِفًا أَنْ يَعُودَ إِلَى الْمَنْزِلِ. كَمَا تَرَوْنَ، فَإِنَّهُ كَادَ أَنْ يَتَنَاوَلَ الْبَطَّةَ كواكر عَلَى الْعَشَاءِ ذَلِكَ الْيَوْمَ عِنْدَ النَّهْرِ الْكَبِيرِ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ، وَكَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ خَطَأً مِنْهُ؛ لِذَا كَانَ خَائِفًا مِنْ أَنْ يَعُودَ إِلَى الْمَنْزِلِ. مِنْ مَكَانِ اخْتِبَائِهِ عَلَى الضِّفَّةِ كَانَ قَدْ رَاقَبَ كواكر وَهِيَ تَسْبَحُ مُقْتَرِبَةً أَكْثَرَ فَأَكْثَرَ حَتَّى كَادَتْ تَصِلُ إِلَى الشَّاطِئِ؛ حَيْثُ كَانَتِ الْجَدَّةُ ثعلبة الْعَجُوزُ تَلُفُّ وَتَدُورُ وَتَتَشَقْلَبُ وَكَأَنَّهَا فَقَدَتْ صَوَابَهَا تَمَامًا. بِالْفِعْلِ، كَانَ ريدي مُتَأَكِّدًا تَمَامًا مِنْ ذَلِكَ فِي الْبِدَايَةِ. إِلَى أَنْ رَأَى أَنَّ الْفُضُولَ قَدْ دَفَعَ كواكر لِلِاقْتِرَابِ، وَأَنَّ الْجَدَّةَ كَانَتْ سَتُمْسِكُ بِهَا، حَتَّى أَدْرَكَ أَنَّ الْجَدَّةَ لَمْ تَكُنْ مَجْنُونَةً عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَأَنَّهَا كَانَتْ حَقًّا تُعَلِّمُهُ خُدْعَةً جَدِيدَةً، وَتُحَاوِلُ اصْطِيَادَ وَجْبَةِ عَشَاءٍ.
حِينَ أَدْرَكَ ذَلِكَ، كَانَ يَجِبُ أَنْ يَخْجَلَ مِنْ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ شَكَّ فِي ذَكَاءِ الْجَدَّةِ وَظَنَّ أَنَّهُ يَعْرِفُ كُلَّ شَيْءٍ. وَلَكِنَّهُ كَانَ مُتَحَمِّسًا جِدًّا؛ مَا مَنَعَهُ مِنَ التَّفْكِيرِ عَلَى هَذَا النَّحْوِ. اقْتَرَبَتْ كواكر أَكْثَرَ فَأَكْثَرَ مِنَ الشَّاطِئِ وَعَيْنَاهَا مُثَبَّتَتَانِ عَلَى الْهَيْئَةِ الْمُلْتَفَّةِ الْحَمْرَاءِ لِلْجَدَّةِ. لَمَعَتْ عَيْنَا ريدي مِنَ الْإِثَارَةِ. هَلْ سَتَظَلُّ كواكر تَقْتَرِبُ نَحْوَ الشَّاطِئِ؟ لَقَدِ اقْتَرَبَتْ أَكْثَرَ فَأَكْثَرَ فَأَكْثَرَ. أَخَذَ ريدي يَدُورُ بِاسْتِمْرَارٍ. لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَرَى كَمَا أَرَادَ. كَانَتِ الشُّجَيْرَاتُ الَّتِي يَخْتَبِئُ وَرَاءَهَا تَعُوقُ الرُّؤْيَةَ. أَرَادَ أَنْ يَرَى الْجَدَّةَ وَهِيَ تَقُومُ بِتِلْكَ الْقَفْزَةِ الَّتِي تَعْنِي عَشَاءً لِفَرْدَيْنِ.
بَعْدَ أَنْ نَسِيَ مَا أَوْصَتْهُ بِهِ الْجَدَّةُ، رَفَعَ ريدي رَأْسَهُ بِفُضُولٍ لِكَيْ يَتَفَحَّصَ حَافَةَ الضِّفَّةِ. وَالْآنَ تَصَادَفَ فِي تِلْكَ اللَّحْظَةِ أَنَّ كواكر نَظَرَتْ فِي ذَلِكَ الِاتِّجَاهِ. عَيْنَاهَا السَّرِيعَتَانِ لَمَحَتَا حَرَكَةَ رَأْسِ ريدي، وَفِي لَحْظَةٍ زَالَ فُضُولُهَا. ذَلِكَ الْوَجْهُ الْحَادُّ الَّذِي يُحَدِّقُ بِهَا مِنْ فَوْقِ حَافَةِ الضِّفَّةِ لَا يَعْنِي سِوَى أَمْرٍ وَاحِدٍ؛ الْخَطَرِ! كُلُّ ذَلِكَ كَانَ خُدْعَةً! لَقَدْ أَدْرَكَتِ الْآنَ. فَدَارَتْ كَالْبَرْقِ. كَانَ صَوْتُ الْأَجْنِحَةِ الْقَوِيَّةِ مِثْلَ الصَّفَّارَةِ وَهِيَ تَتَغَلَّبُ عَلَى الْهَوَاءِ، وَصَوْتُ طَقْطَقَةِ الْأَقْدَامِ وَهِيَ تَضْرِبُ الْمَاءَ وكواكر تَجْرِي. ثُمَّ طَارَتْ إِلَى الْمِيَاهِ الْمَفْتُوحَةِ حَيْثُ الْأَمَانُ. وَثَبَتِ الْجَدَّةُ وَثْبَتَهَا، وَلَكِنَّهَا كَانَتْ مُتَأَخِّرَةً، وَلَمْ تَنْجَحْ إِلَّا فِي بَلِّ قَدْمَيْهَا.
بِالطَّبْعِ لَمْ تَعْرِفِ الْجَدَّةُ مَاذَا أَخَافَ كواكر، لَيْسَ فِي الْبِدَايَةِ، عَلَى الْأَقَلِّ. وَلَكِنْ كَانَتْ لَدَيْهَا شُكُوكُهَا. الْتَفَتَتْ وَنَظَرَتْ إِلَى الْمَكَانِ حَيْثُ كَانَ يَخْتَبِئُ ريدي. لَمْ تَسْتَطِعْ أَنْ تَرَاهُ. ثُمَّ وَثَبَتْ فَوْقَ الضِّفَّةِ. لَمْ يَكُنْ ريدي هُنَاكَ، وَلَكِنْ بَعِيدًا هُنَالِكَ عَبْرَ الْمُرُوجِ الْخَضْرَاءِ كَانَتْ نُقْطَةٌ حَمْرَاءُ تَتَضَاءَلُ وَتَتَضَاءَلُ؛ كَانَ ريدي يَهْرُبُ. حِينَئِذٍ أَدْرَكَتْ مَا حَدَثَ. فِي الْبِدَايَةِ كَانَتِ الْجَدَّةُ غَاضِبَةً. تَعْرِفُونَ أَنَّهُ شَيْءٌ لَا يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونُوا جَائِعِينَ وَتَجِدُوا عَشَاءً جَيِّدًا يَخْتَفِي بَعْدَ أَنْ كَانَ فِي مُتَنَاوَلِ أَيَدِيكُمْ.
تَمْتَمَتْ وَهِيَ تُشَاهِدُهُ: «سَأُلَقِّنُ هَذَا الْوَغْدَ دَرْسًا لَنْ يَنْسَاهُ عَمَّا قَرِيبٍ حِينَ أَصِلُ إِلَى الْمَنْزِلِ.» ثُمَّ عَادَتْ إِلَى حَافَةِ ضِفَّةِ النَّهْرِ الْكَبِيرِ، وَهُنَاكَ وَجَدَتْ سَمَكَةً مَيْتَةً قَدْ جُرِفَتْ إِلَى الشَّاطِئِ. كَانَتْ سَمَكَةً طَيِّبَةً جِدًّا، وَحِينَ فَرَغَتِ الْجَدَّةُ مِنْ أَكْلِهَا شَعَرَتْ بِتَحَسُّنٍ.
فَكَّرَتِ الْجَدَّةُ: «عَلَى كُلِّ حَالٍ، لَقَدْ عَلَّمْتُهُ خُدْعَةً جَدِيدَةً، وَلَنْ يَنْسَاهَا عَلَى الْأَرْجَحِ. هُوَ يَعْلَمُ الْآنَ أَنَّ الْجَدَّةَ مَا زَالَتْ تَعْلَمُ بَعْضَ الْخُدَعِ الَّتِي لَا يَعْرِفُهَا، وَفِي الْمَرَّةِ الْقَادِمَةِ لَنْ يَكُونَ فِي غَايَةِ التَّأَكُّدِ مِنْ أَنَّهُ يَعْلَمُ كُلَّ شَيْءٍ. أَعْتَقِدُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ جَدِيرًا بِالْجُهْدِ، حَتَّى وَإِنْ لَمْ أَصْطَدْ كواكر. يَا إِلَهِي! وَلَكِنْ لَا بُدَّ أَنَّ مَذَاقَهَا كَانَ سَيَبْدُو جَيِّدًا!» وَتَمَطَّقَتِ الْجَدَّةُ وَانْطَلَقَتْ إِلَى الْمَنْزِلِ.
وَلَكِنَّ ريدي كَانَ يَشْعُرُ بِوَخْزِ الضَّمِيرِ، وَخَافَ أَنْ يَعُودَ إِلَى الْمَنْزِلِ؛ لِذَا، بَائِسًا وَجَائِعًا، ذَهَبَ لِيَصْطَادَ فِي الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ طَوَالَ اللَّيْلِ، وَأَخَذَ يَتَمَنَّى لَوْ أَنَّهُ انْتَبَهَ لِمَا قَالَتْهُ لَهُ الْجَدَّةُ ثعلبة الْعَجُوزُ.