ريدي تَصِلُهُ أَخْبَارُ الْجَدَّةِ ثعلبة
أَسْرَعَ طَائِرُ السِّنْدِيَانِ سامي عَبْرَ الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ، ضَاحِكًا وَهُوَ يَطِيرُ. كَانَ سامي يَنْشُرُ الْأَخْبَارَ أَيْنَمَا طَارَ؛ كَيْفَ أَنَّ ابْنَ الْمُزَارِعِ براون أَمْسَكَ بِالْجَدَّةِ وَهِيَ غَافِيَةٌ. لَمْ يَكُنْ سامي لِيُصَدِّقَ مَا حَدَثَ إِذَا أَخْبَرَهُ أَحَدُهُمْ بِالْأَمْرِ. لَا، لَمْ يَكُنْ لِيُصَدِّقَ، وَلَكِنَّهُ رَآهُ بِأُمِّ عَيْنِهِ، وَشَعَرَ بِدَغْدَغَةٍ فِي كُلِّ جَسَدِهِ حِينَ تَفَكَّرَ أَنَّ الْجَدَّةَ ثعلبة الْعَجُوزَ، الَّتِي يَظُنُّ الْكُلُّ أَنَّهَا فِي غَايَةِ الْمَكْرِ وَالذَّكَاءِ، قَدْ أَمْسَكَ بِهَا الشَّخْصُ نَفْسُهُ الَّذِي تَخْشَاهُ كَثِيرًا وَهِيَ بِالْفِعْلِ نَائِمَةٌ؛ الشَّخْصُ نَفْسُهُ الَّذِي كَانَتْ دَائِمًا مَا تَسْخَرُ مِنْهُ.
رَاقَبَ سامي الثَّعْلَبَ ريدي وَهُوَ يَطَأُ الدَّرْبَ الصَّغِيرَ الْمُنْعَزِلَ. دَائِمًا مَا كَانَ ريدي يَتَبَاهَى بِمَدَى ذَكَاءِ الْجَدَّةِ ثعلبة. لَقَدْ تَبَاهَى إِلَى دَرَجَةِ أَنَّ الْجَمِيعَ سَئِمُوا مِنْ سَمَاعِهِ. حِينَ رَأَى سامي ريدي وَهُوَ يَطَأُ الدَّرْبَ الصَّغِيرَ الْمُنْعَزِلَ، أَخَذَ يَضْحَكُ أَكْثَرَ مِنْ ذِي قَبْلُ. اخْتَبَأَ دَاخِلَ شَجَرَةِ شَوْكَرَانٍ سَمِيكَةٍ وَصَاحَ أَثْنَاءَ مُرُورِ ريدي:
نَظَرَ ريدي غَاضِبًا إِلَى أَعْلَى. لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَرَى طَائِرَ السِّنْدِيَانِ سامي. وَلَكِنَّهُ مَيَّزَ صَوْتَ سامي. لَا شَكَّ فِي ذَلِكَ. فَالْجَمِيعُ يَعْرِفُ صَوْتَ طَائِرِ السِّنْدِيَانِ سامي. بِالطَّبْعِ كَانَ مِنَ الْغَبَاءِ، شِدَّةِ الْغَبَاءِ، أَنْ يَغْضَبَ ريدي، وَالْأَكْثَرُ غَبَاءً أَنْ يُظْهِرَ أَنَّهُ غَاضِبٌ. لَوْ كَانَ تَمَهَّلَ لِدَقِيقَةٍ لِيُفَكِّرَ، كَانَ سَيَعْلَمُ أَنَّ سامي كَانَ يَقُولُ كَلَامًا لَئِيمًا وَمُغِيظًا، فَقَطْ لِيُغْضِبَهُ، وَأَنَّهُ كُلَّمَا غَضِبَ أَكْثَرَ كُلَّمَا جَعَلَ هَذَا سامي مَسْرُورًا أَكْثَرَ. وَلَكِنْ مِثْلَ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ، سَمَحَ ريدي لِانْفِعَالِهِ أَنْ يَتَغَلَّبَ عَلَى حِسِّهِ السَّلِيمِ.
زَمْجَرَ ريدي: «مَنْ قَالَ إِنَّ الْجَدَّةَ ثعلبة غَبِيَّةٌ؟»
أَجَابَ طَائِرُ السِّنْدِيَانِ سامي بِسُرْعَةٍ: «أَنَا! أَنَا أَقُولُ إِنَّهَا غَبِيَّةٌ.»
قَالَ ريدي مُتَبَاهِيًا، وَكَانَ حَقًّا وَاثِقًا مِنْ هَذَا: «هِيَ أَذْكَى مِنْ أَيِّ شَخْصٍ آخَرَ فِي الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ كُلِّهَا وَالْمُرُوجِ الْخَضْرَاءِ بِأَكْمَلِهَا. هِيَ أَذْكَى مِنْ أَيِّ شَخْصٍ آخَرَ فِي الْعَالَمِ الْكَبِيرِ كُلِّهِ.»
رَدَّ سامي بِسُخْرِيَةٍ: «هِيَ لَيْسَتْ عَلَى الْقَدْرِ الْكَافِي مِنَ الذَّكَاءِ لِتَخْدَعَ ابْنَ الْمُزَارِعِ براون.»
نَسِيَ ريدي غَضَبَهُ فِي خَوْفٍ عَظِيمٍ مُفَاجِئٍ، وَقَالَ: «مَا هَذَا؟ مَنْ يَقُولُ هَكَذَا؟ هَلْ حَدَثَ شَيْءٌ لِلْجَدَّةِ ثعلبة؟» أَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون قَدِ اصْطَادَ الْجَدَّةَ؟
أَجَابَ سامي: «لَا شَيْءَ، فَقَطْ أَمْسَكَ بِهَا ابْنُ الْمُزَارِعِ براون وَهِيَ غَافِيَةٌ فِي وَضَحِ النَّهَارِ.» ثُمَّ ضَحِكَ، حَتَّى إِنَّ ريدي سَمِعَهُ.
رَدَّ ريدي بِسُرْعَةٍ: «لَا أُصَدِّقُ! لَا أُصَدِّقُ كَلِمَةً مِنْ هَذَا! لَا أَحَدَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمْسِكَ بِالْجَدَّةِ ثعلبة الْعَجُوزِ غَافِيَةً، وَلَنْ يَسْتَطِيعَ أَحَدٌ.»
رَدَّ سامي: «أَنَا لَا أَكْتَرِثُ إِنْ كُنْتَ تُصَدِّقُ أَمْ لَا، هَذَا مَا حَدَثَ؛ وَقَدْ رَأَيْتُهُ.»
بَدَأَ ريدي بِالْكَلَامِ: «أَنْتَ … أَنْتَ … أَنْتَ …»
قَاطَعَهُ طَائِرُ السِّنْدِيَانِ سامي: «اذْهَبْ وَاسْأَلْ طَائِرَ الْقَرْقَفِ تومي إِنْ كَانَ هَذَا غَيْرَ صَحِيحٍ. لَقَدْ رَآهُ هُوَ أَيْضًا.»
تَدَخَّلَ طَائِرُ الْقَرْقَفِ تومي بِنَفْسِهِ وَصَاحَ: «هَذَا صَحِيحٌ! وَرَمَى ابْنُ الْمُزَارِعِ براون كُرَةً ثَلْجِيَّةً عَلَيْهَا فَقَطْ، وَسَمَحَ لَهَا أَنْ تَهْرُبَ دُونَ أَنْ يُطْلِقَ الرَّصَاصَ عَلَيْهَا.»
لَمْ يَعْلَمْ ريدي فِيمَ يُفَكِّرُ أَوْ مَاذَا يَقُولُ. لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُصَدِّقَ فَحَسْبُ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَعْرِفْ عَنْ طَائِرِ الْقَرْقَفِ تومي الْكَذِبَ قَطُّ. إِذَا كَانَ سامي وَحْدَهُ لَمَا صَدَّقَ. ثُمَّ أَخْبَرَ طَائِرُ الْقَرْقَفِ تومي وَطَائِرُ السِّنْدِيَانِ سامي ريدي بِكُلِّ مَا رَأَيَاهُ؛ كَيْفَ أَنَّ ابْنَ الْمُزَارِعِ براون فَاجَأَ الْجَدَّةَ ثعلبة الْعَجُوزَ ثُمَّ تَرَكَهَا تَذْهَبُ سَالِمَةً. اضْطُرَّ ريدي أَنْ يُصَدِّقَ. إِذَا قَالَ طَائِرُ الْقَرْقَفِ تومي هَذَا، فَلَا بُدَّ أَنَّ هَذَا مَا حَدَثَ. انْطَلَقَ الثَّعْلَبُ ريدي لِيَبْحَثَ عَنِ الْجَدَّةِ ثعلبة الْعَجُوزِ وَيَسْأَلَهَا عَمَّا حَدَثَ. وَلَكِنَّ فِكْرَةً مُفَاجِئَةً جَالَتْ بِرَأْسِهِ الْأَحْمَرِ، وَغَيَّرَ رَأْيَهُ.
تَمْتَمَ ريدي بِابْتِسَامَةٍ مَاكِرَةٍ: «لَنْ أَذْكُرَ الْأَمْرَ إِلَى وَقْتٍ لَاحِقٍ، حِينَ تُوَبِّخُنِي الْجَدَّةُ لِكَوْنِي مُهْمِلًا، ثُمَّ سَأَنْتَظِرُ مَاذَا سَيَكُونُ رَدُّهَا. أَظُنُّ أَنَّهَا لَنْ تُوَبِّخَنِي كَثِيرًا بَعْدَ ذَلِكَ.»
ابْتَسَمَ ريدي أَكْثَرَ مِنْ أَيِّ وَقْتٍ مَضَى، وَهُوَ مَا لَمْ يَكُنْ لَطِيفًا مِنْهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ. بَدَلًا مِنْ أَنْ يَشْعُرَ بِالْأَسَفِ نَحْوَ الْخَوْفِ الَّذِي اعْتَرَى الْجَدَّةَ ثعلبة الْعَجُوزَ، كَانَ يُخَطِّطُ كَيْفَ يَنْتَقِمُ مِنْهَا حِينَ تُوَبِّخُهُ عَلَى لَا مُبَالَاتِهِ.