رسالة

إلى حفيدة حفيدتي

صغيرتي العزيزة

لقد ولدتِ في نهاية القرن الحادي والعشرين، وولدت أنا في منتصف القرن العشرين. وتخرجتُ من المدرسة الثانوية في عام ١٩٦٧، وتخرجتِ أنت من المدرسة الثانوية في عام ٢١٠٧. وليس من المستغرب إذن أن أسئلة الامتحان النهائي لكلٍّ منا كانت مختلفة؛ فهناك الكثير جدًّا من السنوات تفصل بين زمنينا، ولكن انظري كيف مرت تلك السنوات بسرعة! إن الزمن يفصل بيننا لكنه يجمع بيننا في الوقت نفسه.

المستقبل هو الماضي، والماضي هو المستقبل.

وفي السنوات التي هي ماضيك، لكنها لا تزال مستقبلي، حدثت بالفعل أمور كثيرة من التي كنا نتوقع حدوثها. والسبب في حدوثها على هذا النحو وليس على نحو مختلف واضح من خلال نظرية المصادفة التي وضعتها، وهي نظرية التنمية التي لم تعد أمرًا محدثًا في زمانك، وإنما صارت أمرًا بديهيًّا واضحًا. لكن لم تحدث أشياء أخرى كثيرة — جيدة وسيئة — كان من الممكن حدوثها. وهذا هو الاختلاف بيني وبينك، فعلاقة كلٍّ منا بالماضي والآتي مختلفة تمامًا.

كان من الممكن حدوث أشياء كثيرة، لكنها لم تحدث. وهذا يعني أن أحد العناصر الضرورية من مزيج الظروف التي تحدد ما سيحدث كان غائبًا. في بعض الأحيان ربما كانت المسألة مسألة حظ فحسب، لكن الفعل البشري المتعمد يكون حاسمًا في أغلب الأحيان. وفي كل الأحوال كانت للكلمات أهمية دائمًا، فهي تحمل معاني؛ الكثير من المعاني.

إن عدد الأشياء التي كان يفترض أن حدوثها مستحيل مدهش حقًّا، لكنها حدثت على كل حال. في زمني لم يكن لدينا ما يكفي من رحابة الخيال، ففيما يتعلق بالأمور التي لا يمكن استشرافها، يصنع الخيال اختلافًا أعظم مما تصنع المعرفة، لأننا لا نمتلك بعد أي قدر من المعرفة نعول عليه.

إننا جميعًا، بما فينا أنت، نتائج مستقبل كان من الممكن ألا يأتي. وكما ترين من موقعك الآن فقد استغللنا معظم الفرص التي أتيحت لنا، لكننا أهدرنا بعضها. إنك تعيشين في عالم مختلف كليًّا لا يزال يمضي قدمًا، لكنه كان من الممكن أن يكون أسعد حالًا، وأكثر جمالًا، وأكثر غنى. لا بد أن هناك الكثير من الزهور، لكن كان من الممكن أن تكون الزهور أكثر بكثير.

عندما أتطلع بعيدًا نحو المستقبل أرى — لأنني أعلم — قدر الأشياء الممكن حدوثها. وعندما تتأملين الماضي بدورك، بالتأكيد سترين — لأنك تعرفين أكثر بكثير، على الرغم من أنك لست متخصصة في علم الاقتصاد — عدد الفرص التي أُهدرت. وهذه الخسارة لا يمكن تعويضها، أو — على الأقل — لا يمكن ذلك طوال مائة سنة أخرى مقبلة.

لكن لا يهم؛ فالمائة سنة المقبلة ستمر. يمكنك أن تكتبي رسالة إلى حفيدة حفيدتك (ربما ستدرس علم الاقتصاد). قولي لها أن تقرأ هذا الكتاب ثم تنظر لترى في أي الأمور أصبنا، وفي أيها أخطأنا. وقولي لها أن تحرص على أن ترسل إلينا رسالة بريد إلكتروني، أو أيًّا كان اسمه في عام ٢٢١٠.

يسعدني أنك تدرسين دراسات الكوكب التطبيقية. لطالما قلت إن الدراسات متعددة التخصصات سيكون لها مستقبل هائل. ستفهمين الكثير من الأمور، وسترين أكثر وأكثر، وستتسنى لك فرصة المساعدة في تحقيق التنمية. على الجميع أن يبذلوا كل جهدهم في هذا الصدد.

في بداية القرن العشرين، قال ألبرت أينشتاين إن العالم يحكي لنفسه قصة ثم يُجري تجربة ليتأكد هل القصة صحيحة أم لا، ففي الفيزياء يمكن لتجربة أن تثبت على الفور صحة فرضية ما من عدم صحتها، لكن هذا لا ينطبق على كل الفرضيات؛ إذ لم تثبت صحة بعض الفرضيات حتى مطلع القرن الحادي والعشرين، وحتى في مطلع القرن الثاني والعشرين، لن تكون بعض الفرضيات مفهومة إلا لعدد محدود للغاية من الناس. واقتصاد التنمية لا يمكن التحقق من صحته إلا من خلال مدى تاريخي، وقد كان هذا أحيانًا يكلفنا الكثير جدًّا. تذكري أنه من الأفضل أن تصلي إلى الصواب في حين لا يزال هناك متسع من الوقت.

لقد سردت قصتي، وأنت قرأت هذا الكتاب، وكل الحقائق في زمنك ثبتت صحتها وتصنيفها وتفسيرها بلمسة أو بنقرة أو بأمر صوتي، لذا تأكدي بنفسك! أرجو أن تسعدي حين ترين أنني كنت على حق.

من الجميل أن يكون المرء على حق، تمامًا كما هو من الجميل أن يكون محظوظًا.

آمل أن تكوني أنت وكل مَن حولك على حق، وأن تتمتعوا بقدر أوفر من الحظ!

المخلص دائمًا إلى الأبد
جچيجوش كوودكو
وارسو، ٢٠١٠

ملحوظة

مرفق طي هذه الرسالة مبلغ ألف يورو، لأن شيئًا ما يحدثني بأنكِ ليس لديكِ ما ترتدينه. اشتري لنفسك شيئًا جميلًا! :-)

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤