كيف تحدث الأشياء
تحدث الأشياء بالطريقة المحددة التي تحدث بها لأن أحداثًا كثيرة أخرى تحدث في الوقت نفسه.
هذه العبارة — بقدر ما تبدو بسيطة — هي المفتاح لتفسير التاريخ، ولتفسير ما يدور حولنا من أحداث في الوقت الحاضر. والأهم من ذلك أنها مرشد هام لاستشراف المستقبل.
يوحي مصطلح «علم المستقبليات» بأن هناك علمًا يختص بدراسة المستقبل، لكنه في جوهره ليس سوى نشاط فكري فحسب. ونظرًا لأنه عادة يستفيد من أسلوب التقدير الاستقرائي، ومن استمرار الاتجاهات التي تبدأ في الماضي وتمتد إلى المستقبل، فهو يقوم على تصور سيناريوهات قد تصبح حقيقة. إنه ليس علمًا «تجريبيًّا». وهناك علم مبشر جدًّا من المتوقع أن يحقق مستقبلًا باهرًا يفوق مستقبل الاستشراف العادي، وهو علم دراسات المستقبل، وهو مقاربة متعددة التخصصات لقضايا تمر حاليًّا بمراحلها الأولية، أو لقضايا تتسم باتجاهات شديدة الديناميكية. ويمكن لعلم دراسات المستقبل أيضًا أن يتوقع ظهور ظواهر وعمليات جديدة تمامًا، تتبين بوضوح من خلال التعرف على اتجاهات التقدم العلمي التكنولوجي، أو من خلال حتمية التطور الثقافي والاجتماعي. إن المزج الخلاق بين المعرفة والخيال أمر بالغ الأهمية.
إن محاولات مد الاتجاهات من الماضي إلى المستقبل قد يتبين في بعض الأحيان أنها صحيحة، لكنها في الأغلب تكون خاطئة. ففي نهاية القرن التاسع عشر حُذِّر سكان باريس من أنه لو استمر عدد عربات الأجرة التي تجرها الخيول في الزيادة، فستتحول المدينة إلى إسطبل شاسع. ومن الأيسر بالطبع أن نصدق تلك النبوءة المشئومة عندما نرى لوحة كاميل بيسارو الرائعة في متحف الإرميتاج بسان بطرسبرج، إذ تُصوِّر شوارع المونمارتر تعج بالعربات التي تجرها الخيول. لكن ظهرت السيارات وحولت العربات التي تجرها الخيول إلى أثر تكنولوجي مندثر ومعلم سياحي، واليوم تراود الباريسيين كوابيس بشأن اختناقات مرورية من نوع مختلف.
من الثابت أن العديد من الظواهر والعمليات — ليست التكنولوجية فحسب، بل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية بالذات — لم يتنبأ بها أحد على الإطلاق، بل أدركها الناس في وقت لاحق، إلى حد أننا نعتبرها مسلمات بسيطة، أو حتى تافهة. ينطبق هذا على المجال العلمي، وينطبق حتى على مجال الخيال العلمي. ففي واحدة من أوائل حلقات مسلسل «ستار تريك» — أو رحلة إلى النجوم — الذي كان يعرض في منتصف الستينيات، ثمة مشهد يعرض غرفة التحكم في سفينة الفضاء إنتربرايز، وتظهر فوق كل لوحة تحكم منفضة سجائر! الكل يدخن! لم يخطر ببال منتجي الحلقات أنه في غضون جيل واحد، لن يصبح الرياضيون ورواد الفضاء وحدهم من غير المدخنين، بل حتى الأشخاص العاديين في حانات نيويورك سيقلعون عن التدخين. ولكي نرى اليوم نجمًا سينمائيًّا متواريًا خلف سحابة من الدخان المائل للزرقة، لا بد أن نستعير أسطوانتي دي في دي لفيلمي «الملكة الأفريقية» الذي عرض في عام ١٩٥١ لهمفري بوجارت، «ورجُل من الرخام» الذي عرض في عام ١٩٧٧ لكريستينا جاندا.
ومن الجدير أن نتساءل: هل كانت توقعات ستار تريك خاطئة إلى هذا الحد بسبب نقص المعرفة، أم نقص الخيال. والإجابة هي: كلاهما معًا. إن الكُتَّاب والمنتجين لم يفهموا المبدأ القائل إن الأشياء تحدث على نحو ما لأن أحداثًا أخرى تحدث في الوقت نفسه. فالأساليب التكنولوجية تتغير، لكن القيم الثقافية والتفضيلات الاجتماعية تتغير هي الأخرى. ونتيجة لذلك تتغير أيضًا معايير الحكم على الأشياء. وتلعب العوامل الخارجية — القريبة منها والبعيدة على حد سواء — دورًا في هذا. وقد لا يكون أطراف هذا الموقف على وعي بما يحدث عند حدوث التغير. فعلى نحو متزايد، ما يحدث في مكان بعيد جدًّا يؤثر بنفس قدر تأثير ما يحدث «هنا». و«فيما بعد»، لكن بعد انتهاء كل شيء، تتضح الأمور، مع أنها لم تكن واضحة على الإطلاق «آنذاك»، أو بالأحرى «الآن».
فعلى سبيل المثال، كان الجزء الشمالي من الغرب الأوسط للولايات المتحدة منذ أكثر من قرن ونصف يعيش ذروة رخاء اقتصادي ناجم عن ازدهار تجارة الفراء، وتجارة بضائع أخرى تُستورد من كندا المجاورة. وبمرور الوقت استعيض عن هذه التجارة — لم يحدث هذا دون اضطرابات اقتصادية واجتماعية، وعواقب سياسية — بالزراعة المتزايدة للحبوب، ومعالجتها على نطاق صناعي ضخم بواسطة مطاحن عملاقة تعمل بطاقة متولدة من توربينات مائية شيدت عند شلَّالات نهر المسيسيبي في مدينة منيابوليس وما يجاورها. ثم توقف آخر هذه المطاحن عن العمل منذ أمد ليس بعيدًا في عام ١٩٦٥. وقتئذ لم يتوقع الكثيرون أن مصنعًا جديدًا لشاحنات شركة فورد سيوفر فرص عمل لعمال المطاحن الذين سرحوا من عملهم (الذين كان لا بد من تدريبهم على تجميع السيارات). لكن هذا حدث، واستمر العمل في مصنع فورد لما يزيد على أربعة عقود إلى أن توقف خط تجميع سيارات فورد عن العمل، فأغلق المصنع عام ٢٠٠٧ لسبب بسيط هو أن منافسة مصنع تويوتا جعلت المصنع مشروعًا غير مربح. ثم حان وقت التحول إلى صناعة الإلكترونيات عالية المستوى، ونمو القطاعات القائمة على المعرفة في مجالات وسائل الاتصالات والتعليم والبحث والتطوير. واليوم لا يتصور أي عامل من عمال مصنع فورد للشاحنات الذين يتدربون من جديد على مهارات القطاعات المالية وقطاعات الإنترنت لاقتصاد الخدمات أن شركاتهم ستغلق أبوابها بحلول عام ٢٠٥٠ تقريبًا، لأنها ستصبح قديمة ويحل محلها فرص عمل، وأساليب مهنية، وأنواع من الإنتاج لم تعرف بعد. وهذا سوف يحدث على الأرجح نتيجة للتطورات في علم الأحياء، لكن من المبكر جدًّا أن نحدد بدقة ماهية تلك التطورات. ونحن لا ندري بعد ما سوف يحدث، لأن أشياء عديدة لا بد أن تحدث في نفس الوقت، وسوف تحدث، لكن في وقتها المحدد. فهناك وقت لكل حدث بدءًا من اصطياد الحيوانات المسكينة ذات الفراء، ومرورًا بطحن الدقيق بواسطة المطاحن المائية وتجميع شاحنات فورد، ووصولًا إلى إدارة الخدمات المالية عبر الإنترنت. في المستقبل سوف يكون هناك وقت للتكنولوجيا الحيوية على سبيل المثال.
ومن المفيد أن نتذكر أنه يستحيل في بعض الأحيان أن نواكب تفسير مجموعة من الحقائق، لأن حلقة أساسية هامة في سلسلة الاستدلال المنطقي تكون مفقودة. فأنت يمكنك ملاحظة الكثير مما يجري، لكن إغفال عنصر واحد مهم يمكن أن يؤدي إلى استنتاجات مريبة.
والأمر الرئيسي هو أن نتجنب الخلط بين المعرفة العلمية والتفسيرات السطحية، والخلط بين الخيال والوهم. إن الخيال يحفز ويثير الأحلام، التي تحرض الأفعال وتجعلها تدخل حيز التنفيذ، والخيال يثير أيضًا الكوابيس التي ينبغي أن تحذر من الأخطاء التي يمكن الوقوع فيها.
هل هذا خيال؟ لا شك أنه كذلك، لا سيما على المدى القصير. لكن ينبغي أن نتذكر أننا لو كنا أخبرنا الأشخاص الذين وقعوا ضحية الاختطاف والاستعباد وسيقوا من ساحل غرب أفريقيا — غانا وبنين اليوم، اللتين كانتا تعرفان بداهومي وساحل الذهب — إلى أمريكا، أنه بعد ٢٠٠ سنة في المستقبل، سوف يخاطر أشخاص من أوطانهم الأصلية بأفريقيا بأعمارهم ويحاولون الهرب ويصلون لله آملين الوصول للبلاد التي صُدِّر إليها أسلافهم بوحشية في غلال العبودية، لأصابهم ذلك بالذهول باعتباره منافيًا للعقل. وبالمثل، لم يكن تجار العبيد — من إنجلترا والبرتغال وفرنسا وألمانيا والسويد والدنمارك — ليصدقوا أن بلدانهم سوف تشهد حشودًا من الأفارقة يحاولون الدخول إليها وبكامل إرادتهم الحرة.
هل فيلم أموسو إذن ضرب من الخيال؟ قد يكون خياليًّا، على الأقل بالنسبة للمستقبل القريب الذي يمكن التكهُّن به وصياغته. لكن منذ أمد ليس بعيدًا كان سيبدو ضربًا من الخيال أيضًا أن يقام حدث فني بأهمية فيسباكو في فولتا العليا — يبدو وقع الاسم سخيفًا للبعض — التي حكم منها المستعمرون البيض بوركينا فاسو حكمًا غاشمًا منذ وقت قريب جدًّا. ولكي يهاجر الأمريكيون والأوروبيون على نطاق واسع إلى أفريقيا في المستقبل، لا بد من حدوث أحداث كثيرة في نفس الوقت. أما في الوقت الراهن فلا يبدو هذا الأمر واردًا، لكن من الأفضل دومًا أن نميز أيًّا من الأحداث يعتمد حدوثه على أي من الأسباب. وفي هذه الحالة بالذات — بصرف النظر عن التصريح الشعري لمؤلفي وصناع الأفلام السينمائية — السؤال هو: ما الظروف التي تؤدي إلى الركود، وما متطلبات التطور؟ وما الأشياء التي لا بد أن تحدث لأفريقيا «في نفس الوقت» لكي تتحرر من الركود وتبدأ في المضي قدمًا في طريق التنمية، حتى إذا لم تتحول إلى فردوس دنيوي؟ ما الأشياء التي لا بد أن تحدث «في نفس الوقت» للحيلولة دون فرار الأمريكيين إلى أوروبا، والأوروبيين إلى أفريقيا في المستقبل؟ إذا لزمنا الواقع والحاضر أكثر فسنتساءل: ما الذي لا بد أن يحدث، وكيف، للحيلولة دون هجرة الأفارقة بأعداد غفيرة من فردوسهم إلى أمريكا وأوروبا؟ أو للحيلولة دون هجرة المئات من البولنديين — لا سيما الشباب منهم — إلى أيرلندا، ولمنع عبور أعداد كبيرة من الأوكرانيين نهر بوه للدخول إلى بولندا نتيجة لمعاناتهم تحت وطأة الضغوط الاقتصادية والسياسية، أو لمنع رعايا بولينزيا من محاولة الوصول لسواحل أستراليا مهما كلف الأمر، أو لمنع المكسيكيين من التسلل عبر نهر ريو غراند تحت جنح الليل؟
الأمر ليس كله خيالًا أدبيًّا، وإنما يتعلق بشحذ الخيال الإبداعي، وقبل كل شيء، بمحاولة الاستفادة من المعرفة — العلم النظري والخبرة العملية — في تفسير محددات الركود والنمو. فلماذا تنجح بعض الشعوب والدول والمناطق في السبق للأمام، في حين تشق أخرى طريقها بعناء، أو حتى تعجز تمامًا عن المضي؟ وكيف من الممكن أن يعيش البعض — الأقلية — في رخاء، أو حتى يتقلبوا في نعيم الثراء، ويقبع آخرون — الأكثرية — في الفقر ويعانون الجوع، بل يموتون جوعًا في بعض الأحيان؟
ومن المعروف أنه منذ نصف قرن صدر حكم — البعض كانوا صغار السن جدًّا ليتذكروه والبعض الآخر يفضلون نسيانه — من المحكمة العليا بالولايات المتحدة في قضية براون الثانية، وهو الحكم الذي ترك الباب مفتوحًا أمام الولايات لتُبقي على الفصل العنصري الذي كان قائمًا كأمر واقع في مجال التعليم. وفي نفس الوقت الذي كانت فيه غانا أول بلد يتحرر من قبضة الاستعمار البريطاني، نشر البيت الأبيض وحدات عسكرية في ليتل روك بغرض تفعيل إلغاء التمييز العنصري في مواجهة تعنت الإدارة المحلية التي اتسمت بالعنصرية. واليوم لا يزال آخرون يجري تعريفهم — لا يزال ذلك يحدث أحيانًا باستخدام القوة — بماهية الديمقراطية، وكيفية احترام حقوق الإنسان.
ولد بل كلينتون في ولاية أركنسو، ولم يكن كلينتون يتعدى التاسعة من عمره حينما أتى الجيش إلى هناك لاعتقال الطلاب المناوئين. وربما كانت فكرة تولي كلينتون منصب الرئيس الثاني والأربعين احتمالًا بعيدًا في ذلك الوقت. لكن ما كان يبدو احتمالًا أبعد هو أن يصبح واحدٌ آخر من الديمقراطيين، هو باراك أوباما، في غضون جيلين، أول رئيس لأمريكا ينحدر من أصول أفريقية. لا تزال جدته سارة آنيانجو أوباما تعيش بقرية كوجيلا في كينيا، وتتذكر عهد الاستعمار بوضوح، في حين يشغل باراك أوباما أعلى منصب رسمي في الولايات المتحدة، ويملك أقوى سلطة في العالم.
ومنذ نصف قرن أيضًا ظهر الاتحاد الأوروبي، أو بالأحرى سلفه؛ السوق الأوروبية المشتركة، إلى حيز الوجود بموجب اتفاقية روما، التي وقعتها بلجيكا وفرنسا وهولندا ولوكسمبورج وألمانيا (الجمهورية الاتحادية) وإيطاليا. كانت السوق الأوروبية المشتركة بدورها قد تفرعت عن الجماعة الأوروبية للفحم والصلب، التي أسستها عام ١٩٥١ نفس تلك الدول الغربية، التي تورطت قبل أقل من ٦ سنوات من ذلك التاريخ في حرب مُهلكة مدمرة. لقد نشأت السوق الأوروبية المشتركة، على الرغم من أنه لم يكن بالضرورة أن تنشأ. ومما لعب دورًا في نشأتها أيضًا مزيج من الظروف السياسية والاقتصادية، بما في ذلك مجموعة من الظواهر والعمليات المرتبطة بالتغلب على آثار الحرب التي كانت قد انقضت لتوها، فكانت طبقات متراكمة من الاستياء الوطني والقومي، وحاجة إلى تنسيق السياسات لإعادة بناء الصناعة الثقيلة التي مزقتها الحرب، وامتداد ظل الحرب الباردة بين الشرق والغرب، والآثار السياسية لتحرر أفريقيا الوشيك من الاستعمار، كما ظهر من خلال الأزمة السياسية العسكرية التي دارت حول قناة السويس.
لكن ماذا بعد؟ كيف سيبدو النصف القادم من القرن الحادي والعشرين؟ وإلام سيئول الاتحاد الأوروبي بحلول منتصف القرن الحادي والعشرين؟ لا أحد يدري. لكن يمكننا أن نتنبأ بدرجة عالية من الثقة بأن الولايات المتحدة ستظل وقتًا طويلًا — يقدر بعقود وليس بسنوات — رائدة في مجالي القدرة التنافسية والاستفادة بالفكر والمعرفة بوصفهما قوتين إنتاجيتين مباشرتين. وسيستمر تقلص المسافة الفاصلة بين قاطرتي الاقتصاد العالمي؛ الأوروبية والأمريكية، بيد أن المسافة التي تفصلهما عن القاطرة الثالثة التي تفوقهما سرعة — أي الاقتصاد الصيني — ستتقلص تقلصًا أكبر.
علاوة على ذلك، نحن نعلم أن كثيرًا من الأشياء التي كان ينبغي إنجازها لم تُنجز لأسباب سياسية. هذا ما عبر عنه رئيس وزراء لوكسمبورج جان كلود يونكر تعبيرًا واضحًا عندما قال: «نعلم جميعًا ما يجب فعله، لكننا لا نعلم كيف يمكن أن يعاد انتخابنا مجددًا بعد أن نفعله.» والمشكلة هي أنه ليس صحيحًا أننا «نعلم جميعًا»، فالكثيرون لا يعلمون، والأسوأ أنهم لا يعلمون أنهم لا يعلمون.
إن ما نعلمه حقًّا هو أكثر ثلاثة أسئلة شائكة يواجهها الاتحاد الأوروبي بعد نصف قرن؛ فبالإضافة إلى مسألة ما يعرف بالدستور، ومصير العملة الموحدة — اليورو — تظل مشكلة الحدود المستقبلية للاتحاد الأوروبي مشكلة جوهرية وستظل كذلك. وبالإضافة إلى تكامل أكثر شمولًا سيكون هناك مزيد من التوسع إلى ما وراء كرواتيا، التي يتوقع الآن بالفعل أن تنضم لعضوية الاتحاد الأوروبي.
والولايات المتحدة محظوظة لأنها لا تعاني مثل تلك المشكلات. ولو كانت تعانيها — مثلًا من خلال الاندماج الشامل مع المكسيك، الجارة التي تقل عنها تطورًا، وذات الكثافة السكانية العالية (١٠٨ مليون نسمة)، والتي يبلغ الناتج المحلي الإجمالي بها نحو ٢٤٪ من مستواه في الولايات المتحدة — للاحظنا على الفور تباطؤًا نسبيًّا في معدل النمو، نظرًا لأن تركيز السياسة والتجارة كان سيضطر للتحول عن الأولويات المهمة في مجال الحفاظ على تنافسية أعلى للشركات الأمريكية والاقتصاد الأمريكي. صحيح أن النمو سيتسارع بمرور الوقت، نتيجة لما سيسفر عنه الاندماج من فوائد تتمثل في حجم السوق وتكاليف الإنتاج، لكن هذه مسألة أخرى. أما الآن فتواجه قارتا أمريكا بالفعل — من ألاسكا إلى تييرا ديل فيجو — ما يكفي من المشاكل فيما يتعلق ببطء وتيرة تحرير التجارة وإنشاء سوق حرة أمريكية واحدة. ولأسباب كهذه لا يزال الاتحاد الأوروبي متراجعًا عن الولايات المتحدة بنفس قدر تراجع الأمريكتين ككل عن الاتحاد الأوروبي.
وفي داخل الاتحاد الأوروبي نفسه، من الضروري أن يعلن الاتحاد إعلانًا قاطعًا عن انتهاء عملية التوسع تمامًا، أو أن يجيب عن الأسئلة المتعلقة بتطلعات بعض الدول الأوروبية الأخرى إلى الانضمام؛ لا سيما دول البلقان، وكذلك المناطق التي نشأت بعد انهيار الاتحاد السوفييتي في الجزء الشرقي للقارة وعلى حدودها. يومًا ما سيكون من الضروري أن يغلق الاتحاد الأوروبي الباب قائلًا: لقد اكتمل العدد، ولن يكون هناك أي أعضاء جدد. وهذا سوف يحدث. واليوم ينبغي ألَّا تساورنا الشكوك في أن انضمام الدول الواقعة في المنطقتين اللتين ذكرتهما يخدم المصالح بعيدة المدى للاتحاد نفسه. وسيتم ضم هذه البلدان حين تستوفي المعايير اللازمة، وحين يكون الموقف السياسي مواتيًا لانضمامها. فبالإضافة إلى مقدونيا — التي بدأت محادثات الانضمام في مطلع عام ٢٠٠٨ — من المرجح أن تنضم هذه الدول للاتحاد خلال العقد الواقع بين ٢٠٢١ و٢٠٣٠.
لكن من السابق لأوانه جدًّا في الوقت الراهن أن نستبعد حدوث أي شيء، نظرًا لأننا لا ندري حتى عدد الدول التي ستوجد في الجوار، أو أي نوع من الدول ستكون تلك. كوسوفا ستكون مستقلة، لكن ماذا عن البوسنة والهرسك؟ هل تعني «واو العطف» أنهما ستظلان بلدًا واحدًا، أم ستصبحان بلدين، أو حتى ثلاثة؟ ماذا عن ترانسنيستريا، كما يسميها مواطنو رومانيا، التي تُعرف أيضًا باسم ترانسدنيستريا، ويسميها الروس بريدنستروفي، والتي لم تعد بحكم الواقع جزءًا من مولدوفا، لكنها لا تزال جزءًا من أوروبا؟
•••
نعم، الأشياء تحدث بالفعل، والعمليات تظهر، والعالم يتغير، والتاريخ يمضي، ويظل المستقبل علامة استفهام. وربما يومًا ما، وبمنتهى الحماس، سوف نهاجر إلى سيبيريا مزدهرة وصديقة للبيئة، لكن لن نذهب بالضرورة إلى هناك بواسطة الكيبيتكا، وهي نوع من العربات التي تجرها الخيول كانت تستخدم لنقل المنفيين بأمر قياصرة روسيا. أو ربما يصبح رئيس بولندا صينيًّا. ولم لا، وقد تُوجت امرأة ذات أصول أفريقية من الدومينيك ملكة جمال لفرنسا؟ وربما ستضطر بولندا لحظر الهجرة إليها حينما يرغب الكثيرون من الألمان في الهجرة إليها سعيًا وراء المستوى المعيشي المرتفع على ضفاف نهر فيستولا، وربما سيهرع السويسريون إلى إيداع أموالهم في البنوك البولندية.
ينبغي أن تكون قد بدأت بالفعل في التخلص من الدولارات وشراء اليوان الصيني والروبل الروسي. فاليوم بات تخيل حدوث هذا التحول مجددًا أسهل من تخيل ظهور اتجاهات نحو ارتفاع العملة الصينية وانخفاض العملة الأمريكية منذ نحو عشرة أعوام. ومن المفهوم أن السبب وراء بيع الدولارات والين من أجل شراء اليوان والروبل لا يكمن في أن اقتصاد الصين وروسيا أكثر قوة من اقتصاد الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، لأن هذا بالتأكيد لم يتحقق بعد (على الرغم من أنه قد يحدث يومًا ما). بل يكمن السبب في أن الكثير من الظروف المادية تتزامن بحيث تؤدي إلى تغيرات في القيم النسبية للعملات. وفي هذا الجزء من العالم الواقعي أيضًا تحدث الأشياء على نحو معين لأن أشياءً كثيرة أخرى تحدث في الوقت نفسه. وكل ما يلزم هو أن نعلم السبب في حدوث تلك الأشياء، ونعلم مزيج الظروف الذي يعتمد حدوثها عليه.
وفي بعض الأحيان يتبين لنا أن تأثير الماضي على المستقبل مبالغ فيه. وهذا يحدث عندما يكون الاعتماد على الثوابت الثقافية والمنهجية والسياسية والمادية في تفسير ظواهر وعمليات متنوعة اعتمادًا زائدًا عن الحد. ونتيجة لذلك ننسب قدرًا كبيرًا من الأهمية لهذه التأثيرات على المسار الحالي والمستقبلي للأحداث. بالطبع من الممكن أن ندعي أن الكثير من الأحداث التي وقعت، إن لم تكن كلها، من صنع الماضي. وتلك — إلى حد هائل — هي الطريقة التي نفكر بها. إن المضي للأمام يجبرنا على سلوك طرق تحددها الثوابت، على الأقل إلى حد ما. وهذا ما يعرف بتبعية المسار (أي اﻟتأثر بالمسار التاريخي السابق). وتفسيرات كهذه تكون اضطرارية في بعض الأحيان. إن الظروف تتغير، ورغم كل شيء، تستمر عملية التعلم في كل وقت. لكن أحيانًا — لا سيما في فترات التحول الكبير كما هي الحال الآن — يكون التعلم سريعًا جدًّا.
لنأخذ مثالًا على ذلك: لقد تبين خطأ الرأي الذي يقول إن البلدان التي تحررت من الاستعمار لن تكون قادرة على حكم نفسها، لأنها اعتادت أن يحكمها الآخرون. ومن الخطأ أيضًا محاولة تأويل العمليات السياسية والاقتصادية المعاصرة في روسيا من خلال الوجود بين أفراد عامة الشعب، لا سيما بين أفراد النخبة من صانعي القرار، المثقلين بعبء من النظريات الفكرية أو السلوكية أو البيروقراطية البالية التي حملوها معهم من عهد القياصرة. وفي بولندا، في مطلع القرن الحادي والعشرين، من قبيل المبالغة أن نُعزي زيادة انخفاض روح المبادرة التجارية في بوليزيا مقارنة بمنطقة لوبوز إلى أن الأولى حكمها الروس والثانية حكمها البروسيون (الألمان) خلال القرن التاسع عشر. وفي تسعينيات القرن العشرين ساد إلى حد بعيد اعتقاد أن الدول التي تنفذ التحول إلى مرحلة ما بعد الاشتراكية، بما فيها دول مثل بولندا والمجر ويوغوسلافيا السابقة، وهي البلدان التي كانت قد نَفَّذت بالفعل إصلاحات سوق واسعة الأثر خلال الفترة الاشتراكية، لن تكون قادرة على تقديم جيل من الإداريين المحترفين الأكفاء. لكن لاحقًا تبين خطأ هذا الافتراض من أساسه. وهذا الافتراض جعل وجود المستثمرين الأجانب الاستراتيجيين أمرًا ضروريًّا، انطلاقًا من الاعتقاد أنهم هم وحدهم الذين يعرفون كيفية تغيير طريقة إدارة الشركات، بحيث يضمن ذلك تحقيق تنافسية دولية وتوجهًا نحو النمو. لكن سرعان ما تبين أن الخبراء المحليين الموظفين كانوا على قدر التحدي وأكثر.
عندما تظهر تبعية المسار في العملية الفعلية للتطور التاريخي قد يصعب التغلب عليها. ويتطلب تحطيم هذه التبعية — التي تعوق اتجاهات التطور المنشودة وتبطئ النمو — جهودًا واسعة النطاق في كل المجالات، من التعليم إلى السياسة، ومن التجديد الهيكلي إلى التغيير المؤسسي. وعندما يكتمل هذا المزيج الصحيح من الإجراءات تحدث «معجزة اقتصادية». وهذا ما حدث عندما تمكنت الولايات المتحدة من اجتياز الكساد العظيم بوضع خطة اقتصادية جديدة تقوم على الاقتصاد الكينزي في الثلاثينيات، أو عندما أعادت ألمانيا الغربية بناء نفسها بسرعة وبنت «اقتصاد السوق الاجتماعي» بعد الهزيمة في الحرب العالمية الثانية، أو في جنوب شرق آسيا خلال الربع الأخير من القرن العشرين. وهو ما حدث أيضًا عندما أصبحت جمهوريات البلطيق — في أعقاب انهيار الاتحاد السوفييتي — جزءًا من الاتحاد الأوروبي وحققت أسرع نمو اقتصادي في العقد الأول من القرن الحالي. بل الأهم أن هذا هو الذي كان يحدث طوال ثلاثين عامًا في الصين، التي تمكنت في أقل من جيل واحد من تحسين الأوضاع المعيشية الأساسية لعدد أكبر من السكان، وبمعدل يفوق معدل أي تحسن مماثل في أي وقت مضى وفي أي مكان آخر من العالم.
ولا يمكن أيضًا استبعاد حدوث «معجزات اقتصادية» مماثلة في المستقبل، حتى في بعض الدول الإسلامية، أو في أمريكا اللاتينية. فالتطورات المستقبلية هناك لا تتحدد إلا جزئيًّا بناء على أساس ما حدث في الماضي، وما يحدث في الوقت الحاضر. والأهم من ذلك هو ما سوف يحدث، وما يمكن أن يحدث. فعلى سبيل المثال، كانت دول مثل السنغال وكوستاريكا وتشيلي وإمارة دبي قادرة على استيعاب هذا الأمر وطبقته من خلال سياساتها بما يدعم تطورها. ومن ناحية أخرى، كانت دول مثل الكويت والسودان أو هندوراس وكولومبيا أقل استيعابًا لهذا الأمر، وكان أداؤها أسوأ.
في العملية التنموية الواقعية نتعامل مع التداخل المتواصل بين الثبات والتغير. وقد يسود الثبات خلال وقت ما، ثم يسود التغير خلال وقت آخر. ودائمًا تكون هذه التناقضات الظاهرة مرتبطة ببعضها. يستمر التطور، وتحدث الثورات في بعض الأحيان. ولا يزال الكثير من هذه الثورات ينتظرنا، مع أننا لا ندري متى بالضبط وأين ستندلع كل هذه الثورات، أو أي من هذه الثورات سيعتبرها التاريخ ثورة مصيرية كالثورة الفرنسية أو ثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى. غير أنه من المفيد أن نعرف على الأقل السبب في اندلاع هذه الثورات. وسوف تندلع هذه الثورات، وسوف تعتبر ثورات مصيرية.
التطور عملية دائمة، وتبدو نتائجها قابلة للتنبؤ بها في بعض الأحيان، فقد اكتشف تشارلز داروين (١٨٠٩–١٨٨٢) أن أقوى أنواع المخلوقات وأكثرها ذكاء لم تكن تلك التي نجت من التغيرات الكبيرة التي حدثت على مر التاريخ، بل تلك التي استطاعت أن تتكيف مع الظروف المتغيرة. ورغم رفضي «للداروينية الاجتماعية»، فإن نظريات داروين مفيدة جدًّا في مجال التحليل الاقتصادي. إن الضمان الوحيد للبقاء طويل الأمد — أو الأطول أمدًا — هو القدرة على التكيف مع الظروف المتغيرة تغيرًا محسوسًا.
لذلك انهارت الاشتراكية؛ إنها لم تستطع التكيف مع المرحلة المعاصرة للثورة العلمية الثقافية، وتفاقم هذا الأمر بفعل عدة ظواهر وعمليات أخرى، بما فيها حالات العجز الكبيرة في حجم العرض، بالإضافة إلى عوامل ذات طبيعة سياسية أو دولية، سنتناولها بمزيد من الشرح لاحقًا. وسوف تنهار أصولية الاقتصاد الليبرالي الجديد لأن القيم التي يدعو إليها تمنعه من التكيف مع البيئة الاجتماعية المتغيرة ومع تطور طريقة تفكير الناس في القرن الحادي والعشرين.
ويستمر التطور، وتختفي منتجات من السوق وتظهر أخرى، وتفسح أساليب التكنولوجيا القديمة الطريق لأخرى أحدث منها، وتُزال البنايات القديمة لتحل البنايات الجديدة محلها، وتتناقص أهمية هيئات وتبرز أهمية هيئات أخرى، وتتلاشى قيم معينة وتترسخ قيم أخرى. يتواصل كل هذا في عالمنا القديم نفسه، مع أنه ربما يبدو قد توسع قليلًا مؤخرًا بفضل ما خلقته شبكة الإنترنت من فضاء ثقافي واقتصادي إضافي. والأمور مستمرة في الدوران من حولنا، لكن عددًا لا بأس به منها يدور في مكانه، ويظل في حالة تعادل. وهكذا هي حال اقتصاد العالم في بعض الأحيان، لا سيما في بعض المناطق التي يتغلب الركود فيها على التنمية. تلك هي الحال، لكن يجب ألَّا تكون كذلك.
وهناك توقعات عامة أن التغيرات التي ستطرأ على النظم الاقتصادية — في ظل ظروف العولمة — ينبغي أن تحمل ثمرة تنمية اقتصادية سريعة دائمة. فالإصلاحات الهيكلية والتغييرات المؤسسية تسفر عن ازدياد فعالية رأس المال، وتحسن استغلال الموارد البشرية والمالية والطبيعية. وهذا بدوره سيؤدي إلى تنافسية متزايدة ومعدل نمو اقتصادي أسرع نسبيًّا. لكن غالبًا لا يحدث هذا في الآليات الفعلية للاقتصاد الواقعي.
في بعض الأحيان يجري إقصاء فئات اجتماعية أو أقاليم جغرافية بالكامل إلى هامش العملية الاقتصادية. ومثل هذه الحالات ليست حالات مَرَضية أو «استثناءات تثبت القاعدة»، بل هي بالأحرى خصائص ثابتة نسبيًّا للنظام، وترتبط بالطريقة التي يعمل بها ضمن «الواقع الجديد».
وهنا تظهر أسئلة جوهرية: لماذا تجري الأمور على هذا النحو؟ وما الذي يحدد بنية مزيج العوامل، ليس الاقتصادية البحتة فحسب (أي التمويل والاستثمار والتجارة والتنظيم)، ولكن أيضًا العوامل الثقافية والسياسية والاجتماعية التي تصنع الفارق بين النجاح الاقتصادي والتعافي من التأخر التنموي من جهة، والفشل والتخلف عن الركب بل السقوط في مزيد من التخلف من جهة أخرى؟
في عملية التطور الفعلية (أو الركود الفعلي)، يحدث التغيير (أو عدمه) بطريقة معينة لا بأخرى (من الضروري دومًا أن نبحث هذه الطريقة ونفهمها ونفسرها تفسيرًا علميًّا، وأحيانًا ينبغي أن نقيمها ونضعها ضمن تسلسل هرمي)، نظرًا لأن هاتين الحالتين مرهونتان ببنية معقدة متداخلة من الأحداث الأخرى، وبسلاسل من المصادفات التي لا تكون ذات طبيعة اقتصادية ومالية فحسب، بل ذات طبيعة سياسية وثقافية أيضًا، فدور العوامل والمحددات السياسية والثقافية بالغ الأهمية ويزداد أهمية على نحو ملحوظ. ومن ثم يجب فهم أهمية هذا الدور على نحو أفضل نظريًّا، والاستفادة منه عمليًّا.
وبعد عدة عقود من تنفيذ إصلاحات هيكلية بطرق متنوعة، تسفر عن تغير نوعي في طريقة عمل الاقتصاد وفي القواعد التي يطبقها، قد يتبين بوضوح أنه في كثير من الحالات كانت هناك «حلقة مفقودة» في عمليتي النمو الاقتصادي والتقدم الاجتماعي، أو على الأقل أن هذين الأمرين لا يتحققان على قدر آمال المجتمع أو وعود التصريحات السياسية. والأكثر من ذلك أن حدوث التقدم الحقيقي (النمو والتطور) أو عدم حدوثه (الركود والجمود) لا يؤكد افتراضات النظريات العديدة الخاصة بالنمو الاقتصادي، أو بالتنمية الاجتماعية الاقتصادية بوجه عام. وفي بعض الأحيان تتناقض ما يطلق عليها الممارسة الاجتماعية الاقتصادية تناقضًا واضحًا مع بعض عناصر هذه النظريات.
ويكفي أن نشير إلى الإخفاق الذي كان من نصيب كثير من البلدان — أو فئات اجتماعية ومهنية بعينها في هذه البلدان — فيما مضى نتيجة للتأميم ولإدارة الاقتصادات مركزيًّا، أو مؤخرًا، نتيجة لتحرير التجارة أو الخصخصة الكاملة، أو نتيجة للتقليص المفرط لدور الدولة في العملية الاقتصادية. وعند حدوث ذلك الفشل تظهر الحجج المضادة للإصلاحات الهيكلية التي ارتبطت بهذه المساعي الاقتصادية، وتكون المشكلة الحقيقية كامنة في سبب آخر غير هذه الإصلاحات.
وتثار الشكوك في تلك المناطق من العالم، على اختلافها من حيث التنافسية ومستوى التنمية، مثل أفريقيا (التي لا تزال تسعى جاهدة دون جدوى للإفلات من مساوئ التمدين)، والاتحاد الأوروبي بمستواه المرتفع (لكنه ليس الأكثر ارتفاعًا إطلاقًا)، الذي يعجز حتى الآن عن مواجهة التحدي الأمريكي، ويعجز عن تحقيق جدول أعمال لشبونة الذي فرضه على نفسه. وهذا ينطبق أيضًا على الاقتصادات التي تمر بمرحلة تحول ما بعد الاشتراكية، حيث كان من المفترض — بصرف النظر عن التباين الإقليمي الشديد — أن يكون تحقيق ما هو أكثر بكثير ممكنًا في الماضي.
في كثير من الحالات — في عدة أماكن وأوقات — لا تجري الاستفادة الكاملة من الإمكانيات التنموية الموجودة.
لذلك من الضروري أن نتحرك باستمرار ضمن إطار ثلاثي الأبعاد كي نفهم ما يحدث في الاقتصاد العالمي، أو لنعرف لماذا تزدهر بعض المناطق وتتخلف مناطق أخرى، وهذه الأبعاد هي: البعد الجغرافي، والبعد التاريخي، والبعد متعدد التخصصات. وحتى لو فشلنا في فهم كل الأمور — وهذا مستحيل على أي حال — فبالتأكيد سنفهم ما هو أكثر، وهذا مهم. وعندما نضيف دراسات مقارنة لهذه الأبعاد الثلاثة للبحث والتحليل، يمكننا أن نحقق الكثير. فلا شيء أكثر إفادة تعليمية من المقارنة، وتطبيق التقنيات الخاصة بمختلف العلوم على الأبعاد: المكانية والزمنية ومتعددة التخصصات. إن المقارنة تظهر أمورًا مهمة، بحيث نتمكن من فهم جوانب شتى من الظواهر والعمليات التي قد نغفلها إذا لم نلجأ إلى المقارنة.
المقارنة تعني المعرفة.