أطوار الأدب العربي
تعودنا أن نقسم الأدب العربي تبعًا للسياسة؛ لأنها من المؤثرات التي تؤثر بالأدب، فقد تخمده أو تضرمه، فإذا كان السلطان من المولعين بالأدب والأدباء راجت سوقه، وأقبل الأدباء على أعمال الفكر للإتيان بالروائع، وإن كان من المعرضين عن بنات الأفكار بقيت مستقرة حيث ختم الله عليها.
فالمقياس السياسي — كما رأى طه حسين وهو ينظر إلى الأدب الغربي — لا يصح مقياسًا للأدب السلطاني العتيق، أما في الأدب الغربي فيصح. ثم في الأدب العربي دواعٍ غير دواعي الأدب الغربي. الأديب الأجنبي عوَّل أخيرًا على الشعب فيما كتب، أما الأديب العربي فما زال يعوِّل على الحاكم الذي يمده بماله وعطاياه وإكرامه، ولما ذهب الأمراء المولعون بالأدب سقط الشعر من أوجه، إلى أن كانت النهضة الأخيرة التي ظهرت في مصر فأخرجت البارودي وصبري وشوقي، وظهورهم أهاب بغيرهم ودفعهم إلى النسج على منوالهم، فبدت في العالم العربي نهضة شعرية أدبية جديدة، اشتد ساعدها بظهور النقد الجديد وعلم الأدب الجديد، ولكنها بقيت تعوِّل على بيت المال.
فكل هذا سببه اهتمام حكومة مصر، فلولا عباس لم يكن شوقي، ولولا الجامعة المصرية لم يكن طه حسين، بل كان لا يزال قابعًا في إحدى زوايا الأزهر الشريف.
إذن المقياس السياسي يصلح لعصور الأدب مقياسًا عندنا، وعلى هذه النظرية التي نؤمن بها كل الإيمان نجاري من قسموه إلى خمسة عصور: العصر الجاهلي، العصر الأموي، العصور العباسية، عصر الانحطاط، عصر النهضة.