Wave Image

الفلسفة في المشرق

اختلفت الفلسفة الإسلامية في المشرق عنها في المغرب، ونشأ بين فلاسفتهما نزاع حول كثير من المفاهيم الرئيسة، وأعلام الفلسفة في المشرق ثلاثة هم: الكندي، والفارابي، وابن سينا. وأعلامهم في المغرب ثلاثة أيضًا: ابن باجة، وابن طفيل، وابن رشد.

وكان من الطبيعي أن تنشأ الفلسفة في المشرق قبل ظهورها في المغرب؛ ذلك أن الحضارة تركَّزت في الشام وفي فارس بعد انتقالها من أثينا والإسكندرية. فلمَّا ظهر الإسلام واستولى العرب على فارس والشام ومصر، وانتقل مركز الخلافة من الحجاز إلى دمشق التي أصبحت مقر الأُمويين من الناحية السياسية؛ ظهرت مدينتان كبيرتان لَعِبتا في تاريخ الفكر الإسلامي دورًا كبيرًا هما البصرة والكوفة. واستمرَّت الزعامة الثقافية سائدةً في هاتين المدينتَين، حتى استولى العباسيون على الحكم، وأسَّسوا مدينة بغداد، فانتزعت الرئاسة الثقافية منهما، وأصبحت بغداد مقر الحكم والخلافة، ومركز العلوم والفلسفة والحضارة، واجتذبت إليها العلماء والمفكِّرين من كل حدب وصوب، حتى أضحت أشبه بأثينا في القرن الخامس قبل الميلاد، أو بباريس في القرن التاسع عشر بعد الميلاد، مركزًا للثقافة العالمية.

وفي هذا الجو الفكري والسياسي ظهر فيلسوف العرب أو فيلسوف الإسلام يعقوب بن إسحاق الكندي.

الكندي (١٨٥–٢٥٢ﻫ/٨٠١–٨٦٥م)

اسمه كاملًا أبو يوسف يعقوب بن إسحاق بن الصباح بن عمران بن إسماعيل بن محمد بن الأشعث بن قيس الكندي، من قبيلة كندة من أشرف بيوتات العرب، وهي قبيلة باليمن والحجاز. وأول من أسلم من آباء الكندي الأشعث بن قيس، الذي قدم على رسول الله في وفد كندة، ويُعد فيمن نزل الكوفة من الصحابة وروى عن النبي، وشهد مع سعد بن أبي وقَّاص قتال الفرس بالعراق، وكان على راية كندة يوم صفين مع علي بن أبي طالب، وحضر قتال الخوارج بالنهروان. أمَّا ابنه محمد فقد ولَّاه ابن الزبير على الموصل. وفي سنة ٨٥ هجرية خرج عبد الرحمن بن الأشعث على الحجاج، وقُتِلَ، فلم يعد لبني الأشعث منزلة عند آل مروان بعد ذلك. ومع ذلك ظلَّ بيت الكندي في الكوفة من بيوتات المجد، إلى أن تولَّى العباسيون الخلافة فعادوا إلى الظهور؛ إذ تولَّى إسحاق بن الصباح الكوفة أيام المهدي والرشيد، وأنجب ابنه يعقوب — وهو فيلسوفنا — في أزهى العصور الإسلامية.

تعلَّم الكندي العلوم الدينية الشرعية، وعلم الكلام، وشارك في الصناعة الدخيلة على الإسلام مشاركةً فعَّالة، ونعني بها الفلسفة؛ فنقل بعض كتب الفلاسفة عن السريانية التي كان يعرفها، وأصلح كتبًا أخرى لبعض المترجمين؛ مثل كتاب الربوبية الذي ترجمه ابن ناعمة الحمصي.

ومن أجل ذلك عدَّه بعض مؤرخي العرب من المترجمين، كما ذكر صاحب طبقات الأطباء: «حُذَّاق الترجمة في الإسلام أربعة؛ حنين بن إسحاق، ويعقوب بن إسحاق الكندي، وثابت بن قرة، وعمر بن الفرخان الطبري.» ليس معنى ذلك أنه كان مترجمًا فقط؛ فقد «ترجم من كتب الفلسفة الكثير، وأوضح منها المشكل، ولخَّص المستصعب، وبسَّط العويص» كما يقول ابن جلجل في كتاب طبقات الأطباء، ولكنه كان إلى ذلك كان يقول ابن جلجل أيضًا: «عالمًا بالطب، والفلسفة، وعلم الحساب، والمنطق وتأليف اللحون، والهندسة، وطبائع الأعداد، والهيئة، وعلم النجوم»، مما يدل على تبحُّره في العلوم قبل أن يتفلسف، وممَّا يُؤيد نظريتنا التي نذهب إليها في هذا الكتاب.

وليس غريبًا أن يحفل الكندي بالعلوم، وقد نشأ في الكوفة التي كانت مقرًّا لعلم الكيمياء بوجه خاص. ونحن نعلم أن الكندي كانت له عناية خاصة بهذا العلم، وقد بقي من تأليفه رسالة «في كيمياء العطر»، نُشرت حديثًا في ليبزج مع ترجمتها إلى اللغة الألمانية. فلمَّا انتقل من الكوفة إلى بغداد، اتصل اتصالًا أوثق بالثقافة العلمية والفلسفية وأحاط بها جميعًا، وشجَّعه على ذلك صلته بالمأمون والمعتصم، ثم بأحمد ابن المعتصم، الذي كان مؤدِّبًا خاصًّا له، وإليه أهدى الكندي كثيرًا من رسائله. وفي ذلك يقول ابن نباتة في كتابه سرح العيون: «وكانت دولة المعتصم تتجمَّل به وبمصنفاته.» وزها أيضًا في خلافة المتوكِّل، ودسَّ الحُسَّاد بينهما، حتى ضربه المتوكِّل وأخذ مكتبته المسماة ﺑ «الكِندية»، ولا شك أنها كانت زاخرةً بالنفائس حتى تشتهر إلى هذا الحد. وقد أذاع الجاحظ في «البخلاء» عن الكندي أنه كان بخيلًا في تلك الصورة الكاريكاتيرية المشهورة التي صوَّره بها، ومع ذلك فيبدو أنه كان مترفًا في حياته الخاصة، يقتني نوادر الحيوان في حديقة داره، كما ذكر الجاحظ في كتاب الحيوان. غير أنه كان متعاليًا عن الجمهور، فيما يبدو، منعزلًا عن الناس، عاكفًا على كتبه وتأليفه. وممَّا يُذكر في ذلك أن جاره كان من كبار التجَّار، فمرض له ابن مرضًا نفسانيًّا أعيا نطس الأطباء، ولم تكن بينه وبين الكندي مودَّة على الرغم من الجيرة، فلمَّا سأل التاجر أهل الرأي قالوا له: «أنت في جوار فيلسوف زمانه، وأعلم الناس بعلاج هذه العلة، فلو قصدته لوجدت عنده ما تُحب.» وعالجه الكندي بالموسيقى حتى شفاه.

ولهذه الإحاطة بالعلوم والمعارف كلها، ولأنه كان عربيًّا ومسلمًا على خلاف الذين كانوا يشتغلون بهذه العلوم ويترجمونها من أطبَّاء السريان، سُمِّيَ بحق «فيلسوف العرب»، كما سُمِّيَ «فيلسوف الإسلام».

وكانت فلسفته مجهولةً لدينا لأن كتبه كانت مفقودة، حتى عُثِرَ قريبًا على بضع وعشرين رسالة خطية، توفَّر المشتغلون بالفلسفة الإسلامية على نشرها، من مستشرقين وعرب، فتيسَّر بذلك أن يُلقى ضوء أوضح على فلسفته ومنزلتها.١
ويرجع الفضل إلى الكندي في أنه جعل الفلسفة من جملة المعارف الإسلامية، بعد أن وفَّق بينها وبين الإسلام؛ ففي كتابه إلى أحمد بن المعتصم بالله في الفلسفة الأولى، يذهب إلى أن كلًّا من الدين والفلسفة يطلبان الحق، أمَّا الدين فيسلك طريق الشرع، وأمَّا الفلسفة فتسير على منهج البرهان. والفلسفة أعلى الصناعات الإنسانية منزلة، وأشرفها مرتبة، وحدُّها أنها علم الأشياء بحقائقها بقدر طاقة الإنسان. «وأشرف الفلسفة وأعلاها مرتبةً الفلسفة الأولى (يُريد الميتافيزيقا)، أعني علم الحق الأول الذي هو علة كل حق.»٢

العلم بالحق إذن هو مطلب الفلسفة، وكان جميع فلاسفة الإسلام يرفعون من شأن الحق، ويجعلونها شيئًا ثابتًا أزليًّا في عالم أعلى وأسمى من عالمنا هذا الذي يخضع للتغيُّر والملاحظة والتجرِبة. وهذا ميراث أخذه العرب عن فلاسفة اليونان، ولكن الفلاسفة كانوا يقصدون من الحق ما يُقابل الباطل، ويطلبون العلم بحقائق الأشياء لا ظواهرها التي تبدو لنا. وجاء الكندي فجعل الجزء الأشرف من الفلسفة هو علم «الحق الأول» والواحد الحق عنده، كما ذكر في آخر رسالته إلى أحمد بن المعتصم بالله، «هو الأول المبدِع الممسك كل ما أبدع.» أمَّا أن البحث في الله هو أشرف أجزاء الفلسفة، فهذا ما ذهب إليه أرسطو في كتابه «ما بعد الطبيعة» أو الميتافيزيقا، الذي سمَّاه العرب بكتاب الحروف. وذكرنا أن مقالة اللام أهم مقالاته؛ لأنها تبحث في الله «المحرِّك الذي لا يتحرَّك»، بحسب ما انتهى إليه أرسطو في مذهبه. غير أن الكندي مع اعترافه بأن البحث في الواحد أشرف أجزاء الفلسفة، إلَّا أنه يصف الله بصفاته الإسلامية من أنه المبدع الممسك لما أبدع.

الله عند أرسطو محرِّك العالم، وعند الكندي بديع السماوات والأرض.

ويبدو أن الكندي هو أول من أجرى في الفلسفة الإسلامية تصنيف الفلسفة النظرية إلى رياضية وطبيعية وربوبية. وقد جعل الرياضيات أول العلوم الفلسفية لأنها «الأول في التعليم»، ولذلك سُمِّيَت الرياضية بالعلوم التعليمية. وقد تابع الكندي بطليموس في هذا الترتيب الذي ذكره في كتاب المجسطي.

وهو أول من سنَّ للفلسفة الإسلامية سنة التوفيق بينها وبين الإسلام، وجرى خلفاؤه على أثره.

غير أنه اضطرب بين المشَّائية والأفلاطونية المحدثة، بسبب إصلاحه لتاسوعات أفلوطين المعروفة باسم «الربوبية»، ولم يفطن أنها مغايرة لمذهب أرسطو، كما اضطرب كذلك في أمر العقل والنفس، فكتب رسائل تارةً آخذًا فيها بأرسطو، ورسائل أخرى متبعًا أفلوطين. وسنعرض لذلك تفصيلًا عند الكلام عن موضوعات الفلسفة الإسلامية فيما بعد.

وقد عاب عليه القدماء أنه لم ينفذ إلى أعماق المنطق، ولم يدرك منه إلَّا صناعة التحليل، أمَّا البرهان فلم يُوفَّق في فهمه.

ولم يتسع المجال لعرض فلسفته تفصيلًا، ولكنا نود أن نختم هذه الكلمة عن فيلسوف العرب بأنه كان صورةً للحضارة الإسلامية التي بلغت أوج ازدهارها في ذلك العصر العباسي؛ فقد بلغ التأنُّق في الحياة مبلغًا جعلهم يُرتِّبون الموسيقى حسب أوقات النهار والليل. وفي ذلك يقول الكندي: «والأوجب على الموسيقِيِّ أن يستعمل في كل زمن من أزمان اليوم ما شاكل ذلك الزمن من الإيقاع، مثل استعماله في ابتداءات الأزمان للإيقاعات المجدية والكرامية والجودية … وفي أوسطها وعند قوة النفس للإيقاعات الإقدامية والتحدية، وفي أواخرها وعند انبساط النفس للإيقاعات السرورية والطربية …»٣

وفي هذه الرسالة يذكر الكندي أنواع الموسيقى التي تبعث في البدن القوة الدافعة، أو الحلم، أو يُحرِّك الدم، أو المرار أو البلغم. وقد سبق أن ذكرنا كيف عالج الكندي مريضًا بالموسيقى. ومن الأناقة في التحضُّر ما يذكره كذلك من امتزاج الألوان؛ فالحمرة مع الصفرة تُحرِّك القوة العزية، والصفرة إذا قُرنَتْ بالسواد تحرَّكت القوة اللذية، وإذا قُرِنَ البياض الذي قد شابه صفرةً وهو التُّفَّاحي بالحمرة؛ تحرَّكت القوة اللذية مع القوة الشوقية. وإذا قُرِنَت الألوان كلها بعضها إلى بعض كالبهار الممزوج في خد البنات؛ تحرَّكت القوى كلها …» ومزاجات الروائح والعطور لها آثار نفسانية؛ «فإذا مُزجت رائحة الياسمين والنرجس؛ تحرَّكت القوة العزية واللذية، وإذا مُزج السوسن مع الورد؛ تحرَّكت القوة المحبية مع الفخرية …»

ومن هذا يتضح أن الكندي كان فيلسوفًا للحضارة الإسلامية في القرن الثالث بلا نزاع.

الفارابي (٢٥٩–٣٣٩ﻫ/٨٧٠–٩٥٠م)

أرسى الكندي دعائم الفلسفة الإسلامية، وجاء أبو نصر الفارابي (٢٥٩–٣٣٩ﻫ/٨٧٠–٩٥٠م) فوطَّد أركانها وثبَّت بنيانها، وسمَّاه العرب «المعلِّم الثاني» باعتبار أرسطو المعلِّم الأول. وهو فيلسوف إسلامي مع أن أصله تركي، وُلِدَ بقرية بوسيج من أعمال فاراب التي يُنسب إليها، وتعلَّم العربية إلى جانب التركية والفارسية، ولكنه اتخذ اللغة العربية لسانًا، كما اتخذ الإسلام دينًا. وتعلَّم العلوم الدينية والشرعية، وانتقل فيها إلى العلوم وبخاصة الرياضيات، ثم الفلسفة، واجتذبته بغداد بأنوار علومها وثقافتها، حيث اتصل بأبي بشر متَّى بن يونس رأس المناطقة في دار السلام، التي أقام فيها حول عشرين عامًا حذق فيها المنطق حتى فاق أستاذه، وأكبر الظن أنه سُمِّيَ بالمعلِّم الثاني من أجل ذلك؛ لأنه أول من أدخل المنطق إلى الثقافة العربية، كما سُمِّيَ أرسطو بالمعلِّم الأول لأنه أول من وضع المنطق.

ودخل بلاط سيف الدولة الحمْداني في حلب، حيث التقى بالأدباء والشعراء واللغويين والفقهاء والعلماء، فكان الفيلسوف المبرَّز، وتجمَّلت دولة سيف الدولة به، كما تجمَّلت دولة المعتصم بالكندي من قبل. وكان قد دخل على سيف الدولة في زي الصوفية كما تروي كتب السيرة. وتنقَّل الفارابي في مدن الشام، وعاش زمنًا في دمشق، حيث كان يخرج إلى بساتينها مصطحبًا أوراقه وكتبه يجلس عند مجتمع ماء أو مشتبك رياض.

ولم يكن الفارابي طويل النفس في تآليفه، ولم يترك كتبًا كثيرةً مثل الكندي أو ابن سينا، وقد فُقدتْ معظم تآليفه المنطقية التي كان يُهمُّنا الاطلاع عليها؛ لمعرفة منزلته من هذه الصناعة التي سُمِّيَ من أجلها بالمعلِّم الثاني. وقد بقيت مع ذلك بعض عيون من قلمه فيها ما يكفي أن تُخلِّد ذكره، لا في العالم الإسلامي فقط، بل في الإنسانية كلها. وهذه هي؛ إحصاء العلوم، و«المدينة الفاضلة»، والموسيقى الكبير. ولعلك تلمح من هذه الكتب الثلاثة أنه كان فيلسوفًا إنسانيًّا لا كونيًّا، واهتمَّ بالإنسان وأخلاقه وحياته الفكرية والسياسية والفنية، أكثر من اهتمامه بالنظر في الأمور الطبيعية والتعمُّق فيها.

وقد تُرجم كتابه «إحصاء العلوم» إلى اللغة اللاتينية، وأثَّر في الفلسفة الغربية في العصر الوسيط؛ إذ كان أساس تصنيف العلوم فيما بعد. وقد أشرنا إلى هذا الكتاب من قبل، وإلى تقسيم العلوم عند العرب، وأنه أضاف إلى الأقسام المعروفة بحسب تصنيف أرسطو، علوم اللسان؛ مثل النحو والعلوم الشرعية والفقهية والكلامية، فكان بذلك مرآةً للحياة العقلية والثقافية عند المسلمين النابعة من القرآن.

وإذ وضع الفارابي الصورة كاملةً أمام عينَيه في إحصائه للعلوم، فقد تيسَّر له أن يرى أوجه الشبه بين علوم لا يظن أن بينها شبهًا، مثل علم النحو الذي يُعَد من صميم المباحث اللغوية والعلوم الهندسية والميكانيكية، وكذلك المنطق. فهو إذ يتابع أرسطو في اعتباره المنطق آلةً للعلوم، وليس كما ذهب الرواقيون علمًا، فلا غرابة أن يجعل المنطق صناعة، وآلة، وأداة، «تعطي بالجملة القوانين التي شأنها أن تُقوِّم العقل، وتُسدِّد الإنسان نحو طريق الصواب ونحو الحق.» وهذه الصناعة تُشبه صناعة النحو وصناعة العروض، فالمنطق من المعقولات، كالنحو من الألفاظ، والعروض من الأوزان. وقوانين المنطق قواعد تُمتحن بها المعقولات، كما أن المقاييس والمكاييل والموازين آلات تُمتحن بها الأبعاد والأحجام والأثقال.

ولقد ذكرنا فيما سبق أن الكندي اضطرب بين أرسطو وأفلاطون وأفلوطين، ولم يستطِع التوفيق بين هذه المذاهب المختلفة اختلافًا أساسيًّا. وقد فطن الفارابي إلى هذا الخلاف فواجهه وحاول أن يحله بالتوفيق بينها، أو على الأصح بين المشَّائية والأفلاطونية، وذلك في كتابه «الجمع بين رأيَي الحكيمين.» وهو يُقدِّم للكتاب بمدخل يُبسِّط فيه المشكلات المتنازع عليها، وهي مشكلات شغلت بال الفلسفة الإسلامية طوال عصورها، ولذلك يحسن بنا ذكر هذه المقدِّمة بتمامها، قال:

أما بعد، فإني لمَّا رأيت أكثر أهل زماننا قد تخاصموا وتنازعوا في حدوث العالم وقدمه، وادَّعَوا أنَّ بين الحكيمَين المقدَّمَين المبرَّزَين اختلافًا في إثبات المبدع الأول، وفي وجود الأسباب منه، وفي أمر النفس والعقل، وفي المجازاة على الأفعال خيرها وشرها، وفي كثير من الأمور المدنية والخلقية والمنطقية، أردت في مقالتي هذه أن أشرع في الجمع بين رأييهما …»

ولا شك عندنا أن الفارابي كان على اطلاع وثيق بالفلسفة اليونانية، ولعله كان يعرف اليونانية، وقد نفذ إلى روح أرسطو وأفلاطون، وأنهما في نظره الحكيمان المبدعان للفلسفة، والمنشئان لأوائلها وأصولها. وفطن إلى ما بينهما من خلاف وأحسن تصويره، فيما عدا بعض الأمور الفرعية. وقد أبدى شكَّه في كتاب «الربوبية» أو «الأثولوجيا»، وكيف يكون لأرسطو مع مخالفته لأصول مذهبه؟ ولكنه على الرغم من هذا الشك الذي صرَّح به عاد فقال: «إن ما جاء في هذا الكتاب له تأويلات ومعانٍ، إذا كُشف عنها ارتفع الشك والحيرة.»

جمع الفارابي بين الحكيمَين فأخذ من كلٍّ منهما ما راقه؛ فالفلسفة هي العلم بالموجودات بما هو موجودة، فتابع بذلك أرسطو في تعريفه المشهور. وحذا في قسمته للفلسفة حذو أرسطو، فهي: «إمَّا إلهية، وإمَّا طبيعية، وإمَّا منطقية، وإمَّا رياضية، أو سياسية.» وصناعة الفلسفة هي «المستنبطة لهذه، والمخرجة لها، حتى إنه لا يوجد شيء من موجودات العالم إلَّا وللفلسفة فيه مدخل، وعليه غرض، ومنه علم بمقدار الطاقة الإنسانية.»

وقد جاء بعض الخلاف بين الحكيمَين من طريقة أفلاطون في تدوين الكتب وطريقة أرسطو؛ «ذلك أن أفلاطون كان يمتنع في قديم الأيام عن تدوين العلوم وإبداع بطون الكتب دون الصدور الزكية والعقول المرضية، فلمَّا خشي على نفسه الغفلة والنسيان، اختار الرموز والألغاز؛ قصدًا منه لتدوين علومه وحكمته. وأمَّا أرسطوطاليس فكان مذهبه الإيضاح والتدوين والترتيب والتبليغ والكشف والبيان.» وهذا حقًّا رأي أفلاطون ذكره صراحةً في بعض رسائله، ولا تزال هذه الطريقة متبعةً حتى اليوم؛ لأن بعض المتفلسفة يرون أن الحقائق الأولى تُدرَك بالبصيرة ويعيشها الفيلسوف بالتأمُّل، ولكنها تعز على التعبير.٤ ولعل هذا هو السبب الذي من أجله نحا الفارابي ناحية التصوُّف، كما اقتصد في كتاباته، وجعلها أقرب إلى الإشارات منها إلى الكشف والبيان.

والفارابي هو أول من وفَّق بين المذاهب اليونانية الكبرى على خلاف الكندي، فاستطاع أن يجعل الله هو «الموجود» وهو «الواحد» في آنٍ معًا. و«الموجود» صفة يونانية كانت لُباب فلسفة أرسطو، و«الواحد» محور فلسفة أفلوطين. وستتاح لنا فرصة أرحب حين نتحدَّث فيما بعدُ عن وجود الله عند الفلاسفة الإسلاميين، وعن نظرية الفيض وتسلسل الموجودات من لدنه تعالى. ولكننا نقول الآن إن المعلِّم الثاني هو الذي فتح الباب أمام الشيخ الرئيس ومن جاء بعده ليسلكوا هذا السبيل.

وقد لعب كتاب الموسيقى٥ دورًا كبيرًا في الحضارة الإسلامية، وفي الحضارة الأوروبية في العصر الوسيط. ومن الطبيعي أن يأخذ الفارابي في هذه الصناعة عن السابقين، ولكنه فيما يبدو أول من جعل الموسيقى علمًا قائمًا على قواعد نظرية. ومن أجل ذلك ذهب بعض مؤرخي العرب إلى أن الفارابي سُمِّيَ بالمعلم الثاني لأنه أول من وضع أُسس التعاليم الصوتية، كما سُمِّيَ أرسطو المعلِّم الأول لأنه أول من أرسى قواعد المنطق.

وقد اتجهت عناية الفارابي إلى السياسة، ألَّف فيها «المدينة الفاضلة»، وبضع رسائل أخرى منها «تحصيل السعادة»، والسياسات المدنية، والتنبيه على سبيل السعادة. وجملة رأيه في صلاح الدولة أنها يجب أن تقوم على الأخلاق الفاضلة من جهة، وعلى الصناعات من جهة أخرى. والفضائل عنده ثلاثة أنواع؛ نظرية وفكرية وخلقية. قال في «تحصيل السعادة»: «الأشياء الإنسانية التي إذا حصلت في الأمم وفي أهل المدن حصلت لهم بها السعادة الدنيا في الحياة الأولى، والسعادة القصوى في الحياة الأخرى أربعة أجناس؛ الفضائل النظرية، والفضائل الفكرية، والفضائل الخلقية، والصناعات العملية.»

والفضائل النظرية هي العلوم المختلفة التي تستهدف المعرفة بالموجودات، وهي قسمان؛ علوم فطرية بديهية، وأخرى تحصل بالتأمُّل والفحص والاستنباط والتعليم والتعلُّم. والعلوم ثلاثة؛ رياضية وطبيعية وإلهية أو ميتافيزيقية.

والفضائل الفكرية نافعة في تحصيل الغايات التي ينصبها الإنسان أمام عينَيه، ثم يسعى إلى تحقيقها. وبمقدار ما كانت الغايات نافعةً جميلة، كانت الوسائل نافعةً جميلةً كذلك. والسبيل إلى تحصيل النافع والجميل، والأنفع والأجمل في الأفكار وفي الصناعات العملية التي بها يقوم العمران في الأمم، هو التحلي بالفضائل الخلقية.

ابن سينا (٣٧٠–٤٢٨ﻫ/٩٨٠–١٠٣٦م)

بلغت الفلسفة الإسلامية أوجها عند الشيخ الرئيس أبي علي الحسين بن عبد الله بن سينا (٣٧٠–٤٢٨ﻫ/٩٨٠–١٠٣٦م)؛ فهو الذي ألَّفَ فيها التآليف الغزيرة في كل فرع من فروعها، ولم تتقدَّم من بعده تقدُّمًا يُذكر، بل كان معظم الفلاسفة شُرَّاحًا لكتبه مثل الرازي والطوسي. وفي الوقت نفسه أصبحت الفلسفة ممثَّلةً في شخصه، حتى أضحى هدفًا لسهام الطاعنين عليها حين يُراد الشر.

وإذا كان الكندي عربيًّا، والفارابي تركيًّا، فقد كان ابن سينا فارسيًّا، ممَّا يدل على النزعة العالمية للحضارة الإسلامية؛ والفضل في ذلك يرجع إلى دينها وهو الإسلام، وإلى لغتها وهي العربية.

وكما ازدان بلاط المعتصم بالكندي ومصنَّفاته، وتجمَّل بلاط سيف الدولة بالفارابي وآرائه، فقد تألَّقت دولة بني بُوَيه في فارس بالشيخ — وكان القدماء يكتفون بقولهم الشيخ ليُفهَم أن المقصود ابن سينا — أواخر القرن الرابع وأوائل الخامس. وقد أراد السلطان محمود الغزنوي أن يجتذب ابن سينا إلى بلاطه، ولكنه رفض وآثر البقاء في فارس. وكان ابن سينا بعد أن ترك بخارى قد اتجه إلى بلاط علي بن العباس في خوارزم، حيث لقي هناك عدةً من العلماء والحكماء؛ منهم أبو الريحان البيروني، وأبو سهل المسيحي، وأبو الخير الخمار. وكان البيروني في مكانة أبي معشر في علم النجوم، وأبو الخير ثالث بقراط وجالينوس في الطب، وكان ابن سينا وأبو سهل المسيحي خَلَفَين لأرسطو في علم الحكمة، وفي ذلك يقول النظامي العروضي في كتابه «جهار مقالة»: «وكانت هذه الطائفة في القصر غنيةً عن أمور الدنيا، وكان بعضهم أُنْسًا لبعض، بالمحاورة وطيب العيش بالمكاتبة. ثم إن السلطان محمود الغزنوي أرسل يطلبهم إلى مجلسه ليشرف بهم ويُفيد من علومهم، فلم يقبل ابن سينا وهرب إلى جُرجان عند الأمير قابوس.»

كتب ابن سينا سيرة حياته بقلمه التي بدأها بقوله: «كان أبي رجلًا من أهل بلخ، وانتقل منها إلى بخارى في أيام الأمير نوح بن منصور.» وهي سيرة جميلة أكملها تلميذه الجوزجاني، يستخلص منها أنه أتمَّ تعلُّم القرآن والأدب والعربية وهو في سن العاشرة، وأخذ الفقه على إسماعيل الزاهد، والحساب والهندسة على أبي عبد الله الناتلي، وأخذ بعد ذلك يقرأ الكتب على نفسه ويُطالع الشروح حتى أحكم علم المنطق، وكتاب إقليدس في الهندسة، كما حفظ الطب وتمَّت له العلوم كلها وهو في الثامنة عشرة.

ويحكي في سيرته أنه كان قد حفظ كتاب «ما بعد الطبيعة» عن ظهر القلب دون أن يفهمه، إلى أن وقع على كتاب الفارابي في تحقيق أغراض أرسطو في هذا الكتاب، فاستطاع أن يحل طلاسمه، ممَّا يدل على اعترافه بأستاذية المعلِّم الثاني.

وكان سبب اتصاله بنوح بن منصور أنه حين انتقل إلى بخارى دُعِيَ إلى علاجه وشفاه، وعندئذٍ سمح له الأمير بالاطلاع على دار كتبه وكانت حافلةً بآلاف الكتب، فحفظها ابن سينا كلها إذ كانت ذاكرته خارقة. وألَّفَ للأمير نوح أول كتبه في النفس على طريقة أرسطو، وسُمِّيَ الكتاب «هدية الرئيس إلى الأمير»، وهو مبحث في القوى النفسانية. وآخر كتبه أيضًا رسالة صغيرة في النفس. وتآليفه غزيرة جدًّا، تجمع بين الفلسفة والطب؛ فله في الفلسفة كتاب «الشفاء»، وفي الطب كتاب «القانون». قسَّم «الشفاء» أربعة أقسام؛ منطق، وطبيعة، ورياضة، وإلهيات، واختصره في كتاب «النجاة» المعروف المتداول. وقد بدأت مصر منذ مؤتمر الشيخ الذي انعقد في بغداد سنة ١٩٥٢م بمناسبة مرور ألف عام على مولده، أن تنشر لجنة خاصة من المشتغلين بالفلسفة كتاب «الشفاء» نشرةً علمية، فأخرجت لأول مرة منطقه وهو تسعة كتب — كما سبقت الإشارة إلى ذلك — وكذلك «الإلهيات»، والموسيقى. وبذلك تيسَّر الاطلاع على فلسفة الشيخ الرئيس التي يحذو فيها حذو أرسطو، كما يقول في هذا الكتاب. ذلك أن ابن سينا اتجه وجهةً أخرى غير مشَّائية، هي الفلسفة الإشراقية التي تمتاز بالنزعة الصوفية، وذلك في كتابه «الإشارات»، وفي كتابه الآخر الذي وعد بكتابته، ويبدو أنه لم يخرج قط إلى النور، ونعني به «الفلسفة المشرقية».٦

وقانون ابن سينا مقسَّم خمسة أجزاء، يحوي كل ما يتصل بالطب من علم وظائف الأعضاء والتشريح والعلاج. وقد تُرجم هذا الكتاب إلى اللاتينية، وظلَّت جامعات أوروبا تعتمد عليه في التدريس حتى القرن السابع عشر. وقد تُرجم كذلك معظم كتاب «الشفاء»، ونفذت بذلك الفلسفة السينوية إلى أوروبا، وتأثَّر بها القديس توما الأكويني.

وللشيخ قصائد تُصوِّر حكمته وفلسفته، ومن أشهرها قصيدته في النفس التي مطلعها:

هبطت إليك من المحلِّ الأرفعِ
ورقاءُ ذات تدلُّلٍ وتمنُّع

يشير بذلك إلى انفصال النفس عن البدن، وخلودها، وأنها نزلت لتسكن هذا البدن؛ «لتكون سامعةً بما لم تسمع»، و«تعود عالمةً بكل خفية».

وقد نظم كثيرًا من العلوم في أراجيز تعليمية؛ ليسهل حفظها، منها قصيدته المزدوجة في المنطق، ومنها قصيدته في الطب التي توفَّر على شرحها كثير من الفلاسفة منهم ابن رشد، وإليك مطلعها:

الطبُّ حفظُ صحَّةٍ بُرْءُ مَرَضْ
من سببٍ في بدنٍ ومن عَرَضْ
وكان ابن سينا يُعنى بالملاحظة والتجرِبة ويستخرج منهما القوانين الكلية، وقد وضع في أول «القانون» قواعد للتجريب سبق بها جون ستيوارت مِلْ بقرون طويلة. ويسَّرت له هذه الملاحظات والتجارب الاهتداء إلى علل كثير من الأمراض وطريقة علاجها، كالسرطان، وأمراض المثانة، وهو أوَّل من وصف قرحة المعدة، وغير ذلك.٧

ولا نزاع أن اشتغال ابن سينا بالطب قد أثَّر على فلسفته من جهة المنهج الذي يتبعه في التفكير؛ فقد كان يؤمن بالتجارب، يُجريها على الحيوانات ويتتبَّعها ويرى أثرها، ويُجرِّب عليها الدواء قبل أن يُجرِّبه في الإنسان. وهذا يُؤيِّد ما ذهبنا إليه من قبلُ من أن فلاسفة الإسلام كانوا علماء قبل أن يكونوا فلاسفة.

وقد تأثَّر ابن سينا في شبابه بالإسماعيلية والمذهب الباطني، وكان يسمع داعيتهم يتحدَّث إلى أبيه وأخيه الأكبر يتناقشون في أمر النفس والعقل على طريقتهم، ولكنه كما قال في سيرته لم يقبل هذا المذهب وانصرف عنه. والأشبه أنه كان مستقلًّا في تفكيره ارتفع عن السنة والشيعة جميعًا، وخرج بمذهب سينوي جديد؛ ولذلك كان من العبث البحث عن عقيدته أهي شيعية أم سنية؛ لأنه باعتباره فيلسوفًا كان ذا نظر مستقل إلى الحقيقة، سواء أكانت فلسفيةً أم دينية. ويكفي أنه ضرب صفحًا عن سائر الأدلة التي كانت شائعةً لإثبات وجود الله، ونادى بنظرية جديدة هي أن الله واجب الوجود، وذلك بعد قسمة الموجود قسمةً عقليةً إلى واجب وممكن وممتنع. إنه إذن صاحب مذهب في الوجود، إن لم يكن مبتكرًا كل الابتكار، فهو على الأقل متميِّز عن غيره كل التمييز.

ومن أجل ذلك أصبح الشيخ الرئيس ممثِّلًا للفلسفة الإسلامية، بعد أن اتضحت معالمها على يدَيه، فهو يقول بارتباط العالم كله بجميع أجزائه من لدن واجب الوجود حتى عالم العناصر والهيولى المحض. وهو في ذلك يجمع بين الأرسطية وبين الأفلاطونية المحدثة، ذلك الجمع الذي بدأه الفارابي من قبل.

ولمَّا أراد الغزالي حجة الإسلام، وممثِّل أهل السنة والجماعة، أن يُهاجم الفلسفة والفلاسفة، لم يجد أمامه سوى ابن سينا، فكتب في دحض مذهبه كتابه المشهور «تهافت الفلاسفة»، الذي كفَّرهم في ثلاث مسائل أساسية؛ هي القول بقدم العالم، وعدم علم الله بالجزئيات، وإنكار حشر الأجساد. وبدَّعهم — أي جعلهم أصحاب بدعة — في سبع عشرة مسألة. وردَّ عليه ابن رشد في كتابه «تهافت التهافت»، وألقى اللوم على ابن سينا.

ومن أراد الاطلاع على لب الفلسفة الإسلامية ومدى ما وصلت إليه، فعليه بقراءة «تهافت» الغزالي، الذي تُرجم إلى اللاتينية وأثَّر في أوروبا في العصر الوسيط.

وقد ذكر أن ابن سينا كتب فلسفةً حذا فيها حذو أرسطو، وهي التي بسطها في «الشفاء» ولخَّصها في «النجاة»، وكتب فلسفةً أخرى في «الإشارات»، وفي كتابه الذي وعد به وهو «الفلسفة المشرقية». ليس معنى ذلك أن بين الفلسفتَين خلافًا، إذ الغرض واحد، وهو معرفة الحقيقة، كما قال في أول «الشفاء»: «إن الغرض في الفلسفة أن يوقف على حقائق الأشياء كلها على قدر ما يمكن الإنسان أن يقف عليه.» ولكن الخلاف في المسلك أو الطريقة، نعني طريقة أهل النظر والبرهان، وطريقة أصحاب الذوق والحال. ولمَّا كانت نهاية الحقائق معرفة الله، يمكن أن نصل إلى هذه المعرفة بأحد الطريقَين؛ إمَّا طريق المنطق، كما فعل في إثبات أن الله واجب الوجود، وإمَّا بطريق الذوق، وهو طريق الصوفية كما قال في «الإشارات»: «ثم إذا بلغت به الإرادة والرياضة حدًّا ما عَنَّتْ له خلسات من اطلاع نور الحق، لذيذة كأنها بروق تومض إليه ثم تخمد عنه.» قال ابن طفيل يُعلِّق على هذا الكلام في رسالة «حي بن يقظان»: «فهذه الأحوال التي وصفها إنما أراد بها أن تكون له ذوقًا، لا على سبيل الإدراك النظري المستخرج بالمقاييس وتقديم المقدِّمات وإنتاج النتائج.» وكان فلاسفة المغرب أميل إلى النظر العقلي منهم إلى الإدراك الذوقي.

لم يكن ابن سينا بعيدًا عن غمرات الحياة، يعيش في برج عاجي، ولكنه مارس السياسة، وتولَّى الوزارة، وتنقَّل من مدينة إلى أخرى في خدمة الأمراء في الرَّي، ثم في همدان حيث أصبح وزيرًا لشمس الدولة، وفي أصبهان عند علاء الدولة. وكان يُصرِّف أمور الدولة نهارًا، ثم يختلف ليلًا إلى التأليف وإملاء كتبه على تلاميذه. وقد انعكست هذه الحياة العملية على آرائه السياسية وفلسفة الحكم، ممَّا نراه مسطَّرًا في آخر «الإلهيات» من كتاب «الشفاء».

١  انظر مصطفى عبد الرازق: فيلسوف العرب والمعلم الثاني، أحمد فؤاد الأهواني: كتاب الكندي إلى المعتصم بالله في الفلسفة الأول. عبد الهادي أبو ريدة: رسائل الكندي في جزءَين. محمود الحفني: رسالة الكندي في الموسيقى، كيمياء العطر، نشر ليبزج، رسالة في دفع السموم، نشر ليبزج أيضًا.
٢  الأهواني: كتاب الكندي في الفلسفة الأولى، مطبعة عيسى الحلبي، ص٧٨.
٣  رسالة الموسيقى، طبع محمود الحفني.
٤  انظر في ذلك كتابنا عن أفلاطون، المطبوع بدار المعارف.
٥  ترجم المستشرق درلانجيه جزءًا من هذا الكتاب إلى اللغة الفرنسية، وقد أعدَّه الدكتور محمود الحفني للنشر وسيظهر قريبًا.
٦  بل صدر محقَّقًا عدة مرات، منها طبعة لدى دار آفاق عام ٢٠١٩م (المحرر).
٧  انظر كتابنا عن ابن سينا في سلسلة دار المعارف عن نوابغ الفكر العربي، وفيه ثبت بكثير من المراجع العربية والإفرنجية.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤