أهم موضوعات الفلسفة الإسلامية
المنطق ومناهج البحث
عُني فلاسفة العرب بالمنطق عنايةً عظيمة؛ لشرف هذا الموضوع من ناحية، ولأنه أداة الفلسفة من ناحية أخرى. وقد رأينا من قبلُ كيف تميَّز علم الكلام عن الفلسفة باعتبار المنهج الذي يتبعه كلٌّ منهما؛ فالمنطق منهج الفلاسفة، والجدل منهج المتكلمين.
وليس لنا أن نتوقَّع من فلاسفة العرب تقدُّمًا ملحوظًا في دراسة هذا العلم؛ لأن أرسطو — صاحب المنطق — لم يترك لمن جاء بعده إلَّا النزر اليسير. أمَّا الأصول العامة في المنطق وترتيب موضوعاته فقد حذا فلاسفة العرب حذو المعلِّم الأول خطوةً خطوة، وكتابًا كتابًا، ممَّا خلَّفه لنا أرسطو. وقد ذكرنا هذه الكتب فيما سبق عند الكلام عن عصر الترجمة.
فما الجديد إذن في المنطق ممَّا أضافه الفلاسفة الإسلاميون؟
الجديد في التنسيق؛ فقد نبع هذا العلم كاملًا متكاملًا، كما نجده في كتاب صُنِّفَ في القرن السادس الهجري، هو «البصائر النصيرية» تأليف زين الدين عمر بن سهلان الساوي. وبلغ من إعجاب الشيخ محمد عبده بهذا الكتاب أنه توفَّر على تحقيقه ونشره وتدريسه.
ومن جهة أخرى هناك أبواب تعمَّق الفلاسفة بحثها، وخاضوا في مشكلاتها، ولعل «منطق الشفاء» لابن سينا من أحسن النماذج على هذه المناقشات المنطقية العميقة.
ومن جهة ثالثة فإن اشتغال فلاسفة العرب بالعلوم واتباعهم مناهج تجريبية تُلائم البحث في الطبيعيات، عكَس هذا الاتجاه التجريبي على المنطق، فتوسَّعوا في باب الاستقراء.
ولمَّا كان المنطق كما ذكرنا أداة الفلسفة، وكان سلاحها الذي تذود به عن حوضها، كما تُهاجم به خصومها، وكان هذا السلاح قد يُوجَّه بصفة خاصة ضد الدين، فقد اعتبر فقهاء المسلمين أن المنطق سبب الخلل الواقع في الفلسفة، وأنه هو علة انحراف الإنسان عن جادة الصواب والطريق المستقيم، يعنون بذلك الطريق طريق الدين. ومن هنا صدرت الفتاوى بتحريم الاشتغال بالمنطق، وقيل: من تمنطق فقد تزندق.
لهذا السبب وُجد في تاريخ الفكر الإسلامي تياران متعارضان، أحدهما يأخذ بالمنطق الأرسطوطاليسي، وعن هذا التيَّار صدرت الفلسفة والعلوم المختلفة من رياضية وطبيعية. والآخر تيَّار يُنكِر هذا المنطق ويرجع فقط إلى الطريقة القرآنية وإلى سنة الرسول، وهذه هي طريقة السلف، منذ الإمام أحمد ابن حنبل، إلى شيخ الإسلام ابن تيميَّة وتلميذه ابن قيِّم الجوزية. وقد كتب ابن تيميَّة في الرد على منطق اليونان كتبًا تحمل هذا العنوان. وسلك تلميذه — ومن سار على نهجه فيما بعد — هذا المسلك.
أمَّا علم الكلام فإنه اصطنع منذ القرن السادس الهجري المنطق وأدخله مقدمةً يُمهِّد بها لبحث العقائد الإسلامية، كما نرى في كتاب «المواقف» للإيجي.
وبعد، ما المنطق؟ أهو قواعد علمية إذا اتبعها المرء بلغ الصواب وتجنَّب الخطأ، أم هو قوانين للعقل البشري؟ بعبارة أخرى هل المنطق علم أم فن؟
جواب فلاسفة المسلمين، بسبب توجيه الفارابي وابن سينا من بعده، هو أنَّ المنطق فنٌّ وليس علمًا، فالفارابي يقول في «إحصاء العلوم»: «إن صناعة المنطق تُعطي جملة القوانين التي شأنها أن تُقوِّم العقل وتسدَّد الإنسان نحو طريق الصواب … إلخ.» ويقول ابن سينا في «الإشارات»: «إن المراد من المنطق أن تكون عند الإنسان آلة قانونية تعصمه مراعاتها من أن يضل في فكره.» فالمنطق ليس علمًا كما ذهب إلى ذلك الرواقيون، ولكنه آلة، أو «أورجانون» كما ذهب إلى ذلك شُرَّاح أرسطو، فهو الأداة التي تُمتحن بها العلوم النظرية والعملية على سواء.
وهناك صلة وثيقة بين المنطق واللغة؛ لأنَّ الألفاظ التي نستخدمها هي وعاء الفكر، ولا بد أن تكون الألفاظ محدَّدةً واضحةً حتى لا يقع لبس في التفكير ممَّا يُفضي إلى المغالطة. وليست الألفاظ مقصودةً لذاتها، وقد بحث ابن سينا في هذه الصلة وقرَّر أنه: «لو أمكن أن يتعلَّم المنطق بفكرة ساذجة إنما تلحظ فيها المعاني وحدها، لكان ذلك كافيًا. ولو أمكن أن يطَّلع المحاور فيه على ما في نفسه بحيلة أخرى، لكان يُغني عن اللفظ البتة.» وهكذا فطن الشيخ الرئيس إلى إمكان وجود منطق رمزي لا يلتفت فيه إلى اللفظ.
والمنطق أساسًا علم ذهني، وقضاياه إنما يلتفت فيها إلى وجودها الذهني لا إلى وجودها خارج الذهن، أي أن نتصوَّرها، أو كما يقول ابن سينا في المدخل ص١٥: «وإذا أردنا أن نتفكَّر في الأشياء ونعلمها، فنحتاج ضرورةً إلى أن نُدْخلها في التصوُّر … والأمور إنما تكون مجهولةً بالقياس إلى الذهن لا محالة، وكذلك إنما تكون معلومةً بالقياس إليه.» ولكن ابن سينا في كتبه المتأخِّرة اعترف بنوع آخر من القضايا هي القضايا الوجودية التي لا تستمد العلاقة بين موضوعها ومحمولها من الذهن نفسه، بل من النظر إلى الشيء الخارجي ومراعاة أحواله المتغيِّرة.
والمنطق ترتيب قضايا معلومة لنستخرج منها نتيجةً مجهولة، وهذا الترتيب قد يكون قياسًا وقد يكون برهانًا. وقد عُنِيَ العرب عنايةً كبيرةً بالقياس، وانتهى بهم الأمر إلى ردِّ كل تفكير إلى أشكال قياسية؛ حتى تكون النتائج مستمدةً بالضرورة من مقدِّماتها. وكان فلاسفتهم في ابتداء أمرهم يُوجِّهون نظرهم إلى اكتساب المقدِّمات التي تصلح للبرهان. وقد رأينا كيف انتقص المؤرِّخون من منزلة الكندي؛ لأنه لم يُحسن صناعة البرهان. ومع ذلك فإنَّ ابن سينا وهو يضع نظرية البرهان، فإنه يرجع به إلى القياس، ويقول إنه قياس يقيني مُؤلَّف من يقينيات لإنتاج يقيني. فالقياس الذي يوقع اليقين هو البرهان. ومقدِّمات القياس أصناف كثيرة منها؛ المحسوسات والمجرَّبات والمخيَّلات والمتواترات والوهميات والمشهورات والمقبولات والمظنونات والمسلَّمات والأوليات. ولكن مبادئ البرهان لا بد أن يتوفَّر فيها شرطان هما؛ أن تكون كليةً وضرورية، أي صادقة في كل زمان ومكان، وهذه لا تتوفَّر إلَّا في الأوليات والمحسوسات والمجرَّبات والمتواترات.
والبرهان سبيل إلى الاستدلال في العلوم، وبه تُمحَّص قضايا العلم، ويُكشف الستار عمَّا فيها من خطأ. والتجرِبة لا يمكن في نظر مناطقة العرب أن تسمو إلى منزلة البرهان اليقيني؛ لأنها إنما تُنصب على بعض الجزئيات وكثيرًا ما يكتنفها الخطأ. وكذلك لا يسمو الاستقراء إلى مستوى اليقين، وكل ما يبلغه ظن قوي غالب، إلَّا إذا كان استقراءً كاملًا، فيكون حينئذٍ شبيهًا بالقياس.
ولا نزاع أن العلوم الرياضية أوثق من العلوم الطبيعية؛ لأن المقدِّمات الرياضية في علوم الحساب والهندسة والهيئة وغيرها تعتمد على مبادئ أولية بديهية مثل؛ بديهية المساواة، وبديهية الكل أكبر من الجزء. وقد أعلى الغزالي في «المنقذ» من شأن الرياضيات فقال إنها علوم برهانية لا سبيل إلى مجاهدتها بعد فهمها، ولكن لا خلاف على أنَّ من ينظر فيها يتعجَّب من دقائقها ومن ظهور براهينها، فيحسن بسبب ذلك اعتقاده في الفلاسفة.
ونحن نعلم أنَّ المنطق ذو صلة وثيقة بالرياضيات، أوضحها «برتراند رسل» حديثًا في منطقه الذي وَحَّدَ بينه وبين الرياضة.
ولكن فلاسفة العرب الذين اعتمدوا على البحث في الطبيعة وفي علوم الحياة والطب، وجدوا أنه لا يمكن الاعتماد على القياس وحده، بل لا بد من إجراء الملاحظات والتجارب؛ أي اتباع منهج الاستقراء؛ فهو المنهج النافع في مثل هذه العلوم. ولم يكن ممكنًا أن تتقدَّم هذه العلوم ذلك التقدُّم العظيم على أيدي علماء العرب لولا اعتمادهم على الاستقراء، ووضعهم الشروط الكفيلة بصحة الملاحظات واستخراج القوانين الكلية منها. وهذا ما فعله الرازي الطبيب، وجابر بن حيان في الكيمياء، وابن سينا في الطب. فقد كانت للشيخ الرئيس تجارب تتبعها زمنًا طويلًا واستخرج منها قواعد كلية، ممَّا جعل المؤرخين له يقولون إنه عدَّل في آخر حياته في منطقه، فأخذ بمنطق جديد يُفسح المجال لمشاهدة الحس المشروطة بالشروط العملية بدلًا من القياس النظري البحت.
وقد وضع ابن سينا بالفعل في أول كتاب «القانون» قواعد سبعًا للتجريب، سبق بها «جون ستيوارت مِلْ» بقرون، فقال: إن الأدوية تُعرف قواها بطريقتين؛ طريق القياس، وطريق التجربة. وإنَّ هذا الطريق الأخير لا بد فيه من مراعاة عدة شرائط أولها؛ أن يكون الدواء خاليًا عن كيفية مكتسبة وحرارة عارضة أو برودة عارضة. والثاني أن يكون المجرب عليه علة مفردة، «فإنها إن كانت علةً مركبة، وفيها أمران علاجيان متضادان، فجرَّب عليهما الدواء فنفع، لم ندرِ السر في ذلك بالحقيقة.» والثالث تجرِبة الدواء على المتضادة. والرابع أن تكون القوة في الدواء مقابلًا بها ما يُساويها من قوة لعلة، والخامس أن يُراعى الزمان الذي يظهر فيه أثره أو فعله. والسادس أن يُراعى استمرار فعله على الدوام أو على الأكثر. والسابع أن تكون التجرِبة على بدن الإنسان.
هذا المنهج العلمي الذي كان علة ازدهار العلوم عند العرب، هو الذي سعى فلاسفة أوروبا ابتداءً من القرن الثاني عشر إلى طلبه، ذلك أنَّ أوروبا باللاتينية سعت إلى نقل العلوم عن العرب وجاء نقلها للفلسفة عَرَضًا. وهذا كما نذكر ما فعله العرب في ابتداء عصر الترجمة حين نقلوا العلوم أولًا وبالذات، ثم استتبع ذلك نقل الفلسفة.
ولو شئنا ترجمة هذا الكلام إلى لغة عصرية قلنا إنه «العرف»، والعرف مصدر من مصادر الأخلاق يُشبه اليقين، ولكنه ليس يقينًا.
وقد ذهب الفلاسفة إلى أن المنطق أداة نابعة في البرهنة على وجود الله، وهي أداة عقلية، غير أن الغزالي أنكر ذلك عليهم، وزعم أن معرفة الله تخرج عن دائرة العقل، ولا بد من معرفته بوسيلة أسمى هي الإلهام، وهو طريق الصوفية.
الله
لم يكن للفلاسفة العرب بُدٌّ حين بحثوا في الله وصفاته من أن يضعوا موضع الاعتبار ما جاء به الإسلام من وحدانية مطلقة؛ فالله في القرآن كما جاء في الصمدانية: قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ * اللهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (الإخلاص). ومع أن هناك صفات تُؤذن بالتشبيه مثل آيات الاستواء واليد، إلَّا أن الله «ليس كمثله شيء، وهو المتعالي، أي أنه أسمى وأعلى من سائر الموجودات».
وقد ورث الفلاسفة عن اليونانيين نظريتين فيما يختص بالله؛ الأولى نظرية أرسطو، من أن الله هو «المحرِّك الذي لا يتحرَّك»؛ أي أنه السبب الأول في حركة العالم. وتتصل بهذه النظرية أنه «موجود»؛ لأن ميتافيزيقا أرسطو هي الوجود، وهي بحسب تعريفه أنها البحث في الموجود من حيث هو موجود، وأشرف الموجودات، الموجودات المطلق وهو الله. فالله موجود عند أرسطو، ولكن هذه الصفة، أو هذا الاصطلاح، ليس اسمًا من أسماء الله الحسنى الواردة في القرآن. ونحن نعلم أن كثيرًا من مفكري الإسلام رفضوا العدول عن النص القرآني، فلم يُطلقوا على الله سوى الأسماء التي جاءت في الكتاب، ورفضوا أن يُطلقوا عليه ما نُطلق على الأشياء المحسوسة حين نُقسِّمها قسمين؛ الذات والصفات.
النظرية الثانية هي نظرية أفلوطين والأفلاطونية الحديثة، التي جعلت الله هو «الواحد»، ومن «الواحد» فاض العقل الأول، ثم النفس الكلية، ثم الهيولى. و«الواحد» و«الأول» اسمان من أسماء الله الحسنى. ولكن ميتافيزيقا «الواحد» تختلف في أساسها — كما ذكرنا من قبل — عن ميتافيزيقا الوجود التي نادى بها أرسطو.
وقد اضطرب الكندي بين هذَين النوعَين من الفلسفة، ولم يستطِع التوفيق بينهما، وكان أكثر ميلًا إلى النظرية الإسلامية، نظرية أرسطو أن العالم قديم، ممَّا يترتب عليه نفي الخلق، والله حرَّك العالم الحركة الأولى فقط، فهو المحرِّك الذي لا يتحرَّك.
ونظرية أفلوطين تقول بالفيض؛ أي أن العالم صدر عن الله بالضرورة كما يصدر الضوء عن الشمس أو الماء عن الينبوع، فليس لله إذن فضل في الخلق.
ونظرية الإسلام تفصل بين الله والعالم، وتُنادي أساسًا بالخلق من عدم، أي أن العالم لم يكن، ثم كان بأمر الله، طبقًا لقوله تعالى: إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (يس: ٨٢)، ولذلك فإن جميع علماء الكلام يقولون: الله خالق.
وكان للكندي موقف من هذه المسألة يختلف عن الفارابي، ويختلف موقف الفارابي عن موقف ابن سينا، كما يختلف موقف ابن رشد عن موقف سابقيه.
أمَّا صلة الله بالعالم فهي صلة الإبداع وهي صفة تماثل الخلق، إلَّا أن معنى الإبداع يدل على أكثر من الخلق، فالإبداع أوقع في معنى الخلق من عدم، كما أنه يدل على التدبير والنظام. وفي ذلك يختم الكندي كتابه بقوله: «ﻓ «الواحد» الحق إذن هو الأول المبدع الممسك كل ما أبدع، فلا يخلو شيء من إمساكه وقوته إلَّا عاد ودثر.»
وهكذا نرى أن الكندي يعتمد على النظرية الإسلامية في القول بالوحدانية والخلق من عدم؛ أي الإبداع، ثم وصف الله بالصفات التي نقلها عن الفلاسفة من أنه ليس بجنس ولا نوع ولا حامل ومحمول، إلى غير ذلك وهي صفات سلبية.
فإذا انتقلنا إلى الفارابي رأينا أنه أول من وفَّق بين أرسطو وبين الأفلاطونية المحدثة، بين فلسفة الوجود وفلسفة «الواحد»، فكان الله عنده هو «الموجود الأول». وهو يعني بالأول المبدأ الأول لجميع الموجودات، والسبب الأول لوجودها. وهو يفتتح كتابه «آراء أهل المدينة الفاضلة» بقوله: «الموجود الأول هو السبب الأول لوجود سائر الموجودات كلها.» ويقول في كتاب «تحصيل السعادة»: «إننا ينبغي في علم ما بعد الطبيعة أن نسلك سبيل النظر في الموجودات لنبحث عن علتها، كيف وجودها؟ ولماذا وجودها؟ ومن أي فاعل وجودها؟ وهكذا حتى ينتهي الفاحص إلى موجود لا يمكن أن يكون له مبدأ أصل … بل يكون هو المبدأ الأول لجميع الموجودات.»
ثم يمضي الفارابي فيصف الله بأنه بريء من جميع أنحاء النقص. وأنه دائم الوجود بجوهره وذاته، وهو الموجود الذي لا يمكن أن يكون له سبب به أو عنه أو له كان وجوده، وهو مباين بجوهره لكل ما سواه، لا شريك له، ولا ضدَّ له.
ونود أن نُلاحظ أن إطلاق الفارابي صفة «الجوهر» على الله، لم يرضَ عنها ابن سينا فيما بعد، ولم يأخذ بها الكندي من قبل.
أمَّا ابن سينا فقد سلك مسلكًا آخر، ولو أنه يعتمد إلى حدٍّ كبير على أرسطو والفارابي، إلَّا أنه ينفرد بعدة أمور؛ فالشيخ فيلسوف «وجود»، فهو يتابع أرسطو في تعريفه الميتافيزيقا أنها العلم بالموجود من حيث هو موجود. والموجود الأول الواجب الوجود هو الله، وقد يكتفي ابن سينا بقوله عن الله إنه «الواجب»، على حين أن الفارابي يُؤثر أن يصفه بقوله: «الأول». فالفرق بينهما يقع في أن المعلِّم الثاني ينظر إلى الله من جهة أنه المبدأ الأول، وفي أن الشيخ الرئيس ينظر إليه من جهة أنه واجب الوجود.
فالله موجود، ولكن كيف لنا أن نُعَرِّف أو نَعْرِف «الموجود»؟
لا يُقدِّم ابن سينا أي تعريف، بل يذكر أن معنى «الموجود» من المعاني البديهية، وفي ذلك يقول في «إلهيات الشفاء»: «إن الموجود، والشيء، والضروري، معانيها ترتسم في النفس ارتسامًا أوليًّا، ليس ذلك الارتسام ممَّا يحتاج إلى أن يُجلب بأشياء أعرف منها.»
وهذه واقعية ساذجة؛ لأن إثبات وجود «الموجود» هو مطلب الفلسفة، فالقول بأنه بديهي التصوُّر، ولا يحتاج إلى إثبات، إبطال للنظر الفلسفي.
ويعنينا على كل حال الوقوف عند معنى الضروري، أو الواجب.
فقد قسَّم ابن سينا الشيء «الموجود» قسمةً منطقية؛ فهو إمَّا واجب، وإمَّا ممكن، وإمَّا ممتنع. وهذه الثلاثة يعسر تعريفها تعريفًا محققًا؛ لأن من أراد تعريف الواجب أخذ في حدِّه الممكن أو المحال، فقال: الواجب إنه غير الضروري أو إنه المعدوم، أو إنه الذي لا يمكن أن يُفرَض معدومًا، أو إنه الذي إذا فُرض بخلاف ما هو عليه كان محالًا. ومن أراد تعريف الممكن أخذ في حدِّه الضروري أو المحال؛ وبهذا ينتهي إلى أن معنى الواجب من المعاني الأولية البديهية.
وتعريف واجب الوجود هو عند ابن سينا ««الموجود» الذي متى فُرضَ غير موجود عرض منه محال.» أمَّا الممكن الوجود فهو الذي متى فُرض غير موجود أو موجودًا لم يعرض عنه محال.
وواجب الوجود قد يكون واجبًا بذاته، وقد يكون واجبًا بغيره؛ فالواجب بذاته هو الذي يلزم عنه محال إذا فُرض عدمه، والواجب بغيره هو الذي يكون واجبًا إذا توافرت فيه شروط معيَّنة، مثل الاحتراق عند ملاقاة الخشب للنار، فإنه واجب بغيره، وذلك عند وجود القوة الفاعلة بالطبع وهي النار. وهكذا تقع القسمة في ثلاثة؛ واجب الوجود بذاته، وواجب الوجود بغيره، وممكن الوجود.
والممكنات هي الموجودات في العالم الحسي التي تحتاج إلى علة مادية وصورية وفاعلة وغائية في وجودها، فكل ممكن الوجود يحتاج إلى علة أخرى في وجوده.
ولكننا لا نستطيع أن نتسلسل في العلل إلى ما لا نهاية له، ولا بد أن نقف عند علة أولى ليس لها علة، وهي «الموجود» الواجب الوجود بذاته.
وهذا البرهان في تسلسل العلل أرسطوطاليسي؛ فالعلل متناهية تنتهي عند علة أولى هي علة العلل، وليست معلولةً لشيء آخر. إنها العلة المطلقة، والعلة التامة، توجد جميع الموجودات من أجلها، ولا توجد هي من أجل شيء. ومن أسماء العلة الأولى أنها المبدأ الأول، كما فعل الفارابي من قبل، وليس في هذه الحجة جديد لأنها مأخوذة عن أرسطو.
يُثبت ابن سينا لواجب الوجود صفات إيجابيةً على رأسها أنه واحد، ثم يمضي يصفه بصفات سلبية، أنه لا ماهية له، ولا جنس، ولا فصل، ولا كيفية، ولا كمية، ولا أين، ولا متى، ولا ندَّ له، ولا شريك له، ولا ضدَّ له …
وواجب الوجود تام الوجود، بل «فوق التمام». وهو خير محض؛ لأن الوجود خيرية. وهو حق أيضًا لما يكون الاعتقاد بوجوده صادقًا، فلا أحق بهذه الطريقة ممَّا يكون الاعتقاد بوجوده صادقًا.
وللشيخ في «الإشارات» طريق حدسي يتلاءم مع فلسفته الإشراقية، ويختلف عن الطريق البرهاني المذكور في «الإلهيات» والنجاة. وهذا الطريق هو تأمُّل الوجود نفسه دون اعتبار من النظر في أحوال المخلوقات، وفي ذلك يقول: «تأمَّل كيف لم يحتج بياننا لثبوت الأول ووحدانيته إلى تأمُّل لغير نفس الوجود، ولم يحتَج إلى اعتبار من خلقه، وإن كان ذلك دليلًا عليه. ولكن هذا الباب أوثق وأشرف؛ أي إذا اعتبرنا حال الوجود، فشهد به الوجود من حيث هو وجود، وهو يشهد بعد ذلك على سائر ما بعده في الوجود.»
•••
ومن الطبيعي أن ينهج ابن رشد نهجًا آخر في إثبات وجود الله؛ لأنه أكثر وفاءً وإخلاصًا للمشَّائية. ولا غرو فهو من أشهر شراحه، ومع ذلك فإنه يُبدي وجهة نظره الخاصة التي تختلف عن غيره من الشرَّاح السابقين؛ من أمثال الإسكندر وثامسطيوس، وهذا طريق الفلسفة.
وله مسلك آخر يتبع فيه طريق الدين.
وخلاصة ما ينتهي إليه ابن رشد من الطريق الفلسفي أن الله هو المحرِّك الذي لا يتحرَّك، وأنه المحرِّك الأقصى الذي لا محرِّك بعده. وخلاصة رأيه طبقًا للطريق الشرعي أن الله خالق؛ ذلك أنه في الطريق الأول ينظر إلى العالم وما فيه من موجودات محسوسة، وهي «الجواهر» المحسوسة، وينظر في مبادئها، على حين أنه في الطريق الثاني ينظر إلى الكائنات، فيرى أنها مخلوقة، وأنها موافقة للإنسان، وهما الدليلان اللذان سَمَّاهما بدليل الاختراع ودليل العناية.
وفي كتابه «تلخيص ما بعد الطبيعة»، يبحث في «الموجود» والجوهر والواحد. وعلى خلاف الشيخ الرئيس لا يعتبر «الموجود» من المعاني البديهية، ولكنه يقال على ثلاثة أنحاء؛ (١) على كل واحد من المقولات العشر. (٢) على الصادق، وهو الذي في الذهن على ما هو عليه خارج الذهن. (٣) وعلى ماهية كل ما له ماهية وذات خارج النفس، سواء تصوَّرت تلك الذات أو لم تتصوَّر. وأشهر المعاني هما الأخيران؛ أي أن «الموجود» إما أن يُطلق على الذات، وإمَّا على الصادق.
فالله موجود، بمعنى أنه ذات خارج أنفسنا، وبمعنى أن له حقيقة، وتصوُّرنا له في أذهاننا مطابق لهذه الحقيقة.
ونرجع إلى «الموجود» المحسوس؛ فهو أشهر ما يقال عليه «الموجود». وله أربع علل في وجوده؛ مادية وصورية وفاعلة وغائية. هذا «الموجود» المحسوس مثل الشجرة، وهذا الكتاب، وغير ذلك. يُسمَّى باصطلاح أرسطو «جوهر أول». ثم من «الموجود» المحسوس الجزئي يتصوَّر الذهن معنًى كليًّا، مثل قولنا الشجرة والكتاب. والكليات هي «الجوهر الثاني».
و«الموجود» المحسوس مكتفٍ في وجوده بذاته، وليس له علة خارجة عنه. يقول ابن رشد ملخِّصًا مناقشةً طويلةً في هذا الموضوع: «بل الصورة الجزئية والمادة الجزئية هما السببان فقط في وجود الجوهر المشار إليه، وأن الشخص إنما فاعله شخص آخر مثله بالنوع أو شبيهه.»
هذه هي جملة آراء الفلاسفة في إثبات وجود الله، والصفات التي تليق به، ولكنَّ المتأخرين حتى من علماء الكلام اعتمدوا على نظرية ابن سينا في أن الله واجب الوجود، كما يتضح ذلك من «رسالة التوحيد» للشيخ محمد عبده.
العالم
هل العالم قديم أم محدث؟ وكيف خُلِقَ هذا العالم؟ وممَّ يتكوَّن؟ هذه هي المسائل الرئيسة التي بحثها علماء الكلام.
وقد ورث الفلاسفة عن اليونانيين القول بقدم العالم، وهو قول صريح عند أرسطو، وأقل صراحةً عند أفلاطون وأفلوطين؛ ذلك أن العالم عند أفلاطون قديم أيضًا، إلَّا أن الله نظَّمه، ولو أنه في مواضع أخرى في محاوراته يقول ﺑ «الصانع» الذي تأمَّل المثُل الأزلية فصنع العالم على مثال هذه المثُل. أمَّا أفلوطين فلا خلق عنده؛ لأن نظريته هي الفيض أو الصدور، والتي تنتهي بنوع من وحدة الوجود.
وهذه النظريات كلها تُعارض الإسلام الذي يُقرِّر صراحةً أن الله مباين للعالم متعالٍ عنه، وأنه تعالى خلقه بعد أن لم يكن، وأنه سبحانه قادر أن يُبدِّل الخلق غير الخلق، وأن يُعيده مرةً ثانية.
وقد وقف فلاسفة المسلمين من هذه النظريات مواقف مختلفة؛ بعضهم يُتابع النظرية الإسلامية فيقول بالخلق، وأن العالم ليس قديمًا ولا أزليًّا. وبعضهم الآخر أخذ بقدم العالم ولكنه حاول أن يُفسِّر القِدم تفسيرًا لا يتنافى مع قدرة الله في الخلق، وفريق ثالث ذهب إلى تسلسل الكائنات عن الله بطريق الفيض.
ويبدو أن الكندي وحده كان الفيلسوف الذي عارض القول بقدم العالم، وذلك على أساس النظر الرياضي في الكون وإثبات أنه متناهٍ، فإذا كان متناهيًا فهو غير أزلي، وله رسائل كثيرة في تناهي الجرم خلاف رسالته إلى المعتصم بالله. فالجرم نهائي، وكذلك جرم الكل؛ أي العالم كله؛ لأن الجرم ذو جنس وأنواع، فلا يمكن إذن أن يكون أزليًّا. أمَّا الأزلي فلا جنس له، فالجرم ليس هو الأزلي.
والأزلي هو اصطلاح الفلاسفة الذي يُقابل القديم عند المتكلِّمين. والمقصود بالأزلي أن الموجود لا أول له، وقد يُطلق الأزلي على ما لا أول له ولا آخر؛ ولهذا السبب أخذ يُبرهن على أن كل شيء في هذا العالم، سواء الجرم أو المكان أو الزمان أو الحركة، فله نهاية، وإذا كان متناهيًا فله أول؛ أي له بداية ونهاية.
من أجل ذلك شرع يقيم الأدلة على نفي اللانهائية، وهي أدلة في جملتها رياضية؛ منها أن تفترض اللامتناهي موجودًا، ولْنأخذ جزءًا فيُصبح الباقي إمَّا متناهي العظم، وإمَّا لا متناهي العظم، ثم نطرح هذا الجزء المتناهي الذي أخذناه من اللامتناهي، فإن كان الباقي متناهيًا؛ كان الحاصل متناهيًا، وإن كان الباقي لا متناهيًا، وزدنا عليه ما أخذناه؛ كان المجموع أعظم، وهذا خُلْف.
ويترتَّب على ذلك أن الأزلي وحده هو الله، وأن العالم غير أزلي.
أمَّا الخلق فيصفه الكندي بأنه إبداع؛ فالله هو المبدع القوي الممسك لكل ما أبدع. غير أن هذه العملية لم يُوضِّحها لنا الكندي، وأكبر الظن أن أحدًا من الفلاسفة سواء من القدماء أم من المحدثين لم يستطِع أن يُوضِّحها توضيحًا كافيًا؛ لأنها عملية تسمو على المستوى الطبيعي، وترتفع إلى مجاهل الميتافيزيقا.
والعقل الفعَّال، أو العقل العاشر، وهو آخر العقول التي فاضت عن الأول بذلك التسلسل الذي ذكرناه، هو المدبِّر للعالم الأرضي، والذي به يتصل الإنسان، وبهذا الاتصال يُفسِّر الفارابي أمورًا كثيرةً من صميم نظرية المعرفة ومن الدين، كنظرية الوحي.
ولكن القول بالفيض يُؤدِّي حتمًا إلى ضرب من وحدة الوجود، ويتنافى مع القول بالخلق من عدم، ويُخضع الله للضرورة، فلا يكون إيجاد العالم عن إرادة ومشيئة، بل عن فيض ضروري؛ ولهذا السبب أنكره المسلمون.
ينقسم العالم قسمين كما هو الحال عند أرسطو؛ عالم السماء، وعالم الأرض. أي أن العالم كله كرة ضخمة مركزها الأرض وما يُحيط بها إلى فلك القمر، وإلى هنا ينتهي العالم الأرضي. أمَّا ما فوق فلك القمر إلى كرة السماء الأولى فهو عالم السماء. وهكذا فهم القدماء علم الفلك.
ونرجع إلى عملية الخلق، فنقول: إنَّ الأول فاض عنه الثاني وهو عقل، إنه العقل الأول، ولكن الثاني يقوم بعمليتَين هما أنه يعقل ذاته فيلزم عنه وجود الثالث؛ أي العقل. ومن حيث إنه متجوهر بذاته التي تخصه، يلزم عنه وجود السماء الأولى.
والثالث يفيض عنه شيئان؛ العقل الرابع حين يعقل ذاته، وكرة الكواكب الثابتة؛ لأنه متجوهر بذاته، ثم يتسلسل الفيض الثنائي على هذه الشاكلة؛ فيوجد زحل، ثم المشتري، ثم المريخ، ثم الشمس، ثم الزهرة، ثم عطارد، ثم القمر. وها هنا ينتهي وجود الأجسام السماوية.
وتتسلسل الكائنات من حيث الأفضل فالأفضل مرتَّب تنازليًّا؛ فالأول أفضلها وأشرفها لا يعدله شيء في فضله وكماله وشرفه، ثم الثاني، وهكذا. وكذلك السماء الأولى أفضل من كرة الكواكب الثابتة، وهذه أفضل من كرة زحل، إلى أن ننتهي إلى آخر الأجسام السماوية وهو القمر.
أمَّا العالم الأرضي فإنه يتكوَّن بعد حدوث الأسطقسات (أي العناصر الأربعة)، من اختلافها وامتزاجها، فتحدث أصناف الأجسام الكثيرة المتضادة. وهذه هي الفلسفة الطبيعية التي سادت منذ اليونان حتى العرب.
ولا يختلف ابن سينا عن الفارابي في القول بالصدور وكيفيته وحدوث العالم، إلَّا في بعض التفاصيل؛ فقد رأينا أن الفارابي يذهب إلى نوعين من التعقُّل عنهما يصدر عقل آخر وكرة فلك، مثال ذلك أن الثالث يعقل ذاته فيصدر عنه العقل الرابع، ويصدر عن تجوهره بذاته كرة الكواكب الثابتة. أمَّا ابن سينا فعملية الفيض عنده التي يُعلِّل بها «الكثرة» ثلاثية لا ثنائية.
بعبارة أخرى يصدر عن كل عقل ثلاثة أشياء؛ عقل ونفس وجسم.
ويُوفِّق ابن سينا بين المصطلحات الفلسفية والمصطلحات الدينية الإسلامية، يقول في «رسالة معرفة النفس الناطقة»: «هذا العقل له ثلاثة تعقُّلات؛ أحدها أنه يعقل خالقه تعالى، والثاني أنه يعقل ذاته واجبةُ بالأول تعالى، والثالث أنه يعقل كونه ممكنًا لذاته. فحصل من تعقُّله خالقَه عقل هو أيضًا جوهر عقل آخر، كحصول السراج من سراج آخر. وحصل من تعقُّله ذاته واجبةً بالأول، نفس هي أيضًا جوهر روحاني كالعقل، إلَّا أنه في الترتيب دونه. وحصل من تعقُّله ممكنةً لذاته، جوهر جسماني هو الفلك الأقصى.
والفلك الأقصى هو الفلك الأطلس، وهو في المصطلح الديني العرش.
وقد رأينا أن الترتيب ينزل من واجب الوجود متسلسلًا إلى العقل العاشر وفلك القمر، ثم يحصل العالم العنصري، وهو عالم الكون والفساد بما فيه من عناصر أربعة؛ النار والهواء والماء والأرض، والتي منها تتكوَّن المعادن، ثم ترتقي إلى النبات، ثم ترتقي إلى الحيوان، ثم الإنسان وهو أكمل الحيوانات وأشرفها.
•••
ونظرية ابن رشد في العالم أقرب إلى النظرية الأرسطية؛ فالعالم كله، والأجسام الطبيعية الجزئية، تتركَّب من مادة ومن صورة؛ أي من مبدأين متعارضَين. ولا يمكن أن توجد الهيولى عن الصورة؛ إذ لا يمكن تفسير وجود «الموجود»، وبخاصة المحسوس إلَّا بمبدأين هما؛ المبدأ المادي، والمبدأ الصوري. فإن وُجد موجود هو صورة محضة وفعل خالص، فلا بأس من تفسيره بعلة واحدة، هي العلة الصورية، وذلك هو الله. أمَّا العالم فلا بد من تفسيره بعلتَين على الأقل.
وقد رأينا أن الفارابي ثم ابن سينا يُفسِّران وجود سائر الموجودات عن «الأول» بطريق الفيض، حتى نبلغ عالم العناصر والمركَّبات؛ أي أن المادة تفيض عن الصورة.
هل يُتابع ابن رشد الشيخ الرئيس والفارابي؟
لقد ظن البعض عند النظر في كلام ابن رشد أنه يتحدَّث عن صدور العقول عن المبدأ الأول حتى العقل العاشر، أنه يأخذ بنظرية الصدور أو الفيض. وهذا وهم؛ لأن ابن رشد لا يقول بذلك.
ونحن نرى أن آخر هذه الفقرة يتعارض مع أولها؛ «فالمادة الأولى» سُمِّيَتْ كذلك لأنها أُولى وليس لها مبدأ أول آخر. هي قوة محضة بحسب تعبير أرسطو، فهي غير مصورة. إنها إمكان محض؛ لذلك كيف يزعم ابن رشد بعد ما قرَّره أن «السبب في وجود مواد الأجرام السماوية صورها فقط.»
- (١)
فالموجودات المحسوسة الجزئية مثل النبات والحيوانات والمعادن وسائر الأجسام الشبيهة بذلك «محدثة»؛ لأنها وُجدت عن شيء غيرها، ومن مادة، والزمان متقدِّم على وجودها. والقدماء من الحكماء وكذلك الأشاعرة متفقون على ذلك.
- (٢) طرف مقابل لهذه الموجودات، وهو «موجود لم يكن من شيء، ولا عن شيء، ولا تقدَّمه زمان. وهذا أيضًا اتفق الجميع من الفرقتَين على تسميته قديمًا. وهذا القديم مدرك بالبرهان وهو الله تبارك وتعالى الذي هو فاعل الكل، وموجده، والحافظ له.»١٦
- (٣)
ثم صنف بين هذَين الطرفَين؛ فهو «موجود لم يكن من شيء، ولا تقدَّمه زمان، ولكنه موجود عن شيء؛ أعني عن فاعل. وهذا هو العالم بأسره.» وهذا «الموجود» أي العالم كله، يعتبره أرسطو غير محدث حقيقي، وغير قديم حقيقي. فالعالم قديم بمعنى أنه موجود لم يكن من شيء، ولا تقدَّمه زمان. أمَّا الصفة الثالثة التي يخلعها ابن رشد على العالم من أنه موجود عن شيء؛ أي عن فاعل، فهذا ما سبق أن فصَّلناه عند الكلام عن الله وأنه محرِّك العالم، ولكنه محرِّك لا يتحرَّك، وقد حرَّك العالم على سبيل الشوق لا على سبيل الفعل الحقيقي؛ أي أن العالم هو الذي اشتاق إلى الله فتحرَّك.
هذا هو رأي ابن رشد الفيلسوف، أمَّا ابن رشد الفقيه، فإنه يُقرِّر الخلق ويقطع به طبقًا للنصوص الواردة في القرآن، والتي تدل على أن العالم محدث بالحقيقة، وذلك من مثل قوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ (هود: ٧). ويُفسر ابن رشد هذه الآية بقوله: إن هذا يقتضي وجودًا قبل هذا الوجود وهو العرش والماء، وزمانًا قبل هذا الزمان.
•••
نقول: هذه من جملة آراء الفلاسفة حتى ابن رشد عن العالم، بنَوها على العالم الطبيعي الذي كان متداولًا في زمانهم، ولكن هذا العلم ابتداءً من القرن السادس عشر أخذ يتغيَّر تغيُّرًا أساسيًّا؛ فعلم الفلك على يد كوبرنيق وجاليليو أصبح شيئًا آخر خلاف علم الفلك القديم، ولا تزال المباحث الفلكية تتقدَّم في هذا العصر مع اختراع التلسكوب وغيره من الآلات الدقيقة، ومع إطلاق سفن الفضاء. وكذلك علم الطبيعة بعد تفتيت الذرَّة ومعرفة سر تركيبها انقلب انقلابًا عظيمًا. وقُل مثل ذلك عن علم الحياة بفروعه. ولم تعد العناصر أربعةً هي النار والهواء والماء والأرض كما كان يُظَنُّ؛ لهذا السبب فإن الفلسفة التي بُنيت على تلك العلوم، والتي تصوَّرت العالم تصوُّرًا خاصًّا، لم يعد لها مجال في العصر الحاضر، ولا بد من إقامة الفلسفة الإسلامية حديثًا على صرح العلم الحديث، آخذةً في اعتبارها ما حقَّقه العلم بمناهجه الحديثة من تقدُّم هائل.
وينبغي أن نضع في اعتبارها أن كانط الفيلسوف نظر في مسألة قدم العالم ولم يستطِع أن يقضي فيها برأي؛ فالأدلة على القدم تُكافئ الأدلة على الحدوث، وكذلك الأدلة على خلود النفس. ومن أجل ذلك يُخرَج البحث في قدم العالم وفي خلود النفس عن نطاق المعرفة العقلية، إلى ضرب آخر من المعرفة العملية التي ينبغي أن نُسلِّم بها تسليمًا.
الإنسان
الإنسان بدن ونفس، ولا بد له من تحقيق مطالب البدن ومطالب النفس على السواء؛ حتى تتيسَّر له الحياة السليمة في هذه الحياة.
وقد عُنيت الفلسفة اليونانية الموروثة عن أفلاطون وأرسطو بالالتفات إلى النفس أكثر من عنايتها بالبدن؛ لأن حقيقة الإنسان عندهم هي أنه حيوان ناطق مفكِّر عاقل، فالذي يُميِّزه عن الحيوانات والبهائم هو هذا الجزء من النفس، نعني التفكير والعقل.
وقد ورثت الفلسفة عن اليونانيين أمرًا آخر فيما يختص بفلسفة الإنسان، هو قسمة الناس قسمَين؛ الخاصة والجمهور. وهذه القسمة متأصِّلة بالطبع في البشر، ولا سبيل إلى التسوية بين الناس. والخاصة من الناس هم الذين يُزكون عقولهم بالعلوم النظرية لا بالصنائع العملية. على الجملة رفع النظر على العمل حقيقة لا شك فيها سادت الفلسفة اليونانية، وأخذها عنهم فلاسفة العرب.
غير أن الإسلام في جوهره لا يُميِّز بين الناس إلَّا على أساس التقوى والصلاح؛ فالناس سواسية كأسنان المشط، ولا فضل لعربي على أعجمي إلَّا بالتقوى. ومن هنا أفسح الإسلام المجال لكل طالب وباحث ومفكِّر وعامل، سواء أكان من الأشراف أم من العبيد والموالي. وكثيرًا ما نقرأ عن فقهاء نبغوا في الإسلام ولم يُعرف لهم حسب موصول أو جاه ومال، كالغزالي حجة الإسلام مثلًا.
ومن جهة أخرى لم ينظر الإسلام إلى الإنسان باعتبار أنه عقل فقط، أو إلى نفسه فقط مغفلًا جانب البدن. على العكس الإنسان كائن مركب من جسم له مطالبه من شهوات لا بد له من تحقيقها حتى تستقيم الحياة، ومن نفس لا بد له كذلك من تحقيق مطالبها؛ ولذلك لم يُحرِّم الإسلام زينة الحياة، ولا نهى عن الطعام والشراب، ولكنه نصح بالتوسُّط والاعتدال.
فهل اتبع فلاسفة المسلمين عند بحثهم في الإنسان ما جاء في القرآن وما أُثر عن الرسول، أم ما تُرجم إليهم عن اليونان؟
إن ما يستلفت النظر حقًّا في هذه المسألة هو إغفال مفكري الإسلام النظرية القرآنية عن الإنسان ما هو؟ وكيف ينبغي أن يسلك في هذه الحياة؟ لقد سادت فيهم النظريات اليونانية المأخوذة عن أفلاطون وأرسطو، وبخاصة أرسطو في كتبه النفسية والأخلاقية والسياسية.
ما الإنسان؟ إنه حيوان ناطق؛ هذا الجواب أرسطوطاليسي يُقسِّم النفس ثلاثة أقسام بحسب الكائنات الحية؛ النفس النباتية، والنفس الحيوانية، والنفس العاقلة. ومعنى أن الإنسان حيوان عاقل، أنه نوع من جملة الأنواع الأخرى الداخلة في هذا الجنس المسمَّى حيوانًا.
حقًّا كان لأفلاطون نظر آخر في النفس الإنسانية فقسَّمها قسمةً ثلاثيةً على أساس الشهوة والغضب والتعقُّل، والعقل يضبط هوى الشهوات وجموح الغضب، فيكون من ذلك فضيلة الإنسان الرئيسة، غير أن فلاسفة العرب في الأغلب سلكوا مسلك المعلِّم الأول في ترتيب القوى النفسية إلى غاذية وحسَّاسة وعاقلة.
ومهما يكن من شيء فلم يُبدع فلاسفة العرب جديدًا في علم النفس الذي يجب أن يسير على منهج جديد علمي، خلاف المنهج النظري الذي اتبعوه. فلم تكن لهم تجارِب منظَّمة على سلوك الإنسان، بل إنهم على خلاف أرسطو الذي بدأ تجريبيًّا وألحق علم النفس بالعلم الطبيعي، قد سلكوا بهذا العلم مسلكًا فلسفيًّا؛ فنظروا في الغايات التي ينبغي على الإنسان أن يطلبها، وهي تكميل نفسه تحقيقًا للسعادة القصوى.
وكمال الإنسان بأن يحصل العلوم النظرية حتى يُسَمَّى عاقلًا بالفعل، بعد أن كان بالقوة والاستعداد الفطري عاقلًا. وهذا التحصيل يخضع لغايتَين هما الجميل والنافع. ولا شك أن الأجمل والأحسن أفضل من الأنفع من حيث القيمة؛ فالعلوم النظرية، والفلسفة أعلاها؛ لأنها حكمة الحكم وعلم العلوم، تبغي الأجمل. أمَّا الفنون والصناعات العملية، وهي أيضًا ضرورية للإنسان مفيدة للعمران، فإنها ضرورية من جهة نفعها؛ ولذلك رفع فلاسفة العرب، كما فعل فلاسفة اليونانيين من شأن النظر على العمل، وعدُّوا الفيلسوف الذي يُكمل نفسه بالعلوم النظرية أعلى مرتبةً من الشخص الذي يُتقن الصنائع والفنون العملية ويحذقها. ونحن نجد ذلك في اعترافات ابن سينا التي ذكرها في سيرته، حيث قال إن صناعة الطب يسيرة بالإضافة إلى الفلسفة؛ لأن الطب من العلوم العملية التي يسهل تحصيلها.
وذكر الفارابي في «تحصيل السعادة»، وفي «التنبيه على سبيل السعادة» أن التحصيل يكون بطريقَين؛ التعليم والتأديب. فالتعليم يوصلنا إلى كسب العلوم النظرية، أمَّا التأديب فيطبع المتعلِّمين بطريق الاعتياد على العلوم العملية. والفضائل العملية لها سبيلان هما؛ الأقاويل الإقناعية، والإكراه مع المتمرِّدين الذين يرفضون التعلُّم.
وهكذا إذا حقَّق الإنسان ما يطلبه من علوم نظرية وعملية، وآثر الأجمل والأنفع، بلغ الكمال، وحقَّق السعادة القصوى.
فالخير الأفضل والكمال الأقصى إنما يُنال أولًا بالمدينة، وتتحقَّق سعادة الإنسان بحسب المدينة التي يعيش فيها، فمنها المدينة الفاضلة، والجاهلة، والضالة، وغير ذلك. وهذه هي نظرية أفلاطون التي بسطها في الجمهورية، والتي كان الفارابي على اطلاع وثيق بها.
•••
وابن سينا الذي بدأ مشَّائيًّا، واعتبر الإنسان جسمًا طبيعيًّا له صورة تُسمَّى نَفْسًا هي كماله الأول، وهي مجموع وظائفه الحيوية، وليست هذه النفس شيئًا يُفارق البدن، انتهى بنظرية دافع عنها هي أن الإنسان مركب من جوهرَين، هما البدن والنفس، وأن جوهر النفس مغاير لجوهر البدن، مفارق له، وبخاصة بعد الموت.
وللشيخ الرئيس ثلاثة براهين على جوهرية النفس؛ الأول: أنك إذا تأمَّلت في نفسك رأيت أنك اليوم هو الذي كان موجودًا طول عمرك؛ فأنت إذن ثابت مستمر لا شك في ذلك. والثاني: أن الإنسان إذا كان مهتمًّا في أمر من الأمور، فإنه يستحضر ذاته، حتى إنه يقول إني فعلت كذا أو كذا، وفي مثل هذه الحالة يكون غافلًا عن جميع أجزاء بدنه، فذات الإنسان مغايرة للبدن. والثالث: أن الإنسان يقول: أدركت ببصري، وأخذت بيدي، ومشيت برجلي … فنعلم بالضرورة أن في الإنسان شيئًا جامعًا يجمع هذه الإدراكات، ويجمع هذه الأفعال.
هذا وقد ذكر الشيخ في «الشفاء» برهانًا آخر على جوهرية النفس يُعرف ببرهان «الرجل الطائر»، يذهب فيه إلى أننا لو تصوَّرنا إنسانًا طائرًا في الهواء، غير معتمد على الأرض، فإنه لا يُحس إلَّا بنفسه فقط. وعلى أساس هذا البرهان اعتمد ديكارت في إثباته جوهرية النفس من النظر إلى الفكر فقط، في قوله: «أنا أُفكِّر؛ إذن أنا موجود.»
فالإنسان هو هذه «الأنا» التي يشعر بها كلٌّ منا، وتصدر أفعاله عنها.
ومن هذه الزاوية يكون الإنسان حين يشعر بذاته، مدبِّرًا لنفسه، حرًّا في اختيار طريق الخير أو الشر، مسئولًا عن أفعاله، مثابًا أو معاقبًا عليها. وجميع الفلاسفة يعتقدون في حرية الإنسان.
فهذا أبو نصر الفارابي يبحث عن السعادة وكيف يُحصِّلها الإنسان؛ لأنها مطلب كل واحد، والغاية التي يتطلَّع إليها جميع الناس، وليس وراءها غاية. والناس مختلفون في ظنونهم من حيث السعادة؛ بعضهم يعتقد أنها الثروة، وبعضهم الآخر في الغلبة والسلطان، وغير ذلك. ولكن مهما يكن أمر طالب السعادة فلا بد أن تكون أفعاله التي يُؤدِّيها لبلوغها، صادرةً عن إرادة وطواعية وباختياره. والإنسان الحقيق بهذا الاسم عليه «أن يختار الجميل في كل ما يفعله، وفي زمان حياته بأسره». والشقي هو الذي يفعل الأفعال القبيحة طوعًا.
وقد وصف الفارابي هذه الأفعال التي ينبغي على أصحاب السياسات، أي على الحكام أن يُعوِّدوا الشعب عليها؛ فهي الصحة، والاعتدال في الطعام والشراب، وسائر الفضائل كالشجاعة والصدق والاقتصاد والعفة وغير ذلك.
فالإنسان في نظر الفارابي إمَّا حر، وإمَّا بهيمي، وإمَّا عبد، بحسب استعمال عقله وإرادته. ولا يكفي العقل وحده، أو قوة العزيمة وحدها في أن تجعل الإنسان حرًّا، بل لا بد له من الجمع بين العقل والإرادة.
وبذلك ارتفع شأن المسلمين زمان ازدهار حضارتهم، فأقبلوا على العلوم والصناعات، ونظروا فيها بعقولهم، ووضعوا لها القوانين، ثم قاموا على تطبيقها بقوة عزائمهم، مراعين في ذلك الجميل أولًا، ثم النافع ثانيًا.
•••
وجدير بنا أن نتأمَّل هذا الكلام الذي يُعلنه ابن رشد في عصرنا الحاضر، بعد أن طال بنا الركود والجمود والتواكل، على حين أن أوروبا التي ترجمت هذا الكلام أخذت به؛ أي إنها أخذت بالنزعة العقلية التي تُؤمن بارتباط المسببات بأسباب ضرورية ينبغي على الإنسان أن يسعى إلى معرفتها والسير بمقتضاها. فكانت الفلسفة الرشدية سببًا في نهضة أوروبا، وكان تفكير ابن رشد والطعن على فلسفته سببًا في تخلُّف الشرق.
•••
ولنرجع خطوةً إلى الوراء في قصتنا إلى الشيخ الرئيس لنحكي رأيه في السعادة التي ينبغي على الإنسان تحصيلها، والتي هي الغاية القصوى.
فالسعادة الإنسانية ليست في هذه الحياة الدنيا، بل هي سعادة النفس بعد مفارقتها البدن. وقد رأينا كيف أثبت جوهرية النفس ومغايرتها للبدن، وبقاءها بعد فنائه. وهو لا يُسمِّي ما يُحقِّقه الإنسان من مطالب في الدنيا سعادة، بل لذة؛ إمَّا لذات حسية إذا أشبع شهوات البدن، أو لذات معنوية؛ مثل لذة الظفر عند الغضب، أو اللذة الحاصلة عند سماع الموسيقى. ولذة الحياة العقلية أشرف من اللذات الشهوانية والغضبية، ولا تتم اللذة العقلية على التمام إلَّا حين تصير النفس الناطقة في الإنسان «عالمًا عقليًّا مرتسمًا فيها صورة الكل والنظام المعقول في الكل، والخير الفائض في الكل». وهذا شيء لا يتحقَّق إلَّا للعارفين المنزهين إذا وُضع عنهم درَن مقارنة البدن، وانفكوا عن الشواغل، وخلصوا إلى عالم القدس والسعادة، وانتقشوا بالكمال الأعلى، وخلصت لهم اللذة العليا، كما يقول في «الإشارات».
وهذه نزعة صوفية تبتعد بالإنسان عن الحياة الدنيا وتفصله عنها إلى الحياة الآخرة، وهذه النزعة مخالفة لتعاليم الإسلام التي قرَّرها الله في كتابه العزيز، حيث يقول جل شأنه: وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (القصص: ٧٧).
فهذه هي قصة الفلسفة الإسلامية بدأت بتأييد العلم، والاعتراف بالعقل، والنظر في الإنسان كيف يُفسِّر حقائق الكون وأسراره العميقة، وكيف بعد أن يهتدي إلى القوانين يُطبِّقها على الحياة؛ ليبلغ السعادة، ويُحقِّق ما يجمل به أن يكون عليه.
وانتهت بالابتعاد عن العلوم، والاكتفاء بما وصل إليه أقطاب المفكِّرين الإسلاميين، يحفظون ما أثبتوه في بطون كتبهم، دون أن يكون لهم نظر مستقل يُتابع الرقي والتطوُّر، فأسدلت الستار على آخر فصل من فصول رواية الفلسفة، وقد خرَّت صريعة التعصُّب الذميم، والجهل الشديد.
ونحن نرجو أن تُكتب للفلسفة العربية قصة جديدة بعد أن بُعثت بعثًا جديدًا على يد الثورة الكبرى في مجتمعنا العربي.
وستكون قصة هذه الفلسفة الجديدة هي قصة فلسفة الثورة.