شجرة ذات سلالم
طلبت مني زوجتي أن أخترع طريقة للوصول إلى منزلنا أعلى الشجرة دون ارتقاء السلم. كان هذا تحديًّا صعبًا سعيت أنا والأولاد إلى الجدّ فيه. فكرنا في أنه قد يمكننا أن نحفر درجات بداخل ساق الشجرة إذا كان مجوفًا، الأمر الذي تمنيناه. نظر الأولاد من خلال تجويف في جذع الشجرة فوجدوه مجوفًا، لكنه مملوء بالنحل الذي خرج في أسراب مهاجمًا إياهم.
أخرجنا النحل بالدخان عن طريق سد التجويف بقطعة خيزران مجوفة، ثم رفعت بعض الفحم الساخن من النيران ونفخت الدخان منه إلى الخيزران حتى أُصيب النحل بالخمول. عندئذ أحدثنا في عجالة تجويفًا آخر في الساق، فخرج النحل كي يهرب من الداخل ورحل. أخذنا قدر استطاعتنا من عسل النحل وشمعه، ثم وسعنا التجويف الذي خرجوا منه أكثر فأكثر إلى أن أصبح في حجم باب كامل.
بعد ذلك، وضعنا أحد الأبواب كنا قد أتينا به من السفينة على التجويف الكبير في شجرتنا باستخدام المُفصّلات التي أتينا بها من السفينة أيضًا. كان ملائمًا جدًّا. قضينا أيامًا عدة نجوّف المزيد من أجزاء الشجرة كي نصنع سلمنا وبنينا درجات خشبية في أنحاء جذع الشجرة. وسرعان ما أصبح لدينا سلالم بالإضافة إلى سياج للإمساك به عند الصعود.
في أثناء الأسابيع التي قضيناها في هذا العمل، أنجبت جميع حيواناتنا. ودربنا جاموستنا على حرث الحقول، واستأنسنا كلب ابن آوى حتى يمكن تربيته مع كلابنا، بل حتى دربت النسر أيضًا، وجعلت نيبس يركب على ظهر الجاموسة.
في صبيحة أحد الأيام، بينما كنا نعمل، سمعنا زئيرًا مرتفعًا. لم يكن لدينا أدنى فكرة عما يمكن أن يكون هذا. أسد؟ أم غوريلا؟ أم نمر؟ ارتعنا جميعًا وصعدنا إلى منزلنا حيث حشونا البنادق. قررنا أنا وفريتز أنه من الأفضل أن نذهب إلى الغابة لنكتشف ماذا كان هذا، وإلا سنمكث في هذا الخوف وقتًا طويلًا. تسللنا وسط الأجمة متخوفين أن يكون وحشًا يفوق إدراكنا. وعندما اقتربنا أكثر فأكثر، ازداد الصوت قوة. انكمشنا رعبًا، وأعددنا زناد بنادقنا للرمي، وتوارينا وراء الأغصان كي نرى منظرًا جعلنا ننفجر ضحكًا.
كان الصوت صادرًا عن حمارنا، الذي عاد ومعه صديق جديد، حمار وحشي! قدناهما إلى مخيمنا بأن قدمنا لهما كسرًا من الطعام. واستغرق الأمر منا أيامًا حتى روضنا الحيوان الوحشي، فكنت أضطر أن أقفز على ظهره وأركبه حتى يتعب ويهدأ. أخيرًا، صار هادئًا وودودًا.
وفي ليلة من الليالي أخذنا نيبس إلى الغابة كي نملأ أجولتنا من جوز البلوط. تسلق القرد الصغير إحدى الأشجار وعثر على بيض دجاج بري. غطيناها وأخذناها معنا حيث حفظتها زوجتي دافئة إذ لفتها في بطاطين ووضعتها بجانب النيران. وفي ظرف أيام قلائل أفرخ البيض. وكانت زوجتي تعتني بطيورنا وقد ربت ما يزيد عن أربعين فرخة. وقد زادت فراخ الدجاج البري عدد سربنا المتنامي.
كان إيرنست منهمكًا في قطع عشب طويل سميك حتى يتسنى لفرانز أن يلعب به لعبة المبارزة هناك في المخيم. وكان فرانز ينعم بوقت طبيعي بالنسبة لعمره، يلهو ويحارب أعداء من نسج خياله. أمعنت النظر في هذا النبات الذي يستخدمه فرانز سيفًا ليتبارز به، فوجدته نبات الكتان. ابتهجت زوجتي أيما بهجة.
قالت: «إذا استطعت أن تصنع لي مغزلًا، فبمقدوري أن أنسج هذا الكتان إلى خيوط. سنحصل على ملابس جديدة!» بعدها أخذنا حمارينا وجاموستنا وأحضرنا معنا كل الكتان الذي استطعنا حمله.
أضنينا أنفسنا في العمل أكثر قبل أن يحلّ فصل الشتاء كي نصنع حظائر في محيط المنزل، ونخزن التبن، ونبني مخزنًا للألبان، ونصنع مطبخًا، وغرفة لتناول الطعام في منزلنا العملاق الذي يعلو الشجرة. لم يكن هناك متسع من الوقت للتأهب. قضينا الأيام التالية نخزن البطاطس، وجوز الهند، وجوز البلوط، والقصب، وأي نوع آخر من الطعام وجدناه وحصدناه بأسرع ما يمكن. كانت السماء تزداد حُلكة مع كل يوم يمر علينا، وكنا نسمع هزيم الرعد في الفضاء. وسرعان ما تحول وابل المطر البارد إلى أمطار الشتاء الجليدية الباردة التي لا تنقطع البتة.
كان الطقس قاسيًا، فكنا نضطر كل يوم أن نأوي إلى جذع بيتنا الشجري المكتظ. كانت رائحة الحيوانات كريهة، والدخان المنبعث من النيران يجعلنا نسعل. خاطت زوجتي بعضًا من المطاط الذي كنا قد عثرنا عليه في قمصاننا ذات القلنسوات حتى تجعلها مقاومة للماء. وما لبثت أن صنعت لنا بدلًا كاملة مقاومة للماء لنرتديها.
مرّت الأيام علينا طويلة وقاسية. حاولنا أن نسلي وقتنا قدر استطاعتنا، فكتبت جميع الأحداث التي وقعت لنا أثناء رحلتنا، وحاكت زوجتي الملابس، ورسم إيرنست لوحات للطيور، وعلّم فريتز وجاك فرانز الصغير القراءة. وتوالت الأيام؛ لقد كنا حبيسي الشتاء. كان وقتًا كئيبًا على الجميع.