الكهف الدافئ
بعد انقضاء أسابيع وأسابيع، توقفت الأمطار وأُطلق سراحنا مرة أخرى! سمعنا العصافير تشدو وشعرنا بدفء الهواء المشمس على وجوهنا. وأنبتت بذورنا. لقد هلّ الربيع، وكانت أعمال كثيرة بانتظارنا. غمرتنا البهجة.
زرنا أرض الخيمة كي نجدها مُدمرة تمامًا بفعل العواصف. كل شيء كان مبللًا، ودُمر قاربنا القديم، فأدركنا أنه يجدر بنا أن نؤدي أداءً أفضل العام المقبل. بعد وقت بلغنا واجهة الجرف بجانب الشاطئ وقررنا أن نشرع في حفر كهف هناك من أجل التخزين. رسمنا بابًا على الصخر الجيري وحاولنا اختراقه طيلة عشرة أيام محرزين تقدمًا محدودًا. وفجأة سقط جاك أرضًا محدثًا صوت ارتطام مرتفعًا وناداني: «أبي، لقد اخترق إزميلي الصخرة!»
ضحكنا في بادئ الأمر، لكن تبين لنا بعد ذلك أن هذا صحيح. اقتربت ونظرت عبر الثقب، فوجدت أن هناك طبقة صخرية صغيرة فحسب بين الكهف وبيننا! أخذنا نضرب جميعنا الصخر بحماس حقيقي وفرح، ووجدنا أنه يوجد كهف عظيم بحق. دخلنا جميعًا نشق طريقنا باستخدام عصا طويلة. ثم رأينا على ضوء شمعة أن كل أنحاء الكهف بلورية ولامعة، كل شيء كان متلألئًا ويتقد بجميع ألوان الطيف. مرّرت إصبعي على جدار الكهف ثم لعقتها. وبالفعل كنت على حق؛ كان كهفًا عملاقًا من الملح! أرضيته من الرمال الجافة، سيكون هذا مأوى جديدًا رائعًا.
في طريق عودتنا، تحدثنا عن كيف ينبغي أن يكون منزل غابة الصقور منزلنا الصيفي الوحيد الآن. كان الكهف سيصبح مثاليًا للعيش فيه إبان الشتاء بمجرد إعداده لذلك. قررنا في الحال أن نسمي المنزل الجديد «الحصن الصخري».
شققنا نوافذ في الصخر إلى جانب الباب في الجدار الرقيق بواجهة الكهف من أجل الإضاءة والتهوية، وقسمنا منزلنا الجديد إلى حُجَر، بل حتى صنعنا لأنفسنا مدخنة وإسطبلًا جديدًا في الفضاء الفسيح بالداخل. وفي يوم من الأيام، ونحن نبني رأينا شيئًا يتلألأ في الماء القريب منا ورأينا طيورًا تنقض عليه لتأكل منه قدر ما تستطيع. هرعنا للخارج كي نشاهدها.
سأل الأولاد: «ما هذا؟»
أجبت: «سرب من أسماك الرنجة!» كان السمك في المياه الضحلة بالقرب من الشاطئ وكان يسهل الإمساك بالمئات منه بأيدينا. لم يكن لدينا وقت لنضيعه. وباستخدام البراميل بدأنا نمسك سمك الرنجة، ونجففه، ونملحه، ونخزنه للشتاء القادم. بعدها بعدة أشهر، ظهر المزيد من السمك في المياه الضحلة، لكنه كان سمك الحفش العملاق هذه المرة الذي سبح إلى الشاطئ.
قال جاك: «أسرعوا، دعونا نمسكه!»
أجبته: «نعم، لكن كيف هذا؟ هذا السمك أكبر من الرنجة.»
ركض جاك ضاحكًا ثم عاد ومعه قوس وسهم وخيط الصيد، وربط الخيط إلى السهم الذي صوبه نحو السمك. وبالفعل، رشق السهم في جنب واحدة منه كادت تجذبه نحو الماء.
صرخ جاك: «ساعدني يا أبي، وإلا فسأقع في الماء!» فأخذنا نشد ونشد إلى أن صارت السمكة العملاقة على الشاطئ.
وسرعان ما بدأنا جميعًا نصطاد السمك بالرماح، ممسكين أسماكًا أكبر وأكبر حجمًا. بل اصطاد فريتز سمكة بلغ طولها ثمانية أقدام، كانت أكبر من قدرتنا على أن نخرجها من المياه لذا اضطررنا إلى الاستعانة بالجاموسة كي تسحبها معنا إلى الشاطئ. استخدمنا الملح المستخرج من كهفنا كي نخزن هذه الأسماك من أجل الشتاء أيضًا.
بدا الأمر كأنما الطعام منتشر في كل الأرجاء؛ فقد كانت حدائقنا تزدهر وتينع بالثمار. كانت الذرة تنمو، وكذلك أينعت حقول الشعير، والقمح، والزوان، والبازلاء. كنت أخرج أنا والأولاد من أجل المغامرات، وزوجتي تزرع في كل الأرجاء. والآن سنأكل جميعًا كأننا ملوك وستكون لدينا أيضًا وفرة من الطعام للتخزين من أجل الشتاء القادم.
وأثناء وجودنا بالخارج ذات يوم، نتفقد محاصيلنا، صادفنا زغبًا أبيض في كل أرجاء الأرض.
صرخ فرانز: «جليد!»
قلت: «لا يا ولدي، هذا ليس جليدًا، إنه قطن!» وكنت صائبًا فيما قلت، وسرعان ما بدأنا نجمعه في حزم كي نغزله ونصنع المزيد من الملابس.
في تلك الأثناء، بدأنا العديد من المشاريع وانتهينا منها. كان وقتًا مزدحمًا لأننا كنا عاقدي العزم على بناء مستعمرتنا الآن، فعثرنا على مكان رائع لإنشاء مزرعة جديدة به تل تكسوه الخضرة، وأشجار تلقي بظلها على طول النهر. كنا مصممين على أن نحصد كل ما نستطيعه من الأرض. وبدت هذه بقعة مناسبة لزراعة القطن وغيره من المحاصيل التي قد نحتاجها لصنع الملابس.
بدأنا في الحال في بناء حظيرة خشبية حتى تصير حيواناتنا في مأمن وسعادة في الأرض حتى لو لم نكن معها، وخصصنا مكانًا في الحظيرة نربط فيه الحيوانات ومأوى للطيور.
في تلك الآونة وجدنا تلًّا قريبًا وبنينا عليه كوخًا صغيرًا وسميناه «تل الآمال»، وهو بناء بسيط من الألواح الخشبية، لكنه سيكون منزلًا لطيفًا نأوي إليه عندما نأتي لزراعة هذه الأرض أو حصاد محاصيلها. في تلك الأثناء، صنعنا أيضًا زورقًا خفيفًا من إحدى الأشجار. وبعدما انقضى هذا الوقت المزدحم الذي قضيناه في تشييد منزل مزرعتنا الجديدة، اتجهنا ونحن متعبون وفي الوقت نفسه راضون عائدين إلى منزل غابة الصقور ومنها إلى أرض الخيمة.
لدى عودتنا وجدنا أن إحدى بقرتينا كانت قد أنجبت عجلًا. وطلبت من فرانز أن يعتني به.
رد قائلًا: «بالطبع يا أبي! ولسوف أسميه جرامبل «المتذمر» بسبب الضوضاء التي يصدرها!»
رأينا كلنا هذا رائعًا، وعاودنا العمل في كهفنا، فسوينا الأرض وأتممنا تجهيز الغرف، بل وصنعنا سجادة من وبر بعض حيواناتنا.
وافق اليوم التالي الذكرى السنوية الأولى لرسونا على الجزيرة، فقررنا أن ندعوه يوم «عيد الشكر». استيقظت ذلك الصباح على صوت فرقعة عالٍ، فهرعت إلى خارج الكهف لأجد الأولاد قد أطلقوا المدفع للاحتفال. اعتذر الأولاد عن ذلك، لكنني تفهمت شعورهم بالفخر. وقررنا أن نحتفل بقضاء يوم في مزاولة الرياضة.
بدأنا بالرماية، حيث كانت البطولة من نصيب فريتز، ثم انتقلنا إلى السباقات، فجعلت فريتز، وإيرنست، وجاك يركضون من أرض الخيمة إلى منزل غابة الصقور ويحضرون لي سكين جيب تركته هناك، فانطلقوا كالرصاصة وسرعان ما تواروا عن الأنظار، لكن بعدها بفترة وجيزة حدث شيء غاية في الغرابة.
ظهر جاك مسرعًا عبر الجسر، لكنه لم يكن على قدميه، وإنما كان ممتطيًا الجاموسة التي كان يتبعها زوج من قردتنا.
قال جاك ضاحكًا: «وجدت أنني لن أفوز، لذا بدا لي أن أعود في فخامة مثلهم!»
عاد إيرنست أولًا ومعه السكين وأُعلن الفائز. بعدها كانت مسابقة التسلق. في هذا السباق تسلق جاك مثل ماعز الجبل، وامتاز على بقية إخوته؛ إذ وصل إلى قمة الشجرة قبل أن يستطيعوا أن يبدءوا.
وأمتعنا فرانز بعرض، إذ هلّ علينا من الكهف وصاح قائلًا: «أيها القضاة، أقدم لكم شيئًا جديدًا ومذهلًا. أنا، مروض العجول، سأريكم الآن خُدعًا مذهلةً!» خرج العجل جرامبل من الكهف وبرقبته زمام، وأخذ يركض، ويخبُّ، ويقفز فيما علا صوت تصفيقنا كلنا. أنهينا اليوم بالسباحة، فكان جميع الأولاد أكفَاء للغاية، لكن مرة أخرى كان فريتز الأقوى.
عندما انتهت المسابقات، كانت زوجتي جاهزة بالجوائز التي جاءت بها من مؤن سفينتنا، فسلمت فريتز مكافأة من أجل فوزه بمسابقتي الرماية والسباحة. كانت بندقية جديدة وسكين صيد. وأعطت إيرنست ساعة ذهبية لفوزه بمسابقة العدو، وأعطت جاك مهمازًا وسوطًا، من أجل فوزه في مسابقتي الركض والامتطاء. وقد سعد بجائزته سعادة كبيرة. وأخيرًا أعطت فرانز سرجًا مصنوعًا من عظم وحيد القرن وسوطًا من أجل تدريب الحيوانات. وفي آخر الأمر، أعطيت زوجتي صندوقًا جميلًا كنت قد عثرت عليه بين الحطام القديم وخبأته ليكون مفاجأة.
في نهاية اليوم، أراد الأولاد أن يطلقوا قذيفة مدفعية أخرى. فأنهينا يومنا بفرقعة عظيمة دوت أصداؤها بطول الشاطئ. لقد كان يومًا عظيمًا بحق، وقد أذهلني مدى التقدم الذي أحرزناه خلال عام واحد.