الشتاء الطويل
قضينا أيامًا عديدة نجمع الجذور، والحبوب، والفاكهة، وجوز البلوط. ملأنا قدر استطاعتنا العديد من الغرف بما كان لدينا. وأخذ الطقس يكفهر ويغيم مرة أخرى، وهزيم الرعد والبرق في كل الأرجاء. صار الشتاء على الأبواب، ووجب علينا أن نتأهب لاثني عشر أسبوعًا من المطر البارد.
قضينا وقتنا في الكهف نحاول أن نجعله دافئًا مريحًا. استخدمنا عمود خيزران كبيرًا كي نعلق شمعة بأعلى من ثم يكون لدينا إضاءة. وصنعنا مكتبة وضعنا كتبنا على أرففها، وزينا الجدران بالخرائط والمخططات التي عثرنا عليها في حطام السفينة. صنع جاك وزوجتي غرفة معيشة ومطبخًا، وبنيت أنا وفريتز ورشة. كان كهفنا كبيرًا للغاية. وصرنا متأهبين لقدوم الشتاء.
قررت أنا وزوجتي أن نستغل شهور الشتاء في تعليم الأولاد، فقد كانت فرصة جيدة أن يتعلموا لغة أخرى بخلاف لغتنا الأصلية الألمانية، لذا درسنا جميعًا اللغة الفرنسية من الكتب التي أنقذناها من الحطام.
قال جاك: «أنوي أن أتعلم اللغة الإسبانية! يروق لي الوقار الذي تضفيه هذه اللغة على متحدثيها!» حاول الأولاد أن يتعلموا أيضًا اللغتين الإنجليزية والهولندية بمساعدة والدتهم. وسرعان ما تعلمنا كلنا كلمات وعبارات معدودات من كلتا اللغتين.
قضينا وقتنا أيضًا نفتح كل الصناديق التي جئنا بها من الحطام ونقلب فيها للعثور على كنز، فعثرنا على مقاعد، وساعات، وصندوق موسيقي، والعديد من الأشياء الأخرى. وهكذا قضينا الشتاء الطويل، لكن لم يبد منزلنا كالسجن هذه المرة.
ومع نهاية الموسم، ازداد الطقس ضراوة، فهبت العواصف وأومض البرق في السماء، وصارت الريح كأنها الإعصار، وبعدها توقف كل هذا فجأة.
تمشينا في أول يوم جاف، وعبر التليسكوب رأينا شيئًا ما في الطرف الأقصى من الشاطئ، شيئًا كأنه قارب مقلوب، وقررنا أن نكتشف المزيد. كنا في غاية السعادة لأننا عدنا للاستطلاع. وفيما كنا نقترب منه لاحظنا أنه لم يكن قاربًا وإنما كان حوتًا ضخمًا جانحًا انجرف مع التيار ومات. حقًّا كانت العاصفة هوجاء. غير أن العاصفة المدمرة جرفت أيضًا شعبًا مرجانية وأصدافًا جميلة في كل الأرجاء أخذ الأولاد يجمعونها. عدنا أدراجنا إلى منزلنا كي نحضر الأدوات اللازمة كي نقطع دهن الحوت، فسيكون زيته نافعًا. تسلق فريتز وجاك الحوت كي يبدآ في العمل، وفيما كنا نقطّع الحوت، كان المكان مليئًا بالطيور التي التهمت لحمه وأزعجتنا إزعاجًا شديدًا. وما إن انتهينا أخيرًا من نزع دهن الحوت ولحمه، حتى غصنا بداخله أكثر كي نحصل على عظامه لنستخدمها كمصابيح تضيء بالزيت. تركنا بقية الطيور وحمّلنا قاربنا بكل ما استطعنا حمله، وقررنا أن نسمي المكان «شاطى الحوت». عدنا إلى منزلنا متعبين ورائحتنا كريهة، فاغتسل الجميع، وكان الفضل في ذلك يرجع إلى ماسورة الخيزران. ارتدينا ملابس نظيفة وتناولنا عشاءنا وكنا جميعًا سعداء لأننا انتهينا من مهمة الحوت.
في الصباح التالي، أريت الأولاد كيف يحصلون على الزيت من دهن الحوت، فكان يوم الروائح الكريهة والعائلة التعسة. كنا كلنا على دراية بأهمية الزيت من أجل المصابيح والأغراض الأخرى، لكن العمل لم يكن محببًا إلى أي منا. فقررنا جميعًا أنه عندما تنقر الطيور عظام الحوت فتخليه من اللحم تمامًا، ننصب خيمة هناك، وبذلك عندما تكون لدينا مهمة تتسم بالقذارة كهذه، نؤديها بعيدًا عن منزلنا.
عندئذ شرعت في صنع ماكينة تجديف صغيرة لقاربنا، وكانت ببساطة تقوم على ترس يحرك المجاديف. سُر الجميع بها، وقررنا في اليوم التالي أن نأخذ القارب إلى رأس الإحباط كي نتفقد حيواناتنا. وعندما اقتربنا منها، وجدناها خائفة منا، لأننا اختفينا وقتًا طويلًا في كهفنا الشتوي، ولم نستطع أن نحلب الماعز إلا بعد أن اضطررنا لربطها. واضطررنا أن نمسك بجميع الدجاج والطيور مرة أخرى. وعندئذ حملنا قاربنا بالبيض والحليب وما استطعنا أخذه من الأرض وشققنا طريقنا إلى شاطئ الحوت، وعندما عدنا قضيت بعض الوقت أصنع سلالًا وصهوات وأطواقًا وغيرها من الأشياء من أجل الحيوانات التي نحن بحاجة إليها.
الأمر الذي أوحى للأولاد بفكرة رائعة.