قارب جديد
سرعان ما أصبحت سحب الشتاء المكفهرة متأهبة مرة أخرى كي تصل بغزارة. ها قد حان الوقت لنتوقف عن مغامراتنا. غير أنه في هذا الشتاء شعرنا أننا محبوسون في منزلنا بالكهف.
اقترح فريتز: «لماذا لا نصنع زورق كياك جلديًّا خفيفًا من أجل الربيع؟»
بدت فكرة جيدة لأنها ستشغلنا جميعًا، فأضنينا أنفسنا في صنع القارب طيلة الشتاء الطويل.
بعدما انتهينا من صنع زورق الكياك الذي استغرق عدة أسابيع، لاحظنا تبدل حالة الجو، وازدهار العالم، وتغريد الطيور من جديد. وعندما توقفت الأمطار، جررنا تحفتنا التي صنعناها إلى الهواء الطلق. كم كان جميلًا أن نكون بالخارج. تركنا قارب الكياك وأبحرنا كلنا في قاربنا القديم كي نتفقد صحة حيواناتنا، فوجدنا ظباءنا بحالة جيدة. وحين هممنا بالرحيل من جزيرة القرش، أخذت زوجتي تجمع الطحالب البحرية لتحملها في حقيبتها.
سألتها: «ماذا ستفعلين بها؟»
أجابت وهي تغمز بعينيها: «إنها مفاجأة.» وتركتني في حيرتي.
بعد ظهر أحد الأيام، بعدها بأسابيع، وكنت قد نسيت هذه الواقعة، خرجت من الحصن الصخري وهي تحمل برطمانًا من الجيلي الشفاف. تجمعنا كلنا حوله وتذوقناه، فكان حلوًا شهيًا.
سألتها: «ما هذا؟»
أجابتني: «أتذكر تلك الطحالب البحرية التي عثرت عليها منذ فترة؟»
قلت: «أجل، بالطبع.»
قالت: «هذا هو ما فعلته بها. لقد تعلمت هذا ذات مرة من إحدى صديقاتي.»
قلنا لها كلنا إنها عبقرية، وطار الأولاد فرحًا بالأكلة الشهية. فطاب قلب زوجتي لسعادتنا، ووعدناها أن نجمع المزيد من الطحالب البحرية.
بعد أن عرفنا أن ظباءنا بحالة جيدة، تفقدنا بعدها أرانبنا. وجدنا الأعشاب والنباتات ممضوغة بأسنان صغيرة. لم نر الأرانب لكننا أدركنا أنها كونت أسرة.
في اليوم التالي، خرج كل الأولاد من أجل مغامرة كبيرة، فعادوا في تلك الليلة راكضين ومتحمسين لأنهم اصطادوا كل أنواع الحيوانات والدجاج البرية. لقد كانوا مزهوين بأنفسهم، ورأيت أنهم صاروا صيادين حقيقيين. وأحضروا معهم أيضًا أجزاء من أشجار التفاح بلون القرفة والتفاح السكري. وكان فريتز مزهوًّا بشدة لأنه جمع ملء حقيبة من نبات الشوك.
قال فريتز: «هذه من أجل صنع الصوف!» كان على حق فهذه الأعشاب الضارة نافعة إلى حد بعيد.
في الوقت نفسه جمعنا الذرة وقضينا الكثير من الوقت في صيد الأسماك، ثم ملحنا وخللنا جميع ما لدينا من سمك. فإلى جانب برميلي السردين المملح اللذين حفظناهما من العام الماضي، أصبح لدينا كل شيء نحتاجه من أجل الشتاء.
والآن، وبعد أن جمعنا جميع الطعام، أراد فريتز أن يجرب زورق الكياك، فأطلقناه إلى الماء ثم أخذ يجدف بعيدًا. كانت والدته تشاهد وهي في شدة القلق عليه، وأظهر فريتز أنه يستطيع التعامل مع القارب. سار من خليج الأمان ومنه إلى البحر. تبعته أنا وبقية الصبيان بقاربنا الشراعي، لكننا لم نستطع اللحاق به، وسرعان ما غاب عن النظر مما جعل القلق يستبد بنا. وفجأة إذ بطلق يدوّي ثم رأينا دخانًا. أبحرنا بأقصى سرعة لدينا لنرى هل فريتز سالمًا، وجدناه سالمًا وقد اصطاد فرس البحر.
صرخت: «فريتز، أهنئك على صيدك. لكنك أقلقتنا كلنا بإبحارك بعيدًا.»
أجاب: «لم أشأ أن أفعل هذا يا أبي، لكن ما إن صرت وسط التيار، لم أستطع التوقف! وعندئذ رأيت حيوانات فرس البحر، فثار حماسي.»
قلت: «حسنًا، أنت محظوظ لأنك أبحرت لمسافة بعيدة دون أن يلحق بك ضرر. من الممكن أن يكون فرس البحر خطيرًا جدًّا. والآن ماذا سنفعل به؟ لا بد أن طوله أربعة عشر قدمًا!»
قال فريتز: «أنا سعيد لأنك تبعتني يا أبي، على الأقل بوجودنا معًا سنستطيع أن ننقله إلى القارب الشراعي!»
أثناء حديثنا، قرر فريتز أن رأس فرس البحر ستبدو رائعة على زورقه. وعرضت أن أقطر زورقه إلى الشاطئ خلفنا، لكنه أراد أن يتجه إلى المنزل بنفس الطريقة التي جاء بها. لقد أراد أن يُري والدته أنه سليم تمامًا.
ولم نكد ندعه يذهب حتى اكفهرت السماء، وجلبت في أعقابها عاصفة هوجاء. لم يكن فريتز على مرمى بصرنا ولم نستطع أن نساعده. كانت الأمواج عاتية للغاية، حتى إننا اضطررنا أن نربط أنفسنا بالقارب حتى لا ننجرف من فوق سطح المركب. استبد بي الرعب عليه وعلينا.
كان أولادي شجعانًا وصمد قاربنا، لكنني دعوت أن ينجو فريتز بأي طريقة من الريح والمطر. أخيرًا، حين بدأ الطقس يصفو شققنا طريقنا عائدين إلى خليج الاكتشافات.
وعندما اقتربنا بدرجة كافية تمكننا من رؤية الشاطئ، ضحكنا جميعًا عندما رأينا فريتز يقف على الشاطئ. كانت زوجتي هناك أيضًا جاثية تدعو من أجل عودتنا سالمين. اجتمع شمل العائلة مرة أخرى في المنزل سالمين.