عالم جديد
سرعان ما انزلقنا في عرض البحر بعيدًا عن الحطام. تطلعنا إلى اليابسة، غير أننا ظللنا نلف ونلف إلى أن تعلمت كيف أوجّه القارب على نحو صحيح.
كنا قد تركنا الكلبين لأننا لم نستطع حملهما، لكن عندما أبحرنا، قفزا إلى المياه وجاءا وراءنا يعويان وينبحان. سبح الكلبان نحو القارب وسندا أقدامهما إليه إلى أن أصعدناهما على متنه مشفقين عليهما. وقد سعدنا كثيرًا برؤية الوجه السعيد لكلبنا «تيرك» الذي كان ينبح على متن القارب.
جدفنا إلى أن اقتربنا من اليابسة، ووراء بعض المنحدرات الصخرية رأينا بقعة خضراء عشبية بين أشجار النخيل.
قلت: «ليتني فكرت في إحضار التليسكوب.» وفي نفس اللحظة كان جاك يخرجه من جيبه ضاحكًا غامزًا بعينيه. استطعت أن أرى من خلال التليسكوب أنه يوجد شاطئ مسطح نستطيع أن نرسو عليه. وما إن وصلنا الشاطئ، حتى قفز الجميع من القارب فيما عدا فرانز الذي كان موضوعًا في برميل ضيق للغاية حتى اضطرت والدته إلى أن تشده.
ركض الكلبان أمامنا، فبدأت طيور البشروش والبطريق وغيرها من الطيور الأخرى الموجودة على الشاطئ تصيح عند اقترابنا.
أفرغنا حمولة قاربنا في عجالة، ثم أطلقنا سراح الدجاج والديك كي يجولوا. بحثنا جميعنا بدأب عن مكان نبيت فيه. وما لبثنا أن عثرنا على شجرتين ساقطتين فثبتناهما وصنعنا منهما هيكلًا. ثم علّقنا قماش الشراع الذي كنا أخذناه معنا في القارب حول الشجرتين، وثبتناه بمشابك، وصنعنا لأنفسنا نوعًا من أنواع الخيام، لها مدخل نستطيع أن نغلقه علينا.
بعدئذ أرسلنا الصبيان بحثًا عن طحالب الأشنة والعشب كي نبسطها ونصنع منها أسرّة، في حين أضرمت النيران بالقرب من أحد الأنهار الذي كان يجري قريبًا من الخيمة. استخدمت في إشعالها الغصينات والطحالب البحرية الجافة، وملأنا وعاء بالماء والطعام اللذين أحضرناهما من السفينة، ثم بدأنا في طهي حساء من أجل العشاء. حشا فريتز البنادق وترك بندقية معي فيما خرج ليستطلع الساحل الذي وراء النهر، وذهب إيرنست وجاك للبحث عن المحار في المياه الضحلة بطول الشاطئ.
بينما كنت منهمكًا في العمل تنامت صرخة جاك إلى مسامعي، فهرعت إليه وبيدي فأس. وجدت أن كركندًا ضخمًا أحكم قبضته حول رجله. ومهما رفس جاك رجله فلن يستطيع التخلص منه. نزعته عنه ثم ضربه جاك بحجر.
قلت له: «لا تضرب بغضب هكذا أبدًا يا جاك.» وسعدت مع ذلك لأننا عثرنا على شيء آخر لنأكله.
رد جاك: «عندما نطهيه أريد مخلبًا لي وحدي.»
قال إيرنست الذي جاء ركضًا كي يرى سبب الجلبة: «لقد عثرت على محار لكنني لم أشأ أن أبلل ملابسي في اصطياده.»
عبست في وجهه وقلت: «إيرنست، اذهب وأحضر لنا بعضًا من هذا المحار من أجل الوجبة التالية، وحذار أن أسمعك تشكو مرة أخرى من خوفك من أن تتبلل قدماك. لا بد أن نعمل جميعًا الآن كي ننجو بحياتنا.»
أضاف إيرنست محاولًا أن يكون متعاونًا: «لقد عثرت أيضًا على بعض الملح في الصخور التي جفت من البحر.»
أجبت: «أحسنت. اذهب وأحضر لنا بعضًا منه. سيكون هذا رائعًا.»
استخدم إيرنست حجرًا صغيرًا كي يحك بعض الملح من شقوق الصخور وعاد حاملًا إياه في يده، غير مبالٍ ببلل قدميه. وعندما غلى الحساء، أدركنا فجأة أنه ليس لدينا ملاعق كي نأكل بها.
اقترح إيرنست: «يمكننا أن نستخدم المحار ملاعق.»
قلت: «فكرة رائعة يا بني! قُدْ إخوتك إلى المحار ونظفوا بعضًا منها.»
نزلوا إلى الماء وعاد إيرنست وجاك بكومة مرصوصة بعناية من المحار. بعدئذ عاد فريتز من صيده ويداه وراء ظهره.
قال فريتز عابسًا: «لم أحصل على أي شيء.» لكن إخوته كانوا قد نظروا وراء ظهره فكانوا يشيرون ويهللون. وكما كان متوقعًا، كشف فريتز عن خنزير صغير كان قد اقتنصه وخبأه وراء ظهره.
أخبرنا عما اكتشف على الجانب الآخر من النهر؛ أراضي غاية في الجمال، وشاطئ منحدر وحقل.
قال فريتز: «والأروع من كل هذا أن المكان مليء بكل أنواع الأشياء التي يمكن أن نستعين بها، تلك التي انجرفت مع التيار من حطام السفينة. يتعين علينا أن نذهب غدًا كي نحضرها. يجدر بنا أيضًا أن نعود إلى السفينة ونحضر الحيوانات، فمن الممكن أن ترعى في الجانب الآخر من النهر.»
سألته: «هل رأيت أيًّا من رفاقنا في السفينة؟»
أجابني: «كلا، لكن ليتك رأيت الطريقة الغريبة التي كان يتصرف بها هذا الخنزير! كان هناك الكثير منه وهم يقفزون ولا يمشون.»
في تلك الأثناء، كان إيرنست ينظر إلى الخنزير عن كثب.
قال إيرنست: «هذا ليس خنزيرًا، إنه أغواطي. لقد درست معلومات عنه في المدرسة. انظر، إن لديه أسنانًا مثل السنجاب.»
سخر فريتز: «ياللعجب! أتحاول أن تثبت أن خنزيري ليس خنزيرًا؟»
قلت وأنا أتفرس فيه: «إنه على حق. هذا أغواطي، أحد القوارض الضخمة. لقد سمعت عنه من قبل.»
ونحن نتحدث، كان جاك يلتهم المحار المفتوح، ثم أعطانا إياه. أكلنا منه جميعنا ثم بقيت لنا الصدفات لنستخدمها كملاعق.
وبينما كنا نتناول طعامنا، رأينا الكلبين يحيطان بالأغواطي وعلى وشك الانقضاض عليه. هبّ فريتز في غضب وضرب أحد الكلبين بقسوة، ثم ألقاهما بالحجارة. فركضت وراءه بسرعة ووبخته.
قلت: «فريتز، لا بد أن تضبط أعصابك، لقد أرعبت الكلبين، ونحن في حاجة إلى مساعدتهما. عليك أن تكون أهدأ.»
ندم فريتز على ما بدر منه وتأسف. والآن، أخذ الظلام يحلّ وحان وقت الراحة. استكانت جميع الطيور التي أحضرناها حول الصخور. وأوينا جميعنا إلى الداخل بعدما صلينا. واندهش الأولاد من كيفية حلول الظلام فجأة في منطقة قريبة جدًّا من خط الاستواء. ففي لمح البصر صرنا وحدنا في ظلام دامس، لم يتخلله سوى ضوء نيران التخييم التي أشعلناها. لم تكن هذه الليلة تمامًا كالليلة الأولى التي تخيلناها عندما عزمنا على أن نكون مزارعين في أرض جديدة، كجزء من مستوطنة تقوم في عالم جديد، لكنها ليلة لن ننساها أبدًا في وطننا الجديد.