ترحيب ووداع
بعدما انقضى الشتاء، خرجنا كلنا مرة أخرى كي نستمتع بالربيع. كان هناك الكثير لنقوم به من أجل عائلتنا الممتدة، وقد استقبلنا الأيام الجديدة في سعادة غامرة.
وفي يوم من الأيام، كان فريتز وجاك بالخارج في جزيرة القرش يرفعون رايتنا عندما سمعنا صوت انفجار غريب؛ صوت ثلاث طلقات من مدفع. لكن هل ما سمعناه حقيقي؟ هرعنا كلنا إلى الشاطئ كي نتأكد. لقد احترنا وسعدنا وخفنا، كل هذا في الوقت نفسه؛ فتُرى هل كان أولئك بحارة مسالمين أم قراصنة مهاجمين؟ وإذ بالقارب الشراعي يصل من الجزيرة وينزل منه جاك وفريتز ليحيونا.
سأل فريتز: «هل سمعت هذا؟ ماذا سنفعل يا أبي؟»
نظرت إلى السماء لأجدها تزداد ظلمة.
قلت لهم: «ليس بوسعنا فعل شيء الليلة. سننطلق في الصباح لنرى مصدر هذه الجلبة.»
لم ير أي منا النوم في تلك الليلة، وفي الصباح هبّت عاصفة فقلبت الشاطئ رأسًا على عقب. علمت أننا لن نعثر على شيء في ظل هذا المناخ، وهكذا انتظرنا مجددًا، وكان الانتظار أليمًا.
في اليوم الثالث خرجنا إلى جزيرة القرش وأطلقنا مدافعنا. ولبعض الوقت لم يكن هناك أي صوت، لكن عندئذ سمعنا صوت إطلاق نيران مرة أخرى.
عدنا إلى شاطئنا نحمل خوفنا من أن تكون السفينة مليئة بالقراصنة أو أعداء من أي نوع. أبحرت أنا وفريتز بقاربنا الشراعي حاملين بنادقنا لمعرفة المزيد. أبحرنا لمدة ساعة ولم نعثر على شيء.
لكن بعدها، رأيت عبر المنظار ما بدا أنه سفينة. وحين اقتربنا منها، رأيت أنها سفينة بالفعل؛ سفينة إنجليزية! لكن تُرى ماذا عساها تفعل في هذا الطريق؟ شاهدنا الرجال الموجودين على متنها وشعرنا أنهم رجال شرفاء. عدنا لنخبر الباقين كي نستعد للقائهم. غمرت الفرحة عائلتنا وارتدينا أبهى حللنا وجهزنا قاربنا وجمعنا فواكه هدية وانطلقنا للقاء الغرباء.
ما لبثنا أن صرنا أمام السفينة، ورآنا الكابتن ولوح لنا بالصعود إلى السفينة. حاولنا كلنا أن نحتفظ بهدوئنا قدر المستطاع، لكن دون جدوى؛ فقد انبهرنا بشدة لدى رؤية البشر مرة أخرى. لم نعرف كيف نتصرف. دعانا القبطان إلى غرفته وطلب منا أن نخبره بقصتنا وكم أمضينا من الوقت هنا. كان قد ظن أن الشاطئ غير مأهول بالسكان، فأخبرناه بقصتنا ومغامراتنا، فاندهش حين علم أننا أمضينا ثلاثة عشر عامًا، وعندما أخبرناه بقصة جيني، انتفض من مكانه.
قال القبطان: «اقبلوا جمّ ترحيبي. أحد أسباب مجيئي إلى هنا في هذه الرحلة هو العثور على الآنسة مونتروز، لقد أرسلني الكولونيل والدها للبحث عنها. لا بد أن تقبلوا ضيافتنا على متن سفينتنا!»
وأردف قائلًا: «بصحبتنا على متن السفينة عائلة أيضًا يدعون آل وولستون. لا بد أن تلتقوهم؛ فالسيد وولستون عليل قليلًا وقد أخبرنا أن نرسو في مكان جديد لنعيش فيه، وهذا هو السبب الثاني لهذه الرحلة.»
رجعنا إلى مركبنا وأبحرت المركبتان نحو الشاطئ حيث حيينا آل وولستون عندما نزلوا من السفينة. لقد بدا غريبًا — وفي الوقت نفسه رائعًا — الوصول إلى هذه الجزيرة التي كانت ملكنا وحدنا لوقت طويل، وأن تعيش معنا عائلة أخرى على الشاطئ. لقد سعدوا بلقائنا، لكن سعادتهم لم تكن شيئًا بالمقارنة بالفرحة التي غمرتنا نتيجة للترحيب بأول ضيوف لنا على الإطلاق في جزيرتنا «سويسرا الجديدة»! قضينا وقتًا بعد الظهيرة نتبادل التسلية بقصصنا وتعارف بعضنا بعضًا، فجعلنا الجميع يشعرون بالراحة وأنهم مُرحب بهم.
في تلك الليلة تحدثت أنا وزوجتي على انفراد؛ إذ أردت أن أخبرها بشيء أثار ضيقي أيما إثارة؛ بعد قضاء زمن طويل على هذه الجزيرة، وبعد مرور أكثر من عقد من الزمن على العمل بها، شعرت أنها وطني وأنني لست بحاجة إلى إنقاذ. لقد كنت رجلًا سعيدًا، وليست لدي أدنى رغبة في ترك المكان، وأخبرتها أنني أرغب في المكوث في سويسرا الجديدة التي باتت وطني بالفعل الآن، وتمنيت أن تكون هي أيضًا شاعرة بنفس الشيء. وشعرت بالارتياح لدى معرفتي أنه تراودها نفس المشاعر أيضًا، فتعانقنا فرحًا، سعداء بهذا التناغم العميق. انتظرنا حتى اليوم التالي لنعرف رد فعل الأولاد تجاه الفكرة، وقررنا أنه إذا كانت لديهم رغبة في الرحيل فلسوف نترك لهم حرية الاختيار.
في صباح اليوم التالي رسا القبطان بالسفينة في خليج الأمان حتى نحضر طاقمه إلى الحصن الصخري كي نريهم منزلنا. تقدمنا فريتز وجاك لتجهيز كل شيء، وحين وصلت السفينة أطلق الصبيان قذائف المدفعية في جزيرة القرش تحيةً لهم، فابتهج جميع من على متن السفينة.
وعند العشاء أعرب لنا مستر وولستون عن رغبته في استيطان أرض جديدة من أجل صحته العليلة. أخبرنا أنه نعم في الليلة المنصرمة بنوم هانئ لم ينعم بمثله في الآونة الأخيرة، وأن هذه الأرض بهرته وأسرت فؤاده. فعبرت له عن جمّ ترحيبي بمكوثه هنا هو وعائلته وتشارك جزيرة سويسرا الجديدة معنا. أخبرناهم أنه ستحلو لنا الصحبة وأنهم سيجدون الجزيرة تتمتع بالخيرات الوفيرة ومريحة. قفز مستر وولستون من مكانه ليعانقني وتعالت الضحكات وعمّ الابتهاج والسرور من أجل صداقتنا الجديدة وحظنا السعيد.
هتف الجميع: «فلتحيا سويسرا الجديدة!»
قال إيرنست بخفة ظله المعهودة معبرًا عن القرار الذي توصل إليه: «يحيا أولئك الذين سيمكثون هنا.»
سألَت جيني: «وماذا عمن سيرحلون منا إلى إنجلترا؟»
ردد فريتز: «أجل، ماذا عنا؟» فعرفت عندئذ أنه ينوي الرحيل، ورأيت أنه سيكون سعيدًا.
فرددت قائلاً: «مرحى لكما!»
قال جاك: «سأمكث أنا في الجزيرة، وبرحيل فريتز سأكون أمهر راكب حيوانات وأمهر رامٍ في الجزيرة!»
تعالت ضحكات الجميع لدى سماع هذا، وسألت فرانز عن رغبته.
أجاب فرانز: «أنا الأصغر وأظن أنه يجدر بي الذهاب إلى سويسرا القديمة للالتحاق بالمدرسة، لكنني سأعود في الوقت المناسب.» صفقنا كلنا لدى سماع هذا ورأينا أنها فكرة رائعة. قطعًا سننعم كلنا بالسعادة.
أمضينا الأيام التالية نجهز أولئك الذين سيمكثون وأولئك الذين سيرحلون. كان من المقرر أن يقطن آل وولستون وابنتهم منزلًا هنا، وقد تحدثنا كلنا عن كيف سيخبر القبطان الناس في الوطن عن أرضنا، وعندئذ سيأتي مستوطنون جدد إلى أرضنا كي تصبح مستوطنة بحق، فهذا هو أقصى ما نحلم به.
وقبل أن يرحلوا أخبرني فريتز أنه يتمنى الزواج من جيني، فباركت قراره. ودار حوار طويل مع كل من ابنيّ وأخبرتهما أنني فخور بهما، والآن سيذيع صيتنا في أنحاء أوروبا وسيسمع الجميع عن مستوطنتنا الصغيرة.
وهذه هي مغامراتنا وكيف أصبحنا مستوطني سويسرا الجديدة. استمتعنا — نحن عائلة روبنسون السويسرية — بهذا الوقت أيما استمتاع.
طلبت من فريتز أن يأخذ مذكراتي اليومية لتخرج في صورة هذا الكتاب ليعطيه لكل الشباب في كل الأرجاء، فقد أردتهم أن يعرفوا أن العائلة يمكن أن تكون سعيدة مجتمعة مهما كان المكان الذي هم فيه أو الصعاب التي تجابههم. معًا صنعنا وطننا ومكاننا في العالم. ففي أحضان العائلة نحن لسنا وحدنا أبدًا.