لغز في المقصورة
وجد «أحمد» نفسه أسيرًا لثلاثة رجالٍ مُسلَّحين … وأقوياء … ومن بلده مصر … وكان «أحمد» يُحِسُّ أنَّه في مصيدةٍ، لا يعرف كيف يخرج منها … هل يقول الحقيقة؟ … إنَّ تعليمات «ش. ك. س» ألا يُظهر الشياطين أنفسهم … خاصَّةً لرجال الأمن؛ إلا للضرورة القصوى. اقتاده الرجال الثلاثة إلى غرفةٍ صغيرةٍ أسفل المُدرَّجات؛ كان يجلس على بابها جنديٌّ بسلاحه … وعندما دخلوا، وجد «أحمد» مكتبًا صغيرًا وبضعة مقاعد … وأشار إليه أحد الرجال أن يجلس، ثمَّ أمسك بسمَّاعة التليفون، وطلب رقمًا مُعيَّنًا … ثمَّ أخذ يتحدَّث بحديثٍ هامسٍ … ووضع السمَّاعة، والتفت إلى «أحمد» قائلًا: ستأتي معنا.
أحمد: إلى أين؟
الرجل: إلى حيث يتمُّ التحقيق معك.
أحمد: أؤكِّد لك أنَّ هناك خطأً.
الرجل: وهذا المُسدَّس.
صمت «أحمد»؛ فلم تكن هناك إجابةٌ عن هذا السؤال … ولكنَّه قال: دعك من موضوع المُسدَّس الآن … إنَّ لي مُهِمَّةً في هذا المكان لا بُدَّ أن أؤدِّيَها.
الرجل: هيَّا بنا … ستقول هذا في التحقيق.
خرج الجميع من الغرفة، وكانت صفَّارة الحَكَم تنطلق مُعلِنةً نهاية الشوط الأوَّل من المباراة … وبدأ بعض الناس يتحرَّكون هنا وهناك … وحدث شيءٌ لم يتوقَّعه أحدٌ … فعندما كان «أحمد» يهُمُّ بركوب سيَّارة الأمن، ظهر الضيف الكبير «موجامبي» … وقد أحاط به الحُرَّاس … وعندما شاهد ما يحدث … ورأی «أحمد» وهو يركب السيَّارة، صاح: من فضلكم!
وتوقَّف الجميع … والتفت «أحمد» إلى مصدر الصوت … فهذا الصوت هو صوت «عثمان».
ونظر «عثمان» إلى «أحمد»، وابتسم … وتلاقت العيون … وقال «عثمان» باللغة الإنجليزيَّة: إلى أين أنتم ذاهبون بهذا الرجل؟
ردَّ رجل الأمن: لقد قبضنا عليه يا سيِّدي وهو يحوم حول المقصورة التي تجلس فيها … وكان لا بُدَّ من تفتيشه، وقد وجدنا معه مُسدَّسًا.
عثمان: ولكن لا بُدَّ لهذا الشاب أن يحمل مُسدَّسًا … ولا بُدَّ أن يحوم حولي … فهو من رجالي.
بدا على رجال الأمن الارتباك، وقال أحدهم: ولكن يا سيِّدي هذا واجبنا، ولا بُدَّ أن نقوم به.
عثمان: هذا عملٌ عظيمٌ، وقد قمتم بعملكم بكفاءةٍ، ولكن هذا الشاب من أعواني … وسيأتي معي إلى الاستراحة.
قام رجل الأمن بردِّ المُسدَّس إلى «أحمد»، الذي سار مع «عثمان» إلى الاستراحة الخاصَّة بكبار الضيوف … وعندما دخلا إلى القاعة الفخمة، أسرع «عثمان» يتحدَّث إلى «أحمد» هامسًا: هل شاهدت المباراة؟
أحمد: مُجرَّد لحظاتٍ قليلةٍ.
عثمان: إنَّني راقبت كلَّ شيءٍ بدِقَّةٍ … هناك شيءٌ غريبٌ في الملعب.
أحمد: ما هو؟
عثمان: لا أستطيع أن أُحدِّدَ بالضبط … ولكن المباراة لا تسير في طريقها المُعتاد.
أحمد: حدِّد؛ ماذا تريد أن تقول؟
عثمان: هناك أشخاصٌ في الملعب …
وقبل أن يُتِمَّ «عثمان» جملته، ظهر عددٌ من كبار المسئولين جاءوا لتحيَّة «موجامبي» … دون أن يتصوَّر أحدٌ منهم أنَّ الجالس في قاعة كبار الضيوف، والذي يُعامل على أنَّه الزعيم الأفريقيُّ «موجامبي»، ليس إلا أحد الشياطين اﻟ «١٣».
قام «عثمان» بتحيَّة الضيوف، الذين أخذوا يتحدَّثون إليه في موضوعاتٍ شتَّى … وكان «عثمان» ينظر إلى «أحمد» بين فينةٍ وأخرى، ويضع أصبعه في فمه كأنه يقرض أظافره … ولم تكن عادة قرض الأظافر من عادات «عثمان».
ابتعد «أحمد» عن القاعة، وترك «عثمان» مع ضيوفه المسئولين، واتَّجه إلى الملعب مرَّةً أخرى، ووجد «قيس» يدور حول نفسه … كان واضحًا أنَّه يبحث عنه … وروى «أحمد» ﻟ «قيس» التجرِبة التي مرَّ بها، وكيف أنقذه «عثمان» في اللحظة المناسبة.
قال «قيس»: لقد كنتُ قريبًا من «موجامبي»، ولاحظت أنَّه غير راضٍ عن التحكيم.
أحمد: إنَّني لم أشاهد المباراة لأحكم على كفاءة طاقم التحكيم.
قیس: الحقيقة أنَّ هناك كثيرًا من القرارات غير الدقيقة، خاصَّةً من حامل الراية في الجهة الثانية للملعب؛ أي الجهة التي بها مُدرَّجات الدرجة الثالثة.
أحمد: شيءٌ غريبٌ.
قیس: نعم … ولكن هذا — على كلِّ حالٍ — ليس له علاقةٌ بما جئنا من أجله.
وسمِعا صفَّارة الحَكَم تُعلن بداية الشوط الثاني … وأسرع كلٌّ منهما إلى خطِّ التَّماسِّ … يتظاهران بالتصوير، ونظر «أحمد» إلى المقصورة … وأدهشه عدم وجود «عثمان»، وأحسَّ أنَّ شيئًا ما يحدث.
كانت لحظات حيرةٍ قاسيةٍ … فهل استطاع القاتل المجهول إطلاق الرصاص على «عثمان» باعتباره «موجامبي»؟
أسرع «أحمد» يجري إلى استراحة كبار الزُّوَّار في الاستاد … فلم يجد أحدًا؛ إلا بعض الحُرَّاس والخَدَم … وسأل أحدهم عن الزائر الكبير «موجامبي»، فلم يحصل على إجابةٍ حاسمةٍ … وربَّما كان عند الرجل تعليماتٌ ألا يتحدَّث عن شيءٍ … وأسرع «أحمد» إلى أرض الملعب … وأخذ يبحث عن «قيس»، حتى وجده واقفًا أمام المقصورة … وقد بدا عليه الذهول … ومن الواضح أنَّه اكتشف اختفاء «عثمان» من المقصورة.
وقال «أحمد» ﻟ «قيس»: هل لاحظت؟
قیس: طبعًا … إنَّه غير موجودٍ.
أحمد: ماذا تظنُّ قد حدث؟
قیس: لا أدري … ولكن لا بُدَّ أنَّ هناك شيئًا ما قد حدث.
أحمد: لعلَّ رجال الأمن لاحظوا وجود اثنين «موجامبي»؛ واحدٍ في المقصورة … وواحدٍ في مُدرَّجات الدرجة الأولى، واكتشفوا أنَّ أحدهما مُزيَّف.
قیس: في هذه الحالة، سيتعرَّض «عثمان» لمتاعب كثيرةٍ لأنَّه لا يستطيع أن يقول الحقيقة؛ فنحن نعمل كجهازٍ مُستقلٍّ بعيدًا عن جهات الأمن الأخرى.