معركة على غير انتظار
خطر ﻟ «أحمد» خاطرٌ غريبٌ … أن يكون «عثمان» باعتباره «موجامبي» قد اختُطِف … فليس هناك مبرِّرٌ على الإطلاق لاختفائه عن المقصورة إلا هذا السبب.
ولكن كيف اختُطِف وحوله رجال الأمن؟
ربَّما كانوا مُزيَّفين … ولعلَّ خُطَّة القتل قد تعدَّلَت ولم تصل أخبارها إلى رقم «صفر».
أسرع «أحمد» مرَّةً أخرى إلى قاعة استقبال كبار الزُّوَّار … ومرَّةً أخرى سأل … وقال أحد الحُرَّاس إنَّ الضيف خرج من الباب الخلفيِّ … ومعه رجال الأمن.
أسرع «أحمد» إلى المكان … وأخذ ينظر إلى الرمال التي تُغطِّي أرض الملعب خلف المُدرَّجات … كانت هناك آثار أقدامٍ كثيرةٌ ومتداخلةٌ … وأخذ ينظر حوله … وعرف على الفور أنَّ ثمَّة صراعًا دار في هذا المكان … فقد كانت النظَّارة التي كان يلبسها «عثمان» مُلقاةً على الأرض، وكان يعرف أنَّ الضيف الأفريقيَّ قد وصل في طائرةٍ هليوكبتر تقف خلف الاستاد. وأسرع يجري خارجًا، وعندما أطلَّ على الطائرة من بعيدٍ، لاحظ على الفور أنَّ عددًا من الأشخاص يسيرون في نصف دائرةٍ مُتَّجهين إلى الطائرة … وعرف أنَّهم المُختطِفون؛ لأنَّهم كانوا يحيطون ﺑ «عثمان» … ودون تردُّدٍ، أخرج مُسدَّسه، وأطلقه في اتِّجاه المُختطِفين حتی يوقفهم … وكان يعلم أنَّ صوت الطلقة لن يصل إلى الملعب؛ فقد كانت الجماهير تَهدِرُ وهي تُشجِّع الفريق المصريَّ.
توقَّف المختطفون لحظاتٍ، فأطلق رصاصةً أخرى أصابت واحدًا منهم … وعلى الفور اشتبك «عثمان» مع واحدٍ منهم … وأخذا يتدحرجان على الأرض … بينما أخذ «أحمد» يتنقَّل بين أعمدة الاستاد الخارجيَّة؛ حتى لا يصبح هدفًا سهلًا في العراء … وعندما أصبح قريبًا منهم، استطاع أن يصيب الرجل الثاني … وأخذ الثالث يجري في اتِّجاه الطائرة … وكان «عثمان» قد قضى على الرجل الرابع، فأسرع خلف الهارب في اتِّجاه الطائرة … واستطاع أن يصل إليه، في نفس الوقت الذي كان «أحمد» على بُعد خطواتٍ منه … واستدار الرجل ليُطلق مُسدَّسه على «عثمان»، ولكن «أحمد» عاجله برصاصةٍ جعلته يَهوِي مكانه.
وأسرع الاثنان في العودة إلى الاستاد … وقال «عثمان» وهو يلهث: لقد كانوا رجال أمنٍ مُزيَّفين، ولا بُدَّ أنَّ عددًا آخر منهم في الاستاد؛ فقد غادر قاعة الزُّوَّار واحدٌ منهم قبل أن ينقضَّ عليَّ الباقون.
أحمد: لا بُدَّ أنَّهم وضعوا في اعتبارهم أنَّ أحدًا من رجال الأمن المصريِّين قد يتدخَّل لإنقاذك من الخطف، وإعادتك إلى الاستاد … ولا بُدَّ أنَّ القاتل مُتربِّصٌ في الانتظار.
وضع «عثمان» النظَّارة على عينيه، وعاد إلى شخصيَّة «موجامبي»، ثمَّ دخل المقصورة في هدوءٍ، بينما اتَّجه «أحمد» إلى أرض الملعب … ولم يكن قد بقي على نهاية المباراة إلا بضع دقائق.
أسرع «أحمد» إلى حيث يجلس الزعيم الأفريقيُّ «موجامبي» في الدرجة الأولى، وأحسَّ بارتياحٍ وهو يشاهده يجلس مكانه دون أن يُصاب بأذًى … لقد كانت خُطَّتهم مُتقَنةً حقًّا عندما وضعوا «عثمان» مكان «موجامبي»، وإلا لكان الخاطفون قد نجحوا في خطفه.
ازداد حماس الجماهير مع قُرب نهاية المباراة … وأصبح الضجيج فوق كلِّ تصوُّرٍ … خاصَّةً مع أخطاء حاملِ الراية، الذي كان يُصدر بعض القرارات المعكوسة. وتقابل «أحمد» وقیس، وروى «أحمد» ما حدث بسرعةٍ، ثمَّ قال: سأهتمُّ أنا ﺑ «عثمان»، عليك بالاهتمام ﺑ «موجامبي»؛ ففي وسط هذه الضجَّة المُخيفة، يمكن أن تنطلق رصاصةٌ ولا يسمعها أحدٌ … وربَّما كانت من مُسدَّس كاتم للصوت.
وأخذ «أحمد» يقترب من مكان «عثمان» وظهره للاستاد، وسمع هتافات باسم «جمال عبد الحميد» … وعرف أنَّ اللاعب الماهر قد سجَّل هدفًا … وبعده بلحظاتٍ أطلق الحَكَم صفَّارة النهاية … وارتفع هُتاف الجماهير، التي أخذت تُغادر المُدرَّجات. ونظر «أحمد» إلى الملعب، ولاحظ شيئًا عجيبًا … أنَّ حامل الراية الذي تسبَّب في غضب الجماهير يُغادر مكانه … ليس إلى داخل الملعب لينضمَّ إلى الحَكَم وحامل الراية الثاني … ولكن وجده يتَّجه إلى ناحية المقصورة، وقد حمل الراية في يده كأنَّها بندقيَّةٌ … وهنا تذكَّر «أحمد» إشارة «عثمان» … لقد كان يلفت نظره إلى التحكيم … وخطرَتْ بباله فكرةٌ غريبةٌ؛ أنَّ كلَّ واحدٍ نزل الملعب يمكن تفتيشه أو الاشتباه في أمره، عدا اللاعبين والحُكَّام … وحامل الراية يدخل ومعه رايته ملفوفةٌ على العصا … ويمكن جدًّا أن تكون ماسورة الراية هي ماسورة مُسدَّسٍ أوبندقيَّةٍ … أو يُخفي فيها ما يشاء.
أخذ «أحمد» يجري في اتِّجاه حامل الراية … ولكن الجماهير التي نزلت إلى أرض الملعب ورجال الشرطة أخذت تُطوِّح ﺑ «أحمد» في كلِّ اتِّجاهٍ … وغاب الرجل عن ناظريه … وأخذ «أحمد» يكافح من أجل المرور إلى المقصورة، ولكن رجال الأمن كانوا قد ضربوا حصارًا حولها … بينما كان اللاعبون وعلى رأسهم الكابتن «مصطفى عبده» يستعدُّون لاستلام الكأس والميداليات.
كانت فرصة مساعد الحَكَم «حامل الراية» كبيرةً جدًّا في الوصول إلى «عثمان» … فكلُّ شخصٍ سوف يُوسِع له الطريق … بينما «أحمد» كان عُرضةً للإبعاد … خاصَّةً من رجال الأمن، واختلط كلُّ شيءٍ أمام ناظرَيه؛ فقد كان ضغط الجماهير رهيبًا، وحصار رجال الأمن مُحكَمًا … وهنا قرَّرَ أن يقوم بعِدَّة حركاتٍ بهلوانيَّةٍ للوصول إلى مكان «عثمان»، فقفز فوق السور … ثمَّ قفز مرَّةً أخرى كالكرة، فأصبح في منتصف السور … ثمَّ قفز قفزةً ثالثةً، فأصبح قريبًا من «عثمان»، واستطاع أن يُشاهده عن قُربٍ … كما شاهد حامل الراية وهو يتظاهر بلفِّ الراية فوق العصا … وقفز «أحمد» كالقرد، وأطاح بالعصا من يده … ولكن عندما نزل «أحمد» هذه المرَّة، سقط فوق أحد المقاعد، وأحسَّ بآلامٍ لا تُطاق في كتفه وذراعه وساقه اليسرى … وسمع ضجَّةً حوله، فأخذ يزحف تحت الكراسي، وهو يرجو أن يكون «عثمان» قد شاهد ما حدث، واستعدَّ أو اختبأ. وعندما وصل إلى نهاية المقصورة، شاهد حامل الراية وهو يندسُّ بين الجماهير مُبتعِدًا … وتحامل على نفسه، ونزل مُسرعًا، ولكن الرجل كان قد غاب عن بصره … ولم يستطع «أحمد» مواصلة الحركة؛ فقد كانت آلامه لا تُطاق … فاختار مكانًا هادئًا بعيدًا عن الأعين في ظلِّ أحد الأعمدة … وارتمى على الأرض وجسده كلُّه يؤلمه … وهو يرجو أن يكون قد أنقذ «عثمان».