غابة دهشور
«شوهدت سيَّارةٌ بنفس المواصفات في شارع الهرم منذ ربع ساعةٍ … وقد أبلغني أحد عملائي أنَّها كانت قريبةً من نهاية الشارع، وهذا يعني أنَّها إمَّا سارت في طريق «القاهرة الإسكندرية»، أو «القاهرة الفيوم».»
كان الشياطين الخمسة جاهزين … قفزوا إلى سيَّارتين من طراز «دودج» الفائقة السرعة، وانطلقوا.
كانت الشوارع قد بدأت تهدأ … وبينهم وبين شارع الهرم خمس دقائق تقريبًا … ثمَّ انطلقوا إلى شارع الملك فيصل؛ حيث حركة المرور أفضل … وفي دقائق قليلةٍ كانوا عند نهاية الشارع الطويل … فاتَّجه «أحمد» و«إلهام» في طريق الفيوم … بينما اتَّجه «عثمان» و«قيس» و«زبيدة» في طريق الإسكندرية، وكان الاتِّفاق هو الاتِّصال تليفونيًّا؛ فقد كانت السيَّارتان مُجهَّزتَين بجهازَي تليفون.
ضغط «عثمان» على بدَّال البنزين، وقفز مؤشِّر السرعة إلى ٧٠ مِیلًا في الساعة … ثمَّ ٨٠ مِیلًا … ثمَّ ١٠٠ مِیلٍ … كان يريد تعويض الوقت الضائع، وهو نحو عشر دقائق … وما حدث في سيَّارة «عثمان» حدث في سيَّارة «أحمد»، التي كانت تقودها «إلهام» … مؤشِّر السرعة يقفز من ٧٠ إلى ٨٠ إلى ١٠٠ مِیل في الساعة؛ أي نحو ١٨٠ كيلومترًا في الساعة، وهي سرعةٌ رهيبةٌ … وكان «أحمد» يجلس بجوارها، وبيده مُسدَّسٌ ضخمٌ، وقد استردَّ قدرًا من نشاطه وعافيته …
وقالت «إلهام»: الطريق خطرٌ جدًّا … إنَّه مفردٌ وليس مزدوَجًا.
أحمد: إنَّ سرعتك كافيةٌ … وسوف نصل إليه إذا كان قد سلك هذا الطريق.
إلهام: ولكن أين يمكن أن يختفي في الفيوم؟
أحمد: هناك غابة «دهشور» … ثمَّ هناك بحيرة «قارون»، فإذا وصل إلى هناك، فإنَّه يستطيع أن يَعْبر البحيرة إلى الصحراء، وهناك من المستحيل العثور عليه!
إلهام: إنَّه في الغالب …
وقبل أن تُتِمَّ جملتها، أضاءت أنوارَ «الدودج» على سيَّارةٍ أمامها كانت تحمل أرقام مرور هيئةٍ سياسيَّةٍ … وقال «أحمد» على الفور: إنَّها هي.
ورفع سمَّاعة التليفون، وتحدَّث إلى «قيس» قائلًا: السيَّارة في طريق الفيوم … عودوا فورًا … انتظِروا على أوَّل الطريق، فإذا استطاع الإفلات منَّا، ففي الغالب سيعود إلى القاهرة.
أحمد: لا تقتربي منه كثيرًا … وأيضًا لا تتركيه يغيب عنكِ.
إلهام: هل تحاول القبض عليه حيًّا؟
أحمد: نعم … سيكون ذلك أفضل … حتى نعرف المُنظَّمة التي بَعَثتْ به.
كانت السيَّارة من طراز «بي إم دبليو» تسير بسرعةٍ عاليةٍ … وكانت ثمَّة ستائر تُغطِّي الزجاج الخلفيَّ؛ حتى لا يعرف أحدٌ مَن في الداخل … وفي ذهن «أحمد» … كانت تدور تفاصيل الصِّدام القادم … وتصوَّرَ لو أنَّه أطلق الرصاص على عجلات السيَّارة وهي تسير بهذه السرعة الكبيرة، فإنَّها سوف تنقلب وتشتعل فيها النيران، وفي إمكانه أن يفعل ذلك خلال ثوانٍ قليلةٍ … ولكنَّه كان يريد أن يُتِمَّ مهمَّته كاملةً … لقد أنجزوا الجزء الأوَّل منها، وهو إنقاذ «موجامبي» … والجزء الثاني — كالعادة — هو القبض على القاتل.
وفجأةً، انحرفت في اتِّجاههم سيَّارة نقل كادت تجتاح سيَّارتهم … ولكن «إلهام» استطاعت تفادي الصدام الرهيب ببراعةٍ … وإن اضطُرَّت إلى الانحراف ناحية الرمال … واضطُرَّت إلى تخفيض سرعة السيَّارة دون أن تستخدم الفرامل؛ حتى لا تنقلب السيَّارة … وضاع من الوقت الثمَّين دقائق … ودارت «إلهام» دورةً واسعةً، ثمَّ عادت إلى الطريق المرصوف … وأطلقت للسيَّارة العنان … ولكن السيَّارة اﻟ «بي. إم. دبليو» كانت قد اختفت عن الأنظار … عاد عدَّاد السرعة إلى الارتفاع سريعًا … وكانت «الدودج» القويَّة تُشبه وحشًا مُفترِسًا يُطارد فريسته.
أخذت «إلهام» و«أحمد» يرقبان السيَّارات التي يمُرَّان بها … وعند حافة غابة «دهشور» عادت السيَّارة اﻟ «بي. إم. دبليو» إلى الظهور … وكان لا بُدَّ أن تُخفض سرعتها؛ فهناك نقطة مرورٍ … تزدحم عندها السيَّارات الأجرة والنقل … وهكذا خلال دقائق قليلةٍ كانت «الدودج» تقف خلف السيَّارة اﻟ «بي. إم. دبليو»، التي كانت تسير مُتمهِّلةً.
وفجأةً، أشارت السيَّارة الأماميَّة إشارةً جانبيَّةً أنَّها سوف تنحرف يمينًا، وقال «أحمد»: إنَّهم سيدخلون غابة «دهشور» … كوني قريبةً منهم … ولكن أطفئي الأنوار.
أطفأت «إلهام» أنوار السيَّارة، واكتفت بمراقبة الأضواء الحمراء القويَّة في ظهر السيَّارة الأولى … سارت السيَّارة في طريقٍ شِبه مُمهَّدٍ، حتى ظهر بين الأشجار منزلٌ صغيرٌ مظلمٌ، وقال «أحمد»: إنَّهم سيدخلون إلى المنزل، وقد نواجه متاعب إذا انتظرنا.
وعندما توقَّفَت السيَّارة الأولى، توقَّفَت «الدودج» أيضًا … وقفز «أحمد» و«إلهام» وكلٌّ منهما شاهرٌ مُسدَّسه … ونزل من السيَّارة أربعة رجالٍ، وبسرعةٍ صاح «أحمد» وهو يقترب: قفوا … ولا يتحرَّك أحدٌ!
ولكن الرجال الأربعة انقسموا بسرعةٍ إلى قسمين؛ رجلان جَرَيا يمينًا، والآخران يسارًا … وأطلق «أحمد» الرصاص على الرجل الأقرب إليه … وكذلك فعلت «إلهام» … وسقط الرجلان، ولكنَّ الرجلين الآخرين اختفيا داخل الغابة … وأسرع «أحمد» خلف فريسته … وكذلك «إلهام» … وفي الظلام دارت مطاردةٌ محمومةٌ …
وفجأةً ساد الصمت؛ عند ذلك سار «أحمد» … مُحاذِرًا بين الأشجار … محاولًا رؤية الطريدة على ضوء النجوم البعيدة … وفجأةً — أيضًا — انقضَّ عليه شخصٌ من فوق إحدى الأشجار … وكان الرجل ثقيل الوزن … فسقط «أحمد» على الأرض، وأطبقت يدان قويَّتان عليه … وكان المُسدَّس قد سقط من يده … وأخذ يحاول الخلاص … ولكنَّ اليدين كانتا مثل كمَّاشةٍ من الحديد … واستطاع «أحمد» أن يتخلَّص من حصار الرجل بكلِّ قوَّته، حتى إنَّ الرجل صاح من الألم … كما استطاع «أحمد» أن يتخلَّص من قبضته الحديديَّة، ثمَّ تدحرج بعيدًا عنه ووقف … وكان الرجل يُحاول الفرار مرَّةً أخرى … ولكنَّ «أحمد» قفز قفزةً واسعةً، ووجَّه ضربةً قويَّةً إلى الرجل الذي دار حول نفسه، ثمَّ تكوَّم على الأرض … وعلى أضواء النجوم البعيدة، استطاع «أحمد» أن يشاهد مُسدَّسه يلمع في الظلام، فأسرع إليه … وعاد إلى الرجل الذي راح في إغماءةٍ طويلةٍ …
وسمع «أحمد» صوت بومةٍ في الظلام … وعرف أنَّها «إلهام»، فردَّ عليها بصيحةٍ مُماثِلةٍ … كانت «إلهام» وحدها، وقالت في ضيقٍ: «آسفة … اضطُرِرت لإطلاق الرصاص.»
أحمد: لا بأس … عندنا أسيرٌ هامٌّ … إنَّه بالصدفة الطيِّبة القاتل حامل الراية.
وساعداه على السير إلى السيَّارة، التي انطلقت عائدةً إلى الطريق المرصوف. وجلس الرجل بجوار «إلهام»، وجلس «أحمد» في المقعد الخلفيِّ، ومُسدَّسه في رقبة الرجل، وهو يُفكِّر في الاعترافات المثيرة التي سيعترف بها …