حياة مُهرِّج
تُوفي بالأمس السيد حسن شلضم بمنزله الكائن في حارة جعيصة بالخرنقش، وانتقل من مقره الدنيوي إلى مثواه الأبدي في جنَّاز مُتواضع اقتصر على أبنائه الثلاثة وشرذمة من الأصحاب عدا عربة كارو حملت بناته الثلاث وأُمَّهن وامرأتَين أو ثلاث أُخريات.
لم يكن السيد المتوفى إلا مُهرِّجًا، أو كان أشهر المُهرِّجين الذين جمعت حياتهم بين الربع الأخير من القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين .. ومن حُسن الحظ أن الفن لا يأخذ بمقاييس المجتمع في تاريخ الرجال، وإلا ما كان للمتوفى حظٌّ من الذِّكر. وما أجمل الفن في شموله هذا؛ فقد كانت حياة السيد حسن ينبوعًا دافقًا من ينابيع اللذات والشهوات، كان قطب حياة كاملة من الأفراح والمسرَّات، ومعينًا فيَّاضًا للضحك والبهجة والحبور، وعزاءً لنفوس لا عداد لها.
وُلِد في عام ١٨٧٩، واستقبل الشعاع الأول في الحياة في حارة جعيصة ثم في فناء بيت آل شلضم وأخيرًا في كُتاب الشيخ هریدي.
كان منذ صغره ميَّالًا إلى المزاح نزَّاعًا إلى العبث، ولكن توجد حادثة في تاريخه يصحُّ أن نعتبرها مبدأً لحياته التي عُرِف بها فيما بعد؛ إذ كان يمرُّ في طريقه إلى الكُتاب بقهوة خضراء الباب والنوافذ، فَراقه لونها وجذبه إليه، وما يدري إلا وهو يُمسِك بحاشية جلبابه ويبلُّها بقليل من الماء ويمسح بها رقعة من باب القهوة حتى امتصَّت لونها، ثم لطَّخ به وجهه ورقبته وقفاه، ويداه الصغيرتان ترتجفان من الفرح، ثم هُرِع إلى رفاقه الصغار لا يلوي على شيء وصاح بهم: «إليَّ .. إليَّ .. انظروا.» والتفُّوا حوله دهشين وأغرقوا في الضحك حتى دمعت أعيُنهم. ولم يقنع بهذا الفوز فتقدَّمهم في الحارة وتبعوه وهم يُصفِّقون تصفيقًا توقيعيًّا وهو يرقص ويقفز ثملًا بخمر الفوز والفرح.
كان يستلهم ألاعيبه غريزة حية توحي إليه، وكان قلبه الصغير لا يذوق السعادة إلا حين يضحك ويُهيِّج ضحك الآخرين ولو من نفسه، بل إن نفسه ليجود بها في سبيل الضحك.
هكذا تفتَّقت موهبته الخارقة في حارة جعيصة، ثم لم تقف من بعد ذلك عند حد؛ فمن آياته في ذلك العهد البعيد أيضًا أنه كان يُحاكي بمهارةٍ فائقةٍ أصوات الكلاب والقطط والبقر والحمير والبوم والغربان، وأنه حفظ على حداثة سنه أغلب القفشات والنِّكات البلدية التي تُلقى جزافًا في القهاوي و«الغُرز»، بل كان إذا أعوَزه سبب لإثارة الضحك يمدُّ قفاه للرفاق فيَصفعونه ويضحكون.
وكان يندفع في سبيله بقوة غريزة مُستحكمة قهَّارة كأنه فنَّان صادق أمين. ولم يقصد قطُّ أن يتقاضى عن فنه أجرًا، ولكن المجد أتاه طوعًا يجرُّ أذياله، وإذا به يشغل مكانًا عاليًا بين الرفاق الصغار، وإذا به قطبٌ يهدفون إليه ويطوفون به ويبذلون في سبيل مرضاته الدوم وأبو النوم وغزل البنات.
ولكن للطفولة نهاية ككل شيء في هذه الدنيا، وقد ودَّع عهدها الجميل واستقبل عهد الشباب واشتغل في حانوت والده في أول شارع الخرنفش يبيع الخردوات.
وأراد أبوه أن يُزوِّجه فتزوَّج، وكانت زيجةً سعيدة وصلت ما بين آل شلضم الكرام وآل الأعمش معلم العربات الكارو الشهير وسید موقف النحَّاسين. وعمرت بيتَ شلضم الفتاةُ المُهذَّبة حميدة ربيبة الحجرات المغلقة، التي لم تقع على وجهها عين غريب أو لم ترَ نور الدنيا إلا خلال خِمار كثيف أُلقيَ على وجهها ساعةَ انتقالها في الزفَّة من العطوف إلى حارة جعيصة. وقد وجد فيها حسن أول شخص يحترمه ويهابه على ظهر البسيطة. كانت تدعوه «سیدي»، ولا تقعد فيه حضرته إلا إذا أذِن لها؛ فإذا أذِن جلست عند قدمَيه على شلتة واستلقى هو على الكنبة في كبرياء، ولكن مع الأيام بعد أن صارت أمًّا لحسُّونة ومتولي وأبو سريع وزینب وخديجة ونبوية طمعت في مجالسته في طمأنينة وثقة.
صار السيد حسن شابًّا عاملًا وزوجًا، ولكنه لم يُقلع عن لهوه وعبثه؛ كان يقضي نهاره في الحانوت، أما ليله فكان يُلاحِق أصحابه في قهاوي الخرنفش ومرجوش والغورية، ويُساهرهم الليل يشربون الزنجبيل والقرفة ويُدخِّنون الجوزة ويتسامرون ويتضاحكون. كان يجلس على أريكة مُتربِّعًا ويضع إلى جانبه مركوبه، وعلی المركوب عِمَّته، ويقذف بنكاته وقفشاته ذات اليمين وذات الشمال غير مُبقٍ على إنسان، والجمع من حوله يضحك ويُقهقه ويسعل. وشهدت تلك الفترة من شبابه أبدع وأكبر مجموعة من النكات البلدية التي سارت مع الزمن سير الأمثال، وصارت من محفوظات أهل البلد وآدابهم التقليدية يلوذون بها في مناظراتهم اللطيفة ويستعيرون منها في معاركهم الهزلية، ويستشهدون بها كلما لجَّ بهم الشوق إلى الفكاهة والمرح؛ فكان فنَّانًا إلى درجةٍ ما، وكان من الفنَّانين المغمورين، ولكن من حُسن الحظ أنه لم يكن يفهم من معاني الخمول ما يمكن أن تذهب نفسه معه حسرات على خموله النسبي. والحق أن آيات السيد حسن شلضم التي ألَّفها في تلك الفترة البعيدة لا تزال جارية على الألسن، وستظل مُحتفظة بفکاهتها إلى أن تتغير العقلية البلدية أو أن يضعها مكتب الآداب في قائمة المُحرَّمات.
ولبِث الشاب يُحيي السهرات الساذجة في ذاك الحي بضع سنين، ثم ولَّى وجهه وجهةً أخرى. كان كثير من رفاقه لا يفتأ يُذكِّره بأن المرجوش والخرنفش ليسا بالميدانَين الصالحين لعبقريته الفذَّة، وأنه ينبغي أن يُهاجِر إلى شارع الأُنس والطرب ومَجمع العشَّاق وأهل الهوى. وأصاخ الشاب إلى إغراء الهمس، وأسلم قياده لمن دلَّه على الطريق، وهنالك اطَّلع لأول مرة على ذلك العالم الفائر الذي تتجاوب فيه الأنوار ما بين المصابيح والكئوس وتمتزج به آهات الدلال وآهات المواويل، وتتَّصل حركات البطون بقفزات السكارى وتلويح العِصي. ولم يعدم في تلك الدنيا العامرة صديقًا؛ لأنها كانت مَبيت عدد عديد من أثرياء الجمالية، فتلقَّوه بترحاب وأوسعوا له حول موائدهم. وإلى هنا اختتم الشاب حياة واستقبل حياة؛ اختتم حياةً ساذجة طاهرة قوامُها الفن، واستقبل حياة ترف وعربدة أساسُها الاحتراف. وقد أكرمه أهل الهوى فنزعوا عنه الجلباب والعمامة والمركوب وخلعوا عليه جُبة وقفطانًا وحذاءً أصفر لامعًا وطربوشًا أنيقًا، وأكل مما يأكلون لحمًا مشويًّا وعصافير مُحمَّرة ونقلًا لذيذًا، وشرب مما يشربون خمرًا مُعتَّقة ونبيذًا أحمر وأبيض. وفي مقابل ذلك كان يقطع لياليَهم الهانئة بالنكات المُمتِعة والمُلَح النادرة والقفشات البارعة، وتنقَّل من حانة إلى حانة ومن ملهًى إلى ملهًى وهو يكتسب في كل مكان أصدقاء ومُعجَبين ومُريدين. وامتدَّت شُهرته من ذاك الشارع المُنير إلى جميع حلقات الغناء والسَّمر والطرب في القاهرة الخالدة الحالمة، وعلا نجمه وشعَّ نورًا بهيجًا، وطغت عبقريته واستحکم ظرفه حتى أصبح حبيبًا إلى كل نفس عزيزًا على كل قلب، تشتهيه الأنفس وتتلهَّف عليه المُهج، كان لكل داء دواءً طاردًا للهم، کاشفًا للكرب، أو كان روح كل مجلس أنيس، ينقلب إذا غاب عنه کئيبًا واجمًا.
كانت غاية حياته أن يضحك ويُضحِك الآخرين ولو من نفسه. ولم تكن هذه الغاية فلسفة حياة ولكنها طبع وغريزة يندفع في سبيلها كالأعمى وكأنها صادرة من أعماقه لا يمكن أن يوقفها شيء. وكان ظاهر حياته يدل على أنه يربح من وراء هذه الموهبة جاهًا عريضًا وسعادةً متصلة وطعامًا وشرابًا، ولكنه كان في الحق يدفع الثمن غاليًا ويبذله من كرامته وكبريائه؛ لأن همَّه الأول كان في التحبُّب إلى الناس وإدخال السرور على قلوبهم، وقد علم بغريزته أنه ينبغي لذلك أن يكون خفيفًا لطيفًا؛ فلا يجوز أن يُعارِض رأيًا ولو خالَفه بقلبه، ولا أن يغضب ولو مُسَّت کرامته، ولا أن يُقاوِم وإن هُوجِم وضُيِّق الخناق عليه، فنال ما يشتهي من الحب وفق ما يشتهي ولكنه خسر الاحترام إلى الأبد.
ومهما يكن من أمر فقد تسنَّم السيد حسن شلضم ذروة المجد للحب، ویُسلِّط سوط الإرهاب على رءوس آله جميعًا، ولا يتكلم إلا آمرًا أو مُنتهرًا أو سابًّا، وكانت حميدة ترتجف رعبًا في محضره، وكان أبناؤه إذا سمعوا صوته فرُّوا إلى ركنٍ قصيٍّ وانكمشوا فيه.
ومهما يكن من أمر فقد تسنَّم السيد حسن شلضم ذروة المجد ونال من الشهرة قسطًا لم ينَله أحد ممن سبقوه، ولن يتأتى لمُحدِّث أو مُهرِّج بعده أن يناله، ومضت لياليه سعيدةً هانئة راضية، يحياها آكلًا شاربًا ضاحكًا.
واصطدم وجه الأرض بأحداثٍ مُروِّعة، فوقعت الحرب وتوالت النكبات على الدنيا ثم قامت الثورة في مصر، وطفت بين من طفت بهم إلى السطح بالزنفلي أفندي الذي ظهر في أفق السيد حسن وإخوانه بعد عهد الانقلاب، فأضافه السيد حسن إلى أعاجيب الثورة کیدًا وحقدًا، وقد أتى به ذات مساء أحمد بك فائق وقدَّمه إلى جماعة السيد حسن قائلًا: إنه شابٌّ مُثقَّف ومن أظرف الظرفاء. وما كان يسوء السيد حسن أن تزيد جماعته واحدًا، فما كاد يطمئنُّ به المجلس حتى جرَت النكت على لسانه كالسَّيل، ومضى يُعلِّق على آراء القوم وأحاديثهم بما تخترعه نفسه الذكية من الصور الساخرة والنوادر الأخَّاذة، فتبعث تعليقاته وراءها عواصف من الضحك والقهقهة. ولبث السيد حسن صامتًا لا يتكلم يرمق صاحبه بعينٍ فاحصة ويقول لنفسه: تُرى هل هو زائرٌ عابر أم قُضي عليَّ أن يُنافسني طفل على آخر الزمن؟
والظاهر أنه قُضي علیه حقًّا أن يُنافسه الأطفال في النهاية؛ لأن الزنفلي لم يكن زائرًا عابرًا، لكنه أصبح بسرعةٍ عجيبة عضوًا لا يبتر من الجماعة، وكان يمتهن المزاح كالسيد حسن ولكن على طريقته الخاصة الجديدة، فما كان يفحش في القول ولا يقذف بالسباب والهجر ولا يُحاكي الأصوات والأشكال، ولكنه كان يفتنُّ ويتفوَّق في إرسال النكتة الخاصة الأدبية والملاحظة الساخرة والتهكم اللاذع.
وكان يصف نكاته فيقول إنها مُلَح أدبية وفكاهة عالية، ويغمز السيد حسن فيقول عن الفكاهة القديمة إنها سِباب وفُحش، ويحمل على «قافية أهل البلد» فيقول إنها أقوالٌ مُكرَّرة مُبتذَلة ونوادر محفوظة وجناس سخيف لا روح فيه .. وكان السيد حسن يُصغي إلى هذه الأقوال في عدم اكتراث وهزء، وربما نال من قائلها على طريقته باستهانة، ثم لم يلبث أن حقد عليه وكرهه؛ لأنه كان إذا قال نكتةً ظريفة بادَر الشاب إلى تعكير الصفو بسعال أو حمحمة أو بطرحه فجأةً سؤالًا جديًّا عسى أن يُهيِّج اهتمام القوم ويُلهيهم عن أثر النكتة. ورأى فيه عدوًّا حقيقيًّا، فشمَّر للكفاح والمنافسة في ميدان المزاح واللهو، وانقضَّ على الزنفلي وانقضَّ الزنفلي عليه واشتبكا في معارك حامية، واستعمل كل ما وهبه الله من الذكاء والبداهة والفكاهة، وصنع المستحيل ليربح الأنصار والمُعجَبين والمُصفِّقين.
فإذا صاحت الديكة مُذكِّرةً اللاهين بأن الفجر انبثق انفضَّ القوم فرحين، وعاد العدوَّان مهمومين مُفكرين يُحصي كلٌّ منهما ما أثاره من ضحك وما أهاج من مَسرَّة وما ابتدع من فكاهة، ويذكر أسيفًا حزينًا ما ظفر به عدوُّه من آي النصر والتفوق ومن ضحك له من الرفاق. وظل كبار التجار وأهل البلد على ولائهم القديم للسيد حسن شلضم، أما الزنفلي فقد اكتسب الكثيرين من الأفندية والبكوات، وكان لذلك وقعٌ شديد في نفس السيد حسن؛ فقد كانت الدنيا جميعًا له يمرح فيها كيف شاء فقنع مضطرًّا مقهورًا بنصفها.
ولكن علامَ الأسف والحزن؟ إن هذا العالم الجديد لا يستحقُّ أسفًا ولا حزنًا. أين السادة الكرام الأجلَّاء؟ مات أكثرهم وانزوی من بقي منهم على قيد الحياة، إما لمرض أو فقر .. أين السيد جلال الشابوري رحمه الله الذي كان ينقده جنيهًا ذهبيًّا للنكتة الحلوة؟ أين الشيخ طلعت الإسلامبولي الذي كان يهديه كل ثلاثة شهور جُبة وقفطانًا لا يُقدَّران بثمن؟ هذا إلى الفواكه المختلفة في إبَّان نضوجها؟ ذهب الجميع، ذهبت دنياهم الحُلوة وبقيت هذه الدنيا العجيبة التي يخطب فيها النساء في المحافل العامة ويُهدِّد التلاميذ مُعلِّميهم بالإهانة والضرب، ويُغنِّيها عبد الوهاب بعد عبده الحامولي ومحمد عثمان، ويُباع فيها قنطار القطن بريالين، فهل هذه دنيا يأسف السيد حسن شلضم على أنه ليس فارس میدانها؟
وكان يُداعبه بعض معارفه أحيانًا فيقولون له: «راحت عليك يا سيد شلضم.» فكانت تقع من نفسه موقع السم الزعاف، وكان يصرُّ على أسنانه المُثرَمة ويتصنع الاستهانة ويقول: سامحك الله يا غلام، أتحسب أن شلضم من الهوان بحيث يرضى أن يُهرِّج في هذا الزمان البائس المأزوم، أو أن يُمازح هذا الجيل الذي لا يتذوق النكتة؟! فشَر وألف فشَر! إن مثلي ومثل الزنفلي فكالحامولي في الزمن القديم، وهؤلاء المُغنِّين النائحين الذين يتسترون على عيوب حناجرهم بالإكثار من الآلات والموسيقيين.
والحقيقة أن ظله أخذ يتقلص بسرعة، ومضى الموت يقتنص رفاقه أو المُعجَبين به واحدًا بعد واحد، وتزايد على الأيام شعوره بالوحشة والغربة.
تغيَّر كل شيء، حتی موطن اللهو القديم الذي كان ملهى الكبراء والأثرياء أصبح مباءة السوء وسوق الأوباش واللصوص والبلطجية، ولم يعد للمُهرِّج مكانةٌ خاصة في جماعات الهوى؛ فقد ابتُذلت صناعته وبات كلٌّ يُهرِّج لحسابه الخاص.
وفي ذات مساء، وكان السيد حسن يحتسي كأسًا من الكونياك في حانة بسوق الخضار، سقط بغتةً فاقد النطق.
ورقد أخيرًا على الفِراش، مُسلِّمًا جسمه الهائل إلى قبضة المرض الجبَّار، وقد تمرَّدت أعضاؤه جميعًا على إرادته، وبات عاجزًا عن تحريكها إلا عينَيه يُقلبهما ذاهلًا في سقف الحجرة ذي العمد الخشبية العتيقة يبرز من شقوقها ذيل البرص أو رأسه، ويغشى ما بينها نسيج العنكبوت.
إن تلك الحياة العامرة بألوان اللذات والسرور والأفراح قد اختُتمت بهذا الرقاد الأليم، وإن النور والغبطة والرفقاء قد تفانَوا في هذه الظُّلمة المُوحِشة، وانتهى كل شيء كما ينتهي الحُلم الحُلو، وانتهى في لحظة قصيرة كأنه لم يَدُم سنين وسنين، وجاءت الساعة الرهيبة التي يتساءل فيها الإنسان في حسرةٍ مريرة .. أحقًّا كان هذا الجسم سليمًا .. أحقًّا كان هذا القلب حيًّا .. أحقًّا كانت الدنيا حُلوةً سعيدة لذيذة الطعم .. أحقًّا ذهب كل هذا إلى غير رجعة؟
وقاوَم جسمه المرض بضعة أشهُر قضاها في وحدة ووحشة وقنوط، لم يَزُره فيها سوى أبنائه وبناته، ذلك الرجل الذي كان يومًا قلب القاهرة السعيد وثغرها الضاحك، حتى وافاه الأجل بالأمس القريب في ذلك البيت العتيق بحارة جعيصة الذي شاهَد مولده وعرسه ومجده وأخيرًا .. مماته.