من مذكرات شاب
- ۲ يونيو: هذا يومٌ طيِّب، حصلت على البكالوريوس وتُوِّج كفاحي الأول بالنجاح فتنفَّست الصُّعداء؛ لأنه من الحق أن أقول إن حياتي المدرسية كانت شاقَّة غير مأمونة العثار، وإني تحمَّلتها على مضض مُتعوذًا بالصبر، وقليل من أقراني من يُصدِّق أن رئيس فرقة كرة القدم بالخديوية وبطل السباحة والغلام الشاطر نال البكالوريا فضلًا عن البكالوريوس.
- ٥ يوليو: عُدنا اليوم — أنا ووالدتي — من الإسكندرية بعد قضاء شهر في ضيافة عمتي، وانتقل بي الفكر إلى قريبي سعادة ش. ع. بك؛ ففي جاهه وفي منصبه سِحر يفتح لي أبواب الحكومة.
-
٦ يولیو: زُرت قريبي في قصره.
هنَّأني وتحدَّث معي مليًّا، ثم بغتني بهذا السؤال: «وما هو بكالوريوس اللغة الإنجليزية هذا؟» وأجبته عما يسأل عنه مُتذكرًا قول القائل: إن أصعب التعريفات ما خصَّ المسائل البسيطة. على أنه هزَّ رأسه استهانةً وقال لي: «كان أولى بك أن تدرس علمًا من العلوم، فعصرُنا عصر علم وعمل، إني لأتساءل كيف يمكنني مساعدتك؟»
وقلت وأنا لا أدري: «أي وظيفة يا سعادة البك.» فضحك الرجل وقال: «لو كنت مهندسًا مثلًا ما وجدت مشقَّة في وضعك في المكان اللائق بك، ولكن ماذا تفعل الحكومة بالأدب والتاريخ؟»
-
٢١ يوليو: هل يصبح هذا اليوم من الأيام التي أؤرِّخ بها؟
ذهبت إلى حديقة صولت لمقابلة صديق من السعداء (أي الموظفين)، فجلسنا نتحدث في السياسة والرياضة والزواج — وصديقي من المُتزوجين أيضًا — ثم لفَت ناظريَّ إلى مائدةٍ غير بعيدة جلس إليها کهلٌ وفتاة في مُقتبَل العمر، ثم قال لي إن الرجل هو ح. و. بك من كبار مُوظَّفي المعارف، وإن الفتاة كريمته، ثم قال لي مُبتسِمًا: «هذه الفتاة تُعَد بحق جسرًا مُمهَّدًا لوظيفةٍ محترمة.» واتجه بصري مرةً أخرى إلى البك وإلى الفتاة خاصة. لم تكن ممن حبَتهن الطبيعة بنعمة الجمال، ولكنها رشيقةٌ مُعتدِلة القوام .. لم أشعر بنفور منها ولا ميل إليها .. ليست جميلة ولكنها ليست قبيحة .. وهنالك الروح والعقل والتربية والأصل الطيِّب .. وهنالك الوظيفة …
وعُدت إلى منزلي وأنا أفكر.
- ٢٥ يوليو: جذبَتني حديقة صولت فاتخذت منها مجلسًا مختارًا كل مساء، وغالبًا ما أقضي سهرةً طويلة مُنفردًا. من التجاوز أن أقول مُنفردًا؛ فعن يميني أو يساري أو أمامي يجلس البك وکریمته، والحق أني لم أخترع هذا المجلس مدفوعًا برأيٍ رأيته، ولكن بمشاعر غامضة لم تتمخَّض بعدُ عن فكرة واضحة، تاركًا توضيحها لمُعترَك التجرِبة نفسه؛ فلم يخفَ أمري عن عينَي الفتاة وإن بدا والدها كأنه لم يُبصرني قط، والتقَت أعيُننا مِرارًا، وللأعيُن لغةٌ مُعجَمها الغرائز والأحاسيس، فباتت هذه المغازلة الصامتة عادةً جميلة، وإخالُها أمست مشغولة بي، أما أنا فأُحسُّ نشوةَ ظفَر واهتمامًا مشوبًا بحب الاستطلاع .. تُرى هل يمكن أن أحب هذه الفتاة؟ .. لا أجد جوابًا؛ فالحب كما يُعرَف أحيانًا من أول نظرة قد لا يُعرَف ولا يُكتسب إلا بطول العِشرة.
- ٢٨ يوليو: بِتْنا صديقَين صامتين، وقد حرثت الأرض وسمَّدتها؛ فما إن تُلقى المودة حتى تَنبُت شجرة الحب المُورِقة. وامتلأت نفسي ثقةً فصحَّت عزيمتي على السير في الطريق حتى نهايته؛ أي حتى أخطبها إلى والدها .. ولكن ينبغي أن أظفَر بقلبها حتى إذا لم أرقَ في عين البك وجدت في عاطفتها عونًا لا ينبذ له إرادة .. ولكن هل يُعَد عملي هذا نذالة؟ .. هل … من الخِسَّة أن أخطب فتاةً لأجد وظيفة؟ .. ما وجه الاختلاف بين هذا وبين أن أخطبها لأقضيَ وطرًا أو أُنجب ذُرية؟ .. فهذه الغايات جميعها وسائل في ذاتها لإرضاء غرائز ثابتة، تُشبع الوظيفة واحدة منها ليست بأحطِّها على الإطلاق .. تُرى هل يقوم تفكيري على أساسٍ صحيح من الحق أم إن عاطفتي تستخدم العقل والمنطق في تبرير هناتها؟
-
٦ أغسطس: ذهبت اليوم لمقابلة حضرة صاحب العزة ح. و. بك، فأدخلني خادمٌ نوبي إلى
فراندا تُشرِف على حديقة الفيلا الغنَّاء.
وجاء البك بعد دقائق في ثوبٍ حریري فاخر، فسلَّم عليَّ سلامًا حارًّا أذهبَ عني الارتباك وردَّ إليَّ جَناني، وقدَّم لي سيجارة ثم تفحَّصني بنظرةٍ ثاقبة، وأخذنا في الحديث فسألني عن مؤهِّلاتي وعما أنتويه لمستقبلي. قلت له: إني أروم الاشتغال بالتدريس. فسألني عما إذا كنت حاصلًا على دبلوم التربية، فأجبته بالنفي .. ولكني أكَّدت له أن كثيرين من أقراني اشتغلوا بالتدريس بغير هذا الدبلوم، ولكن بالوصايات التي لا تُرَد، فهزَّ رأسه هزةً لها معناها، وقال: «إني أرجو لك كل خير.» ثم أرسل في طلب ابنته، فلم أتمالك أن خفَق قلبي وشعرت بحرارة الاضطراب تلفح وجهي. وجاءت الشابَّة مُرتديةً ثوبًا أبيض يكشف عن ذراعَيها، ناشرةً في الجو رائحةً طيبة مُخدِّرة، فراعَني جمال جسمها وحيويته، وقدَّمها إليَّ قائلًا: «آنسة سعاد .. ابنتي.» وقدَّمني إليها وأخبرني أنها مُتخرِّجة من الجامعة الأمريكية، وأنها أستاذة في الأدب الإنجليزي مِثلي، وأن أمها مُتوفاة، ثم اقترح ضاحكًا أن يكون حديثنا بالإنجليزية — وهو من خرِّيجي جامعة إكسترا — فتحدَّثنا طويلًا، حديثًا قريب التناول ولكنه لذيذٌ مُمتع. والواقع أن سِحر النساء يتجلَّى فيما ينفُثن في الحديث التافه من لذة .. وقد طِبت نفسًا.
- ١٠ أغسطس: عُدت إلى مقابلة البك مرةً أخرى، فقال لي بلهجة دلَّت على الأسف: «لا توجد وظائف خالية لتدريس اللغة الإنجليزية.» وتريَّث قليلًا ثم استدرك: «ولكن توجد وظيفة مُدرس لغة فرنسية .. هل تُجيد الفرنسية؟» والواقع أن معلوماتي في الفرنسية تُعادِل معلومات طالب البكالوريا أو هي كانت كذلك قبل أربع سنوات، ولكني وجدت نفسي حيال وظيفة محترمة درجة سادسة وربما بعثة أيضًا، فأجبته بجسارتي الطبيعية: «إني أُجيد الفرنسية يا سيدي.» فقال الرجل بسرور: «انتهينا يا بطل.»
-
١٤ أغسطس: يومٌ جميل؛ اصطحبتُ «سعاد» للنزهة فتمشَّينا في جزيرة الروضة جنبًا إلى جنب.
وهذه أول مرة آخذ فيها حذري في محادثة فتاة؛ فلا يخفى أنها مُثقَّفة ذكية ذات
تجارِب، كثيرة الاختلاط بأفاضل الرجال من أصدقاء والدها. فقلت لنفسي إنه
يحسُن ألا أتملَّقها تملقًا رخيصًا مُبتذَلًا. وجرى الحديث بيننا فقلت لها إني
سعيد بمعرفتها مُعجَب بثقافتها وذكائها، ثم شعرت بأني لم أقُل كل ما ينبغي أن
يُقال، وألحَّ عليَّ شعوري فقلت إن لها حُسنًا يروقني، ولكنها حدَجَتني بنظرةٍ
ذات معنًى وقالت لي مُبتسمةً: «كلا، لست جميلةً البتة.» فقلت لها مُستعينًا بالجدل
على مُداراة عواطفي: «سنظل نختلف في الجمال كما اختلف الذين من قبلنا .. ولكن
حسبي ما تقول النظرية الذاتية؛ فجمال امرأة هو ما يطيب لي منها .. وأهم
الأشياء جميعًا أن تَلقى حياتنا المشتركة قناعة وسعادة.» فضحكت ضحكةً رقيقة
وسألتني كالمُتهكِّمة: «أقصيدة غزل أم رثاء؟!» فقلت بلهجة دلَّت على الإخلاص
والصدق: «لا استحققتِ الرثاء أبدًا.» ثم صارحتها بما زعمت أنه رأيي في الحب
والزواج، وأسهبت في ذلك إسهابًا، وتعمَّدت أن تدلَّ لهجتي على البساطة والإخلاص ..
وأصغَت إليَّ بكل جوارحها، ولم تُواصل الصمت فاشتركت في الحديث، وكأنما تعبنا
بعد ذلك فسِرنا صامتَين وكلانا مُغرِق في أفكاره، وعلى حين غِرَّة ضغطت على
يدها وقلت لها همسًا بالإنجليزية: «أحبك.» فتورَّد وجهها واضطرب
جَفناها.
والآن — وأنا مُنفرد في حجرتي — أذكُر حذري بسخرية واستهزاء.
-
١٥ أكتوبر: نزلت الميدان ولا سلاح لي إلا جرأتي والثقة المكتسَبة من نفوذ صِهري، وقد
داخَلني شيء من الطمأنينة حين أيقنت أني سأدرس مبادئ بسيطة سهلة. أما العقبة
الحقيقية ففي النُّطق والكتابة، ولا أدري شيئًا عما يُخبئه المستقبل لي من
الصعوبات. بدأت الدرس بتوجيهاتٍ عملية كما هو مُقرَّر في برنامج الدراسة،
فجعلت أقول لهم بعض العبارات التي حفظتها عن ظهر قلب مُستعينًا بتفهيمها
بالإشارة، مثل: قوموا، اجلسوا، افتحوا الشباك، أغلقوا الشباك. وقد لاحظت أن
تلميذًا — من الجالسين في الصف الأول — يُحسِن الفهم، فأثنيت عليه؛ فما راعني
إلا أن وقف وقال لي جملة بالفرنسية في وضوح وسرعة، فلم أفهم شيئًا فبُهتُّ،
ولكن لا أظن أنه بدا على وجهي شيء مما يقوم في نفسي، وتطوَّع تلميذٌ ساءه ما
نال قرينه من الظفَر بإخباري بأن أُمه فرنسية، وساءني الخبر، وأسِفت له في
نفسي، وأردت أن أتَّقيَ شره فنهرتُه قائلًا: إنه لا يجوز أن يتكلم قبل أن يؤذن
له.
هذا رقيب لم أكن أتوقَّعه يذكِّرني وجوده بالمَثل القائل: «في كل خرابة لنا عفريت.»
- ٢٧ أكتوبر: الحياة شاقَّة لا لذة فيها، إني أدرس وأنا قلِق، وأصحِّح مئات الكرَّاسات، ثم أُذاكر كأنني تلميذ من التلاميذ، فمن يُصدِّق بعد هذا أني أوشك أن أختم شهر العسل؟ وكيف أطمع في أن تطيب لي الحياة .. وما يخفی شيء عن عينَي زوجتي؟ فهي تعلم بمتاعبي جميعًا. وقد أقنعتها بضرورة سفري في بعثة، فاقتنعت ووعدت بدورها بإقناع والدها؛ فكلانا لا يمكن أن يتذوق طعم الحياة الحُلو إذا استغرقني ذاك التيَّار العنيف من العمل والقلق وعدم الثقة بالنفس .. ومع هذا فلشدَّ ما يحسدني أُناس على زيجتي وعلى الدرجة السادسة!
-
۷ نوفمبر: حضر درسي اليوم مسيو روبير مُفتِّش اللغة الفرنسية.
وكنت أتوقَّع حضوره بين يوم وآخر أستفزُّ حنانه القلق، لقد أمكنني أن أُلزم التلميذ طاهر — ابن الفرنسية — حد الصمت، ولكن كيف أنجو من مخالب هذا المفتش؟ .. وجاء الرجل واختار موقفه في نهاية الفصل، وجعلت أشرح الدرس بعنايةٍ فائقة مُختلسًا — بين حين وآخر — النظرات من وجهه المعتصم بلحيته السوداء المُجلَّلة بالمَشيب، فلم أستطع أن أنفُذ من عينَيه الجامدتَين إلى حقيقة مشاعره، ورأيته يتحرك مُتمهلًا ويفحص بعض الكرَّاسات، فمضى قلبي يروح معه ويجيء، ثم نظر نحوي وقال بصوتٍ مرتفع: «مسيو.» فأمسكت، واتجه نظري نحوه وقد تملَّكني الارتباك، فطلب إليَّ أن أوجِّه إلى التلاميذ أسئلة عن الموضوع، فصدعت بالأمر حامدًا الله على أنه لم يدعني إلى محادثته علانيةً، ثم وجَّهت عدة أسئلة في لهجةٍ مُضطربة، خصصتُ التلميذ طاهر بأكثرها.
وفي نهاية الدرس خلا الرجل بي، وحدَجني بنظرةٍ ثاقبة ثم سألني عن مؤهِّلاتي، فأهاج سؤاله دمي وأجبته بالحقيقة، فلم يُخفِ دهشته، واعتذرت عن الواقع بأني لا ينقصني إلا التمرين على الكلام، فقال لي بلهجةٍ باردة: «ولكن يا سيدي ليس المدرس إلا مُعلِّم کلام.» فغصصتُ بقوله وسكت.
وفي هذه الساعة التي أكتب فيها تجلس زوجي إلى أبيها تُلحُّ عليه في وجوب سفري بالبعثة.
-
١٥ يونيو: أما هذا فيومٌ عصيب سأذكُره ما حيِيت؛ ففي صباحه كان امتحان الإملاء للغة
الفرنسية، وفي مسائه كان الامتحان الشفوي، وكان عليَّ أن أقف على منصة أنا
ونفر من المدرِّسين الفرنسيين لنُملي على المُمتحِنين، فاتخذت مكاني مُضطرِب
النفس خافق القلب لا أدري كيف يعلو صوتي بنُطق كلمات لا أُحسنُ نُطقها على
مسمع من المدرِّسين الفرنسيين والمُراقِبين ورئيس اللجنة. وشعرت بحرارةٍ تلفح
وجهي ورأسي، وأوشكت جسارتي أن تخونني، وكان ترتيبي في الإلقاء الثاني بعد
مسيو بوابيه مباشرةً، فقِست المسافة التي تفصل بيننا بعینيَّ وأرهفت سمعي،
وألقيت به إليه لألتقط حركاته الصوتية التقاطًا دقيقًا. وبدأت الإملاء
فاستجمعت انتباهي في أذني اليُمنى مُتناسيًا ما حولي، وأملى الرجل عبارته
الأولى فحاكيته مَخرجًا مَخرجًا، ولكن الظاهر أن صوتي لم يرتفع للدرجة
المطلوبة ولم يتَّضح كما ينبغي؛ لأني سمعت ضجة من حولي وأصواتًا تهتف بي:
«مرةً ثانية من فضلك.» فتميَّزت من الغيظ والحنق؛ لأنه لم يبقَ في رأسي من
النُّطق الصحيح إلا أصداء، واضطُررت إلى الإعادة مُخاطرًا.
وتكرَّر الإملاء فالإصغاء فالتردید فالعذاب، وما لبثت أن أدركت أن أنظار بعض المُراقبين متجِهةٌ صوبي، فتضاعف اضطرابي وحرجي، ولمحت واحدًا منهم يبتسم ابتسامةً تدلُّ على الهزء والسخرية، فغلى دمي، وتركت المنصة أخيرًا في حالة إعياء وألم شديدَين.
ولم يمضِ على عذابي هذا بضع ساعات حتى عُدت مرةً أخرى إلى المدرسة لأمتحن الشفوي، وكان المُمتحِنون مُقسَّمين إلى لجان، تتكوَّن كل لجنة من مدرسين، وعرفت أني في لجنة «ﺟ»، ووجدت زميلي ينتظرني بها، وهو شابٌّ فرنسي في مقتبَل العمر، فحيَّيته بلطف وابتسمت إليه ما وسِعني اللطف والتودد، ولم يُداخلني شك في عجزي عن لعب هذا الدور الجديد، فرأيت أن أظفَر بوسائل أخرى .. جالست الشاب وقدَّمت له سيجارةً فاخرة، وطالعته بنظرةٍ مُنكسِرة حزينة، فسألني عما بي فأخبرته بأني مُتعَب مريض. وهكذا فعلت كما يفعل التلاميذ الكسالى استدرارًا لرحمة المُمتحِنين وتساهلهم. ولما بدأ الامتحان قدَّمت له سيجارةً أخرى، وطلبت إليه أن يُعفیني من امتحان المناقشات رحمةً برأسي مُكتفيًا بأن أمتحن التلاميذ في المطالعة، وقَبِل الشابُّ بسرور، وأخرجت عُلبة السجائر الفاخرة، ووضعتها على حافة القِمطر مفتوحة ثم دعوت فرَّاشًا وطلبت القهوة.
ولا أدري كيف انتهى هذا اليوم العصيب، وبه أختم أشقَّ عام في حياتي.
-
١٥ يولیو: علمت أني اختِرتُ بين أعضاء البعثة، وعما قليل تُعلَن أسماؤنا في الصُّحف؛
فالشكر والحمد لله، وسأعود من فرنسا بعد عامَين مُستردًّا ثقتي بنفسي فلا يضطرب
قلبي للقاء مُفتش أو امتحان شفوي، وحسبت أولَ وهلةٍ أني مُسافر وحدي، ولكن
صِهري أخبرني بأن زوجي ستُسافر معي.
فليكن، لست على أية حال شقيًّا. وهَبْني تزوَّجت من أجمل فتاة في مصر، فهل كان جمالها بقادر على أن يحتفظ بسحره وأسراره أبد الدهر؟ .. إن للعادة سلطانًا لا يُقاوَم؛ فهي تجعل من الغريب الذي يُنفِّرنا شذوذه شيئًا مألوفًا وربما محبوبًا، كما تهبط بالجمال من عرشه وتُفقده جدته وفتوَّته، السعيد السعيد من راضَ نفسه على الواقع والتمسَ أسباب الرضا والقناعة حيثما كان!